تتباين القراءات لتداعيات إمكانية مشاركة السودان في الحرب ضد تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) في سورية، بين من يعتبرها ستحقق مكاسب للبلاد وللجيش السوداني، وبين من يرى فيها خطراً قد يدفع التنظيم إلى استهداف البلاد. ويمضي السودان بوتيرة سريعة في تحالفاته الجديدة مع السعودية ودول الخليج، مع إعلانه أخيراً المشاركة بقوات عسكرية في مناورة "رعد الشمال" في منطقة حفر الباطن شمال السعودية، إلى جانب عشرين دولة أخرى، بينها دول عربية وأفريقية. ووصلت القوات السودانية المشاركة في مناورات "رعد الشمال" إلى منطقة حفر الباطن واستلمت مواقعها لتنضم إلى بقية القوات من الدول الأخرى تمهيداً لبدء المناورات التي تستمر ثلاثة أسابيع. وأعلن الجيش السوداني، في بيان عبر صفحته على "فيسبوك"، أن المناورة بمثابة ضربة البداية لتحقيق حلم "الجيش الإسلامي"، واعتبرها "فرصة لأن تُصقل مهارات وخبرات القوات السودانية، باعتبار أن المناورة تجمع كافة عوامل النجاح بمشاركة عشرين جيشاً عربياً ومسلماً. وأوضح "أن التدريب يقلل من دماء المعركة، لذلك حرص الجيش السوداني على المشاركة بنخبة من جنوده فيه". "مصادر لـ"العربي الجديد": الخرطوم أعطت موافقة مبدئية للرياض للمشاركة في أية عمليات قتالية ضد "داعش"" وتحفّظ الجيش السوداني عن إعلان حجم قواته المشاركة في المناورات، فيما كشفت مصادر حكومية سودانية لـ"العربي الجديد" أن الخرطوم أعطت موافقة مبدئية للرياض للمشاركة في أية عمليات قتالية ضد تنظيم "داعش" متى طلبت السعودية ذلك، مؤكدة تمسّك السودان بتحالفاته الجديدة إلى نهاياتها من دون تراجع. وذكرت المصادر أن وزير الخارجية السعودي عادل الجبير، طرح على الرئيس السوداني عمر البشير، في لقائهما الأخير على هامش قمة الاتحاد الأفريقي نهاية شهر يناير/كانون الثاني الماضي، إمكانية خوض معارك برية ضد "داعش" في سورية للحد من تمدد التنظيم. وأكدت المصادر أن الخرطوم أدت دوراً في استقطاب بعض الدول الأفريقية للمناورة وانتزاع موافقتها في القتال ضد "داعش" متى طلبت السعودية منها ذلك. وتركت الخارجية السودانية الباب مفتوحاً أمام مشاركة الخرطوم في الحرب في سورية، مؤكدة عبر وزير الدولة في وزارة الخارجية كمال اسماعيل أن الخطوة ستكون وفق المقتضيات وما تقرره قيادة الدولة.اقرأ أيضاً: استعدادات لانطلاق "رعد الشمال" وتوجه قوات قطرية للسعودية ويرى مراقبون أن السودان في حال شارك في القتال بسورية إلى جانب السعودية، فهذا يعني تخليه بشكل كامل عن المحور الإيراني وعن حلفاء طهران في المنطقة. وطيلة سنوات الحرب السورية، ظلت الخرطوم تشدد على أن حل المشكلة السورية هو عبر الحوار، وأن يكون نظام بشار الأسد ضمن أي تسوية سياسية، كما حرصت على استمرار علاقاتها الدبلوماسية مع نظام الأسد. ولا يستبعد محللون أن يشارك السودان في قتال "داعش" إلى جانب السعودية، محذرين من أن الخطوة من شأنها أن تعود بمخاطر كبيرة على البلاد باعتبار أنها قد توقظ خلايا "داعش" النائمة بالداخل، كما يمكن لهكذا خلايا أن تدخل البلاد عبر ليبيا، لا سيما بعد تقارير أشارت إلى تسلل مجموعات من التنظيم إلى مدينة الكفرة الليبية. ويرى المحلل السياسي عبدالمنعم أبو ادريس، أن مشاركة السودان في "درع الشمال" جزء من استمراره في حلفه الخليجي بعد مشاركته في "عاصفة الحزم" في اليمن، مرجحاً ان تكون المناورة تمهيداً للمشاركة في عمليات عسكرية ضد "داعش" في سورية، محذراً من أن تدخّل الخرطوم في الحرب السورية سيضعها في ورطة كبيرة، إذ قد يحيي نشاط "داعش" في البلاد كما أنه سيمثّل انقلاباً في علاقة السودان مع دمشق. من جهته، يرى المحلل ماهر أبو الجوخ، أن الهدف من المناورة برمتها إرسال رسالة إلى إيران، فضلاً عن تأمين شمال السعودية بعد أن اقترب تحالف "عاصفة الحزم" من حسم معركة اليمن لصالحه، معتبراً أن مشاركة الخرطوم في سورية تُمثّل تحوّلاً كاملاً من معسكر إيران وحلفائها، إلى معسكر السعودية وحلفائها. ويتخوّف من أن مشاركة السودان في مواجهة "داعش"، سيجعل التنظيم ينظر إلى البلد كعدو باعتباره حتى الآن بعيداً عن ذلك التصنيف، ما يعني إعلان حرب مباشرة على السودان وإمكان تسلل عناصر من "داعش" إلى البلاد من ليبيا وانتقال عملهم إلى العلن، وتنفيذ عمليات إرهابية. ولكنه يلفت إلى أن "ردة فعل الحكومة السودانية ستكون قاسية، خصوصاً أنها تمتلك معلومات كافية عن التنظيم ما يسهّل ضربه، وهذا ما سيجعل داعش يفكر مراراً قبل أن يدير أنشطته داخل السودان". أما المحاضر في جامعة الخرطوم الطيب زين العابدين، فيرى ضرورة أن ينأى السودان بنفسه عن الانضمام لأي من المحاور الموجودة في المنطقة، حتى يتمكّن من القيام بدور الوسيط أسوة بما حصل نهاية الستينيات، عندما نجح في الوساطة بين السعودية ومصر. ويرفض ربط البلد بمحور عسكري عالمي يكون في حالة عداء مع محور آخر، معتبراً أنه "ليس من مصلحتنا أن نكون جزءاً من كتل عسكرية أممية"، مشيراً إلى أن "تدخّل السودان في اليمن مفهوم، لكن في سورية البعيدة تماماً عن البلاد والتي ليست لديه معها مصالح استراتيجية فهذا غير مفهوم، وإن كان التفكير في تحقيق مكاسب اقتصادية بالمضي قدماً نحو ما تطلبه السعودية، لكن هذا خطأ كبير لأن في الحروب لا أحد يتوقع المكافأة المادية لأنها مكلفة جداً". "تخوّف من انعكاسات خطيرة للمشاركة السودانية في سورية على المستوى الداخلي بتهديد "داعش" للبلاد" لكن خبراء عسكريين يرون أن المشاركة في المناورة والحرب في سورية، من شأنها ان تكسب الجيش السوداني خبرات مهمة، لا سيما أنه سيُقاتل في أرض غير أرضه، معتبرين أن في المناورة رسالة عربية إسلامية لحماية المنطقة. ويرى الخبير العسكري صلاح إبراهيم، أن المشاركة من شأنها أن تُكسب الجيش السوداني خبرات أكبر، لكنه في الوقت نفسه يرجح بأن يُكلف الجيش السوداني في حال مشاركته بتأمين المدن السورية أو بالمهام الإنسانية بالنظر إلى فارق القدرات العسكرية مع بقية الدول المشاركة. ويعتقد أن المشاركة ستؤدي في المقابل إلى انعكاسات خطيرة على المستوى الداخلي بتهديد "داعش" للبلاد، لافتاً إلى "معلومات أن التنظيم تحرك في مساحة أوسع من سرت وبنغازي ووصل إلى مدينة الكفرة الحدودية مع السودان، وهذا ما قاد لتحركات حكومية لتنشيط اتفاقيات القوات المشتركة مع ليبيا ومع تشاد فضلاً عن نشر قوات سودانية في الحدود لمنع تسلل داعش".
العربي الجديد
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق