الخرطوم ـ «القدس العربي»: يقول الباحث في التراث النوبي ميرغني ديشاب إن اعتراف اليونسكو باللغات الموجودة في بلاد النوبة بالسودان فتح المجال واسعا للعديد من الدراسات . وأصبحت هناك لغتان: «نوبين» ويتحدث بها أربعة عناصر هي «المحس، السكوت، بطن الحجر والفريجّا»، و»أوشكرين» وهي لغة أهل دنقلا والكنوز في أقصى شمال النوبة.
ويمتد النوبة في مناطق عديدة في شمال السودان وجنوب مصر، ويطلق عليهم اسم النوبة النيليين، الأمر الذي يعني وجود نوبة آخرين في غرب السودان، في المنطقة التي تعرف بجبال النوبة، وفي بعض مناطق دارفور، ويتميز نوبة الشمال بإيقاعات عديدة.
ويرى ديشاب أن التقسيمات اللغوية في تلك المناطق نتجت عن وجود فروق صوتية، وبالتالي تعددت الإيقاعات حتى داخل المنطقة الواحدة، وعلى هذا الأساس يقول إن للكنوز ثلاثة إيقاعات، وفي تقديره أنّ الكنوز هم الأصل في الغناء النوبي.
ويمتد الكنوز في مصر من قرية دبود إلى كرسكو وإيقاعهم الرئيس هو أُولِّلي وتعني الصفقة ويسمى نقشبندي، ويعتمد على الصفقة والطار، أو الدف النوبي وهو قريب من الدبكة اللبنانية. ويقول إنّ باحثا من سلطنة عمان وصل إلى وادي حلفا ليبحث عن هذا الإيقاع، ضمن رسالة ماجستير يقوم بإعدادها، لكنه لم يجده فذهب إلى حلفا الجديدة وهي المنطقة التي تم تهجير النوبيين إليها، فوجد هذا الإيقاع في منطقة الجبل وهي تضم عناصر من جبال النوبة!
الإيقاع الثاني للكنوز هو «فشّي» وهو أسرع من سابقه واشتهر بأنه «رقصة الحلفاويين». ويقول ديشاب إنّ هذا الإيقاع تم اعتماده في دائرة الفنون الشعبية في سبعينيات القرن الماضي، باعتباره رقصة رئيسية للنوبيين، رغم أنه لا يعبّر عن كل النوبيين.
وهنالك إيقاع «شري» وهو إيقاع سريع جدا يدور فيه الراقصون عكس بعضهم بعضا ويضيف ديشاب إيقاعات أغاني البحر للكنوز، ويقول إن الكنوز يختلفون عن كل النوبيين بارتباطهم الشديد بالنيل الذي يطلق عليه «البحر» في اللغة المحلية.
الفريجا ليست قبيلة، كما يقول الباحث ميرغني ديشاب، بل هم مجموعة من البشر موجودة في مصر والسودان. يمتدون في السودان من دغيم وحتى فرس على الحدود المصرية، ويمتد الجزء المصري منهم حتى كرسكو، ومن أشهر أغانيهم أغنية «أسمر اللونا» وهي طويلة جدا تبدأ من الصباح وعندما يتعب المغنون يرتاحون، ويواصلون في اليوم التالي.
والغناء النوبي عبارة عن مطولات وعدد مغنيي الفريجا «162» مغنيا يتبادلون في «13» أغنية فقط. ومن إيقاعاتهم النقشبندي ولديه تعريفات كثيرة، وهو إيقاع عشرة بلدي المصري المعروف، واستفاد منه الموسيقار السوداني حمزة علاء الدين وأخذ منه «17» إيقاعا غزا بها أمريكا وأوروبا، ووصل حتى اليابان وصارت هذه الموسيقى تدرّس هناك، إضافة «للفيجّا»، وهو إيقاع طاغ جدا وكل الذين هاجروا إلى حلفا الجديدة يرقصون علي إيقاع الفيجّا ويعرف برقصة الحلفاويين. ولديهم أيضا إيقاع «شرّي» الموجود عند الكنوز. ويصل بنا ديشاب في تقسيمه لإيقاعات النوبيين إلى منطقة «بطن الحجر» ويصفها بأنها «منطقة لغوية» وأسس عليها عالم اللغات هيرمان بيل رسالة الدكتوراه بعنوان «أسماء الأماكن في منطقة بطن الحجر» ومن إيقاعاتها «أوللي»ويختلف عن إيقاع الكنوز وهو إيقاع منغم يعتمد على التصفيق بالأيدي والضرب على الأرض حيث ترقص النساء في شكل جماعي .
وعلى إيقاع أوللّي أنشئت أغنية القمر بوبا الشهيرة ويقول ميرغني ديشاب إنها نبعت من أربعة شعراء ويفسر ذلك بأن غناء النوبة في الأصل مطوّلات، حيث ينشئ الشاعر الأغنية بلحنها وكلامها ويزيد عليها الآخرون. إضافة لذلك، تتميز منطقة بطن الحجر بإيقاعات نقلوت، جابودي و»كري أو كرير» الذي يسمى هناك «همبي»، ويقول ديشاب إن الفنان عبد القادر سالم أشار في رسالة دكتوراه عن أغنيات غرب السودان إلى أن هذا الإيقاع يرجع إلى شمال السودان، وقد وصفه الكاتب حسن نجيلة بأنه عبارة عن تصفيق وضرب بالأرض وتنغيم حلقي اشتهر ما قبل غناء «الحقيبة»، وكان يفعله النوبيون قبل أن يستعربوا، وهنالك إيقاع الدليب ومنه أغنيات الريلة المعروفة.
أما السكوت فيقول ديشاب إنهم يزيدون على إيقاعات بطن الحجر بإيقاع «كليكية» وقد استخدمه الفنان محمد وردي عام 2002، في أغنية رثاء للفنان خليل فرح واعتمد- وردي – هذه الأغنية كمقدمة لأغنيته الكبيرة رسالة إلى صواردة. وذات إيقاعات السكوت موجودة عند المحس، ويقول إن المحس كانوا أهل دين، حيث أقاموا أوائل الخلاوي لتدريس القرآن في القرن العاشر الميلادي، وبذلك لم يكونوا أهل غناء بالمرة، وظهر الغناء عندهم متأخرا في عام 1981 من خلال مطربهم قطبي هرون.
وفي منطقة دنقلا يوجد إيقاع «كرّي» ويسميه الباحثون «كرير» وهو إيقاع فيه إظهار للرجولة وكلمة كرّي مأخوذة من كلمة نوبية تعني زئير الأسد، وهو إيقاع الجرّاري نفسه الموجود في غرب السودان. ومن إيقاعات دنقلا، «جابوتا» و»الدليب» و»تم» وهو التمتم المعروف، إضافة لأغاني السيرة وهي دلوكة الجعليين المعروفة.
ويرى الباحث في التراث النوبي ميرغني ديشاب أن هنالك مجالات أخرى لم يتطرق إليها مثل، الأغاني الطقوسية في حالات «الزواج، الختان والأغاني الدينية». ويقول إنّ إيقاعات النوبيين تبدو متشابهة، لكن هنالك أخذ وتداخل في الإيقاعات النوبية ويحتاج هذا الأمر لدراسات علمية.
صلاح الدين مصطفى
القدس العربي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق