الصفحات

الثلاثاء، 12 أبريل 2016

المفارقة بين إرجاع مصر للجزيرتين في خليج العقبة والتشبث باحتلال نتوء حلفا ومثلث حلايب وشلاتين ..

المدخل: المناسبة بث قناة (البلاد) المصرية مساء الأحد 10 ابريل 2016 لحلقة حوار بحضور باحث أكاديمي متخصص في التاريخ المصري الحديث ولواء نظامي متقاعد مُكَلَف بعضوية لجنة رسم الحدود بين مصر والسعودية وما ترتب عليه من إنهاء احتلال وسيطرة مصر للجزيرتين أعلاه وإرجاع أحقيتهما للسعودية بمنطق إرجاع الأمانة. استشهد المتحدثان بعدد من نصوص وثائق الأرشيف الداعمة لقرار التنازل المصري وأقدمها تاريخياً مُراسلات تتوافق مع عهد الملك عبد العزيز آل سعود. هذا شأنهم لا يهمنا وحتى لو كان تنازلهم من القاهرة نفسها ليس للسودان في الأمر ناقةً ولا جمل، إلا أن من المُستَفِز ما يُستَشف من تجسيد لواقع الكيل بمكيالين ومفارقة القرار حول مسألة نتوء حلفا ومثلث حلايب وشلاتين العالقة بين خياري التحكيم الدولي والتوافق الثنائي، في تزامنٍ مع تعمد توجهات مصر لتمصيرهما عبر توظيف واستغلال واقع ضعف وانبطاح المتسلطون على شرعية السيادة في وطننا المنكوب. أما شعوب السودان ومع الإعراب عن تأييد وإعجاب المدنيون الوطنيون منهم بانتفاضة شعب مصر ومغالبتها لتسلط جماعة الهوس الديني والإظلام والتخلف، ومع تأكيد الإصرار على تحقيق آمالهم في هكذا السبيل، إلا أن التعديات على حدود بلادنا خط أحمر بالإجماع. وكما كان استدلال المصريون في الإرجاع بنصوص وثائق الأرشيف، من العدل استحكام السودان في درء التشبث المصري بوقائع التاريخ وببيانات الأرشيف على ضوء الآتي:-

1. إن حزام الامتداد الجغرافي الفاصل بين خطي عرض 22 و22 ونصف درجة شمال على طول عرض الدولتين الشامل لمساحة نتوء حلفا على وادي النيل، ومثلث حلايب وشلاتين على ساحل البحر الأحمر شرقاً، وركن سلسلة جبال العوينات غرباً، أرض سودانية خالصة بدليل خط الحدود المعترف به عالمياً في تاريخ إعلان استقلال السودان يناير1956، (+) قرار جامعة الدول العربية في 1960 باعتماد الاعتراف بخطوط الحدود المتزامنة مع تاريخ استقلال الدول أعضاء الجامعة (راجع أرشيف جامعة الدول العربية)، (+)  أصالة سودانية ثقافة وتصنيفات الأهالي أصحاب هذا الحزام (راجع دراسات الفلكلور واللغات والآداب والفنون والأجناس)، (+) عشرات نصوص الأرشيف المحفوظ ضمن مجموعات أرشيف وزارة الخارجية البريطانية ودار الوثائق القومية السودانية (راجع مجموعات السكرتير الإداري، والمخابرات المصرية والسودانية، والمهدية، وحلفا 1- 4 و ملفات تهجير أهالي حلفا وكتب الرحالة والمستشرقين)، (+) حقيقة إجراء سلسلة الانتخابات السودانية منذ 1953 وطوال سنوات الدكتاتورية المايوية، وتخصيص دائرة جغرافية في هذا الحزام. ما ذكر أعلاه علي سبيل الاستشهاد وليس الحصر، فضلا عن وجود معالم الإدارة السودانية عليهما، ولا ينكر حقائق التاريخ والواقع إلا كل معتدٍ ولئيم.

2. يتشبث المهتمون بالأمر في مصر بدعاوي (الحقوق التاريخية) مُتَنَاسيين أو بالأحرى مُتَجَاهلين على ذات المنطق أن لجنوب الوادي عهود حضارة نوباتيا وكوش وكرمة والمسيحيات وما قبلها حقوقاً تؤرخ بما يتزامن مع ما قبل التاريخ، كما وأن من أسسوا مصر المعاصرة (دولة محمد علي باشا) هم ذاتهم من توغل جنوباً في مطاردة أسلافهم بقايا المماليك في 1821، وكان على هذا الحزام الجنوبي حضور لسيادة محلية حاكمة بمفهوم ذات العصور السالفة، في تاريخ لم تعرف فيه مصر الحالية معاني الحكم الوطني إلا بالناصرية في يوليو 1952. إذن في واقع التاريخ توازن وتوازي، بل بالأصح ريادة لجنوب الوادي في معيار السيادة الوطنية، ما لكم كيف تفهمون لقراءة صفحات التاريخ.    

3. يتوافق تاريخ احتلال مصر لنتوء حلفا ومثلث حلايب وشلاتين مع إبرام اتفاقية مياه النيل 1959 للأولى ومع جريرة محاولة اغتيال الرئيس المخلوع حسني1995 في أديس أبابا بالنسبة للثانية. حول الأول لا تنص الاتفاقية سيئة الذكر على ما قد يُفهَم منه أيلولة أرض بحيرة السد العالي الممتد 150 كلم جنوباً إلى السيادة المصرية، بل هي استغلال وتسلط على أراضي سودانية بالأصالة مُستَغَلة كمخزن مجاني لمياه يدعون ملكيتها ننتظر مآلات سد النهضة لإخلائها. أما حول الثاني في 1995 (الاعتداء على رئيسكم المخلوع) دونكم رئيس العصابة والمشاركين في عصبة الاعتداء، متمثلة في نموذجٍ لتسلط جماعة الهوس الديني والإظلام والتخلف الآتية إلينا من لدنكم قد انتفضتم أخيراً عليها، فلماذا تعمى بصيرتكم ويرتد بصركم عن الفيل في الخرطوم وتتعمدون الطعن في ظل الفيل على نطاق الهامش، ياليتكم تتجرأون وتعدلون.         

4. إن كان إرجاعكم ياسيادة مصر للجزيرتين مقابل الوعد السعودي لمصر السيسي ببناء جسر الملك سلمان، أوبتعبئة أوعية سؤال المال والاستثمار الموعود، أو في إطار التحالف المحوري لمنازلة امتداد النفوذ التركي الإيراني، أو مقابل تنازل مصر عن الإدعاء بموقع القيادة لمسيرة الوطن العربي، أو محاولةً للإستقواء المتبادل لمقابلة توجهات الشرق أوسطية وظلمات الداعشية. يذكر أن الداعشية فرعٌ متحور من حركة الإخوان المسلمين (البنا والقطيبية والقاعدية وخلافهما) النابعة أصلا من مصر نيابةً عن قوى الإمبريالية والمستقوية بأموال الخليج، كما يذكر أن للسودان حزمة من الجميل على مصر يجب ألا تنسى، أعطوكم من السعودية الجسر وقدمنا لكم من السودان معينات استرجاع طابا في سيناء، وأمنا لكم في السودان تخزين هبة الماء حياة مصر الحاضر والمستقبل، ومن جانبكم نزعتم من السودان بوضع اليد ظلماً على مساحة أرضٍ عزيزة علينا هجرتم أهاليها قسراً إلى أرض لم يألفوها وتتعمدون تمصير مظاهر الحياة عليها، يلكم من سلطة غاشمة وصهيونية مستعربة على ضفتي النيل الخالد.

المخرج: أليس في موقف الأكاديميين المصريين حيال السيادة الوطنية كيلٍ بمكيالين، ودافع قوي للوطنيين على امتداد الوطن النوبي الأم والسودان الشامل لكامل الرفض واستهجان التعديات المصرية الغاشمة، وإن غداً لناظره قريب.   

سودانايل                            

 بقلم: محجوب بابا 
baba@icc.gov.bh

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق