الصفحات

السبت، 13 فبراير 2016

شكا من التهميش ولوِّح بفض الشراكة الحسن الميرغني.. هل “يكذِّب” التوقعات ويمشي على خطى “الصادق”؟


يبدو أن محمد الحسن الميرغني مساعد رئيس الجمهورية في طريقه إلى استنساخ ذات السيناريو القديم الذي مشى عليه شقيقه جعفر الصادق، حينما ترك موقعه في القصر الرئاسي، كمساعد لرئيس الجمهورية، بحجة أنه مساعد بلا صلاحيات. وهي ذات الحجة التي ساقها الحسن الميرغني في سبيل تبرير غضبته المضرية التي جعلته يصف مشاركة حزبه في الحكومة بأنها مشاركة فرجة فقط. بل إن الرجل الذي أظهر حماسة بالغة النظير للمشاركة في الحكومة عاد وأظهر زهداً كبيراً في استمرار حزبه في الحكومة، بعدما خرج إلى الناس معلناً أن رئاسة الجمهورية لم تكلفه بأي مهمة طوال وجوده في القصر الرئاسي.

على خطى السابقين
ماً، إذا صح أن الحسن الميرغني، في طريقه إلى الخروج من القصر الجمهوري، فإن ذلك يعني، أن الاتهامات ستعود ناحية المؤتمر الوطني مجدداً بحجة أنه يقوم بإشراك الأحزاب في السلطة من باب إشباع البطون، وليس من باب المشاركة الفاعلة في حل أزمة الوطن، فقد اتهم آخرون المؤتمر الوطني – قبل الحسن الميرغني – بأنه يسعى إلى تصميم مشاركة ديكورية للأحزاب التي يوقع معها اتفاقيات سياسية أو عسكرية. وقريباً من هذا فإن رئيس حركة تحرير السودان مني أركو مناوي سبق أن قال إنه يشغل منصب مساعد رئيس الجمهورية لكن لا يملك صلاحيات، بل إن الرجل قال إن “مساعد الحلة أفضل منه”. وهو ذات الدرب الذي مشى عليه الحسن الميرغني الذي قال إن حزبه يمارس الفرجة السياسية، بينما يقوم المؤتمر الوطني بتنفيذ كل شيء.

ودائماً ما يُتهم المؤتمر الوطني بتهميش الذين يوقعون معه اتفاق شراكة سواء من الأحزاب أو الحركات المسلحة، وأنه يقوم بإبعادهم من قضايا البلاد المصيرية، ويحصر مشاركتهم في الوزارات والمناصب الدستورية غير المهمة، أو التي توصف بالهامشية. وقريباً من سيناريو مني أركو مناوي فإن رئيس حزب الأمة الإصلاح والتجديد مبارك الفاضل، تجرع من ذات الكأس.
الشاهد أن الحسن الميرغني سبق أن خرج إلى الإعلام وأعلن أنه غير راضٍ عن الشراكة مع المؤتمر الوطني، لكنه حديثه الأخير وضع الكثير من النقاط فوق الحروف. بعدما ضاق ذرعاً بالتهميش، وهو ما أجبره على التأكيد بأنه مستاء من المشاركة في السلطة مع المؤتمر الوطني. وهذا الحديث تحديداً له ما بعده على اعتبار أن الحسن تحدث بلغة خشنة لم يألفها المراقبون عند الرجل، وخصوصاً عندما يتحدث عن مشاركة حزبه في الحكومة.

“الدواعش” يكسبون
ارتبط محمد الحسن الميرغني عند كثير من المتابعين بحربه الشرسة ناحية بعض قادة حزبه ممن يرفضون مشاركة الاتحادي الأصل في الحكومة. بل إن الرجل اجترح مفردة “الدواعش” ووسم بها قادة حزبه ممن يملكون رأياً سالباً في أدائه وفي مشاركة الحزب في الحكومة. ويبدو أن الدواعش قد كسبوا بعض الرهان، خاصة بعدما خرج الحسن الميرغني إلى الناس شاكياً من تهميشه داخل القصر الجمهوري. وهو ما صبّ في صالح الذين حذروا من هذه الشراكة منذ البداية، خاصة بعد فشل مشاركة الاتحادي الأصل في الحكومة عقب انتخابات أبريل 2010م. ويرى كثير من المراقبين أن موقف الحسن الميرغني الأخير يحتمل أن يُقرأ في سياق أنه خطوة للخروج من الشراكة، ويحتمل أيضاً أن يتم وصفه بأنه تكتيكاً للضغط على حزب المؤتمر الوطني لتقديم بعض التنازلات بما يمكِّن الحسن الميرغني من الإمساك ببعض الملفات المهمة بدلاً من تهميشه على نحو ما ذكره الرجل.


القرار الخاطئ
جاءت مشاركة الحزب الاتحادي “الأصل” بعد مخاض عسير شهد عدة انقسامات تخللها استقالات بعض أعضاء هيئة القيادة بالحزب مثل علي نايل بينما آثر الآخرون رفع الكارت الأحمر في وجه محمد الحسن الميرغني مهندس الشراكة مثل الشيخ حسن أبو سبيب الذي تخير تكوين جسم تنظيمي رفقة آخرين لمناهضة الشراكة. وربما هذا ما جعل مجموعة أبو سبيب تبدو في حالة أقرب إلى الشماتة السياسية بعدما أعلن الحسن الميرغني أنه مستاء من مشاركة حزبه في الحكومة. يقول عضو هيئة قيادة الاتحادي الأصل حسن أبو سبيب في حديثه مع (الصيحة) إن ما توصل إليه الحسن من أن الشراكة غير مجدية، قلناه بعد لقاءات مع الموتمر الوطني الذي كان يناقش أمر الشراكة على أساس أنها محاصصة بينما نراها خطوة لحل أزمة السودان.

يرى بعض قادة الحزب الاتحادي الأصل أن المشاركة كانت خطأ منذ البداية، خاصة بعد أن رفض الموتمر الوطني كثير من مقترحات اللجنة التي كونها الحزب للتفاوض معه بخصوص تحديد الاختصاصات وتقاسم الملفات كما ذكر حسن أبوسبيب، منوهاً إلى أن اللجنة الممثلة للحزب الاتحادي أوصت بعدم المشاركة بعد رفض المؤتمر الوطني الملفات التي طالب بتوليها الحزب الاتحادي مثل منصب نائب رئيس الجمهورية ووزارة الزراعة والصناعة والمالية بالإضافة لوزارة الخارجية وملفي دارفور والولايات المتحدة الأمريكية بحكم العلاقات الجيدة للحزب معها.

التفاف على توصيات اللجنة
الغضبة الكبيرة التي أبداها الحسن الميرغني، جراء ما أسماه تهميشه داخل القصر الجمهوري، ليس مستغربة، وهي فعل سياسي متوقع من المؤتمر الوطني، وهذه الوجهة مضى إليها عضو هيئة قيادة الاتحادي الأصل حسن أبو سبيب، منوهاً إلى أن الحزب لم يأخذ بالتقرير الذي قدمته اللجنة لرئيس الحزب محمد عثمان الميرغني، ولفت إلى أن أحمد سعد عمر وعثمان عمر الشريف وعبد المجيد عبد الرحيم اتفقوا مع الميرغني على المشاركة دون مراعاه لرؤية قواعد الحزب ولجنته المفاوضة والمفوضة من قبل رئيس الحزب. وقريباً من هذه الفرضية يرى المحلل السياسي عز الدين المنصور إن الحزب الاتحادي الأصل وقع في الفخ حينما قبل بالمشاركة دون اتفاق مكتوب على برنامج محدد، وقال لـ(الصيحة) إن مشاركة الاتحادي لم ترتكز على برنامج أو مشروع سياسي، وبالتالي من الطبيعي أن تتعثر وأن يشعر الحسن الميرغني بالتهميش، على اعتبار أنه لا توجد خطة سياسية بين الوطني والاتحادي، وأن المشاركة تبدو أقرب إلى المحاصصة منها إلى الاتفاق السياسي على برنامج محدد يتوجب تنفيذه، منوهاً إلى أن الاتحادي رضي بالمشاركة في الحكومة وفقاً لبرنامج المؤتمر الوطني وبرنامج مرشحه الرئاسي وبالتالي عليه أن يقبل بتبعات ذلك، حتى لو أدى إلى تهميشه.


تجريب المجرب
الحالة التي عليها الحسن الآن ليست بجديدة على الحزب الاتحادي إذ سبق لشقيقه جعفر الصادق الميرغني الذي حط رحاله في القصر الجمهوري مساعدًا للرئيس، أن خرج إلى الناس معلناً تبرمه وضجره من جلوسه في القصر بلا مهام فعلية. ومعلوم أن جعفر الذي يميل للصمت كثيراً، عكس شقيقه الحسن أمضى في منصبه مدة قصيرة لم تكن عامرة بالبذل السياسي، إذ أنه سرعان ما غادر القصر مغاضباً بعد ما أحس بأنه مساعد بلا صلاحيات وهو ما دعاه لأن يغادر مكتبه الفخيم في شارع النيل، وأن يترك مسكنه المخملي في أحد فنادق الخرطوم.

وقريباً من هذا المنحى يرى المتحدث الرسمي باسم الاتحادي الأصل إبراهيم الميرغني، أن مشاركة حزبه في الحكومة لم تكن قراراً موقفاً منذ البداية لأن الحزب الاتحادي سبق أن شارك في السلطة عقب انتخابات أبريل 2010م ولم يحقق مبتغاه من المشاركة، وتساءل إبراهيم في حديثه مع (الصيحة) عن دواعي المشاركة مجدداً، طالما أن المشاركة فشلت في نسختها السابقة. وأضاف: “لا داعي أصلاً لتجريب المجرب”.

ـ ماذا لو فض الحسن الشراكة
المعطيات والواقع السياسي يشير إلى أن الحسن الميرغني أمام خيارين لا ثالث لهما إما أن يستمر في المشاركة، وهذا يؤكد أن تصريحات التي أعلن فيها تبرمه لم تكن سوى محاولة للضغط على المؤتمر الوطني لتقديم مزيد من التنازلات، أو أن يفض الشراكة ويخرج من الحكومة، وفي هذ الحالة ربما يجد نفسه فقد كثيراً من قاداته، فليس من الوارد أن يذعن أو يستجيب كل قادة حزبه الذين يشاركون في الحكومة حالياً إلى قرار الخروج من الحكومة. وهذا احتمال يبدو راجحاً، خصوصاً أن رجلاً مثل أحمد سعد عمر وهو قيادي بارز في الحزب ويشعل منصب وزير رئاسة الوزراء، قال إن الشراكة مستمرة مع المؤتمر الوطني، وهو حديث يمكن أن نستخلص منه رغبة بعض العناصر في البقاء في الحكومة وأن خرج منها الحسن الميرغني. وقريباً من هذا كله فإن تجربة رئيس حزب الأمة الإصلاح والتجديد مبارك الفاضل ورئيس حركة تحرير السودان مني أركو مناوي، تؤكد أن بعض العناصر لن تخرج معه الحسن، فقد بقي غالبية الذين جاءوا مع مبارك الفاضل ومع مني أركو مناوي في الحكومة بعدما تخيّر الرجلان إنهاء المشاركة فيها. لكن القيادي في الحزب الاتحادي الأصل يس عمر حمزة قلل من هذه الفرضية، وشدد في حديثه مع (الصيحة) على أنهم مع رأي رئيس الحزب المكلف محمد الحسن الميرغني، انطلاقاً من حتمية الركون إلى رأي وموقف الحزب، وقال إن المزاج العام يساند موقف الحسن الميرغني لأن رأيه يعبر عن السواد الأعظم من قادة وقواعد الحزب الاتحادي الأصل، وأضاف: إذا قرر الحسن الميرغني إنهاء الشراكة فإن ذلك يوجب تنفيذ القرار فهو أدرى من غيره بجدواها من عدمه. وزاد: نحن مع رأي رئيس الحزب الذي أشار فيه إلى أن المشاركة دون طموحات وتاريخ الحزب الاتحادي الأصل”.

ويرجّح المتحدث الرسمي باسم الاتحادي الأصل إبراهيم الميرغني أن يكون الحسن يهدف للضغط على المؤتمر الوطني من أجل تقديم بعض التنازلات، بيد أن إبراهيم عاد وتوقع ألا يستجيب المؤتمر الوطني لتلك الضغوط، وقال: “إن هذا برنامج المؤتمر الوطني للحكم، كيف يتركه لآخرين”.
أبوبكر صالح حميدي
صحيفة الصيحة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق