البروفيسير الجزولي دفع الله رئيس وزراء الحكومة الانتقالية عقب إنتفاضة أبريل (1985)، يعتبر من القلائل الذين يحتفظون بخفايا وأسرار هذه الانتفاضة التي انطلقت شرارتها الأولى في مارس من ذات العام، بتظاهرات عفوية ضد زيادة تسعيرة بعض السلع من بينها السكر، إلا أن الجزولي له رأي مخالف لما يروية البعض عن أسباب اندلاع الإنتفاضة، حيث يقول إن اضراب نقابة الأطباء الذي حدث قبل عام من الإطاحة بنظام نميري، كان بمثابة الشرارة الأولى لاندلاع الثورة،(آخر لحظة) جلست مع البروف الجزولي وأجرت معه حواراً من داخل عيادتة بالخرطوم بحري، استرجع من خلاله ذكريات انتفاضة أبريل في ذكراها الحادية والثلاثين، فمعاً إلى مضابط الحوار .
حدثنا عن بداية شرارة الانتفاضة ؟
– الأحاديث كثيرة ويظل السؤال قائماً، متى كانت بداية الشرارة، فالبعض يرى أنها بدأت بجامعة أم درمان الإسلامية، ولكن جميعها تدل على أن الشعب كان مستعداً لثورة قادمة، رغم أن كل جهة تدعي أنها تمثل الشرارة الأولى للثورة.
ولكن في تقديرك من أين بدأت؟
في تقديري بدأت باضراب نقابات الأطباء وهي البداية الحقيقة، والذي كان قبل عام من الانتفاضة واستمر لمدة عام، وحاول النظام المايوي جاهداً أن يوقف الإضراب ويحطمه ويقضي عليه، من خلال إصداره قراراً بفك الإضراب خلال 48 ساعة، وإلا سيتم تعليق المضربين في مشانق، ولكن الأطباء لم يتراجعوا عن قرارهم، ولم يستطع نميري أن ينفذ قراره
هل نميري التقي بكم بعد أن رفضتم فك الاضراب؟
– في البداية كان يصفنا بأننا عملاء وشيوعيين، ونعمل لصالح تحالف عدن، وبعدها دعانا إلى القصر بعد أن تحدث معه نائبه عمر محمد الطيب بأن المضربين لهم مطالب مشروعة، وبعده أوكل نميري نائبه للجلوس معنا، وجلس معنا لبحث كيفية تحقيق المطالب والمتمثلة في تهيئة أوضاع البيئة الطبية وتحسين أوضاع الأطباء وبالفعل حصلنا على ما نريد والإضراب كان في كل الولايات
ما أهمية إضراب الأطباء في الانتفاضة إذن؟
إضراب الأطباء لم يستطع نميري أن ينتصر عليه، ولذلك وجد الشعب السوداني في النقابة الجسم الوحيد الذي يستطيع أن يتحدى نميري ونجح، مما كسر حاجز الخوف في نفوس المواطنين.
هنالك اتهام بأن نقابة الأطباء واجهة لجهات سياسية ؟
– لم تكن نقابة الأطباء واجهة لأي جهة سياسية، رغم أن نميري كان يعتقد بان الشيوعيين هم من يدعمونها، ولكن النقابة لم تضم أي شيوعي على الإطلاق .
ألم تكونوا خائفين من نظام نميري الذي كان حاكم بقبضة من حديد ويمتلك جهاز أمن قوي؟
– بالتاكيد الخوف موجود ولكن الحرية لها ثمنها، ولذلك أعتقد أن ذلك الخطوة كانت البداية وفتحت الباب بأن النظام يمكن تحديه.
وكيف كانت الخطوة الثانية للانتفاضة ؟
– تجمعت النقابات المهنية وتم تأسيس جسم تم تسميته “بالتجمع النقابي” وضم الأطباء والمحامين والمهندسين والمصرفيين وأساتذة الجامعات، وأول اجتماع كان بمنزل عوض الكريم محمد أحمد في منطقة (أبو آدم)،وبعدها توالت الاجتماعات، وتم تحديد هدف واحد وهو ضرورة إسقاط النظام.
وأين نقابة السكة حديد ؟؟
– التجمع ضم النقابات المهنية وليس العمالية، ولكن رغم ذلك لم نستبعدهم ولكن كانت نقابتهم موالية للنظام.
هل كانت لديكم ثقة بنجاح الانتفاضة ؟؟
– كنا واثقفين من النجاح و”مالين يدنا من الشعب السوداني” ،لأنه كان مهيأً ومعبأً، وجاءت الثقة من قراءة الواقع في أيام نميري الأخيرة التي وجدنا فيها عنتاً وضييقاً، سواءً على مستوى الماء أو الكهرباء أوالخبز والوقود، وعانى المواطنون أشد المعانأة وأذكر بحثنا أنا وزوجتي في شئ للطهي، فلم نجد لا غاز ولا وقود ولا كهرباء، وفي الصباح خرجت زوجتي للجيران لتجد بديلاً، فتفاجأت بأن أحد أصدقائي من ولاية القضارف اسمه حسن بخيت جيلاني أحضر لنا (4) جولات فحم وعليها ديباجة مكتوب عليها علمت أنكم تعانون من أزمة ولذلك قمت بإحضار شاحنة لأصدقائي وقمت بتوزيعها، فكان المخرج الوحيد، وقال ضاحكاً “ لكن المشكلة أصبحت في إنو نجيب الموية من وين” .
البعض ينسب شرارة الثورة إلى الجامعة الإسلامية؟؟
– الجامعة الإسلامية لم تقم بتعبئة الشعب، ولم يكن باستطاعتها أن تعمل هذا العمل المنظم.
واين اتحاد طلاب جامعة الخرطوم؟؟
– طلاب الخرطوم كانوا مشاركين في التحالف الذي تكون، وكان رئيس الاتحاد حينها عمر الدقير، وكان مشاركاً في تجمع النقابات بجانب نقابة أساتذة جامعة الخرطوم .
هل تم الاتصال بالأحزاب ؟؟
– لم نتصل بالأحزاب ولم نلجأ إليهم إلا في اللحظات الأخيرة، لأننا كنا على قناعة بأن النقابات الموجودة في التجمع لوحدها تستطيع أن تسقط الحكومة من خلال شل الأداء الحكومي، وعندما كنا بالسجن اتصل بعض الأخوان بالأحزاب.
عندما قامت الانتفاضة كنت بالسجن متى تم اعتقالك؟
– عندما انتهى الاجتماع الذي عقد بدار المحامين قبل الانتفاضة باسبوع إلى عشرة أيام تقريباً ،تم اعتقالي ومعي مجموعة بعد خروجنا مباشرة من الاجتماع .
وقوف الجيش الى جانب الشعب كان سبب في انجاح الانتفاضة؟
– الجيش لم ينحاز إلينا إلا بعد أن علم أن النظام قد سقط، لأن سوار الذهب في صبيحة الانتفاضة لم يقل انقلبنا على النظام، وإنما قال إن الجيش انحاز للشعب، ولكن هذا الموقف يحسب للجيش لأنه لم ينحاز إلى النظام.
هل كان للانتفاضة أن تنجح إن كان نميري بالسودان، خاصة وأنه دموي ويمتلك جهازاً قوياً ؟
– نميري حتى وإن كان في السودان فإن النظام سيسقط وسيتم القبض عليه، لأن صغار الضباط لن يقبلوا الوقوف ضد الشعب، وحينها سيجد نميري أنه فقد القوة التي يضرب بها الشعب، وثانياً الشعب لم يمارس العنف حتى يواجهه بعنف .
كيف تم اخراجك من السجن بعد سقوط النظام ؟
– جاءوا إلى سجن كوبر بسيارة وهدموا باب السجن، وتم اخراجي وحملي على الاكتاف، وأشار إلى صورة معلقة بجدران عيادتة يظهر فيها وهومحمول على الأعناق من سجن كوبر إلى وزارة الصحة، وواصل حديثه أنا بقميص السجن حملوني للوزارة، ولم أعرف دواعي الذهاب بي إلى وزارة الصحة ومستشفى الخرطوم.
ما هو شعورك لحظة إخراجك من السجن؟
-عندما كنا بالسجن كنا نسأل عن الأحوال في الشارع، وكانت الأخبار تأتينا عن طريق حراس السجن، وكانو ينقلون إلينا الأوضاع ويقولون لنا “البلد حالها واقف” .
كيف كانت المعاملة في السجن؟
– للأمانة والتاريخ، كانت المعاملة انسانية وكريمة .
بعد الانتفاضة تم الاتصال بالصادق المهدي لماذا الصادق تحديداً؟
– تم الاتصال بالصادق وأنا بالسجن لصياغة البيان، وكان الهدف الاتصال بأي حزب، ووقع الخيار بالاتصال على الصادق، ولكن ليس لحاجتنا الملحة للأحزاب او جماهيرها، لان جماهيرها كانت معنا ولم تكن تحتاج لصكوك غفران من زعمائها، ولكن أقولها وبصراحة لو كنت خارج السجن لما وافقت بالاتصال بأحد ولن يحدث ذلك.
لماذا كانت الفترة الانتقالية عام واحد ؟
– مجلس الانتفاضة اقترح ثلاثة أعوام ولكنا رفضنا، لأن لدينا هاجس واعتقاد بان ذلك يمثل “ خروج الجيش بالباب ودخوله من الشباك، وشكلنا حكومة انتقالية توافقية بالتراضي ومثلت فيها كل الأحزاب، ولكن كان السؤال ماذا نفعل بالقوات المسلحة دون أن تكون في يد أحد، لأنها أصبحت في يد الشعب بدلاً من يد السلطة، وفي هذه الأثناء تم تشكيل المجلس العسكري من قبل الجيش، لأن تشكيله ليس من اختصاصاتنا، ولكن حددنا واجباتها لأننا مقبلون على وضع ديمقراطي، ولكن رفضنا المجلس العسكري، وفي نهاية الأمر بدلاً من الدخول في صراع مع العسكريين توافقنا على إنشاء مجلس العسكريين حتى نضمن وحدة القوات المسلحة،على أن نجعل من مجلسهم هذا مجلس سيادة أي يسود ولا يحكم، ومجلس الوزراء المنبثق من الإتلاف والقوى الوطنية هو من يحكم، وفعلاًهذا ما حدث.
ولكن تم اتهامكم باقصاء الجنوب وتجاهلة بعدم اشراكهم في الحكومة ؟
– الجنوب كان يمثل الهم الثاني لنا بعد القوات المسلحة، وأنا تواصلت مع د.جون قرنق قبل تشكيل الحكومة، وأصدرت نداءً له باللغة الإنجليزية باعتباري رئيس للتجمع النقابي، وقلت له “ عزيزي جون قرنق نحن وأنت تضافرنا معاً لإسقاط نميري، ونحن الآن في السودان مجتمعين ونفكر في مستقبل السودان، ولم نتخذ أي خطوة ومكانك معنا هنا، وهي فرصة قد لا تتكرر مرة ثانية في تاريخ السودان، ولكن اعتبر أن ما حدث ليس بانتفاضة ولم يات .
ما السبب في عدم حضوره برأيك ؟
– أولا أستبعد أن قرنق كان لا يعلم بالحقائق لأن انصاره لا يمكن أن يخفوا عليه شئ، العالم كله شاهده، ولكن أعتقد أن قرنق كان يفكر في أن يكون هو من يطيح بالنظام، وأن يكون صاحب المبادرة، ومن يقرر مصير السودان، ولكن الانتفاضة قطعت علية الطريق .
كيف استتطعتم أن توفروا للمواطن المطالب التي خرجتم من أجلها حتى لا يشعر أن البديل أسواء من ما كان؟
– طوال عمر مجلس الانتفاضة لم تقطع المياة أو الكهرباء يوماً واحداً، لأننا أحضرنا مهندساً اسمه عبد العزيز عثمان، والآن موجود بهولندا للإدارة والصيانة، واستطاع هو ومن معه من مهندسين بأن يوفروا الكهرباء بالموارد المتاحة، وهذا يفسر سوء الإدارة قبل الانتفاضة.
هل وجدتم سند من الخارج للخروج من المرحلة الحرجة للانتفاضة؟
– دول الخليج وفرت الوقود،وكذلك الأمريكان قاموا بإنشاء ما يعرف بالإناء.
أنت وسوار الذهب متهمان بانكما إسلاميين مندسين؟
انتمائنا الاسلامي كان واضحا ولكننا إسلاميين مستقلين، وحتى الآن أنا أقول إنني إسلامي مستقل وسوار الذهب كذلك، وكنت في مرحلة من المراحل في قيادة الحركة الاسلامية ولكن خرجت منها، ولم ارى احد من القيادات الإسلامية خلال الفترة الانتقالية سوى الترابي، وكانت مرة واحدة وبصورة عادية مثله مثل أي شخص .
هل كان المصريون مع الثورة؟
– بعد الثورة زرت مصر، وكنا محتاجين حينها لذخيرة وتم دعمنا بذخيرة، ولكن طلعت ضاربة أو فاسدة.
قرار حل جهاز الأمن برأيك كان قراراً موفقاً؟
– لم يكن موفقاً بكل تاكيد،ولم تصدرة الحكومة الانتقالية وانما أصدرته الحكومة العسكرية، وفي اعتقادي الجهاز لم يكن كله مايوي ولم يكن كذلك كله فاسد، فقد تكون بعض قياداته فاسدة، ولكن بالتاكيد ليس كله، والبلاد صرفت علية ماصرفت من تدريب وتأهيل لافراده، وبعد أن جئينا لم يكن بمقدورنا أن نعيده لأنه سلب من كل وظائفه وامكاناته .
ولكن البعض يرى نظام نميري لم يكن مفسداً ؟
– في فترة نميري كان هنالك وزيراً مشهوراً يوصف بانه يقضي على كل شئ، والفساد كان موجوداً، ولكن القهر السياسي كان أكثر، لذلك كان الشعور بالقهر السياسي واضحاً أكثر من الفساد، وأي نظام شمولي لا يخلو من فساد لأن الأمور خالية من الشفافية وليس هنالك وضوح.
حوار : عمر دمباي
صحيفة آخر لحظة
صحيفة آخر لحظة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق