الصفحات

الأحد، 5 يوليو 2015

"داعش" والسودان... عودة رعب "خلايا كلية الطب"


تعيد قضية توجّه طلاب سودانيين إلى مناطق تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) في سورية والعراق للانخراط في صفوفه، فتح قضية التطرف في السودان، والمخاوف من ظهور خلايا متطرفة نائمة تسعى للقيام بعمليات إرهابية في البلاد.
وقد استعادت السلطات الأمنية في السودان يوم الثلاثاء الماضي، ثلاثة من طلاب كلية العلوم الطبية، حاولوا الانضمام إلى تنظيم "داعش" ضمن 12 آخرين، بينهم ابنة المتحدث الرسمي باسم الخارجية السودانية، وأُخضع الطلاب لتحقيقات مطوّلة، بينما فشلت كافة الجهود في استعادة البقية. وتُعدّ تلك الدفعة الثانية من طلاب الجامعة نفسها التي يملكها وزير الصحة السوداني مأمون حميدة، التي تلتحق بـ"داعش". ووفق احصائيات غير رسمية، فإن هناك أكثر من 27 طالباً وطالبة من السودان انضموا إلى "داعش" خلال الأشهر الفائتة.
وعلمت "العربي الجديد" أن هناك خلية داخل الكلية تعمل على استقطاب الطلاب لصالح "داعش" وتسفيرهم بالتنسيق مع جهات داخل مطار الخرطوم. وتتّهم السلطات السودانية المنسّق العام لتيار "الأمة الواحدة" محمد علي الجزولي، بتأييد تنظيم "داعش"، وهي قامت باعتقاله أكثر من مرة آخرها بعد انتقال 12 طالباً إلى سورية والعراق للانضمام إلى التنظيم. وحاول رئيس مجمّع الفقه الإسلامي عصام أحمد البشير، التحاور مع الرجل في محاولة لتغيير أفكاره، إلا أنه ظل يجاهر بمناصرة "داعش". وسبق للجزولي أن عمد إلى إلقاء محاضرات داخل كلية العلوم الطبية، والتي تسمح بدورها بالنشاط السلفي في الجامعة بينما تمنع النشاط السياسي.
وكان خبر توجّه الطلاب السودانيين، الذين يحمل بعضهم الجنسية البريطانية، إلى مناطق "داعش"، انتشر في شهر مارس/آذار الماضي، وبدأت معه الحكومة السودانية تحركات واتصالات مع تركيا وبريطانيا لمنع وصول طلابها إلى تلك المناطق والانخراط في صفوف التنظيم، لكن مساعيها لم تنجح.
في حينها، تداولت مواقع التواصل الاجتماعي تسجيلات بعضها لأسر المفقودين وأخرى لأصدقائهم، تؤكد توجّههم للانضمام لـ"داعش" بالفعل. وكشف مصدر في وزارة الخارجية السودانية لـ"العربي الجديد"، أن اتصالات بين الخرطوم وأنقرة جرت في محاولة لاسترداد الطلاب قبل دخولهم إلى سورية، مؤكداً أن لجنة أمنية بدأت حينها في التحقيق لمعرفة حقيقة الجهات التي تعمد إلى تسفير الطلاب وتنشط بشكل مباشر داخل كلية العلوم الطبية وسط الطلاب من حملة الجوازات الغربية.
وعرف السودان أول حالة عنف ناتج من التطرف في العام 1994، عندما أقدم محمد الخليفي على مهاجمة أحد المساجد في الخرطوم وقتل وجرح ما يزيد عن خمسين شخصاً. تبعتها حادثة مشابهة في العام 2000 عندما اعتدى المدعو عباس الالي على مصلين أثناء أدائهم صلاة التراويح وأطلق النار بشكل عشوائي وقتل عشرين شخصاً فضلاً عن جرح آخرين.
وفي مطلع العام 2008، اغتيل الدبلوماسي الأميركي جون مايكل غرانفيل وسائقه السوداني عبدالرحمن عباس على يد شباب متشددين. كما تم ضبط خلايا لمتشددين خلال الأعوام الثلاثة الفائتة، ونُشرت تقارير عن التحاق شباب سودانيين للقتال في الصومال ومالي وأخيراً في ليبيا، إلى جانب تنظيم "داعش".

ونقلت تقارير إعلامية عن جهاديين وجود استراتيجية لدى تنظيم "داعش" لفتح جبهة جديدة في السودان وجنوب السودان في إطار خطة توسعية في البلدان العربية والأفريقية. وأكدت أن هناك مجموعات جهادية سودانية ستعلن مبايعتها لزعيم "داعش" أبو بكر البغدادي قريباً. كما نقلت مواقع إلكترونية تتبع للتيار السلفي، بياناً أصدره جهاديون حول العالم لمبايعة "داعش" وقّع عليه سبعة من رموز التيار السلفي الجهادي السوداني. بينما أُعلن عن مقتل سوداني في ليبيا قيل إنه قُتل بصفوف "داعش" ويدعى أبو سليمان السوداني.

ويرى مراقبون أن السودان يحتضن خلايا جهادية نائمة تعود جذورها لتنظيم "القاعدة" الذي احتضنت الخرطوم في وقت من الأوقات زعيمه الراحل أسامة بن لادن وآخرين مطلع التسعينات، فضلاً عن احتضانها للجهاديين الأفغان عندما فتحت البلاد أبوابها وقتها لكافة التنظيمات الإسلامية للعمل من السودان.

ويعتبر الأمين السياسي لـ"المؤتمر الشعبي" المعارض كمال عمر، أن "بيئة التطرف الإسلامي في السودان متوافرة بالنظر للفكر المتطرف الذي غزا العالم الإسلامي من حولنا". ويشير في حديث لـ"العربي الجديد" إلى أن "ظاهرة التطرف الديني في السودان بدت واضحة من خلال المنابر التي تكفّر القوى السياسية المعارضة فيما يتصل بقضايا الرأي"، لافتاً إلى أن "مجموعة الطلاب الحالية لم تكن الأولى التي التحقت بتنظيمات متشددة خارج البلاد، فهناك إحصائيات تظهر أن مجموعات من الشباب انضمت لهذه التنظيمات، فيما يجري تحريض مجموعات أخرى على الانضمام إلى تنظيم داعش، مما يعني أن هناك حاضنة لتفريخ الفكر المتطرف في البلاد، إما في المساجد أو الجامعات".
ويرى أن هذه الظاهرة في غاية الخطورة، معتبراً أن "علاجها لا يكون بالمنهج وإنما بحرية الاعتقاد والفكر"، مؤكداً أن "على الدولة مراقبة التطرف وإيلاءه أهمية كبرى".
أما أستاذ العلوم السياسية في جامعة الخرطوم حسن الساعوري، فيقول في حديث لـ"العربي الجديد"، إن "ظاهرة الطلاب دليل على وجود مجموعات ذات علاقة بتنظيم "داعش" باعتبار أن مجموعة الطلبة الأخيرة ينتسبون لجامعة واحدة". ويضيف: "هذا يجعلنا نتوقع أن يقوموا بعمليات داخل السودان"، مشدداً على أن "العمليات مرهونة بانفراط الأمن باعتباره البيئة التي ينشط فيها داعش"، معتبراً أن "الحادثة الأخيرة بمثابة إشارة إنذار للحكومة لرفع أعلى درجات اليقظة والتركيز على عدم انفراط الأمن ورصد التنظيم في البلاد ومتابعته".
وكانت وزارة الأوقاف السودانية قد أطلقت صافرة الإنذار في وقت سابق، إذ حذر وزير الأوقاف الفاتح تاج السر، من تسرّب ظاهرة الغلو الفكري والتطرف الديني إلى داخل البلاد من البيئة الإقليمية المحيطة، مؤكداً أن وزارته رأت الحاجة إلى الاستعانة بالوسائط لبث الرسائل الوسطية في المجتمع كعمل وقائي للحد من انتشار ظاهرة التطرف.
لكن نائب الرئيس السوداني حسبو عبدالرحمن، أكد في تصريحات سابقة خلو البلاد من الأفكار المتطرفة، الأمر الذي عدّه من التحديات الأمنية التي تواجه الدول العربية والأفريقية، ولكنه عاد ليقول إن في البلاد ظواهر تطرف بسيطة وتم علاجها في مهدها عبر الحوار المباشر.
وفي أول تعليق حول قضية طلبة الطب، شدد الأمين السياسي للحزب الحاكم مصطفى عثمان، في تصريحات صحافية، على ضرورة أن تنتبه أجهزة الدولة وتتحسب في حال ظهور أي إرهاصات للتجنيد لصالح "داعش" في السودان، مؤكداً أن الطلاب نشأوا في بيئة تقبل التطرف باعتبار أن معظمهم قضى جزءاً من حياته في أوروبا. ولفت إلى أن الخرطوم لديها مدرسة في معالجة التطرف عبر الحوار، الأمر الذي نجح في مراجعة متطرفين لأفكارهم وانخراطهم في المجتمع، مضيفاً "قناعتنا أن التطرف لا يُعالج بالعنف وإنما بالحوار".
ويرى الباحث في القضايا الدينية محمد المجذب، أن البيئة الثقافية في السودان بعيدة تماماً عن التطرف، مشيراً في حديث لـ"العربي الجديد" إلى أن "المجتمع السوداني مُشكّل من البيئة الصوفية التي لا تجنح إلى العنف إطلاقاً، لذا التطرف في السودان غير مرحب به". لكنه يلفت إلى أن "هذا لا يعني أن المجتمع السوداني بعيد تماماً عن التطرف بالنظر إلى العولمة ووجود تيارات ذات طبيعة عميقة على قلتها تتأثر سلباً أو إيجاباً بما يدور حولها".
العربي الجديد

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق