الصفحات

الثلاثاء، 4 أغسطس 2015

تغيير أسماء الأماكن والشوارع والمدن.. لا جدوى للفعل.. العود من أول ركزة



درج الكثير من الناس على تسمية الشوارع بحسب أول سكانها مثل (الحاج يوسف) أو طبيعة المنطقة أو محل تجاري (شارع الجزار) (شارع أوماك). وحتى موقف أو حكاية، فهي تأتي بصورة تلقائية وتستمر بالتداول، وتبقى متوارثة جيلاً عن جيل.. لذلك تجد الأسماء الجديدة المسمأة بصورة رسمية صعوبة في تداولها، لأنها لا تلامس الواقع وخارج سياق الحال الكائن، وكما يقول المثل (العود من أول ركزة) فإنَّ التَّجارُب في تَغيير الأسمَاء أثبَتَت قلّة فَاعليّتها، وعلى سبيل المثال (حدائق 6 أبريل) تتغير أسماؤها بعد كل فترة إلى أن صارت (متنزه الطائف)، وتظل كما هي منذ (ثورة أبريل) بنفس الاسم.. أما كبري الإنقاذ أو ما سُمي سابقاً بكبري (الشهيد الزبير) فمنذ إنشائه وحتى الآن تجاوز العشر سنوات، لكنه لم يبارح تسمية الكبري الجديد.. وفي الطريق موقف (كركر) أو ما يسمى بالموقف الجديد. والطريف في الأمر، أن اسم ميدان (جاكسون) الذي يجاوره من الناحية الشمالية انتقل إلى (كركر) الذي أصبح يحمل اسمين لمسمى واحد.. فعالم الأسماء مثير وغريب تتفق وتتفتق فيه أمزجة الناس وعقولهم رغم اختلافهم، فيكفي أن اسم (الأندلس) رحل من إسبانيا ليحل متربعاً على جنوب الخرطوم، لكن المتأمل لواقع الحال وحسب الهجرات السكانية من الولايات إلى الخرطوم نجد أن أسماء المدن تنتقل بصورة عكسية، أي المدن الخرطومية تتجه إلى الولايات بعكس الهجرة الى العاصمة بخلاف أسماء المحلات التجارية والمؤسسات الخاصة التي يسميها أصحابها بمناطقهم، وحسب ثقافتهم المحلية، حتى يستعيضوا ببعض حنين يجذب نفوسهم والزبائن.
شجرة غردون والفخاخير
وإذا عدنا إلى الوراء، نجد أن منطقة (الشجرة) كانت تسمى بـ (الحي البريطاني)، لكنه تغير ليصبح باسم (شجرة غردون)، لأن الجنرال (غردون) زرع فيه شجرة، فذهبت الشجرة وصاحبها وتبقى الاسم.
أما منطقة 24 القرشي، فتعود تسميتها إلى قنطرة ري تسمى بالفخاخير نسبة إلى قرية مجاورة لها، والرقم 24 هو رقم الموقع حسب التوزيع الهندسي لنظام الري بـ (مشروع الجزيرة). ثم تم تغيير اسمها لتصبح (24 عبود) وعند قيام ثورة 21 أكتوبر ضد حكومة عبود التي استشهد فيها الطالب (أحمد القرشي) تحولت التسمية إلى 24 القرشي.
الأسماء والمسببات
فيي بعض الأحيان تمر هذه التغييرات بلا اعتراض، فتسفر عن خلافات شديدة، فربما تكون هناك أسباب سياسية وأخرى جغرافية واجتماعية لتغيير اسم شاذ أو معيب لمكانٍ ما أو عند انقسام دولتين، وعلى على سبيل المثال تم تحويل روسيا إلى تسمية (ستالين)، لكنها عادت روسيا كما هي، وأيضاً دولة جنوب السودان اقترحت لها العديد من التسميات مثل (جوبا) و(دولة النيل) لكن استقر الرأي على دولة (جنوب السودان) وهو الاسم الحقيقي لهذا المكان.
ولمزيد من التقصي حول هذا الموضوع تحدث إلينا الأستاذ مدثر الأمين، فرد قائلاً: ترتبط أسماء المناطق منذ نشأتها بتسمية يصعب على الجميع تخطيها فمثلاً قرية (التي) اسم قديم منذ 8 آلاف سنة، وقد ورد ذكره في طبقات ود ضيف الله، فيستحيل تغييره بعد كل هذا العمر المديد.. لكن هناك أسماء مناطق تم تغييرها واستجاب السكان لتلك التسميات، وعلى سبيل المثال قرية (عد الغنم) تحولت إلى (عد الفرسان)، وهو اسم ذو مدلول يرمز إلى الشجاعة، وأيضاً قرية (الكدسة) تحولت إلى (الواحة) ثم (الكمبو) تغيرت إلى (السلطان عجبنا)، فتم تمجيد السلطان من خلال تلك التسمية حتى يظل أسمه راسخاً في أذهن الجميع و(الشقلة عوج الدرب) تحولت إلى (جياد) و(كرونجاكا) إلى (بت الحاج).
ولإفادتنا في هذا الأمر أفادنا د. علي الضو أستاذ (الفولكلور) من (معهد الدراسات الأفريقية والآسيوية) بجامعة الخرطوم، فأجاب قائلاً: إن لأسماء المناطق رموزاً ومدلولات في الثقافة الشعبية لا تتغير بسهولة، ولها وقع قوي في نفوس السكان المحليين، وقد أخذت ألسنتهم على ذلك، إضافة إلى أنها تشير إلى المنطقة. فمن الصعوبة بمكان تغيير هذه التسميات، لذلك يجب أن تتم أي تسمية جديدة في منطقة أو شارع حديث الإنشاء مثل شارع (الطيب صالح) أو شارع (عبيد ختم) وعلى سبيل المثال منطقة (أمبدة) تم تحويلها إلى (أمدرمان الجديدة)، لكن ظل اسم (أمبدة) صامداً، وقبل فترة طويلة تم تغيير اسم (شارع النيل) إلى (الشيخ زايد) لكن ظل اسمه كما كان. وأيضاً شارع (الستين) وهو شارع ذو قيمة تجارية عالية، فتم تغييره إلى شارع (بشير النفيدي)، لكنه ظل يحمل اسم (الستين) وبالمقابل هناك أسماء قد تسبب بعض الحرج لسكان مناطقها، فيقع تغيير الأسماء موقعاً حسناً داخل أنفسهم.
محاولة ساذجة للتغيير
أما الباحثة الاجتماعية إخلاص محمد الحسن مجدي، فقالت: ليس من الحكمة في شيء أن نقوم بتغيير أسماء المدن والقرى، لأن ذلك يعد – في رأيي – محاولة ساذجة لطمس وتغيير التاريخ والتغول عليه، فأسماء هذه المدن والقرى لم تأت من الفراغ، فهي نتاج مواقف وتفاعلات ومعاملات وأوصاف هي الأصل في تلك التسمية، لأنها منتج شعبي خالص، وكل مسمى قديم له سبب وقصة تداولها الناس ورسخت في أذهانهم، لذا فهم غالبا ما يتجاهلون المسميات الجديدة، وقد يتندرون عليها كما وشت بذلك بعض النكات المتداولة مؤخرا، كذلك فإن التغيير القسري لأسماء المدن يصب في خانة فرض ثقافة المتنفذ وإقصاء ثقافة الآخر، والتقليل من قدرها وتبخيسها، وهي طريقة تفكير متعالية متجاوزة للواقع الموضوعي ومتجاهلة لمكوناته المحلية وتفاصيلها، فإذا أردت التغيير إلى ما تراه إيجابيا وصالحا للمجتمع، فأوجد المبررات واخلق الظروف الإيجابية التي تدفع بالناس إلى تبني أطروحتك الجديدة دون فرض أو قسر.





اليوم التالي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق