الاثنين، 22 يونيو 2015

وقفة مع (بدو الرشايدة – العرب الرحل في شرق السودان) للباحث الأميركي وليام يانج

الرياض - عبدالرحيم الأحمدي

بمناسبة حلول شهر الصوم كل عام وأنتم بخير، وهو دعاء ينمو عاماً بعد عام، يتبادل الناس التهاني بقدوم رمضان ويدعون عند رحيله ويرددون فيما بين القدوم والرحيل عبارات تجسد المعاني التي جاء بها الإسلام. إن خلق الإسلام من أنبل ما جاء به الأنبياء وأجمل ما تعمر به قيم المجتمعات. قيم يرددها من يتخلق بها ومن يجانبها. أسأله تعالى أن يلهمنا الصواب، ويوفقنا لأداء واجبات ديننا والأخذ بتوصياته لنعود مجتمعاً متماسكاً إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالألم، وأن يمتعنا بشهر رمضان، فلا نسمع فيه من الأخبار غير ما تطمئن إليه النفوس وتهنأ به القلوب.

لعلنا نتألم من قولهم إن بلادنا طاردة لصحراويتها وجفافها، وقد عادت جاذبة لتعدد مصادر الرزق وإشاعة الأمن، ولعل ما كنا نكره من الطرد كان مصحوبا بالخير لأنه كان يؤدي رسالة إنسانية انتشر بها الإسلام في بقاع لم تبلغها الفتوحات الإسلامية، فأدى المهاجرون دوراً عظيماً في نشر الإسلام للقدوة الحسنة، وتلك فضيلة دانت لها بقاع واسعة في أفريقيا وآسيا. هجرات إلى هناك أدت دوراً مهماً في انتشار الإسلام والعربية. إن ظهور الإسلام في بلاد كانت ملتقى العالم القديم أدت إلى ذلك الانتشار، وفي ظني لو ظهر الإسلام في أوروبا لاحتاج إلى زمن طويل ليبلغ ما بلغه اليوم، فالحمد لله كثيراً.

بين يدي كتاب بعنوان: بدو الرشايدة – العرب الرحل في شرق السودان لمؤلفه الباحث الأميركي وليام يانج الذي أمضى ثلاث سنوات لدراسة مجتمع الرشايدة في السودان، وحقق الكتاب الأستاذ عطا الله ضيف الله ابن حنية وراجعه وقدمه الأستاذ حمد حميد الرشيدي، والكتاب دراسة انثروبولوجية بفكر أميركي، أي أنها لا تجيب عن كثير من الأسئلة التي يتطلع إلى الإجابة عنها الباحثون في المجتمع العربي، مثل من هم رشايدة السودان؟ ورغم التلميحات التي أشار إليها الباحث، ولم يفصح عنها المحقق أو المراجع. فالرشايدة في بلادنا من حيث النسب معروفون بنسبهم الكريم إلى بني عبس، ويقطنون في خيبر وما جاورها ويمتدون إلى أجزاء واسعة فيما بين الحجاز ونجد، أما رشايدة السودان ومثلهم الشكرية فهم ينتمون إلى هجرة جماعية أكثرهم من بلي وجهينة وحرب تلك القبائل التي تنزل بمحاذاة البحر الأحمر شرقاً ولا بأس من وجود الرشايدة وغيرهم من بينهم بنسبة لا تصل إلى نسب القبائل الثلاث. والباحث ركز دراسته على الرشايدة القبيلة الجديدة المشكلة من القبائل الثلاث ومن انضم إليهم من بني رشيد من القبائل الأخرى. وهناك رواية بأن الشكرية نسبة إلى رجل من ينبع يدعى شكر صاحب سفينة تنقل المهاجرين من الجزيرة العربية إلى الساحل الغربي للبحر الأحمر، وإليه ينتمي الشكرية، وذكر مؤلف كتاب هجرة القبائل العربية ضرار صالح ضرار أن شكر من ينبع جهني أو هو من أشراف ينبع منهم من امتزج بجهينة بحكم الجوار والمصاهرة، والشكرية مؤلفة من القبائل العربية التي انضمت إلى شكر لصحبة الهجرة أو مسؤولية القدوم إلى السودان أمام المسؤولين، أو بحكم الحماية في المهجر. ومثلهم الرشايدة المنتمون إلى رشيد للأسباب ذاتها، وقد يكون رشيد من رشايدة المملكة أو إنه بحار من الرشايدة أو ان اسمه رشيد، وكل المهاجرين يرجعون إلى أصولهم العربية عند البحث معهم، ومن المفهوم الاجتماعي لهذا التشكيل القبلي الجديد أجرى الباحث دراسته الانثروبولوجية على هذا المجتمع. ولقد زرت كسلا منذ أعوام والتقيت بأعيانها من الرشايدة وإذا بأكثرهم من حرب لشمولية الهجرة من ديار حرب، وبخاصة قبائل زبَيْد من مسروح. وهذا لا يغير شيئاً بقدر ما هو أمانة علمية يجب على المحقق والمراجع تدارك مافات الكاتب.

ومما أورد المحقق أبيات لشاعرة من المهاجرين ذكر أنها من الزنيمات ضمنتها أشواقها لأبيها الذي أبى الهجرة معهم إلى السودان والأبيات كما يلي:

يا راكب اللي من الرِّتْقة سرى يوم التراحيب
والعصر ملاّ على (رابغ) القلعة يخشروني
على طلوع القمر هبّت عليه ازيب تناكيب
واللي حدا بَرّهم يسمع نباهم يسمرونِ
والصبح إليا جبل حسّان من تحت التضاريب
والجوش للبر لقّوا شمبزة لا ترتخونِ
مرساك (ابو خالد) البري وبرّح لك كلاليب
وليا طرحتم لزوم اثنين منكم ينزلونِ
تلقون شايب شملّق [ يحترك يا] كنّه الذيب
تكثر تراحيبه بْكم ومن حداه يرحبونِ
قل له لقينا دياراً ما سكنها غير الاجانيب
لا عاد نعبا لهم قادي وهم ما يطلبونِ
ودعتك الله عدد ما في البحر تمشي دغاليب
واعداد حم الذرا ما ترتع القفرا بهونِ

الشعر من أوزان قبيلة جهينة وما حولها، وجبل حسان جزيرة مواجهة لمدينة أملج. والأبيات فيها من القلق الذي يتركه الرواة وكتاب الشعر الشعبي والأماكن جهنية وبلوية، كما في عجز البيت الأول أشك في نسيجه، وأيضاً شرح المحقق لاضطراب الوزن والمعنى وبعد المسافات بين الأماكن، ويذكرني وزن الأبيات بأوزان شعر البحار ابن عساف الجهني، ولعلنا نجد من يقدم لنا الأبيات أكثر وضوحاً ومعرفة بشاعرها.
إنني مدين للمؤلف والمحقق والمراجع بالشكر والتقدير على المتعة والمعرفة التي زودني بها الكتاب، ودفعتني لقراءة أكثر من كتاب وأعادت لي ذكريات أيام بكسلا وخشم القربة ووادي القاش:

ماذا أسميك بين المدن يا كسلا
فقد جمعت من الأمجاد ما اكتملا
عروسة نثرت من كفها عبقاً
وقدمت بيديها للسرى عسلا
فريدة أنت والعشاق أوردة
قد علقت بذرا "التاكا" لها أملا
بأن تعود إلى لقياك أفئدة
تفيض شوقا إلى لقياك يا كسلا

وبعد: فقد كنت على عجالة المرتبط بمقال أسبوعي، والحديث ذو شجون، قد أعود إليه عند اكتماله بحثاً ودراسة.



نخبة السودان

image

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق