الصفحات

الثلاثاء، 9 يونيو 2015

بلادنا المُنهارة بجدارة

خالد فضل
لا أخفي وقوعي تحت ضغط حزن رهيب وأنا أكتب هذا الأسبوع , رزئنا بفقد فاكهة زمن شبابنا , زين الشباب الباشمهندس محمد علي عامر , أحد الذين صنعوا إشراق زمان مضى من أيام عصيبة ولذيذة في آن.. 
مضى محمد إلى الفراديس العُلى بإذن الله الواحد الأحد , فقد كان أحد عباده الصالحين , نسأل له الغفران والرحمات ولزوجه ولآله وصحبه وأصدقائه الصبر والسلوان . ولكن في القلب غصّة وفي الخاطر وجع على ما آل إليه حال بلادنا من أوجه الإنهيار الذي تلقاه في كل خطوة في كل مرفق في كل شأن من شؤون البشر..
 أكاد أشك بأن الانهيار بلغ حتى آخرة السودانيين , من سؤ ما تم في دنياهم , حبيبنا الراحل محمد , نُقل من مشفى سوداني هو الأفخم من حيث تهيئته الفندقية بتهمة الإصابة بجلطة في الدماغ وورم في الرأس , وفي مشفى مناسب في الأردن كانت نتائج التشخيص (سحائي)، أي والله ، وأنا أنقل رواية شقيقه الذي لازمه من مستشفى النوّ إلى رويال كير ،إلى الأردن حتى عاد به مُحنّطا داخل صندوق أودعناه رحمة الله وملكوته في مقابر أحمد شرفي بأم درمان !
هل نلوم السادة المحترمين من أطباء بلادنا ؟ تلك الأسماء الكبيرة والرنانة , أنلوم تلك المباني الفخمة ذات الهندسة المعمارية الباذخة ؟ أم نلوم المرضى الذين لا حول لهم ولا قوة في أقصى حالات الضعف الانساني , حالة المرض ؟
وليست حالة الباشمهندس هي الأولى أو الوحيدة ، هنالك مئات إن لم نقل آلاف الحكاوي المأساوية على ذات الشاكلة . وفي الأردن على قول شقيق المرحوم ، عمارة بأكملها يقطنها السودانيون من طالبي العلاج هناك , أين لافتات وشعارات توطين العلاج بالداخل ؟ مثل هذه اللافتات المضللة التي ظلت تلوح في فضاء بلادنا لعقدين ونصف وزيادة ويحدث عكسها تماما , بلادنا تنهار بسرعة مذهلة والخطاب الدعائي الاعلامي للاسلاميين المستبدين يمنينا بالأمنيات ويوهمنا بالشعارات . كل كلمة يكتبونها في لافتات التنصيب نصب واحتيال , كل كلمة يقولونها يحدث ضدها مباشرة , يكفي أنّ شعارهم القوي الأمين قد أسفر صبحه عن أكبر عصابة مفسدين وفاسدين . وحديثهم عن الوحدة قاد إلى إنفصال ، وشعارات سلامهم قادت الى أكبر وأفظع مذابح شهدها تاريخ السودان منذ فجر التاريخ بين أبناء السودان وقبائلهم وعشائرهم .
الانهيار طال القضاء , أتابع هذه الأيام قضية تخص بعض أهلي حول أرض زراعية بسنار , لن أقول عنها أكثر مما قاله عضو في المحكمة الدستورية وهو يطلب من أقربائي المتضررين أنْ يرفعوا عريضة لرئيس القضاء مباشرة بعنوان (تزوير), قال بذلك عندما طُلبت استشارته بصورة شخصية , فتأمل في مدى انهيار بلادنا وحاجتها اليوم قبل الغد والساعة قبل بعدين لإنقاذ مما أوردها له الانقاذ الفاسد من مهاوي الردى . والحقل الطبي حيث مراتع الخيبة الكبرى , وحيث القرارات الخطأ والخطة السياسية العرجاء وحيث مصالح بارونات الفساد والثراء الحرام هي سيدة الموقف , حتى هرب الاطباء الصغار والكبار بالآلاف الى الهجرة والاغتراب وبقي من بقى يرسل المرضى الى الله بلا حساب , العام الماضي في مثل هذه الاوقات ذهبت الى ادارة البساتين بوزارة الزراعة في ولاية الجزيرة بغرض الحصول على شتلات من شجر الليمون , حدّثتني المهندسة الزراعية المسؤولة عن الادارة بمرارة عن حاجتهم لأكياس تعبئة البذور وهذا الوقت هو زمن الابذار مع الأسف لم يتوفر لهم بضعة الآف من الجنيهات لإتمام المهمة , ولا أدري إن بذروا بعد ذلك أم فاتهم الموسم كما بقية المواسم , ولا تعدم من يحدثك عن اعادة الجزيرة سيرتها الأولى , وعن تربية الشيوعيين وآكلي المال العام من المزارعين الحرامية , قبل أن يعرج الخطيب المفوه في موسم الانتخابات للحديث عن ( خلف الكراع فوق الكراع والسيارة كمهرة أمام الباب ) لكل مزارع , وكيس بلاستيك ردئ الصناعة لا يتوفر لإدارة البساتين..!
ومع ذلك هناك تنصيب يشرفه رئيس جيبوتي وحاكم تشاد وزعيم زيمبابوي ! و هناك 320مليار تنفق للتنصيب، و22مليار لسيارات الطلاب الاسلاميين ومليارات لتشوين الجنجويد ،والقناصة ،وتاج الدين نيام احد موقعي اتفاقية الدوحة يقول في ورشة عمل العام الماضي إنّ 2مليار دولار رُصِدت لتنمية دارفور ذهب 80%منها للجيوب فقط 200مليون دولار هي ما تم استثماره في تنمية دارفور فتأمل !
ومثلما ذهبت المليارات من مال دارفور  للجيوب ذهب ، مثلها للبنوك تحت بند  حماية الدين وتلك حماية تتم  عبر خطف الناشطين والناشطات وإجبارهم على نفي الإختطاف !
هل بلادنا بخير ،وهل الانهيار حكايات مغرضين وخونة مرجفين ؟ ماذا أنت وأنا ونحن في هذي الكربة فاعلين ؟ ورحم الله صديقنا محمد علي ،فقد قضى أيامه القصيرة في الدنيا يحاول صنع المستحيل فيما آل اليه من ِمسؤوليات في مجال الهندسة , حتّى ملّ من تكاثر الخراب فقضى أيامه الأخيرة في عمله الخاص , ومثل محمد ممن قضوا نحبهم نتيجة الإنهيار العام كثر يحدّثك عنهم من لم تزوِّد , 
خالد فضل
التغيير

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق