الصفحات

الأربعاء، 23 سبتمبر 2015

كيفية التعامل مع الانتهاكات الجسيمة لحقوق الانسان في جبال النوبة ، جنوب كردفان مستقبلاً.



أولاً:السادة قراء صحيفة الراكوبة الموقرون استسمحكم عزراً بنشر هذا المقال علي أن أستمر في مواصلة مقالات توثيق شهداء السودان بسجون ومعتقلات النظام بعده.
ثانياً: وجه لي عدد من الرفاق والرفيقات العزيزات سؤال تكرر أكثر من مرة عن الكيفية المثلي التي يجب ان يتم التعامل بها مع الانتهاكات الجسيمة لحقوق الانسان تجاه شعبنا بجبال النوبة في فترة الحرب الثانية المستمرة منذ العام 2010م والي اليوم، ولان الانتهاكات الجسيمة التي حدثت سابقاً لحقوق الانسان بالاقليم في الفترة من العام 1983 – 2002 بعد توقيع اتفاقية جنيف لوقف اطلاق النار ، وايضاً مابعد فترة اتفاقية السلام الشامل – برتكول جبال النوبة 2005م، جميع هذة الانتهاكات لحقوق الانسان التي أرتكبت تجاه انسان أقليم جبال النوبة لم يتم التحقيق فيها ولم ينصف الضحايا، بل تركت هكذا دون الاشارة اليها في شي من حتي. أصطحبت معي في الرد علي هذا السؤال عدة حقبات تاريخية، مثل ما بعد الحرب العالمية الثانية في “محاكمات نورمبرج ” في ألمانيا لمحاكمة مجرمي الحرب من القيادة النازية، ومحاكمات حقوق الإنسان في اليونان في أواسط السبعينيات وفترةمعالجة انتهاكات حقوق الانسان اثناء فترة الحكم العسكري في الأرجنتين وتشيلي من خلال لجنتي تقصي الحقائق في الأرجنتين 1983 وتشيلي 1990 وفي أوروبا الشرقية في التحقيق في ملفات جهاز الامن والمخابرات والأمن الداخلي في ألمانيا بعد سقوط حائط برلين، والتعامل مع عمليات التطهير التي حدثت في تشيكوسلوفاكيا في 1989، الإ ان اهم ماعتمدت عليه كان تجربة دولة جنوب أفريقيا من خلال لجنة “الحقيقة والمصالحة” في 1995 التي تشكلت للتعامل مع قضايا الانتهاكات الجسيمة التي تعرض لها السكان السود في جنوب إفريقيا في فترة التمييز العنصري الطويل، وكذلك تجارب دول أمريكا اللاتينية (الأرجنتين وتشيلي والبرازيل)، والتجربتين العربيتن الاكثر حداثه في المغرب في عام 1995 من إنشاء هيئة “الإنصاف والمصالحة” لتقصي الحقائق وتونس ومصر بعد ثورة يناير، قصدت التركيز علي كيفية معالجة الانتهاكات السابقة لحقوق الانسان والشواغل التي تدور في ذهن اقارب الضحايا والمفقودين والمختفيين والتي يرغب أو يعبر عنها الضحايا الباقون على قيد الحياة بعد الانتهاكات السابقة لحقوق الإنسان في مختلف المناطق والولايات والاقاليم السودانية التي شهدت طوال الفترة ما بعد انقلاب 30 يونيو 1989م وبداية استلام عمر البشير مقاليد الحكم ي السودان واطلاق ما سميت حين ذاك بثورة الانقاذ الوطني.
فكيفية التعامل مع الانتهاكات السابقة لحقوق الإنسان ليس بالامر الهين والعسير ولكن هو في من المتاح، ويمكن ذلك من خلال البدء بأربع أشياء اساسية. أولاً: تقوية الديمقراطية : يعتبر العديد من الأشخاص أن الديمقراطية لا يمكن بناؤها على أساس أكاذيب وأن جهوداً مستمرة ومنظمة وتوافقية لمواجهة الماضي يمكن أن تؤدي إلى ديمقراطية أكثر قوة. ويتم ذلك بشكل كبير من خلال إرساء المحاسبة (مثل مكافحة الإفلات من العقاب) ومن خلال بناء ثقافة ديمقراطية. ثانياً تعزيز مفهوم الواجب الأخلاقي في مواجهة الماضي: يستدل نشطاء حقوق الإنسان والضحايا وآخرون بأن ثمة واجباً أخلاقياً في التذكر، لقبول الضحايا والاعتراف بهم كضحايا. كما أن نسيان الضحايا والناجين من الفظائع يعتبر شكلاً من أشكال إعادة الإحساس بالظلم والإهانة. ثالثا من المستحيل تجاهل الماضي فثمة تبرير آخر وهو أنه من المستحيل تجاهل الماضي أو نسيانه – فهو دائماً يطفو على السطح – لذلك من الأفضل إظهاره بطريقة بنّاءة وشافية. ويمكن أن نسمي البديل الآخر “بثورات” الذاكرة حيث يغلي الغضب وعدم الرضا تحت سطح الحياة السياسية وبالتالي ينفلتان من وقت لآخر. رابعاً علينا العمل لنمنع ذلك في المستقبل حيث يعتبر هذا المبرر أن التعامل مع الماضي يخلق نوعاً من الردع. فالتذكر والمطالبة بالمحاسبة هما وحدهما الكفيلان بالوقاية من وقوع أشياء فظيعة مجدداً في المستقبل.
والطريقة الاشمل للتعامل مع مفهوم الانتهاكات السابقة لحقوق الانسان تتركز في مفهوم العدالة الانتقالية، وهي ترتكز ايضا على الأقل على خمس مقاربات أولية لمواجهة انتهاكات حقوق الإنسان الماضية ممثلة في المحاكمات سواء كانت المدنية أو الجنائية، الوطنية أو الدولية، المحلية أو الخارجية. كذلك البحث عن الحقيقة وتقصي الحقائق (سواء من خلال تحقيقات رسمية وطنية مثل لجان الحقيقة أو لجان التحقيق الدولية أو آليات الأمم المتحدة أو جهود المنظمات غير الحكومية). والتركيز جبر الضرر سواء من خلال التعويض الرمزي أو العيني أو إعادة التأهيل. ومن المهم جداً الإصلاح المؤسسي (بما في ذلك الإصلاحات القانونية والمؤسسية وإزاحة مرتكبي الأفعال من المناصب العامة وإقامة تدريب حول حقوق الإنسان للموظفين العموميين). ثم من بعد ذلك الشروع إقامة النصب التذكارية وتأسيس مايسمى بالذاكرة الجماعية، ولتفصيل ذلك نووضح الاتي :-
أولاً المحاكمات: تُعتبر المحاكمات أول فئة كبيرة من آليات العدالة الانتقالية. وبموجب القانون الدولي، تلتزم كل الدول بالتحقيق في جرائم حقوق الإنسان بعد ارتكابها وفرض عقوبات على المسئولين عنها، والتي تتطلب كحد أقصى الالتزام بالتسليم أو المتابعة وكحد أدنى إلحاق عقوبة غير إدارية لا تتنافى كثيراً مع حجم جريمة حقوق الإنسان المعنية. وبوجه عام تكون المتابعة موجهة بشكل واضح إلى أولئك الأشخاص الذين يتحملون المسئولية الأكبر عن الجرائم. وعندما يتابع هؤلاء المتهمين من ذوي المراتب العليا، تتم مواجهة عدد أكبر من الضحايا والجرائم بأقل عدد من المتابعات، مما يكون ذا فائدة عملية عندما تكون القدرة والموارد محدودة . ففي سنة 1993، وفى خطوة غير مسبوقة تحققت بفضل نهاية الحرب الباردة، أنشأ مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة محكمة جنائية دولية ليوغوسلافيا، وهي أول محكمة دولية لجرائم الحرب منذ المحكمتين العسكريتين لنورمبرغ وطوكيو. وجاءت بعد المحكمة الجنائية الدولية ليوغوسلافيا المحكمة الجنائية الدولية لرواندا، لمتابعة مرتكبي أعمال إبادة الأجناس في رواندا في سنة 1994 التي تعرض فيها نحو 800.000 من التوتسى والهوتو المعتدلين للإبادة.
ثانياً البحث عن الحقيقة: غالباً ما تعبر المجتمعات التي تعيش مرحلة انتقالية عن طلبات لفهم مدى وطبيعة العنف أو الانتهاكات التي وقعت أثناء حكم النظام السابق. وينادي الضحايا والمنظمات غير الحكومية لحقوق الإنسان، من بين أطراف أخرى عديدة، بكشف “الحقيقة” حول الماضي، وذلك عادة كرد فعل للنظام السابق الذي كان يعتمد على الأكاذيب والخداع. وقد ظهرت داخل مجال العدالة الانتقالية، عدة طرق لاستجلاء الحقيقة حول الانتهاكات الماضية لحقوق الإنسان. وأشهر طريقة من بين هذه الطرق هي “لجنة الحقيقة”.
ثالثاً التعويض: أمام الانتشار الواسع لانتهاكات حقوق الإنسان، أصبح لزاماً على الحكومات ليس فقط التصدي لمرتكبي هذه التجاوزات بل أيضاً ضمان حقوق الضحايا. وبوسع الحكومات تهيئة الظروف الملائمة لصيانة كرامة الضحايا وتحقيق العدل بواسطة التعويض عن بعض ما لحق بهم من الضرر والمعاناة . وينطوي مفهوم جبر الضرر على معاني عدة من بينها التعويض (عن الضرر أو ضياع الفرص)، رد الاعتبار (لمساندة الضحايا معنوياً وفى حياتهم اليومية) والاسترجاع (استعادة ما فقد قدر المستطاع). يمكن التمييز بين التعويضات بحسب النوع (مادية ومعنوية) والفئة المستهدفة ( فردية/ جماعية). ويمكن أن يتم التعويض المادي عن طريق منح أموال أو محفزات مادية، تقديم خدمات مجانية أو تفضيلية كالصحة والتعليم والسكن. أما التعويض المعنوي فيكون مثلاً عبر إصدار اعتذار رسمي، خلق فضاء عمومي لتخليد ذكرى أو إعلان يوم وطني للذكرى. وتتعدد الأهداف المتوخاة من تدابير جبر الضر مثل الإقرار بفضل الضحايا جماعات وأفراد، ترسيخ ذكرى الانتهاكات في الذاكرة الجماعية، تشجيع التضامن الاجتماعي مع الضحايا، إعطاء رد ملموس على مطالب رفع الحيف وتهيئة المناخ الملائم للمصالحة عبر استرجاع ثقة الضحايا في الدولة. إضافة إلى أن مبدأ التعويضات أصبح إلزامياً بموجب القانون الدولي. سواء منحت للضحايا تعويضات مادية أو لم تمنح، من المهم أن تؤخذ بعين الاعتبار كذلك عدد من الأشكال الإضافية والهامة من أشكال تعويض الضحايا.
أولا، قد يكون من المهم في بعض السياقات، بالنسبة إلى حكومة جديدة أن تحاول إعادة الحقوق القانونية إلى الضحايا أو ممتلكاتهم. مثل إجراءات مساعدة السكان الذين تم ترحيلهم بالقوة أو الذين سرقت أراضيهم، أو إرجاع حقوق الحرية والمكانة الاجتماعية والجنسية، أو إعادة الإدماج في المناصب السابقة في الوظائف العمومية.
ثانيا، قد يكون كذلك من المهم في بعض السياقات وضع برامج خاصة لإعادة تأهيل الضحايا، بما في ذلك المواساة العاطفية والعلاج البدني أو المساعدة الطبية.
ثالثا، ثمة مجموعة واسعة من الإجراءات الرمزية لجبر الضرر والتي يمكن أن تؤخذ بعين الاعتبار، سواء بالنسبة إلى الضحايا بشكل فردى (مثلا، رسائل شخصية للاعتذار من طرف الحكومات الموالية، أو مراسم دفن ملائمة للضحايا القتلى، الخ ) أو الضحايا بصفة عامة (مثلا الاعتراف الرسمي بما جرى من قمع في الماضي، أو تخصيص فضاء عام وأسماء الشوارع، رعاية العروض الخاصة أو الأعمال الفنية، بناء النصب التذكارية العامة والمآثر والمتاحف الخ ).
رابعا الإصلاح المؤسسي: تأتى خطوة الإصلاح المؤسسي كخطوة مكملة وضرورية للخطوات السابقة (المحاكمات، التعويض)، بغرض ضمان سلامة إنجاح مسيرة الانتقال للمجتمع الديمقراطي. فمن غير المنطقي أن تتم المحاسبة وتعويض الضحايا، مع الإبقاء على ذات تشكيل وأعضاء المؤسسات التي تورطت في ارتكاب الجرائم، فقد يتطلب الأمر إجراء تعديلات هيكلية في بعض المؤسسات ذات الصلة بالانتهاكات، أو تطهير تلك المؤسسات من بعض العناصر التي يثبت تورطهم في ارتكاب الجرائم في النظم السابقة، لضمان عدم تكرار تلك الممارسات مرة أخرى في المستقبل من قِبل الأجهزة الإدارية أو أية أجهزه أخرى في الدولة. وهناك العديد من النماذج الدولية، فيما يتعلق بالإصلاح المؤسسي.
خامسا إحياء الذكرى: إحياء الذكرى هو أي حدث أو واقعة أو بنية تعمل كآلية للتذكر. ويمكن أن يتم إحياء الذكرى بشكل رسمي (مثل إقامة نصب تذكاري) أو غير رسمي (مثل بناء جدارية في مجتمع محلى)، رسميا من طرف الدولة أو تلقائياً من طرف المواطنين . ويسعى الناس إلى إحياء ذكرى أحداث الماضي لأسباب عديدة، منها الرغبة في استحضار ذكرى الضحايا و/أو التعرف عليهم، أو تعريف الناس بماضيهم، أو زيادة وعى المجتمع، أو دعم أو تعديل رواية تاريخية أو تشجيع تبني الاحتفال بالذكرى/مسلسل العدالة الانتقالية من أقصى مستوى محلي.
ويُشكل فهم احتياجات الضحايا وعائلاتهم والناجين من انتهاكات حقوق الإنسان الصارخة أحد العناصر الرئيسية في العدالة الانتقالية. ورغم عدم وجود شكل وحيد لتعامل الضحية مع الماضي، إلا أن الضحايا وجمعياتهم المنظمة كثيراً ما يطالِبون بالعمل على بلوغ عدد من أهداف العدالة الانتقالية، بما في ذلك تحقيق العدالة والمحاسبة، إظهار الحقيقة، جبر الأضرار، ضمان عدم تكرار ما جرى. إضافة إلى كل ذلك، غالباً ما يكون هناك مطلب بالتذكر، فتذكر الماضي يتيح نوعاً من تكريم الذين ماتوا أو تمت التضحية بهم. غير أن آليات التذكر يمكن أن تساهم في بلوغ أهداف أخرى للعدالة الانتقالية، بما في ذلك البحث عن الحقيقة، ضمان عدم تكرار الخروقات مستقبلا، تحفيز الحوار والنقاش حول الماضي، وضع سجل تاريخي مناسب، الإنصات لأصوات الضحايا، ومتابعة الأهداف المرتبطة بجبر أضرار الضحايا. علي ان نضع في البال ان معالجة هذة الاثار المتخلفة من الفظاعات والجرائم تحتاج الي فترة طويلة وكذلك لابد تتم متزامنه في اطار شامل من انجاز العدالة والتحول بالمجتمع السوداني من حالة الصراع والنزاع الي حالة السلم والأستقرار في جميع الاقاليم وضمان عدم تكرار وتوفرص فرص عودنه من جديد.. ولكم خالص شكري وتقديري.

مهندس الفاضل سعيد سنهوري
alfadelsanhory@gmail.com

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق