الصفحات

الأربعاء، 23 مارس 2016

التعليم الثانوي في السودان: بئر معطلة وقصر مشيد

بعد شهور من المذاكرة المستمرة والاجتهاد المتواصل، خرجت مي شوكت في صبيحة 14 مارس/آذار باكراً من منزلهم بضاحية الشجرة بالعاصمة السودانية الخرطوم لأداء أول امتحانات الشهادة الثانوية السودانية، بعد ثلاث سنوات دراسية قضتها في مدرسة خاصة، حسنة التأسيس، مكتملة الكادر التعليمي. ويجلس نحو 470 ألفاً من الطلاب السودانيين لامتحان موحد ينتظم البلاد كافة ويتنافسون على نحو 125 ألف مقعد لمستوى البكالوريوس والدبلوم بمؤسسات التعليم العالي لهذا العام، حيث يوجد بالسودان نحو 31 جامعة حكومية تمنح البكالوريوس والماجستير والدكتوراة، بجانب 64 مؤسسة تعليمية، تتنوع بين أهلية وخاصة.ليس كل الطلاب السودانيين يحصلون على فرصة دراسية مثل تلك التي تنعم بها الطالبة مي، فقد نشر ناشطون صورا لطالبات في محلية طويلة بشمال دارفور يؤدين امتحانات الشهادة السودانية في نفس اليوم 14 مارس/آذار 2016 وهن جالسات على سجادة مهترئة في فصل لا يكاد يحجب عنهن أشعة شمس السودان الحارقة.
ينبه الدكتور شهاب موسى الأستاذ بجامعة سنار إلى أن مثل هذه المشكلات تعاني منها حتى مدارس العاصمة السودانية الخرطوم، يقول لـ"العربي الجديد": "عملت قبل سنوات قليلة أستاذا بمدرسة الكدرو الثانوية بالخرطوم بحري، وكان الطلاب لا يجدون أدنى مقومات العملية التعليمية، حتى الكتاب المدرسي كان منعدما وربما يوجد أحيانا كتاب واحد يكون من نصيب الأستاذ بينما يضطر الطلاب لشراء الكتاب إن استطاعت أسرهم لذلك سبيلا". 
ويضيف شهاب "قد تضطر الأسر المقتدرة ماديا أحيانا إلى جلب أستاذ خصوصيا للطالب حتى وإن كان يدرس في مدرسة خاصة تدفع لها الأسرة الملايين سنويا".تباهي الأمهات ويقول البعض إن الأمهات اتخذن من أولادهن وسيلة للتباهي الاجتماعي، وهذا جعلهن يمارسن نوعا من الضغوط النفسية المباشرة وغير المباشرة على طلاب الثانوية العامة من أجل النجاح والتفوق، حتى أن جلب أستاذ خصوصي يدخل في التباهي أكثر من كونه حاجة حقيقية للطالب، يقول الدكتور عمر فضل الله "هذه ليست سمة عامة وقد تنحصر في المدن فقط، لكنها ظاهرة موجودة، لا يمكن أن نتجاهلها".
 في المقابل، يرى الدكتورعباس محجوب أن "ظاهرة الدروس الخصوصية تزيد مشكلات الأسر وتهدد كيان المجتمع حيث يكون التعليم للقادرين مادياً وضياع ديمقراطية التعليم وتكافؤ الفرص وإضعاف وظيفة المدرسة الرسمية وتهميشها زيادة على تدني المستويات التعليمية في المدارس الحكومية".
تسرد الناشطة (ناهد علي) جملة من المشكلات التي تكتنف التعليم الثانوي في السودان "رغم التوسع الأفقي الذي نشهده في التعليم إلا أن هنالك كثيرا من السلبيات منها: عدم مجانية التعليم، ضعف المناهج التعليمية وعدم مواكبتها لمتطلبات المرحلة، ضعف تأهيل الأساتذة، عدم توفر الكتاب المدرسي، تصدع بناء المدارس- سوء البنية التحتية- وعدم توفر الأثاث اللازم من أدراج ومقاعد
مسارات التعليم
عن مسارات التعليم الثانوي، يشير الخبير الإستراتيجي السوداني الدكتور عمر فضل الله مدير مشاريع الحكومة الإلكترونية بحكومة أبو ظبي "في التعليم الثانوي الجميع يسعى للتعليم الأكاديمي، ومتدنو الدرجات يتجهون للتعليم الفني أو الزراعي أو الصناعي أو التجاري وبذلك فإن الغالبية العظمى تتجه نحو التعليم الأكاديمي، وهذا يكون على حساب التخصصات المهنية الأخرى، كما أنه يزحم المدارس الأكاديمية بكميات هائلة من الخريجين الذين لا يجدون فرصاً لمواصلة التعليم الجامعي فيكتفون بالتعليم الثانوي ويعدّون فاقداً تربوياً". " التعليم الثانوي لا يصاحبه توجيه لتخصص الطالب من منطلق مهاراته ومقدراته العلمية والأدبية والفنية، فالطالب يكون في حيرة من أمره هل يتجه للمساق العلمي أم للمساق الأدبي فالطالب يكون في حيرة من أمره هل يتجه للمساق العلمي أم للمساق الأدبي؟ وكثيرون يخطئون في اختيارهم وتكون النتيجة هي الفشل في امتحانات الشهادة الثانوية ليس لأن الطالب غير كفء أو غير مؤهل ولكن لأنه أخطأ المسار فلم يوجه طاقاته التوجيه الصحيح ولم يتلق الإرشاد السليم". تهتم الأسرة الحضرية في السودان اهتماما مبالغا فيه بأبنائها في المرحلة الثانوية على وجه الخصوص بإرسالهم للمدارس الخاصة المتميزة وباستجلاب الأساتذة الخصوصيين لهم، في المقابل - بحسب فضل الله - فإن "الطلاب في المجتمعات الفقيرة والمتخلفة في معظمها لا تولي العملية التربوية حقها من الاستعداد والعون من جهة الآباء فيقتصر دور الآباء أو الأمهات على القليل من الدعم المعنوي والكثير من التوبيخ والتقريع والتحطيم المعنوي والنفسي". 
ويقول الخبير الإستراتيجي "علاوة على ذلك أدت الظروف الاقتصادية التي مرت بها البلاد إلى هجرة كثير من الآباء والاغتراب في دول أخرى مما أدى إلى تولي الأمهات مهام الآباء في الإرشاد والتوجيه، وهذا لا يكفي في تلك المرحلة الخاصة بالمراهقة والتمرد فتكون النتيجة انحدار مستوى الإرشاد والتوجيه، وحين تأتي امتحانات الشهادة الثانوية تستعد لها الأسر بتوفير بيئة الاستذكار ولكن كثيراً من التلاميذ الذين استذكروا الدروس لا يملكون الاستعداد النفسي لمواجهة لحظات الامتحان نظرا للرهبة الفطرية من الاختبار".في الأرياف تنتشر الأمية وينخفض مؤشر التعليم العالي بين الآباء والأمهات في الأرياف، وبالتالي فإن الطالب يخوض معركة التعليم وحيدا ويقاسي الفقر وشدة الحياة وغياب الموجّه التربوي؛ لأن "كثيرا من الآباء لم يكونوا قد بلغوا المستوى التعليمي لأبنائهم وبهذا فهم لا يملكون الخبرة والمعرفة الكافية لتوجيه أبنائهم كما أن وزارة التربية والتعليم لم تضع ضمن خططها واستراتيجياتها المرشدين التربويين الذين يتولون هذه العملية مع الآباء". بحلول نهاية مارس/آذار الجاري، سيطوي الطلاب السودانيون آخر أوراق امتحانات الشهادة الثانوية، وينتظرون ما تسفر عنه النتائج، وتتعلق قلوب مئات الآلاف من الآباء والأمهات، ينتظر الأغنياء منهم والذين حصلوا على تعليم جيد في صباهم الباكر نجاحا جديدا تتباهى به الأسرة في مسيرتها الاجتماعية، وينتظر الفقراء أملا جديدا يساعد في انتشالهم من مستنقع الفقر إن ابتسم له الحظ والتحق بإحدى كليات القمة... وبين هذا وذاك تبقى مشكلات التعليم الثانوي في السودان تنتظر حلا ناجعا. 
وليد الطيب
العربي الجديد

هناك تعليقان (2):