الصفحات

الخميس، 1 أكتوبر 2015

آليًة المقاومة المدنيًة..استهداف رأس الحيًة


مصطفى عمر

من يقولون بأنً الشعب السوداني انتهى ، جبان، خانع..مستسلم..و يتمادون في الإساءة و التجريح عليهم أن يبحثوا أولاً عن هذه الصفات في أنفسهم إن كانوا سودانيين لأنًهم جزء منه، هذا هو التعميم الذي يضع الأغلبيًة المطلقة في نفس الخانة مع الأقليًة من الشًواذ عن القاعدة العامًة، من المرتزقة أرباب الضلال و الخزي و الخيبة.. من يرددون هذه الترهات من غير ذوو الغرض ، ليسوا سوى ضعاف العزيمة ممًن لا يمتلكون الإرادة التي تقف شامخةً تتحدي المحن و الظروف حتًى يتغيًر الواقع المزري، مشاكلنا لن يحلًها الضعف واليأس إنًما التحدي و ولوج الصعاب فمن يتهيًب صعود الجبال يعيش طول عمره بين الحفر و المستنقعات الآسنة التي هي من صنع أخوان الخيبة و الانبطاح..أمًا صاحب الإرادة يمكنه أن يصنع القوًة و المهارة التي تعينه على بلوغ غايته..و ما يفيده و مجتمعه.. ، فالإرادة تعني الأمل في غد أفضل و هذا يتطلب العمل في الحاضر والتقدير لتجربة الماضي و الاستفادة من تجارب الآخرين...، و من يقولون بأنً الكلام لا يفيد عليهم أن يأتوا لنا بحلول أو رأي سديد دون أن يتكلموا أو يكتبوا..شرط أن يكون فيه مخرجاً من الحال البئيس الذي نعيشه و سنكون خلفهم ...، و إلاً فليلتزموا رذيلة الصمت.. فمن يصف عشيرته و أهله بالجبن و الهوان لا فرق بينه و أهل النظام، و هذا عين السفه و الانحطاط...، 

بلغَ السَّيْلُ الزُّبَى.. و فاضت كل مواعين الاحتمال ، و لم نعد نحتمل المزيد ، و لم يتغيًر شئ على الرغم من أن الناس لم يستكينوا يوماً لنظام عرفوا قبحه فالمقاومة مستمرًة و كل يوم تزداد..، و كفاحنا ضد النظام ارتقى لدرجة انتهاك القوانين الظالمة و إثارة وعي أفراد المجتمع ،وهنالك المزيد.. نريد إسقاط النظام و هذا لديه شروط لم نستوفها بعد نتيجةً لتشرذمنا و ليس ضعفنا أو جبننا....

هنالك أمران لا يدركها الكثير من النًاس: أوًلاً: أنً المقاومة المدنيًة لديها شروط نجاح أهمها العلنيًة و الاستعداد لتقبل العقوبة، الآن كل ما يجري يحدث في العلن و لكن الناس متفرقون لذلك لا بد من توحيد كل القوى الثوريًة في حركة واحدة حتى تكتسب القوًة المؤثرة.. الأمر الثاًني هو أنً الاحتجاج كأحد تكتيكات المقاومة لبلوغ أهداف محدًدة مرتفع المخاطر لذلك نحتاج أن يتم بطريقة تقلل من مخاطره و هذا يأتي بالتخطيط الاستراتيجي لعمل المقاومة ..، و أنً التكتيك يجب أن يكون جزءاً من إستراتيجية تمً إعدادها سلفاً.. ، استيفاء هذان الشًرطان يحتاج القيادات المدرًبة التي يمكنها رسم الاستراتيجيًات التي تجعل عمل المقاومة جزءاً من حياة النًاس اليوميًة..، هنالك مدرستان لعمل المقاومة المدنيًة اللاعنفيًة، أحداهما لا تتناسب مع ظروفنا، لنرى الفرق ....

مدارس المقاومة المدنيًة

المدرسة الأولى تاريخيًاً هي التي عرفت لاحقاً بـ"المدرسة الكنقيةKingian nonviolence) ) ، وهذه أسسها مارتن لوثر كينج..، عندها اللاعنف أسلوب حياة ..، أما المدرسة الحديثة ( البراغماتيًة) و تعني البراغماتيًة العملانيًة أي عمل نظريات قابلة للتطبيق العملي ثمً تطبيقها على أساس أنًها جربت و ثبت نجاحها، و إن كانت تتعارض مع مبدأ محدًد نتجاهل المبدأ طالما أنًه لا يحقق منفعتنا و هدفنا النهائي..، فمثلاً نحن لانمانع العمل العسكري كمبدأ لاقتلاع الديكتاتوريًات مطلقاً ، إلاً أنًه نتيجةً للدراسات تبيًن أنً اللاعنف أنجع من العمل العسكري و أفضل نتائجاً بنسبة الضعف..هنا الفرق واضح بين المدرستين إذ أنً الأولى لديها مبادئ تتعامل معها على أنًها معتقدات راسخة و لا تضعها في مقارنة بين المبدئية و النفعيًة..، المدرسة البراغماتيًة أسسها جين شارب في الثمانينات و ظل رائدها حتًى يومنا هذا..و منهجياتها و أساليبها هي التي تناسب واقعنا السوداني، رغم ذلك لا بأس أن نتحدث قليلاً عن المدرسة الأولى...

المدرسة الكنقيًة:

الحركة الشعبية لمارتن لوثر كينغ كان وراءها ظهير قضائي، إذ أن المحاكم في الولايات المتحدة أقرت بأن القوانين غير عادلة ولا تتناسب مع الدستور، ولولا دعم المحكمة العليا في الولايات المتحدة ما كان لها أن تحصل على نتائج، كذلك مشاركة المحاكم وذهاب الكثيرين إلى رفع دعاوى (أي استخدموا القنوات القانونيًة الموجودة في النظام، و هذه في حد ذاتها تتعارض مع منهج اللاعنف البراغماتي).. بالتالي كانت المحكمة العليا تريد أن يحصل الجميع على العدالة، ففي الولايات المتحدة هناك فصل بين السلطات الثلاث في الدولة هذا جانب، الجانب الآخر، كانت هنالك حركات لاعنفيًة يقودها أناس ينتهجون اللاعنف البراغماتي في نفس الفترة الزمنيًة يتشاركون نفس القضايا منهم على سبيل المثال مالكوم إكس ، يقودون حركات مقاومة تحرريًة كان لهم الأثر الأكبر على نجاح حركة الحقوق المدنيًة، ...، أمًا نجاحات غاندي في الهند لم يكن لينالها لو لا تغييره لاستراتيجيًاته لاحقاً...إذاً اللاعنف الكنقي صعب النجاح في واقعنا السوداني بسبب دمويًة النظام و عدم وجود فصل بين السلطات، لذلك ما يناسبنا " المدرسة البراغماتيًة"،

اللاعنف الكنقي "Kingian Nonviolence" منهجية تعمل داخل إطار عملي ونظري لفهم السلطة وممارسة اللاعنف...مستمدًة من فلسفات الدكتور مارتن لوثر كينغ، واستراتيجيات وتكتيكات حركة الحقوق المدنية، وكذلك فلسفة الممارسين والمنظرين مثل ثورو، غاندي، وتولستوي، وريتشارد جريج، و آخرين ..، على الرغم من أن هذه المدرسة تحمل اسم كينغ إلاً أنَ الاسم قصد منه الإشارة إلى منهجيتها عن السلام و اللاعنف.

خصائص هذه المدرسة أنًها تطبق اللاعنف على أنًه ليس فقط إستراتيجية لحركات المقاومة الاجتماعية، و إنًما أيضاً أسلوب حياة لشعب شجاع..".اللاعنف الكنقي" يتميز عن اللاعنف البراغماتي في أنه يسعى لمعالجة الأسباب الجذرية للمشكلة بدلا من أعراض الظلم...حيث ترى اللاعنف أداة لتمكين الذات، أمًا الفرق بينهما كما أشرنا فهو أنً المدارس البراعماتيًة لا تعترف بالمؤسسات القائمة و تعمل خارج إطارها..نفس التعريف واحد في شقه الأوًل..في أن اللاعنف هو "القوة النشطة" ..، تعريف المدرسة البراغماتيًة "القوًة النشطة غير التقليديًة"، أي إستراتيجية تقوم على المهارات لتحقيق التغيير و ليس غايةً في ذاته..
اللاعنف الكنقي يختلف عن البراغماتي في أنه ينظر إلى اللاعنف كوسيلة لتحقيق كلا من التحول الهيكلي و على المستوى الشخصي ، فهو يقوم على أساس أنً المصالحة والعدالة هى الهدف المنشود النهائي للصراع..حالياً يدرًس منهج اللاعنف الكنقي في المدارس والسجون والمراكز المجتمعية في جميع أنحاء الولايات المتحدة، وعلى نحو متزايد في جميع أنحاء العالم… ويوفر للناس العاديين من ذوي المهارات العامة الأدوات التي تمكنهم من تغيير أسلوب حياتهم وحياة الآخرين...و يقوم على ركنين رئيسيين هما (1) المبادئ الستة للاعنف، و(2)الخطوات الست اللاعنف. .. ينظر إلى المبادئ على أنًها تمثل إرادة اللاعنف، وينظر إلى الخطوات على أنًها تمثل المهارات و الاستراتيجيًات و الاثنان لا يمكن الفصل بينهما..حيث أنً التمسك بمبادئ هذه المدرسة هو جزء من الإستراتيجية..فكان على كل من يرغب في التطوع توقيع بطاقة التزام يتعهد بموجبها بالآتي:
بتوقيعي هذا أنذر نفسي – شخصًا وجسمًا – للحركة اللاعنفية. لذا سألتزم بالوصايا العشر التالية: سأتذكر دومًا أن الحركة اللاعنفية تسعى إلى العدالة والمصالحة وليس إلى النصر، سأسير وأنطق بمقتضى المحبة ،سأصلِّي يوميًّا لكي يستعملني الله في سبيل تحرُّر البشر قاطبة، سأضحِّي بأمانيَّ الشخصية في سبيل تحرُّر البشر قاطبة، سأتقيَّد بقواعد التهذيب المعتادة مع كلا الصديق والعدو،سأسعى إلى المداومة على خدمة الآخرين والعالم، سأنتهي عن عنف اليد واللسان والقلب، سأجتهد في الحرص على صحتي الروحية والبدنية، سأتبع توجيهات الحركة وتوجيهات القائد في أثناء كلِّ مظاهرة.

المبادئ الستة للاعنف الكنقي:

تعتبر المبادئ الستة بمثابة لائحة سلوك لممارس اللاعنف وتقوم هذه المبادئ على قيم عالمية مشتركة من قبل الناس في جميع أنحاء العالم...في كتابه الخطو باتجاه الحرية يشرح مارتن لوثر كينغ كيف قادتْ المحبة والمناهج اللاعنفية الحركةَ... ففي الاجتماعات الأسبوعية كان يشدِّد على أنً استعمال العنف سيكون غير عملي وغير أخلاقي و يقول:"الكراهية تولد الكراهية؛ العنف ينسل العنف؛ الفظاظة تسبِّب فظاظة أكبر. علينا أن نقابل قوى الكراهية بقدرة المحبة؛ علينا أن نقابل القوة المادية بقوة الروح. غايتنا ينبغي ألا تكون أبدًا هزيمة الرجل الأبيض أو إذلاله، بل كسب صداقته وتفهُّمه" (هنا اختلاف كبير مع المدرسة البراغماتيًة إذ أنًها تعمل على تدمير الخصم و تقويض قوًته و تسعى إلى تحقيق النصر جنباً إلى جنب مع العدالة و لا تفصل بينهما، خطابها ليس موجهاً للبشر قاطبة ..الخ).



في كتاب الخطو باتجاه الحرية بيَّن مارتن لوثر ستَّ نقاط حول فلسفة اللاعنف:

1. لا يتأسَّس على الجبن؛ يتطلَّب الشجاعة للوقوف في وجه الظلم. 
2. لا يستهدف هزيمة الخصم إنما كسب تفهُّمه من أجل إيجاد "المجتمع الحبيب".( هنا فرق جوهري مع المدرسة البراغماتيًة)
3. موجَّه ضدَّ الشرِّ، وليس ضدَّ الناس الذين يمارسون الشر؛ النزاع بين العدل والظلم..( أيضاً يختلف مع المنهج البراغماتي) 
4. الاستعداد لتقبُّل الألم 
5. ليس المطلوب تجنب العنف المادي وحسب، بل العنف النفسي كذلك ( أيضاً يختلف مع المنهج البراغماتي)
6. الإيمان بأن العدل سوف يتغلَّب في النهاية.

المبدأ الأول : هو أن اللاعنف وسيلة لحياة شعب شجاع… قوة إيجابية، و وسيلة للحياة. ..يمكنك الاختيار لتعيش حياتك على أساس مبادئ اللاعنف…الأمر يحتاج إلى شجاعة للوقوف في وجه الظلم الذي تراه لمعالجة القضايا الصعبة والمثيرة للاهتمام.. شكل من أشكال المقاومة، وبالتالي فإنه يتطلب القوة والانضباط من أجل التغيير والمصالحة، ولكن ذلك يتطلب القدرات العاطفية والفكرية الروحية.

المبدأ الثاني: المجتمع الحبيب هو إطار للمستقبل… النهج اللاعنفي محاولة لتحقيق عالم يسوده الوئام من خلال رفع العلاقات بين الناس في المجتمع إلى مستوى يسوده العدل وجميع الناس قادرون على تحقيق الإمكانات البشرية الكاملة بارتقاء الكتلة الحرجة من الناس إلى فلسفة وأساليب اللاعنف. المجتمع الحبيب يعني الحب والثقة و الانتصار على الخوف والكراهية. ..العدالة يمكن أن تترسخ و هذا ما تعمل الحركة من أجله في المدى البعيد.

المبدأ الثالث : مهاجمة قوى الشر و ليس الناس الذين يمارسون الشر. ويركز النهج اللاعنفي على الشروط الأساسية والأسباب الجذرية للصراع وليس على الأفراد الذين يقومون بالظلم. في هذا المعنى، لا يسعى النهج اللاعنفي لإذلال أو تدمير المرء على اعتباره عدو، بل يسعى للصداقة والتفاهم. في حركة الحقوق المدنية على سبيل المثال، لم يكن الناس يستهدفون الأفراد الذين يسنون القوانين الجائرة أو فرض الفصل في المطاعم والأماكن العامة أو في حافلات المدينة. بدلا من ذلك، الحركة ركزت طاقتها وجهودها على تغيير ظروف النزاع، في هذه الحالة إنهاء العنصرية النظامية من خلال استخدام أساليب غير عنيفة بهدف الضغط على السلطة لإجبارها التخلي عن القوانين الجائرة.

المبدأ الرابع : قبول المعاناة دون انتقام ، يعتقد غاندي أن اختيار المعاناة طوعيًاً تساعد الحركة لتنمو روحيا وتمنحها بعدا إنسانيا.. هذا المبدأ يعني أن الالتزام بنبذ العنف يتطلب قدرا معينا من التضحية والمعاناة. من منظور استراتيجي، يمكننا القول أن هذا المبدأ يعزز أهمية الحفاظ على الانضباط اللاعنفي حتى في مواجهة القمع والعنف، بمعنى آخر مخاطبة ضمير الخصم ( هذا المبدأ ثبت بأنًه لا يعمل، و حتًى غاندي تخلى عنه بعد حادثة الملح) .

المبدأ الخامس: تجنب العنف الداخلي للروح، بالإضافة إلى تجنب العنف الجسدي الخارجي. العنف الداخلي العاطفي من روحنا ضار لأجسادنا ومجتمعنا ككل. النقد الذاتي أو إيواء الكراهية تجاه الآخرين، والشعور باليأس هذه كلها ضارة لدواخلنا، يؤدي العنف العاطفي الداخلي للعنف الجسدي وهناك العديد من الأشياء التي يمكننا القيام بها لرفع معنوياتنا لإحداث شعور السلام الداخلي والهدوء. سواء كان ذلك بممارسة العبادات ،ممارسة الرياضة، الأنشطة المحببة للترويح عن النفس.. فمن المهم لمن يمارس العمل اللاعنفي الرعاية الذاتية من أجل الحفاظ على مستوى عال من المعنويات خلال الحملات في حين أن الغضب الذي يكمن داخل أنفسنا يمكن أن يحرقنا من الداخل، الحفاظ على الشعور بالحب يمكن أن يقوينا خلال أوقات الشدًة في الحملات اللاعنفية (هذا المبدأ و الكثير غيره مبادئ دينيًة في الأصل).

المبدأ السادس والأخير: أن الكون هو على جانب من العدالة، يقول مارتن لوثر كينج: "إن قوس الكون الأخلاقي طويل، لكنه ينحني نحو العدالة." قد يستغرق بعض الوقت بالنسبة لنا لتحقيق أهدافنا ولكن في عمق فلسفة اللاعنف هو الاعتقاد بأن الحقيقة و الحب هي موجهات المجتمع البشري، اللاعنف هو السياق الأخلاقي للوسيلة والغاية..

الخطوات الستة :
حسب المدرسة الكنقيًة.. يعتمد عمل اللاعنف على ست خطوات تربط بين طرفي العلاقة ممثلة في النظام والشعب، والتي تعتمد أساساً على جمع الحقائق والمفاوضات والنقاش والتصالح والالتزام باحتواء الاحباطات و تقديم تنازلات من كلا الطرفين...
فعندما تنعدم الثقة ، في غياب الرغبة في حل النزاع، نكون وصلنا إلى طريق مسدود، لذلك يجب أن يكون هناك تصرف مباشر،.. كما حصل في تلك الفترة التي عاصرها مارتن لوثر كنج، في بداية المقاومة قام السود بتصرف مباشر، بعدم استخدام المواصلات بعد أن تعرضت سيدة سوداء لمحاولات طرد من الحافلة التي كانت تستقلها وعندما رفضت تم إلقاء القبض عليها، فما كان من السود إلا أن امتنعوا عن استخدام المواصلات لأكثر من ‬350 يوماً، الأمر الذي أحدث خسائر جسيمة، ما اضطر أصحاب الشركات إلى أن يفتحوا حواراً لتأمين مصالحهم...ثم بعدها توالت الحملات الناجحة تباعاً..

استطاع مارتن لوثر كنغ تحويل القهر والغضب، عبر فهمه مراراً أن العنف لغة الذين لم يسمع صوتهم، لذلك غالباً ما يعبرون عن غضبهم من خلال العنف، فيما ظهر ورفاقه ليستخدموا نوعاً آخر من التعبير عن هذا القهر والرفض عبر الحوار والتظاهر السلمي، لاسيما مع ما كان يمارس ضدهم من اضطهاد، إذ اعتقل نحو ‬40 مرة، بسبب أمور لم يؤمن بها، جراء القوانين غير المنصفة، على سبيل المثال وليس الحصر، الرجال السود لايمكنهم التسوق من المدينة، كما انهم منعوا من شرب المياه في المدن، من هنا قرر السود عدم المشاركة في الاقتصاد، الأمر الذي طرحت على إثره قوانين بحقوق السود، منها حق الانتخاب، وحق اختيار المكان الذي يعيشون فيه.

في مساء 3 أبريل 1968 ألقى مارتن لوثر كينغ خطابه الأخير " قمة الجبل"، كان في غاية السعادة بالصعود إلى قمة الجبل و رؤية حلمه يتحقق.. فجمع في وقت لاحق مجموعة من القريبين منه وأخبرهم عن رؤيته الجديدة،كانت هذه الرؤية هي تدويل وإضفاء الطابع المؤسسي على تدريس اللاعنف، كان قادراً على تحقيق هذا الحلم، في اليوم التالي اغتيل خارج الفندق الذي ينزل فيه في ممفيس، وكان الدكتور برنارد لافاييت مع الدكتور كينغ في ذلك المساء، وجنبا إلى جنب مع شخصية مهمة أخرى من حركة الحقوق المدنية، الدكتور ديفيد جونسون،فعمل الاثنان على تطوير مناهج اللاعنف والتدريب في محاولة لتحقيق حلم الملك ومواصلة التدريب على كيفية عمل اللاعنف...فكان ميلاد مدرسة مارتن لوثر كينغ .

المدرسة الحديثة (البراغماتيًة):

سبق و أن كتبت مقالاً يصلح مدخلاً للحديث عن هذه المدرسة بعنوان " البروفيسور جين شارب: إسقاط ديكتاتوريات القرن ونظرية حرب اللاعنف" يمكن الاطلاع عليه: http://www.alrakoba.net/news-action-show-id-199271.htm
جين شارب أول من وضع كل هذه الأفكار في إطار الإستراتيجية السياسية من أجل التغيير السلمي والنضال ضد الديكتاتوريات..لديه كمية هائلة من المؤلفات تتحدث عن بناء حركات المقاومة، الاستراتيجيات و التكتيكات .. منها "البدائل الحقيقيًة"و "كفاح اللاعنف وسيلة فعالة للعمل السياسي" و "دور القوة في الكفاح اللاعنفي" و "الانتفاضة والنضال بلاعنف" و "شن النضال اللاعنفي" ، "القوة الاجتماعيًة والحرية السياسية" ، "تحرير النفس" ، و غيرها..، أكثرها شهرة "من الديمقراطيًة إلى الديكتاتوريًة"...، تميز المسار العلمي لـجين شارب بدراسته خلال سنوات الخمسينات لنظرية العصيان المدني لكل من هنري ثورو والمهاتما غاندي صدر كتابه الأول في العام 1960 ، خصصه لدراسة منهج غاندي.. كتب افتتاحيته ألبرت إنشتاين ..فالطاعة والعصيان، عند غاندي و ثورو مسألة أخلاقية و عقائديًة قبل أن تكون سياسية.. بحيث أن ما كانا يعتبرانه غاية في حد ذاته يمكن فهمه على أنه وسيلة ... لذلك يمكن اعتبار العصيان المدني تقنية في العمل السياسي و العسكري. فتعامل غاندي مع اللاعنف مرً بمرحلتين، الأولى آمن باللاعنف لأنه نقي أخلاقيًاً..و عندما لم تكن النتائج بالمستوى المطلوب غيًر من استراتيجيًاته و تعامل معه لأنًه فعال سياسياً وليس لأنه نقي أخلاقياً...، هذا يفسٍر التحول في إستراتيجية غاندي من اللاعنف بعد ارتفاع حدًة القمع..

من الديكتاتورية إلى الديمقراطية
في مقال استقصائي بصحيفة العرب اللندنيًة بتاريخ 28/6/2014 بعنوان "شارب نجح في صنع انفتاح فكري ساهم في خلق حوار مجتمعي تبنى أسس التغيير بين الشعوب المقهورة وحتميته" يقول كاتب المقال / عبد الحاج: كتاب “من الديكتاتورية إلى الديمقراطية”، دخل في موسوعة الكتب التي أثّرت في التاريخ السياسي الإنساني، ومنها كتاب “الأمير” لميكافيلي، و “صراع الحضارات” لهنتنغتون، و “نهاية التاريخ” لفوكاياما، وجميعها شكلت نقاط تحول هامة في تاريخ الفكر السياسي وتطوره نحو التطبيق الفعلي للتعددية وأسلوب الحكم الديمقراطي...

يفصّل شارب رؤيته لمجموعة عوامل أثرت وتؤثر على حصيلة المقاومة السلمية منها: العوامل الاجتماعيًة، تلك المتعلقة بالنظام الحاكم، و المتعلقة بالطرف الثالث ودرجة تعاطفه مع المقاومة أو النظام، وعوامل أخرى لها علاقة بمجموعات وأطياف المقاوِمة، ليصل بنا إلى نظريته المقاومة المدنية المبنية على تحليل مصادر القوة، وأن هناك ستة مصادر للقوة، تشكل المفتاح لفهم طبيعتها التعددية، وهي الشرعية والموارد البشرية والمهارات والمعرفة...عوامل غير ملموسة مثل الدين والموارد المادية والعقوبات، لكن الطاعة هي قلب القوة السياسية..، وأن الهدف هو دفع الناس إلى سحب طاعتهم للحاكم من أجل إنجاز التغيير، ولكن قد نفشل أحياناً بسبب الخوف من العقوبة أو لمنافع شخصية، ..(أو أي من الأسباب الثمانية للطاعة..التي تطرقنا إليها سابقاً)...


دور مؤسسة ألبرت أينشتاين في دعم المقاومة المدنية:

في العام 1983، نجح جين شارب في بلورة البرنامج الخاص بالعقوبات اللاعنفية في مركز الشؤون الدولية بجامعة هارفارد، حيث طور أبحاثا في العلوم الاجتماعية عن إمكانية لجوء سكان غرب أوروبا للعصيان المدني لمواجهة الغزو المحتمل لجيوش حلف وارسو تماماً كما حدث في الدنمارك إبان النازيًة، حيث لجأ الدنماركيون وقتها للعصيان المدني و حرموا ألمانيا من الاستفادة من مواردهم...

كذلك أسس “مؤسسة ألبرت أينشتاين” في بوسطن لغرضين أولهما تمويل أبحاثه الجامعية ثم تطبيق نماذجه على أرض الواقع... قبل أن يصدر في العام 1985 كتابه عن كيفية جعل غزو أوروبا أمرا مستحيلا، والذي كتب مقدمته السفير جورج فورست كينان، الأب الروحي للحرب الباردة. وفي العام 1987، استفادت “مؤسسة ألبرت أينشتاين” من الإعانة المالية لـ“المعهد الأمريكي للسلام”. فنظمت منتديات ومؤتمرات لتشكيل حلفاء للدفاع عبر العصيان المدني ضد الشيوعية و خطرها المحتمل. كذلك أدخل الجنرال جورج فريكو شانو مفهوم «الردع المدني» إلى “مؤسسة دراسات أنظمة الدفاع الوطني”.

ففي أكتوبر من العام 1990، ذهب جين شارب وفريقه إلى السويد و قابلوا مجموعة من السياسيين اللتوانيين لتنظيم مقاومة شعبية ضد الجيش الأحمر...وبعد أشهر من ذلك، حين اندلعت الأزمة في مايو من العام 1991، وما تلاها من نشر غورباتشوف لقواته الخاصة، كان جين شارب و معهد ألبرت إنشتاين يقدم التدريب و الاستشارات لمجموعة المبادرة..، وفي يونيو من العام 1992 نظم وزير دفاع ليتوانيا المستقلة أودريوس بيتكيفيتشوس ندوة لتكريم العمل الجبار والحازم الذي قامت به “مؤسسة ألبرت أينشتاين” في سبيل تمكين دول البلطيق (ليتوانيا، استونيا و لا تفيا) من نيل استقلالها.

في القرن الحالي ظهر دور معهد ألبرت إنشتاين و جين شارب جلياً في التدريب على المقاومة المدنية و مبادئ اللاعنف مما كان له الدور الفاعل في تحرير جمهوريات البلطيق و دول أوروبا الشرقيًة ، و انشأ معهد كانفاس في صربيا و بفضله نجح الصرب في إسقاط ديكتاتورية مسيلوفيتش في العام 2000م و تمكن معهد كانفاس من تدريب المقاومة الجورجية التي نجحت في اقتلاع شيفرنادزة ، و كذلك الثورات الملونة ومنذ ذلك الوقت ظل معهد ألبرت إنشتاين أحد المساهمين الرئيسيين في دعم حركات المقاومة اللاعنفية في جميع أنحاء العالم.
الكتب التي أشرنا إليها أعلاه هي المرجع الأساسي لمادة الحديث في المبحث القادم و ما يليه حيث تكون مرجعيًة الخطط و الاستراتيجيًات التي سنستخدمها لتوزيع الأدوار والمهام .

مصطفى عمر
mustafasd1@hotmail.com

الراكوبة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق