الصفحات

الجمعة، 29 مايو 2015

دراما من واقع الحياة.. كريت الـ (ابت الرجوع الى البيت)



تجمعت النسوة من مختلف الاشكال والاعمار قبيل نهاية اليوم الدراسي، لا يجمع بينهن رابط سوى انهن امهات خريجي رياض الاطفال في ذلك المجمع التعليمي الخاص، والذي ضم تحت لوائه مدرسة اساس للبنات بجانب رياض للاطفال .. كان المكان يضج بالكركبة الناجمة عن حركة جرجرة الكراسي والادراج على سراميك الارضية، مع صرير مزعج يضرس السامعين، بينما انهمكت الحاضرات في ورجقة سلامات ومطايبات مع بعضهن البعض، ومحاولة كل منهن جر صاحبتها وكرسيها لتجلس في جوارها في مقدمة الصفوف، بينما كانت (المنصة) تحاول ضبط النظام ودعوة الحريم للروقة والجلوس ليتمكنّ من بداية الاجتماع، ولكن ارتفاع صوت الضجيج وامتزاجه بالصرير غطى على تلك المحاولة، خاصة عندما زاد الطين بله بقرع جرس البيوت واندفاع الطالبات لباحة المدرسة التي يطل عليها الفصل المخصص للاجتماع ..

انتبهت احدى الجالسات في الصف القدام، لملامح الزهج الممزوجة بالغضب المكبوت التي علت وجه مديرة رياض الاطفال وهي تواصل في يأس الضرب على المنضدة والمناداة بصوت مهذب:
نقعد يا أخوات .. نرجو الهدوء يا اخواتنا .. قدامنا بنود كتيرة عايزين نناقشا يا جماعة والزمن روّح علينا !
فقامت تلك الأم من مجلسها وصاحت بصوت رعدي:
يا نسوان ! احرجتونا مع حضرة المديرة .. انتوا الورجقة دي ما بتفترن منها ؟ اسكتن خلونا نشوف الحاصل عشان نفرتق نمشي .. ورانا مشاغل ياخ !!
حل صمت مفاجئ على جموع الامهات وكأنهن في مشهد دراما تلفزيونية قطع عنها الصوت فجأة .. دام الهدوء بضع ثواني استغرقتها النسوة ليستوعبن الموقف، ثم انطلقت همهمات الاحتجاج على تسلط (حنان سيطرة) ومحاولتها المريسة عليهن، وهنا سارعت المديرة باغتنام الفرصة لتعلن عن بدء الاجتماع بتلاوة بضع آيات من الذكر الكريم ..
توالت الموضوعات على طاولة الناقش وسط الونسات الجانبية والمواضيع الانصرافية والمقاطعات الظهورية، وتخلل ذلك انتباه بعض الطالبات لكون ان امهاتهن ? يا للفرحة – موجودات في حرم المدرسة، فتوالى دخولهن متسللات للفصل كل واحدة تبحث عن امها، ثم عندما تجدها تدفن نفسها لتندعك في حضنها كـ عتود يتشمم امه قبل الانغماس في الرضاعة ..
زادت الهمهمات والالتفاتات و(عليك الله ناوليني السبت داك)، وذلك بعد ان رأت الصغيرات سباتة الضيافة المليئة بالفول المدمس والبلح والحلوى، فطلبن من امهاتهن ان يعطوهن مما اعتطهن المديرة ..
في نفس الوقت كانت (حنان سيطرة) تحاول (دفر) بناتها الثلاث اللاتي اقتحمن الفصل مع المقتحمات، وتحثهن لتركها لتكمل الاجتماع والخروج للحاق بوالدهن الذي ينتظر في عربته في الخارج ليعود بهن للبيت ..
لم تنقض بضع دقائق على خروج الصغيرات حتى عادت كبراهن لتهمس في اذن امها بصوت سمعته من جاورتها من الحاضرات:
ابوي قال ليك ارحكي هسي دي معانا .. هو ما بقدر يجيك راجع تاني !!
ولكن (حنان) منعتها من اكمال الكلام بنهرة مكتومة:
أمشي قولي ليهو أمي قالت ليك بترجع براها !!
غادرت الصغيرة على مضض لتعود بعد حوالي الربع ساعة .. عادت لتهمس لأمها بصوت أعلى: أبوي قال ليك اجتماعكم ده لسه ما انتهى .. أصلو شنو الحكاية ؟!!
انتهرتها (حنان) بغضب: يا بت قتا ليك امشوا خلوني .. مشش يكسر ركبك !!
فغادرت الصغيرة وهي تطنطن: أنا مالي ومالك ؟ أبوي قال لي إلا تنادي أمك حتّان نمش !!
استمر الاجتماع دون ان يتأثر برياح المناورات والمفاوضات الجارية، وقبل الانتقال لبند مساهمات امهات الروضة في حفل التخريج، عادت الصغيرة ولكن هذه المرة عبر الشباك الخلفي للفصل .. نادت من بعيد على أمها الجلسة في الصف الأمامي ومستلمة الاجتماع على حسابها .. صاحت بصوت رددت صداه جنبات الفصل:
يمه !! أبوي قال ليك خلاس كفاية أمرقي ياخ !!!!
التفتت (حنان) بحنق وصاحت:
يا بت انتوا لسه ما مشيتوا .. طيري قولي ليهو الليلة كلو كلو ما راجعة البيت !!
ثم التفتت الى بقية المستمعات اللاتي يتابعن الحاصل في اندهاشة قائلة في شيء من الخجلة:
شوفوا يا اخواتي حركات الراجل ؟ ما داير يرجع براهو مع الشفع عشان ما يسخن ليهم الغدا !!
تبادلت النسوة النظرات وهزت المديرة رأسها وهي تعتذر للجميع:
معليش يا اخوات اخدنا من زمنكم الكتير .. نحنا عارفين مشغولياتكم والناس الراجنكم وجيعانين عشان كده نحاول نختصر اجتماعنا ده سريع سريع عشان نطلق صراحكم.
ورغم ذلك الاعتذار وما تبعه من محاولة اختصار وكلفتة للمواضيع، فقد انتهى الاجتماع بعد حوالي الساعة، وعندما غادرت النسوة مكان الاجتماع، كانت المدرسة هادئة بعد مغادرة الترحيلات واغلبية الطالبات، وعندما وصلن للشارع كانت هناك عربة واقفة بداخلها زوج (حنان) وصغيراتها ينتظرون في استكانة .. رأتهم من بعيد فوقفت وضربت يدا بيد وهي تقول لصويحباتها:
يا اخواتي شوفوا جنس الراجل العلّة ده .. لي هسي واقف مستنيني !!

منى سلمان
munasalman2@yahoo.com

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق