يتزايد عدد مبعوثي الأمين العام للأمم المتحدة، مع تزايد بؤر التوتر في العالم، ووصل عدد هؤلاء في الوقت الراهن إلى 111 مبعوثاً خاصاً موزعين على مختلف القارات والمناطق الجغرافية الساخنة في العالم، يعمل ثلثاهم كوسطاء في صراعات مسلحة أو قضايا شائكة، فيما يعمل الثلث الثالث في قضايا غير سياسية لكنها مهمة، لما تمثله من تحديات عالمية كبيرة تؤثر على قطاعات واسعة من سكان العالم صحياً، اقتصادياً، اجتماعياً، تنموياً، إنسانياً أو غير ذلك.
"العربي الجديد" تفتح ملف المبعوثين الدوليين لتسليط الضوء على اللغط السائد حول مهامهم، ومحاولة فهم أسباب الانتقادات الواسعة للمنظمة الدولية التي بادرت هي نفسها قبل أسابيع، وفقاً لما علمته "العربي الجديد" من مصدر مطلع على ما يجري في كواليسها، بتشكيل لجنة داخلية من خبراء ودبلوماسيين سابقين، من دون إعلان أو ضجيج، لإجراء مراجعة متأنية ودراسة الجدوى من بعثاتها إلى مناطق الصراع، في ظل تضارب المصالح الدولية، وعدم القدرة على تحدي مصالح كبار مموّلي المنظمة.
ولا تزال اللجنة تعمل على مراجعة وتقييم مدى النجاح أو الفشل الذي تحقق أو لم يتحقق طوال العقود الماضية، وعلى وجه الخصوص في عمل المبعوثين السياسيين الذين نجح معظمهم في تحقيق إنجاز واحد مشترك في كل القضايا، وهو جعل الأطراف المتصارعة التي لا تجتمع على شيء أبداً تتوافق على توجيه اللوم لهم، وتحميلهم مسؤولية نزاعات كانت سبباً لوجود المبعوثين ولم يكونوا سبباً لوجودها أساساً، حسب تعليق أدلى به لـ"العربي الحديد" أحد أبرز المبعوثين إلى المنطقة العربية.
ويولي هذا الملف عناية خاصة بالمبعوثين إلى المنطقة العربية من مختلف الجنسيات وكذلك بالمبعوثين العرب إلى مختلف الصراعات والقضايا العالمية. وربما لا يوجد حالياً سوى ثلاثة مبعوثين فقط تنطبق عليهم الصفتان (أصل عربي وقضية عربية)، من بين 19 مبعوثاً يمثلون الأمين العام للأمم المتحدة في 9 بلدان عربية (أفريقية وآسيوية). ويعتصر الصراع السياسي 8 من البلدان التسعة، تحوّلت أربعة منها على الأقل إلى بؤر عنف رئيسية، وماجت بالصدامات المسلّحة، الأمر الذي جعل المبعوثين إليها لا يحصرون عملهم فيها بل وسّعوه إلى دول مجاورة تؤثر وتتأثر بالصراعات في تلك البؤر، وهو ما جعل بعض المراقبين يتندر بأن توسيع عمل المبعوثين نذير شؤم ينذر بنشوء بؤر صراع جديدة في الدول التي يزورونها.
مناطق الصراع
لا توجد بؤرة توتر أو صراع في العالم حالياً إلا وفيها مبعوث يمثّل الأمين العام للأمم المتحدة كوسيط محايد، أو هكذا يفترض أن يكون. وكلما زاد عدد الصراعات في قارة من القارات أو في منطقة جغرافية معينة في عالم اليوم، زاد عدد المبعوثين الأمميين إلى تلك المنطقة أو في تلك القارة. بل إن بعض الصراعات في مناطق معينة يمثّل الأمين العام فيها أكثر من مبعوث في وقت واحد، وبعضهم يتم تعيين نائب له يدخل أيضاً في العدد الكلي لقائمة المبعوثين. ويتزايد عدد المبعوثين الأمميين تزايداً اطرادياً مع فداحة المشكلات ومدى اتساع رقعة العنف في المنطقة الجغرافية الجاري فيها الصراع.
ومن بين 75 مبعوثاً سياسياً يمثلون الأمين العام للأمم المتحدة إلى مناطق الصراع في العالم، تأتي أفريقيا في مقدمة القارات التي استحوذت على أكثر من نصف هؤلاء المبعوثين، إذ يوجد فيها 43 مبعوثاً أممياً يمثلون الأمين العام للأمم المتحدة في 17 بؤرة صراع، أهمها: بوروندي، ليبيا، الصحراء الغربية، الصومال، الكونغو الديمقراطية، أفريقيا الوسطى، أبيي، جنوب السودان، دارفور، غرب أفريقيا، غينيا - بيساو، غينيا الاستوائية وغابون، كوت ديفوار، ليبيريا، مالي، إلى جانب الاتحاد الأفريقي الذي يُعتبر في حد ذاته بؤرة صراع منفصلة. ولم يتمكن المبعوثون الحاليون إلى بؤر الصراع الأفريقية أو من سبقهم من إيجاد حلول ناجعة لها.
وبالمقارنة مع قارة أفريقيا، فإن بؤر الصراع يتناقص عددها إلى حد كبير تناقصاً اضطرادياً مع تناقص عدد مبعوثي الأمم المتحدة في أوروبا والأميركتين وشرق آسيا.
ففي الأميركتين تكاد تكون هاييتي هي بؤرة العنف الوحيدة، ويوجد بها أربعة مبعوثين دوليين، وفي أوروبا بكاملها توجد أربع بؤر رئيسية للصراع قد يكون الصدام المسلح مكبوتاً فيها حالياً ولكنها تظل دوماً مهددة به وهي قبرص وكوسوفو وجورجيا وجمهورية مقدونيا. وكل بؤرة من بؤر الصراع الأوروبية يمثل الأمم المتحدة فيها مبعوث واحد باستثناء قبرص التي يمثّل الأمين العام فيها مبعوثان هما المستشار الخاص للأمين العام بشأن قبرص والممثل الخاص للأمين العام، ورئيس قوة الأمم المتحدة لحفظ السلام في قبرص.
أما آسيا فيوجد فيها أربع بؤر رئيسية للصراع غير عربية وهي أفغانستان، وميانمار، وآسيا الوسطى، وكشمير. وتنفرد أفغانستان بثلاثة مبعوثين أمميين، بينما يمثل الأمين العام مبعوث واحد بكل بؤرة من البؤر الثلاث الباقية. ويسمى المبعوث المعني بكشمير بكبير المراقبين العسكريين ورئيس بعثة فريق مراقبي الأمم المتحدة العسكريين في الهند وباكستان.
أما إذا ما تم احتساب المبعوثين إلى المنطقة العربية في إطار العدد الكلي لقارة آسيا فسوف تأتي آسيا في المركز الثاني بعد أفريقيا من حيث الصدارة في عدد المبعوثين الدوليين، إذ يرتفع العدد إلى 22 مبعوثاً، بينهم 6 فقط يمثلون الأمين العام في بؤر صراع آسيوية غير عربية، بينما يمثل 16 مبعوثاً أممياً الأمين العام في دول المشرق العربي.
بؤر عربية
عدد المبعوثين إلى المنطقة العربية بشكل عام يكاد يقترب من عدد أعضاء جامعة الدول العربية التي لا تمثل عددياً سوى 11 في المائة من عدد أعضاء الجمعية العامة للأمم المتحدة (193 دولة)، ومعنى ذلك أن المنطقة العربية قد استحوذت على ما تقدر نسبته بـ24 في المائة من الصراعات المسلّحة في العالم بما يتجاوز ضعف النسبة العددية للدول العربية، إذا ما اعتبرنا عدد المبعوثين مؤشراً لسخونة الأوضاع في أي بقعة جغرافية في العالم.
حالة عربية استثنائية واحدة لمبعوث واحد فقط يمثل الأمين العام للأمم المتحدة في دولة عربية لا تُعتبر بؤرة صراع أو صدام مسلح، وهي الكويت، التي يمثل الأمين العام للأمم المتحدة مبعوث للشؤون الإنسانية فيها، أما بقية المبعوثين فيتوزعون على خمس بؤر عربية رئيسية للصراع، لم تُحتسب ليبيا من ضمنها هنا لأنها تقع جغرافيا خارج نطاق دول المشرق العربي، وقد جرى عدها ضمن بؤر الصراع الأفريقية الرئيسية، كما لم يتم احتساب مبعوثين اثنين للأمين العام إلى الصحراء الغربية (المغربية) للسبب ذاته.
بؤر الصراع الخمس يمكن تحديدها بسهولة عن طريق إلقاء نظرة على قائمة المبعوثين إليها وهي سورية، العراق، لبنان، فلسطين، اليمن.
وباستثناء اليمن التي لا يمثل الأمين العام فيها سوى مبعوث واحد، فإن بقية البلدان الأربعة تتقاسم فيما بينها 14 مبعوثاً أممياً، لا يبدو أنهم يعملون على حل الصراعات في تلك البقع الساخنة، وإنما يحاولون إدارتها على مبدأ إدارة الأزمات لا حلها.
وأبرز المبعوثين حالياً إلى دول عربية أو بؤر صراع عربية، المبعوث الخاص المشترك للأمم المتحدة وجامعة الدول العربية بشأن الأزمة السورية ستيفان دي ميستورا (إيطالي - سويدي)، والمنسّق الخاص لعملية السلام في الشرق الأوسط الممثل الشخصي للأمين العام لدى منظمة التحرير الفلسطينية والسلطة الفلسطينية، ومبعوث الأمين العام إلى اللجنة الرباعية نيكولاي ملادينوف (بلغاري)، ونائب المنسق الخاص لعملية السلام في الشرق الأوسط، ومنسق الأمم المتحدة الخاص للأنشطة الإنمائية في الأراضي الفلسطينية المحتلة روبرت بيبر (أسترالي)، ومبعوث الأمين العام الخاص لتنفيذ قرار مجلس الأمن 1559 بشأن لبنان تيري رود لارسن (نرويجي)، والممثل الخاص للأمين العام في العراق يان كوبيش (سلوفاكي) والمستشارة الخاصة بنقل قاطني معسكر الحرية إلى خارج العراق جين هول لووت (أميركية)، والمنسّقة الخاصة للأمين العام في لبنان سيغريد كاغ (هولندية)، ونائب المنسق الخاص للأمين العام في لبنان الممثل المقيم لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي فيليب لازاريني (سويسري) ورئيس البعثة وقائد القوة لمكتب منسق الأمم المتحدة الخاص لشؤون لبنان اللواء لوتشيانو بورتولانو (إيطالي)، والممثل الخاص للأمين العام ورئيس بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا برناردينو ليون (إسباني)، المبعوث الخاص للأمين العام في الصحراء الغربية كريستوفر روس (الولايات المتحدة)، والمستشار الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في اليمن إسماعيل ولد الشيخ أحمد (وهو عربي من موريتانيا).
مبعوثون عرب
عامل إضافي إذا ما توفر في مبعوث بعينه إلى منطقة عربية فإن الأضواء قد تسلّط عليه أكثر من غيره وربما الانتقادات والإشادات على حد سواء. هذا العامل هو قدرة المبعوث على الحديث باللغة العربية كأن يكون من أصل عربي أو نشأ في بيئة عربية، على أن تكون القضية المكلف بملفها ساخنة عربياً. فعندما يجتمع العاملان سوياً (مبعوث عربي وقضية عربية ساخنة إعلامياً) فإن الاهتمام وفرص النجاح قد تصل إلى ذروتها فضلاً عن ارتفاع منسوب المخاطرة.
ولعل المستشار الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في اليمن اسماعيل ولد الشيخ أحمد مثال حي على حجم التحدي الذي ينتظره، وهو ذات الوضع الذي كان يتمتع به ويواجهه في آن واحد سلفه جمال بنعمر (مغربي الأصل والنشأة والثقافة وإن كان بريطاني الجنسية).
ولكن بنعمر وولد الشيخ لم يكونا العربيين الوحيدين في مجالهما، فقد كان من أبرز من سبقهما إلى أداء مهام مشابهة لمهمتهما وزير الخارجية الجزائري الأسبق الأخضر الإبراهيمي، عندما تولى في فترات مختلفة تمثيل الأمين العام في ملفات شائكة في سورية والعراق واليمن، لكنه على الرغم من شهرته الواسعة لم يتمكن من تحقيق نجاح عملي للمنظمة الدولية، ربما لعوامل خارجة عن إدارته.
ومن الشخصيات العربية أيضاً المكلفة بملف عربي حالياً، يأتي أيضاً نائب المبعوث الخاص المشترك للأمم المتحدة وجامعة الدول العربية بشأن الأزمة السورية رمزي عز الدين رمزي (مصري)، وقد اختير لهذا الموقع منتصف العام الماضي، ونائب الممثل الخاص للأمين العام رئيس بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا علي الزعتري (أردني).
وهناك مبعوثون عرب آخرون يمثلون الأمين العام للمنظمة الدولية في قضايا ذات طابع عالمي أو كمبعوثين إلى مناطق صراع غير عربية، أبرزهم: الممثل السامي للأمين العام لتحالف الحضارات ناصر عبد العزيز النصر (قطري)، ومبعوث الأمين العام للشؤون الإنسانية عبد الله المعتوق (كويتي)، ومبعوث الأمين العام لشؤون الشباب أحمد الهنداوي (أردني)، والمبعوث الخاص لمنطقة البحيرات الكبرى سعيد جينيت (جزائري)، والممثلة الخاصة للأمين العام للأطفال والصراعات المسلحة ليلى زروقي (جزائرية)، والممثل الخاص للأمين العام ورئيس بعثة الأمم المتحدة المتكاملة المتعددة الأبعاد لتحقيق الاستقرار في مالي مُنجي حمدي (تونسي).
كما أن مصر أيضاً من البلدان العربية التي قدّمت مبعوثين أمميين في حين أنها لا تشهد صراعاً مسلحاً خطيراً يستدعي إرسال مبعوث دولي إليها، ومن أبرز المبعوثين المصريين ماجد عبد العزيز، ونائب الممثل الخاص للأمين العام والمنسق المقيم ومنسق الشؤون الإنسانية بالنيابة في بعثة الأمم المتحدة لتحقيق الاستقرار في هايتي مراد وهبة (مصري).
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق