الصفحات

الاثنين، 20 يوليو 2015

قصة عيدين" ست ساحات للصلاة وما يزيد عن العشرة آلاف مصل ازدحمت بهم الآفاق أمس "السبت".. هم ذاتهم من شاركوا الآخرين أمس الأول فرحتهم.. مع أهالي "حلة فلاتة" في كوستي



كوستي - الزين عثمان 
يضرب حاج أبكر علي، طبله، وهو يجوب أرجاء حي الزعيم الأزهري بكوستي، ينادي في الناس بالعيد. مجموعة من الأطفال يشاركون بالضرب ولكن على آلاتهم الخاصة بالألعاب النارية. ربما المدهش في الأمر أن طبل أبكر لم يكن في يوم أمس الأول الجمعة وإنما أمس السبت. 
الجمعة عيد رنت طبوله في أرجاء محتلفة من المعمورة، السبت هنا في كوستي كان أخضر بالعيد، ففي المدينة التي صارت عقب المفاصلة النيفاشية الجنوب الجديد يمكن أن نحكي عن قصة (عيدين) أو قصة عيد واحد ولكن في يومين مختلفين. (حلة فلاتة) بحسب ما جرت به ألسنة أهل المدينة الذين يلتقون على تواددهم وتواصلهم الخاص، كانت هي مسرح عيد السبت أو العيد في ثاني يوم من العيد بحسب ما اعتاد عليه الناس هنا، فمن يقطنون تلك المنطقة يلتزمون بمنهج خاص بهم في بدء رمضان أو في ختامه، هو مشهد (من رأى ليس كمن سمع)، الشهر هنا لا تكتمل فصوله إلا بالرؤية المباشرة للهلال في كبد السماء، يكتمل الشهر حين تكتمل عندهم الرؤية فقط. 
أمس وعند عيد السبت، استيقظ سكان المدينة على سيمفونية أخرى من الأصوات المتداخلة ترتل إيمانها وتستعيد (التكبير والتحميد)، مكبرات الصوت في بعض المساجد في أحياء أزهري والثورة وفي آخر نقطة في الحلة الجديدة تردد (الله أكبر الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله الله أكبر ولله الحمد) في الثامنة والنصف بتوقيت الصباح يؤدي الأئمة صلواتهم قبل أن يصعدوا المنبر من أجل إلقاء خطبة العيد، المدهش أنه ذات توقيت الصلاة في مساجد المدينة الأخرى ولكن قبل يوم. ست ساحات للصلاة وما يزيد عن العشرة آلاف مصل عيدوا بالأمس، هم ذاتهم من شاركوا الآخرين أمس الأول عيدهم، ولكنهم في حالة صيام لم تمنعهم مشاركة من يساكنونهم المدينة الفرحة. 
يقول أكرم المك، وهو أحد شباب المدينة، تعليقاً على وجود عيدين فيها إنهم في بداية الأمر كانوا يستغربون هذه الحالة لكن بمرور الزمن بدأوا التعود عليها. يضيف الشاب الذي يسكن "شمال القضيب" وهو خط التقسيم المتعارف عليه، إن تعودهم على هذه الحالة جعلهم يقضون مشاوير التهاني إلى تلك الأحياء في اليوم الثاني. الأمر يبدو منذ الوهلة الأولى وكأنه حالة تقدير لمشاعر الصائمين بعدم العبور في مساحاتهم في اليوم الأول للعيد، لكن في الأصل يبدو الأمر مختلفاً تماماً، كثيرون يمضون إلى هناك من أجل متابعة تفاصيل حياة وعيد مختلف يبدو في حركة الناس في تلك اللحظة، وطبيعة تواصلهم الاجتماعي، فالمنطقة التي تخلو من المارة في الأيام العادية لارتباط أهلها بالخروج إلى العمل باكراً، تبدو على غير العادة محتشدة بالحياة بتفاصيل خاصة يتم فيها توظيف الموروث الاجتماعي للسكان لتقاسم خيرهم وتبادل التحايا، وفي مكان آخر بالقدرة على توظيف المتوافر من الأشياء لممارسة طقوس الفرح، فبجانب أدوات الطبل والمعازف وأصوات الأجهزة الإلكترونية التي تتداخل في تلك الساعات مع أصوات منتجات الحركة الهندية، فالركشات تجد نفسها محاصرة بالمواتر التي تضيق عنها المساحات لانشغال المكان بحركة العجلات من ماركة (الدبل)، الأزياء الأفريقية ذات الألوان التي تضيء الحياة بشكل مختلف، الصغار يهتفون ملء حناجرهم من تحت أزيائهم الجديدة، على مقربة منهم تستدير جلسات كبار السن تحت ظلال الجدران المبنية من الطين لتحلق الأرواح في عوالمها الخاصة لكن حتى في يوم عيدهم تظل حالة تقدير العمل والاهتمام به حاضرة فالدكاكين الصغيرة تزيح الأقفال عن أبوابها بمجرد انتهاء الصلاة بالسلام عليكم.
قبل مغادرة ساحة العيد التي تمتد بامتداد أحياء الحلة الجديدة، حي أزهري، وحي الثورة، بالإضافة لجزء من حي أبوشريف، فإن مشاهد الفرح تتابع يضاف إليها مشاهد تتعلق بالحياة في ظرفها غير الاعتيادي ثمة رجل في الستين من عمره يمضي برفقة حفيده يستخدم حواراً بلهجة (الهوسا) يترجمه أحد الشباب بأنه يطلب منه عدم قطع الطريق على متابعة الصغار لألعابهم قبل أن يبتسم وكأنه يستعيد تاريخاً مجيداً في تلك الحواري الضيقة المتسعة لأحلام البعض في ذات الوقت. 
لم يجد أحد الصبية هناك مشكلة في صناعة (مرجيحة) بشكل خاص. الجزء الأعلى من السرير وعودان بشكل مستقيم مع حبل غليظ محكم الربط كانت (الطوطحانية) بشكلها الراهن مسرحا لعرض فرح الصغار بعيدهم. الفرح بدا ماثلاً في ارتفاع أصوات الضحكات والصرخات التي نجحت في كثير من الحالات في التقليل من حدة ضجيج أصوات الألعاب النارية وأكدت في جانب آخر أن (الترفيه) يمكن أن يتحقق فقط من خلال جنيهين للدورة الواحدة التي تبدأ وتنتهي فقط بإشارة من صاحب المشروع الاستثماري الخاص بفترة العيد الذي ينتهي بانتهاء مراسمه بعد أن يحقق كل فرد العائد الذي ينتظره منه. 
سينفض غداً سامر (أعياد) المدينة ويعود الجميع إلى حياتهم الاعتيادية. مؤكد أن من أفطروا الجمعة سيسبقون من انتهى رمضانهم السبت بيوم، لكن في اليوم الثالث ستعاود ماكينة الحياة الدوران في فلكها القديم ويتحرك الكل وفقا لمؤشر تبادل المنافع بين سكان مدينة يسود علاقاتها الاحترام ويشتركون في ذات الآمال بعيداً عن جدلية شمال وجنوب القضيب، وفي واقع حدث الغد فإن سؤال ما بعد العيد أو عقب العودة سيكون هو ذلك المتعلق (بأية حال عدت يا عيد بما مضى أم لأمر فيك تجديد). الجديد في الولاية هو أنها تستقبل حاكماً مختلفا بعد سنوات من إدارتها من قبل الشنبلي. كاشا الذي بدأ اسمه يصعد في شوارع المدينة صعودا يراه البعض من باب الأمل في الجديد نفسه وما يمكن أن يحققه، لكن الوالي الذي عيد مع مجموعة (الجمعة) يعلم أن المطلوب منه في الأيام القادمة هو ضرورة الحفاظ على التماسك الاجتماعي وعلى روح التعاون وهو يعلم أن عيد الجميع قد يتجاوز حالة الاختلاف حول يومه إلا أنهم سيعودون في نهاية المطاف ليرسموا صورته التي لا تخرج عن مطلوبات التنمية والاستقرار وإعادة كوستي سيرتها الأولى فهو العيد الدائم المنتظر ومن الكل

اليوم التالي





ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق