الصفحات

الجمعة، 5 يونيو 2015

إجراءات قاسية لإصلاح الفيفا



قُرعت أجراس الإنذار في مختلف أنحاء العالم بعد اعتقال سبعة من المسؤولين في الاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا) في مايو/آيار الماضي، للاشتباه في تورطهم في قضايا فساد. وقد أعلن رئيس الفيفا، سيب بلاتر، أنه سيتنحى عن منصبه بعد ديسمبر/كانون الأول المقبل.
وهنا تطل بعض الأسئلة؛ كيف أمكن حدوث هذا الفساد، مع بقاء هذه القيادات في مواقعها لسنوات طوال؟ ومن كان يشرف على من يشرفون على شؤون كرة القدم؟
وبالنظر إلى حجم مخالفات الفيفا، وطول أمدها، واتساع نطاقها، فإنها بمثابة تحذير من المخاطر المحتملة في المنظمات التي يديرها أعضاؤها بلا رقيب.
ومن الهام في هذا النوع من المنظمات أن يكون للأعضاء دور كبير في إدارتها، لكن ثمة خطر حال إدارة الأعضاء وحدهم للمنظمات من أن يصبح المناخ العام للمنظمة أشبه بـ"غرفة الصدى"، بحيث تغلب المصالح الفردية للأعضاء على مصلحة الكيان ككل.
ولا تقتصر هذه المخاوف على الفيفا، فمثلا اضطرت المجموعة المتحدة، وهي أكبر مجموعة اقتصادية تعاونية في المملكة المتحدة، لتغيير هيكلها الإداري. وتدير هذه المؤسسة مجموعة كبيرة ومتنوعة من الأنشطة الاقتصادية، تتضمن مصرف، وسلسلة متاجر، ووكالات للسفر، ودور للجنائز وغيرها الكثير.
وكان الدافع وراء التغيير هو حدوث سلسلة من الازمات في النشاط المصرفي، تلاها نشر عدد من الموضوعات الصحفية عن الكوارث الإدارية، والميزانية غير المنضبطة.

مقعد بلاتر خاوٍ
استقال بلاتر من منصبه كرئيس للفيفا، بعد أيام من انتخابه لفترة رئاسية خامسة.

ابحث عن الجذور

وأحد أكبر الازمات في المنظمات المماثلة للفيفا هي سعي أعضاؤها إلى التأثير على قرارات المجموعة، بحيث تفيد رغباتهم ومصالحهم واحتياجاتهم، على حساب مصالح المنظمة ككل.
كما تعاني هذه المنظمات من غض الطرف المتعمد، أي تجاهل الأعضاء للمشكلات، أو الفرص التي قد تستفيد منها منظماتهم، طالما أن احتياجاتهم تُلبى بشكل فردي. ويؤدي تفاقم هذه الأمور في النهاية إلى تدمير المنظمة برمتها.
ولكن الجانب الإيجابي في هذا السياق أن الفشل الإداري وغياب قواعد إدارية محددة قد يكون هو نفسه حلا للمشكلة.
وقيادة هذه المؤسسات هي من تحدد الأسلوب السائد فيها، فلا يمكن لمجلس إدارتها أوفريقها التنفيذي الاكتفاء بإعلان عدم انحياز قراراتهم، وأنها تصب في صالح المنظمة ككل. لكن عليهم العمل بنزاهة وشفافية، وأن يكونوا مستعدين للمساءلة حال حدوث مشكلة. كذلك عليهم وضع معايير ثابتة لضمان دوام هذه.

إدارة جديدة للفيفا

ربما تبدو هذه العملية صعبة، على حسب وضع المؤسسة. لكن هناك ثلاثة مراحل هامة للتغيير؛ التحطم، والاعوجاج، والانضباط.
والفيفا تعتبر نموذجا مثاليا للمنظمة المحطمة. وبعد إعلان بلاتر عن تركه منصبه، وستُعقد جمعية عمومية استثنائية لانتخاب رئيس جديد. لكن ذلك لن يكون كافيا؛ إذ أن المنظمة بحاجة إلى تغيير شامل من جذورها.
وتحتاج المنظمة تغيير كامل في هيكلها الإداري. وهنا يجب الفصل بين دور الرئيس التنفيذي، ودور رئيس الاتحاد. كما يجب إجراء تحقيق شامل وصارم، على يد مستشارين موثوق بهم من خارج الفيفا. وكذلك يجب أن يجري التحقيق طرف محايد يحظى بسمعة حسنة على الصعيد الدولي، ليتولى التحقيق، ورفع التقارير، و المساعدة في التمهيد لإعادة هيكلة المنظمة.
والسؤال هنا: إلى من سيرفع هؤلاء المستشارون تقاريرهم؟ فانتخاب رئيس جديدللفيفا لن يحدث قبل ديسمبر/كانون الأول المقبل على أقرب تقدير. لذا، يجب إفساح المجال أمام اختيار رئيس مؤقت أو مجلس من أشخاص لم تطالهم الفضيحة الأخيرة.
أما إذا بقي بلاتر، سيصبح كما لو أنه "يدير الفيفا من قبره"، بحيث ينشغل بتاريخه الشخصي، أكثر من الاهتمام بإحداث التغيير الحقيقي المطلوب.

سيكون بلاتر كمن يدير الفيفا من قبره لحين اختيار رئيس جديد، إذ سيكون أكثر انشغالا بمجده الشخصي.

قواعد الإصلاح

أما إذا ما بدت المشكلات غير قابلة للإصلاح، ثمة خيار جذري آخر، وهو حل الاتحاد برمته، والبدء من جديد. ويمثل ذلك سبيلا للقفز من مرحلة المنظمة المحطمة إلى المنضبطة. وأحيانا يكون هو الخيار الوحيد للمضي قدما.
وهناك الكثير من المؤسسات التي تكون في مرحلة الاعوجاج، وليس التحطم. بعضها بدأ إعادة هيكلة الإدارة والقيادات، لكن هذا النوع من التغيير لم يعد كافيا. وهناك مؤسسات أخرى تمثلت أزمتها في حدوث مشكلات. وفي كلتا الحالتين، يجب الإقدام - بجراءة وشجاعة - على إحداث تغيير.
أما بالنسبة للمؤسسات الجديدة، يمكن القول إنها تحظى بموقف جيد للغاية، إذ تبدأ عملها بصفحة بيضاء، ولديها الفرصة للاستفادة أخطاء السابقين. وثمة العديد من الأمور التي يتعين إرساؤها وتوضيحها منذ البداية؛ أولها اختيار شخصيات مستقلة في مجلس الإدارة لتقديم رأي غير منحاز أو محسوب على جهة، تماما كما في الشركات الناشئة.
كما أن تحديد فترات البقاء في المناصب أمر شديد الأهمية لرئيس المنظمة، وأعضاء مجلس الإدارة.
كذلك يجب الفصل بين مهام رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي، بحيث تظل المؤسسة مستقرة نسبيا حال حدوث أزمة تودي بشخص أو أكثر. كما يحمي هذا الإجراء أعضاء المجلس الذين ينادون بالتغيير، إذ سيكونون أقل عرضة للانتقام إذا فشلت محاولاتهم.
وهناك شيء أساسي آخر غالبا ما يُغفل، وهو أهمية توضيح أدوار أعضاء مجلس الإدارة. بحيث يتضح إذا ما كانوا يمثلون مصالحهم ومنظماتهم، أم يتخلون عن ارتباطهم المباشر بتلك المنظمات أم يعنون فقط بصالح المنظمة الأكبر.
ولاشك أن المنظمات التي تقوم على عضوية كيانات أصغر، مثل الفيفا، تُدار بالشكل الأمثل عندما تلتزم بقواعد إدارية سليمة، ويشغل عضوية مجالس إدارتها أشخاص متعلمون وملتزمون بتحقيق مصالحها.
وتنشأ هذه المنظمات لتحقيق الصالح العام، لكن النوايا الحسنة لا تكفي، سواء أكان الأمر يتعلق بمؤسسات ضخمة مثل الفيفا، أو مؤسسات أصغر. وقد يكون إصلاح مثل هذه المؤسسات مهمة شاقة، ولكنها يجب التصدي لها في مرحلة مبكرة قدر الإمكان، بحيث يكون التغيير أسهل، وأكثر فائدة.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق