الصفحات

الأربعاء، 28 أكتوبر 2015

سعد الفكهاني


(سعد) ..شاب حدث السن كان يبيع الفاكهة بالقرب من مكان عملي ..اكثر ما يلفت انتباهك له انه كان مبتسما طوال الوقت ..يلقي النكات ويمازح المشترين ..وكنت دائما ادخل معه في جدال الاسعار التي لا تقف عند حد التوقع ...(اسمع يا سعد المنقة دي قالوا في ابو جبيهة القفة فاضية ولا مليانة بي اتنين جنيه ..يعني المنقة دي مجاااااان ..تجي تقول لي الدستة بي ستين جنيه؟؟)...يضحك ملء فيه ويرد (انت مشيتي ابو جبيهة ؟؟ ..) يستطرد عندما يراني اهز رأسي بالنفي (اللوري البشيل المنقة المجان دي .....بيوقفوه في كم حتة؟؟ بيدفع كم لحدي ما يصل الخرطوم ؟؟)..اصمت واذهب في حالي ..ذات مرة قلت له (شوف البرتكان دا كاتبين في الجريدة الدستة بي 15جنيه )..اتسعت ابتسامته وقال (يا عمك ..دا كلام جرايد ساي )..ضحكت سرا ..فقد كنت في ذلك الوقت من ناس الجرايد ديل ...بالامس ...توقفت امام طاولته وكان يعطيني ظهره يتحدث في الهاتف الجوال ..بدأت في تقليب البرتقال وعندما رفعت رأسي لاتحدث فؤجئت بملامح اخرى ..سمعت نفسي اقول باندهاش (هي... لكن انت ما هو!!)...ذات الضحكة العالية (انا ما هو ..انا اخوهو..)..قلت له (وين سعد ؟؟)..قال (سعد قبلوه في الجامعة .. ..اها عايزة كم دستة برتكان ؟؟)...جامعة ؟؟ هل كان يدرس للشهادة السودانية ؟؟ اذكر انني احيانا كنت المحه وهو يقرأ في كراس ويكتب أشياء ..ولكنني كنت اعتقد انها (جدولة ديون ) لبعض زبائنه الكثيرين...(ما شاء الله بقرا شنو؟؟)...قال لي بكل فخر وهو يشير الى الصيدلية (بتاع الدوا دا )...(بدرس صيدلة ؟؟ ) ...(ايوة ..قبلوه في جامعة (...) وذكر احدى جامعات الولايات ...ماشاء الله ..لم يكن يظهر عليه اي توتر ..كان مرحا ..سمحا في البيع والشراء ..يقول لاي شخص يا عمك ...ويعد (الضحاكات) وهو يدندن بصوت خفي ...(متين كان بيقرا الولد دا ؟؟)...(والله كان يجي من المدرسة ..بس يغير هدومه وطوالي يسوق الركشة بتاعتي ويمشي المركزي يحمل الفواكه ويجي هنا ...كنا نقول ليهو يا ولد المكان دا بعيد ...يقول بس انا بقى عندي زباين ما بخليهم ...ويرجع بالليل يساهر يقرا ...لمان نجح جاب مجموع عالي ..كلنا قلنا ليهو لازم تكمل ..وانا قلت ليهو بمشي بمسك ليك تربيزتك ..لكن الناس كلهم من قبيل يسألوا منو)..نماذج مثل هذه تجعلك تشعر بالفخر ان صادفت احدهم ..شاب مثله لم يقف امام طموحه شئ ...لا ضيق الحال ..ولا ذلك الحر الذي كان يقف فيه ..ولا ذلك الغبار الذي تثيره السيارات العابرة بجانبه ...تجده يسارع لتلك التي انزلت زجاج السيارة لتطلب (كم دستة قريب ..وكم كيلو تفاح)...يقف ليجادلني حول سعر المنقة والبرتقال ...يلقي نكتة ..يضحك لها ذلك الرجل ويعطيه فوق ما يطلب ..تربت على كتفه تلك العجوز وتقول له (الله يكرمك يا ولدي )..كان ينثر الفرح من حوله كل يوم ....رافقتك السلامة يا سعد ..بالتوفيق في حياتك العلمية وان شا الله مكان تربيزتك ترجع تفتح صيدلية ...صباح الخير
د. ناهد قرناص

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق