الصفحات

الأربعاء، 7 أكتوبر 2015

الحب غير المشروط



نختار المقعد الذي نجلس عليه في الطائرة ..او القطار ..البص .ولكننا لا نستطيع اختيار من يجلس بجانبنا ..ويرافقنا طوال الرحلة ..نختار الزوج والاسرة والنسب ولكننا لا نتحكم في جنس المولود ولا اكتمال خلقه وهيئته .. ..في تلك الرحلة ..عندما جلست على مقعدي ..ربطت الحزام ..وشرعت في قراءة كتاب احمله معي ..تاخر من سيجلس بجانبي ..حتى اعتقدت انني سأسافر وحيدة ..ولكن في النهاية حضرت سيدة ومعها طفل في العاشرة على ما اعتقد ..كانت تسحبه خلفها وهو يسير بتلكؤ واضح ..ابتسمت لي و...قالت لي بانجليزية ركيكة (ارجو الا نسبب لك ازعاج )..لم افهم ما تقصد ..حتى شاهدتها تساعد ابنها على الجلوس وتربط له الحزام وهو ينظر في اتجاهي ووجهه مضئ بتلك الابتسامة التي تميز اصحاب ذوي الاحتياجات الخاصة ..بادلته الابتسام ..مد يده مصافحا ..ضحكت وانا اهز يده وسألتها (هل يجيد الكلام؟؟)..هزت رأسها بنعم ....عرفت انه وحيدها ..انجبته بعد طول انتظار ..ومن ثم نذرت نفسها له بعد ان هجرها زوجها ....حكت لي معاناتها حتى تدربه على الاعتماد على نفسه ..حلمها كان ان يستطيع افهامها انه يريد الذهاب لقضاء حاجته ...او انه جائع يريد ان يأكل ...كنت استمع اليها وعقلي يعمل ترى كم من المرات صرخنا في اطفالنا و(دعينا )عليهم بالويل والثبور ..وقلنا بحنق (عليك الله دي شقاوة شنو دي)..عند نهاية الرحلة قالت لي (انها تحمد الله على ان وهبها هذا الطفل ..فهو يمنحها هذه الابتسامة الدائمة ..والحب غير المشروط)...تذكرت تلك المراة وعبارتها عندما قرأت رسالة ارسلها احد الشباب الامريكان الذين ولدوا بمتلازمة (الداون) الذين نطلق عليهم لقب المنغوليين ..كان يرد على احدي الاعلاميات التي اتهمت الرئيس (اوباما) قائلة انه شخص (متخلف عقليا)...كان في رسالته يرد بالتفصيل على كل كلمة في اتهامها ..ولكن ما لفتني قوله (انك اذا كنت تريدين الاساءة للرئيس بالحاقه بزمرة المتخلفين عقليا ...فاعلمي انك قد مدحته ..ذلك اننا وبرغم كل ما نعانيه من الجهل بامرنا والتهميش ..لا نزال لا نملك غير الحب الغير مشروط للجميع )...الحب غير المشروط ..مشاعر نقية صافية يرسلونها في ابتساماتهم التي لا تنتهي ..والتي لا يقصدون بها احد محدد...هل وجدت احدهم ..يسب او يلعن ؟؟ متكدرا يصب جام غضبه عليك؟؟ هل صادفت احدا منهم يكيد لاخر كيدا؟؟ يحمل ضغينة او حقدا ؟؟ انهم ملائكة يمشون بيننا ...نظن انهم متخلفون عنا عقليا ولكن الأمر لا يعدو غير انهم يحتاجون زمنا اطول للتعلم ولفهم الاشياء ..لا يطالبوننا بالكثير ..غير.. طولة بال وبعضا من الوقت...
اليوم في عيد التعليم ..قرأت على جنبات الاسافير ان هناك طفلة سودانية ..تدعى منة ... هي من اؤلئك الملائكة ..رفضتها المدرسة لانها لا تزال ترتدي (البامبرز) اكرمكم الله ..هي تريد ان تمنحنا ذلك الحب الغير مشروط ..ونحن نرفض ..تريد ان تضئ المكان بابتسامة ..ونحن ندير ظهرنا بعنجهية ...صغيرتي (منة ) ..اغفري لنا ..لاننا لازلنا متخلفون فكريا ووجدانيا ... ...اغفري فالله وحده يعلم من المتخلف منا...اما اؤلئك الاهالي الذين حباهم الله بطفل مثلك ..فهنيئا لهم ..ذلك الحب غير المشروط ...وتلك الابتسامة الدائمة ...وووصباحكم خير
د. ناهد قرناص

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق