نشطت فى الآونة الأخيرة مجموعات الضغط واللوبيات والشخصيات المعادية للسودان فى الغرب فى الدعوة لتجديد إدارة اوباما لتجديد العقوبات على السودان.
وبدأت هذه الحملة الجديدة مع إصدار مشروع “كفاية” فى أبريل المنصرم تقريرا مشتركا كتبه كل من جون بندرغاست (مؤسس ومدير مشروع “كفاية”) وبراد بروكس روبن (كبير مديرى السياسات، وآخر المنضمين للمشروع و يحمل خبرة طويلة فى المجالات التى بات يركز عليها مشروع “كفاية” فى الوقت الراهن).
وبعدها أنطلقت حملة شعواء تمثلت فى كتابات الرأى فى كبرى الافتتاحيات فى الصحف الغربية وإصدار البيانات توجيه العرائض للإداراة الامريكية والكونغرس ومجلس النواب الأمريكيين.
حملة منسقة
فور صدور تقرير مشروع “كفاية” ودعوته إدارة أوباما لتنبنى حزمة جديدة من العقوبات ضد السودان قبيل نهاية ولايته فى نوفمبر المقبل، تبع ذلك تحركات منقسة لخدمة هذا الهدف الجوهرى لهذه المجموعات، فكتب مؤلفا التقرير( غاست، وبوكس) مقالة مشتركة نشرت فى (ذا هيل) فى 28 أبريل المنصرم كرّرا فيها ما ورد فى التقريرهما وشدد على ضرورة تجديد العقوبات على السودان، كما غطّت بعض الصحف والمواقع الالكترونية هذا التقرير ودعوته لتجديد العقوبات، ثم أنخرط فى الحملة الامريكى إريك ريفيز والذى كتب سلسلة من المقالات منتقدا فيها محاولات الدول الاروبية لتحسين علاقاتها مع السودان.
“صراعات المعادن”
على ما يبدو، ستحدد هذه “الموجة” من التحركات مستقبل بعض مجموعات الضغط المناهضة للسودان على المحك بشكل كبير لاسيما بالنسبة لمشروع “كفاية”، فالنجاح فى تحقيق أهدافها-على النحو الذى بينه التقرير- يعتبر عاملا مركزيا بالنسبة لهذه المجموعات، كما أن الفشل ايضا ستكون نتائجه كذلك وخيمة عليها، ذلك لأنها فشلت لعقود فى تحقيق أهدافها كما فشلت العقوبات الرسمية التى ظلت تفرض الإدارات الأمريكية المتعاقبة.
فضلا عن ذلك، يحاول مشروع “كفاية” الترويج لنفسه كمنظمة عالمية للدفاع عن قضية جديدة فى عالم حقوق الإنسان ألا وهى “صراعات المعادن” ومدى إرتباطها بتفاقم النزاعات المسلحة فى افريقيا.
ونظرا لما لمشروع “كفاية” شبكة من “الأنصار”، تم تلفق التقرير الجديد حول تجديد العقوبات على السودان على الفور، وطفقوا يكتبون لحث إدارة أوباما لإنتهاز فرصة الأشهر الأخيرة لولايته لتحقيق إنجاز ما، والوفاء بتعهداته التى قطعها على نفسه فى حملاته الانتخابية تجاه النزاعات فى السودان.
هزائم التمرد
إن تحركات مجموعات الضغط المعادية للسودان ليست جديدة ولكنها اليوم تكتسب أهمية، فهناك عاملان جوهريان لتفسير توقيت وهدف الدعوة لتجديد العقوبات على السودان فى الوقت الراهن: أولهما، الهزائم الميدانية التى لحقت بالمجموعات المتمردة فى السسودان خلال حملة عمليات الصيف الساخن التى تقودها القوات الحكومية للقضاء على التمرد فى البلاد؛ وثانيهما، الضغوط التى تواجهها إدارة أوباما داخل الولايات المتحدة من قبل التيارات المحافظة وكيف أنها ساعدت على تراجع الدور الامريكى مقابل صعود الروس فى أكثر من مجال فى تحدى الهيمنة الأمريكية.
وبما أن هذه المجموعات تُستخدم- من خلل التحالف مع ودعم المجموعات المتمردة فى السودان- كورقة ضغط لضمان استمرار الضغوط الغربية علي السودان وإبقاءه فى حالة من عدم الاستقرار والاستنزاف، ويرى مشروع “كفاية” أن هزيمة التمرد تعنى- بجانب فشل العقوبات على السودان وإكتسابه صداقات الدول الكبرى الاخرى وتغيير مواقف أروبا تجاهه- تهديدا لمستقبله ومستقبل مجموعات الضغط التى يوفر لها استمرار التوترات والاضطرابات داخل السودان سوقا مربحة للحصول على التبرعات والأموال ووأشكال الدعم المختلفة.
نموذج إيران
وينطلق مشرروع “كفاية” من رواية تقول إن نظام العقوبات المتبع تجاه السودان غدت غير فعّالة، رغم تأثيرها على حكومة السودان، وأن العقوبات فى حد ذاتها يمكن أن تكون أكثر تأثيرا ضد السودان على غرار نموذج العقوبات الذى اتبع ضد إيران والذى أسهم فى تحقيق أهدافه وهو تغيير سلوك قادة إيران.
ولكى لا يقر بالحقائق ويضفى مشروعيا على السودان يصر نشطاء مشروع “كفاية” على أن السودان بات قابلٌ أكثر من أى وقت مضى لفرض نظام جديد للعقوبات، ولكن مشروع “كفاية” يتحاشى الاقرار بفشل سلاح العقوبات والحصار والمقاطعة فى تغيير مواقف وسياسات حكومة السودان، كما يتحاشى الاقرار بحقيقتين هامتين هنا: أولاهما، نحاج السودان فى قيادة حملات مناهضة العقوبات الأحادية الامريكية على المستوى المحلى الاقليى والدولى وأن هذه الحملة تكتسب أرضية جديدة مع مرور الوقت وبالتالى يمكن ان يكسر منظومة هذه العقوبات بالمرة. ثانيتهما، صمود السودان فى مواجهة العقوبات الأحادية الامريكية من جهة و نجاحه فى خلق بدائل من خلال بناء صداقات مع دول وتكتلات صاعدة-روسيا، الصن، ودول مجموعة البريكس(= التى تضم الهند، والصين والبرازيل، وروسيا وجنوب افريقيا) تلتقى معه فى رفض الهيمنة والامربالية الامريكية على العالم.
تحدى السودان
وهناك عوامل أخرى فى تفسير مغزى التحركات التى تقودها مجموعات الضغط الغربية المعادية للسودان، وهو الاوضاع الكارثية فى جنوب السودان، فجنوب السودان الذى صوّرت هذه المجموعات إنفصاله باعتباره نموذجا للنجاح يمكن ان يحتذى فى بقية الصراعات القاتلة فى افريقيا- وانه يعتبر أيضا نحاجا لها فى داخل الولايات المتتحدة الامريكية حيث عشرات اللوبيات ومجموعات الضغط التى تنافس فيما بينها لكسب ثقة مؤسسات صناعة القرار الأمريكية.
ولم تمض على إنفصال جنوب السودان إلا عامين فقط، حتى أنزلقت الدولة الوليدة فى أتون حرب أهلية طاحنة أرتكبت فيها جرائم بشعة بأيدى حلفاء هذه اللوبيات وبالأسلحة الأمريكية التى مارست هذه اللوبيات ضغوطا مكثفة لتوفيرها للحركة الشعبية وحركات التمرد الاخرى بحجة مواجهة السودان.
دوافع “كفاية”
ما الذى يدفع مجموعات الضغط ومشروع كافية على الخصوص للتحرك فى هذا التوقيت بالذات ضد السودان؟
ترى مجموعات الضغط هذه أن السودان يمكن أن يوفر فرصة للتحرك أولا، ممارسة الضغوط عليه يوفر غطاءا لحجب فشل تجربة جنوب السودان وتورط هذه المجموعات ومسئولياتها فى خلق تلك الكارثة.
ثانيا، ترى هذه المجموعات أن السودان يعتبر تحديا وتهديدا لها فى الوقت نفسه، ذلك أنها فى فشلت فى إخضاعه رغم ما توفر لها من فرص وقدرات ونفوذ مقارنة بحالات أخرى، كما أن السودان يتحرر من ضغوط الغربية التى تمارس ضده منذ عقود. ثالثا، تريد هذه اللوبيات توجيه النقاش العام وأجندة الادارة الامريكية المقبلة بحيث تطبق الادارة الجديدة العقوبات الجديدة التى اقترحها مشروع “كفاية” بصرامة فى حال نحجت فى دفع إدارة أوباما لتبنى تلك العقوبات. ثالثا، تحقيق ريادة مشروع “كفاية” فى مجال الدفاع عن حقوق الانسان فى مناطق التى تشهد تكالبا عليها من اجل السيطرة على الموارد الطبيعية.رابعا، يحاول مشروع كفاية إبتزاز إدارة أوباما باستغلال الضغوط التى تمارس عليه داخل أمريكا وحمله لتحقيق إنجاز لها وللحزب الديموقراطى .
هل ستفلح جهود مشروع “كفاية” الحثيثة لدفع إدارة اوباما لتجديد العقوبات على السودان؟ ام ستكون كسابقتها فى ظل تراجع الدور الامريكى فى السياسية الدولية وتحرر السودان من آثار تلك العقوبات؟ وهل ستكون العقوبات الجديدة التى يدعو اليها مشروع “كفاية” نتائج عكسية؟
(SMC)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق