الصفحات

الخميس، 25 يونيو 2015

فضائح «ويكيليكس»… بين التجسس والتسول والابتزاز


نجح «ويكيليكس»، نبع الاسرار والفضائح الذي لا ينضب، في ان يفرض نفسه مجددا على صدارة الاخبار امس اذ تسبب في ازمة دبلوماسية بين واشنطن وباريس، بعد ان كشف عن ان الاستخبارات الامريكية تمكنت من التجسس على اتصالات ثلاثة رؤساء فرنسيين، وهو ما اثار غضبا شديدا في قصر الاليزيه ومقر الحكومة الفرنسية. واعترف البيت الابيض عمليا بالاتهام، اذ قال انه «لا يستهدف ولن يستهدف التجسس على اتصالات الرئيس فرانسوا اولاند»، لكنه لم ينكر تهمة التجسس على رؤساء فرنسا السابقين، مبررا وجود عمليات خارجية بضرورة «الدفاع عن الامن القومي الامريكي». 
وكان «ويكيليكس» احدث زلزالا عربيا غير مسبوق عندما اذاع قبل عدة ايام نحو ستين الف وثيقة من ارشيف وزارة الخارجية السعودية، قال انها مجرد مقدمة لنحو نصف مليون وثيقة يعتزم نشرها خلال الاسابيع المقبلة. وقد اقرت الوزارة ضمنيا بصحة الوثائق، وعزتها الى تعرض موقعها الى هجوم الكتروني استهدف الوثائق «عالية السرية»، واعتبرت ان ما كشف عنه لا يتناقض مع السياسات المعلنة للمملكة. 
وبالطبع فان نشر باقي الوثائق سيكشف المزيد من الاسرار التي قد يصل بعضها الى مستوى الفضائح سواء سياسيا او اعلاميا. ولا يمكن ان تتسع هذه المساحة الى التطرق الى كل ما كشف عنه «ويكيليكس» مؤخرا، لكن يكفينا التوقف عند بعض المحطات، ومنها:
اولا: ان التجسس الامريكي على زعماء الدول، «الاصدقاء» منهم قبل الاعداء، ليس بالامر الجديد، بل ظهرت عليه ادلة سابقة، ومن الواضح انه يمثل جزءا من نهج سياسي امريكي ثابت، وليس عملا استثنائيا لاغراض تتعلق بالامن القومي، كما زعم البيت الابيض. ومن المؤسف ان فرنسا اكتفت باصدار تصريحات جوفاء دعت فيها واشنطن الى «اصلاح العلاقات التي تضررت» بدلا من اتخاذ اجراءات قانونية ودبلوماسية صارمة للرد على هذا الانتهاك الخطير لامنها وسيادتها. واذا كانت فرنسا بما تملكه من تكنولوجيا حديثة واجهزة امنية متخصصة في مكافحة التجسس قد فشلت في تأمين اتصالات ثلاثة رؤساء جمهورية، فكيف الحال بالنسبة الى الدول العربية واتصالات زعمائها امام هذا «الحليف الامريكي» ؟
ثانيا: ان ما كشفت عنه الوثائق السعودية المسربة من طلبات تمويل هي اقرب الى التسول او الابتزاز من اعلاميين وسياسيين ورجال دين عرب يثير علامات استفهام واسعة بالنسبة الى مصداقية كثيرين واستقلاليتهم. ودون ذكر للاسماء، فانه من الغريب ان بعض الذين طالما سارعوا الى اتهام كل من يخالفهم الرأي بالعمالة والسعي للتمويل والاستقواء بالخارج، كانوا هم اكثر من طلب الحصول على التمويل السعودي، حتى ان سياسيا لبنانيا قال «انه مستعد ان يفعل اي شئ مقابل التمويل»، وعلى سبيل الابتزاز زعم انه «لا يملك ما يكفي لدفع رواتب حراسه الشخصيين» ما قد يعرضه للاغتيال. 
ثالثا: اما على المستوى الاعلامي، فلم يخل الامر من مفاجآت حقيقية. ومثال ذلك صحافي مصري لم يترك عهدا الا وكان من ابواقه، وعرف بقربه لسنوات من انظمة عربية معادية للرياض، لكنه لم يتورع عن طلب تمويل من السفارة السعودية لانشاء قناة فضائية وحزب وصحيفة (..).
والملفت ان «خريطة التمويل» تشمل صحفا ومواقع يعتبرها كثيرون بلا تأثير يذكر، ناهيك عن محطات اعلامية طالما زعمت «انها ليست مملوكة لاحد»، وصحف كبرى. ومما كشفته البرقيات ان بعض المسؤولين العرب الذين لا يملون من الحديث عن الديمقراطية لا يتحملون في الحقيقة اي نقد صحافي حتى اذا كان موضوعيا، ويسارعون الى المطالبة بالتدخل الى وقفه. ويبدو ان ايران اصبحت العنوان العريض لمحاولات الابتزاز للحصول على الدعم الاعلامي. اما المؤسف حقا ان شخصا محسوبا على الدعاة في مصر ذهب يطلب عشرات الملايين بدعوى «مكافحة الامية»(..)، فاين ذهبت يا ترى الاموال؟
واخيرا وبنظرة براغماتية، فان بعض ما كشف عنه «ويكيليكس» كان متوقعا الى حد ما، حيث ان الكل يملك تمويلا من جهة ما في عالم عربي يفتقر الى اعلام او صحافة مستقلة، وهو ليس سوى جزء بسيط من واقع عربي معقد وحزين ايضا، ولا توجد اي بادرة على انه سيتغير في المستقبل المنظور.


رأي القدس

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق