الصفحات

السبت، 15 أغسطس 2015

مشاريع تخديرية وهمية


أسماء عبدالطيف

في السادس من أغسطس/ آب الجاري، تم افتتاح تفريعة قناة السويس الجديدة، صحبته مهرجانات ضخمة في الأقوال والتهليل في جميع القنوات وأعمدة الصحف، واستعدادات ضخمة في الجيش والشرطة، وعلى كل أصعدة وزارتي الدفاع والداخلية، وكذا الإعلام، لأننا أمام الحدث الكبير الذي سيرفع مصر عالياً، وإن تنفيذ هذه التفريعة يساوي بناء قدامى المصريين الأهرامات. سبقت التفريعة الجديدة لقناة السويس، تفريعات من قبل، لا أدخل في تفصيلات طولها وعمقها، وما يمكن أن تدره على بلد منهك وفقير، يحتاج إلى مليارات المليارات حتي يرتقي بمواطنه المسحوق في القاهرة وفي الأرياف والقرى البعيدة، ويحتاج إلى كتل من الخدمات على كل المستويات.يأخذنا الحديث عن تفريعة قناة السويس إلى المشاريع الوهمية التخديرية في الوطن العربي، فما أكثرها، وهي مشاريع يصحبها الضجيج الإعلامي بصورة لا تصدق، وصرف بذخي يكفي لحلحلة مشكلات بعض الفئات المسحوقة بالمعاناة وبالهموم والسموم. الضجة والتهليل والصراخ والتهويل، تصب في صالح تلميع رئيس لا يستطيع، أو ربما لا يريد أن يحل أي مشكلة، ولا أن يفتح أي باب للديمقراطية، فيبدأ فريق التسويق معه، ليطرح أي مشروع يتم تسويقه لصالح الرئيس، حتى يتخدر الشعب ويعيش الأماني السندسية بالوظيفة والعلاج المجاني المتكامل وتحسين الخدمات، وتمر السنوات، وإذا بكل الذي جرى من ضجة إعلام وتسويق هباء، وأن المشروع الذي قدم لم يأخد البلد إلى أي تطور أو تقدم أو نماء.إن رجعنا إلى الوراء خمسين عاما، حينما تم إنشاء السد العالي، وما تم تسويقه لصالح الرئيس جمال عبد الناصر، فكأنما هو المنقذ لاقتصاد مصر، ومما قيل من كلمات فضفاضة وآمال خادعة، تجعلك تعتقد أن مصر صارت دولة صناعية كبرى، فكابلات الإنارة وصلت إلى كل القرى، والماء النظيف ينساب سلسبيلا عبر شيكات المياه. المصانع الكبرى دارت عجلة الإنتاج فيها، لكنك تصدم عندما ترى السد بناءً عالياً ضخماً في تكلفة إنشائه، هزيلاً في مردوده.وهناك مشروع توشكي الزراعي، هل قدم للمصريين شيئاً، وهل نجح أصلا لينهض على قدميه، وقد تم تسويقه مشروعاً قومياً ضخماً يقدم مليوني فرصة عمل، ويعمل على توطين 16مليون مواطن بأسرهم، وتمضي الأيام، فإذا المشروع الضخم، وكانت تكاليف إنشائه بين 7 إلى 100مليار دولار، يفشل وتتقلص المساحة المخصصة له إلى حوالي 2%، وأصبح إضافة فعلية إلى المشاريع الضخمة المتبخرة والمتناثرة في الهواء. وفي السودان، مشاريع الإنقاذ الوهمية، بدءا بطريق الإنقاذ الغربي، وليس انتهاء بسد مروي الذي سمعنا فيه معلقات من المديح والتهويل والتهليل، وإنك إذ تسمع ذلك يخيل إليك أن السودان عاد سلة غذاء العالم، وأن كل القرى والمدن مضاءة، وأن فاتورة الكهرباء صارت في أدنى مستوياتها، وصار السودان من الدول الصناعية الكبرى، ويتأكد لك ذلك، إن كنت من الحالمين بما تراه من ميزانيات ضخمة، وقروض ربوية صرفت على السد. لكنك، بعد أعوام قليلة من بدء تشغيل السد، ترى الكهرباء لا تزال تواصل مسلسل القطوعات الكبيرة، وأن الحكومة تتجه إلى زيادة تعرفتها 100%، وأن المياه أصبحت مأساة أخرى تضرب المواطن، مواطن الخرطوم، وليس القرى البعيدة فحسب.ولك أن تسال أين تلك الكلمات الضخمة من أفواه مروجي المشروع، فقد قال الرئيس عمر البشير إن سد مروي أهم أهرامات السودان، وقال وزير الطاقة في حينها، عوض الجاز، أهم مشروع تنموي في تاريخ السودان الحديث، وأهم من البترول، وغيرها الكثير مما لا يسمح المجال بذكره. ونحن لا نأكل من هذه الترويجات، ولا ننخدع بأي مواد تجميلية لصنع مكياج لنظام سيء سارق.أما أضخم مشروع تخديري، فهو مشروع النهر الصناعي العظيم، قيل فيه ما قيل من الكلمات الرنانة، فهو الذي سينقل خمسة ملايين متر مكعب من المياه الجوفية المخزونة في الصحراء جنوب الجماهيرية، ليروي 185 ألف هكتار وتربية مليوني رأس من الغنم وربع مليون رأس من البقر وإقامة ألف مزرعة. وقد روج للنهر الصناعي العظيم بأنه محاولة تاريخية جادة ومواجهة جريئة لتحديات عصر الصراعات المائية وحروب الغذاء، وبأنه آخر المحاولات لإنفاذ الحياة، وبأنه سيحيل الصحراء الليبية إلى جنة خضراء، مثل علمها الأخضر.رويدا رويدا تكشفت الحقائق أن تكلفة المشروع من أكبر تكاليف المشاريع التنموية في العالم، وأن التكلفة الاحمالية تقدر ب 35 مليار دولار، وهو رقم ضخم جدا بحسابات تلك الفترة، على أن يكون التمويل من الخزانة العام، وإثر ذلك، خفضت ميزانيات الصحة والتعليم والضمان الاجتماعي، وفرضت رسوم إضافية على المواطنين. وقبل أن يكتمل المشروع، بدأت بوادر الفشل بتشقق الأنابيب الناقلة للمياه، وصدأ المضخات، والمضحك حد البكاء أن القذافي تنصل عن المشروع، وقدم شهادة الوفاة له، بقوله: المشروع مشروعكم وهو مشروع فاشل، وقد سبق أن نصحتكم من دون فايدة.ثلاث دول لا نحصر المشاريع الوهمية التخديرية فيها، ولكن نقدمها نماذج لما استخدمه الطغاة في عالمنا العربي لتكريس استبداهم، سوقوا مشاريع وهمية بتكاليف ذات أرقام فلكية، يشترون بها ولاء الناس وصمتهم على نزواتهم التي لا حدود لها، وليس أسوأ من اختلاط الأمل بالوهم لدى العامة، ففيه من السذاجة ما تضيع معه كثير من جهود الإصلاح سدى، وفيه من الغباء ما يمهد طريق الاستبداد للطغاة. 
العربي الجديد

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق