تشتهر كلّ منطقة في السودان بأكلات شعبية محدّدة، قد لا تكون موجودة في منطقة أخرى.
ففي الشمال نجد "التركين" أو "الملوحة "، وهو عبارة عن سمك يدفن تحت الأرض لمدّة محدّدة، بعد أن توضع عليه كميات كبيرة من الملح حتى يتعفّن، ويطهى بطرق مختلفة على النار، ويؤكل بـ "القراصة"، وهو عجين من القمح يُخبز على صاج مستدير.
وفي بلدات وقرى الوسط نجد "الويكاب"، وهو عبارة عن رماد القصب المحروق، ينقع في الماء مع اللبن، وتضاف إليه البامياء المجفّفة والمطحونة.
كما نجد في غرب السودان طبق "الكَول"، وهو عبارة عن نبتة تنمو في فصل الخريف، وتقطف أوارقها ثم تطحن وتوضع في قارورة كبيرة من فخار، تدفن في الأرض لمدّة شهر حتى تتعفّن، ومن ثم يتمّ طبخها على النار، وتؤكل بـ "العصيدة" التي هي ماء وذرة يخبزان على النار حتى يتماسكا.
وتنتشر في المناطق السودانية وجبة "الويكة"، وهي طعام تقليدي يطهى بالبامياء المجفّفة مثل "الكول" الغربية، ولكن يُضاف إليها البصل واللحم والصلصة، وتؤكل إما بالقراصة أو العصيدة.
وتشتهر مناطق جنوب كردفان والنيل الأزرق بطبق شعبي اسمه "الكجيجك"، والذي أيضاً تشتهر به بعض المناطق في دولة جنوب السودان وجنوب أفريقيا. وهو عبارة عن سمك رفيع يتم تشبيكه في شكل ضفائر إلى أن يجفّ في العراء، ومن ثمّ يتمّ طحنه وطبخه بالصلصة والبصل ويضاف إلى العصيدة.
ولموائد الطعام أهمية خاصة لدى السودانيين الذين يحرصون على لمّ شمل الأسرة كاملة حول طبق واحد، يأكلون جميعهم منه. وتعمد بعض المجتمعات، خاصة في الشمال، إلى فصل موائد الرجال عن النساء، ويستحيل في تلك المجتمعات أن يُسمح للنساء بالأكل قبل أن يفرغ الرجال تماماً من الطعام ويعلنوا الاكتفاء.
ولكلّ مناسبة، حزينة كانت أو سعيدة، طعام محدّد وعادة ما تشترك العائلات والجيران والأصدقاء في إعداده في ما يعرف محليّاً "بالنفير"، وقد لجأ أهل المدن حديثاً، وخصوصاً العاصمة، للاستعانة "بطبّاخين" في تلك المناسبات.
وتغيّرت تماماً الأنماط الغذائية في المدن نتيجة تغيير أسلوب الحياة اليومية ووتيرتها، فضلاً عن الأزمة الاقتصادية التي جعلت الكثير من الأسر السودانية تبسّط وجبة الغذاء، التي كانت تمثّل حدثاً يجتمع عند مائدته الجميع، فضلاً عن الزيارات المتّصلة بيوم الجمعة، والذي عادة ما تجتمع فيها العائلة الكبيرة حول موائد شعبية تقليدية.
مؤخراً، نظّمت شركة خاصّة في الخرطوم، بالتعاون مع جهات حكومية، مهرجان الأغذية التقليدية في السودان، وعرضت خلاله عدداً من الأغذية الشعبية المحلية لتشجيع المنتجات المحلية، وتقديم تجربة جديدة في ما يتّصل بالغذاء التقليدي عبر تطويع التكنولوجيا الحديثة.
ويرى الخبير في التراث السوداني، محمد طه القدال، أنّ الأكل يعتبر جزءاً من الهوية، فضلاً عما يصحبه من زراعة وحصاد وتجفيف وتعليب... مؤكّداً أنّ تلك الثقافة تعكس تنوّع وثراء بيئة أي منطقة، ويضيف: "في الشمال، تنتشر "القراصة" لأنّ القمح يزرع هناك، وفي الجزيرة "أي الوسط"، نجد "العصيدة والكسرة"، لأنّ الذرة تُزرع أكثر من القمح هناك".
وعن هوية ثقافة الطعام في السودان يقول القدال إنها ليست أفريقية أو عربية، إنما سودانية في درجة أولى، وإن كانت تمزج بين الاثنين، ويضيف: "نجد الشمال تأثّر بالأتراك الذين أدخلو السرويس والصحن للمائدة السودانية، وفي الغرب الثقافة أفريقية بحتة، حيث يستخدم السودانيون "القدح" وأواني أخرى مصنوعة من الفخار".
ويقول الخبير الاجتماعي والثقافي جمعة إبراهيم، إنّ أي مجتمع قائم على جمع الغذاء والتقاطه مباشرة من البيئة الطبيعية المحيطة به يعتبر أقدم نماذج المجتمعات البشرية، وأقلّها تطوّراً في هرم التطوّر البشري وأبسطها تركيباً، من حيث العناصر الثقافية المرتبطة بها، وتليها المجتمعات الرعوية ثم الزراعية بشقّيها التقليدي والحديث، ثم المجتمعات الصناعية، ومجتمعات ما بعد الصناعية التي تمثّل النمط المتسيّد اليوم.
ويرى أنّ الأنشطة والممارسات اليومية والموسمية المتعلّقة بالغذاء ترتبط ارتباطاً وثيقاً بتوزيع الأدوار الاجتماعية في المجتمع بين الأفراد والمجموعات على أساس النوع والعمر ودرجة المعرفة الثقافية.
علوية مختار
العربي الجديد
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق