الأربعاء، 9 سبتمبر 2015

ستات الشاي.. انقسام سوداني حول الظاهرة وانتشارها


في الفترة الأخيرة انتشرت بائعات الشاي في السودان، أو ما يعرف محلياً بـ"ستات الشاي"، وهن مجموعة نسوة يقمن ببيع الشاي في الطرقات والأماكن العامة في الهواء الطلق، بطريقة بدائية تُختصر أدواتها في "منقد"، وهو وعاء مربع الشكل يصنع من الحديد ويوضع عليه الفحم، وعدد من علب المربّى والعسل الفارغة يضعن فيها السكر وحب الشاي والقهوة والبهارات المصاحبة. ويكتمل الشكل التقليدي بـ"البنبر"، والذي بدأ يختفي من البيوت السودانية مع الحداثة، وهو عبارة عن مقعد يرتفع عن الأرض سنتيمترات فقط، يصنع من الحديد وحبل البلاستيك. 
ومهنة بيع الشاي من المهن التي ابتدعتها النساء في السودان لإعالة أسرهن. وزاد عدد البائعات في الفترة الأخيرة مع تمدّد الحرب في أطراف البلاد، واستقبال الخرطوم للنازحين. وتقول حواء، وهي واحدة من "ستات الشاي"، "ظروف الحرب في درافور قادتني وأبنائي إلى الخرطوم بعد وفاة زوجي، ولم أنل حظاً من التعليم، وليست لدي فرصة للتوظيف في الحكومة أو غيرها، لذا عمدت إلى بيع الشاي في الشارع. والحمد لله ما يأتيني من دخلها يكفيني وأبنائي". 
حلقات "ستات الشاي" أصبحت بمثابة "هايد بارك شعبي"، أو ما يعرف محليا "بالشمارات"، إذ يتم تداول الأخبار السرية، فضلاً عن الاخبار السياسية والرياضية والفن والثقافة. وتلتف حول ستات الشاي طبقات مختلفة، من الطلاب والموظفين، إلى النواب والوزراء. وأخيراً أصبحت الفتيات أيضاً يرتدن أماكن ستات الشاي، رغم أن الخطوة كانت تستنكر من قبل المجتمع السوداني المحافظ الذي ينظر إلى الفتاة التي تجلس في الشارع نظرة دونية. 
ونافست الوافدات من دولتي أثيوبيا وإريتريا ستات الشاي السودانيات وأصبحن أكثر جذبا للشباب. وأصبحت ست الشاي تثير غيرة عدد من ربات المنازل اللاتي يرين فيها خطرا يهدد زواجهن. وتقول سعاد "زوجي يقضي جل وقته عند ست الشاي بعد أن أحيل للمعاش، رغم أنه ليس من عشاق القهوة والشاي، وعندما أحتجّ يقول إنه يجلس مع أصحابه ولا يأبه لست الشاي أصلا". 
جدل كبير يدور بشأن ستات الشاي، إذ انقسم الوسط السوداني بين مهاجم ومدافع عنهن، فالبعض يرى أنهن ساهمن في إفساد المجتمع بالنظر إلى الأوقات التي يقضيها البعض لديهن، من دون أن يكون هدفه الشاي أو القهوة، وما يثار من أقاويل حولهن من ترويج للمخدرات والدعارة. بينما يدافع آخرون عنهن، باعتبارهن سيدات مكافحات اخترن الجلوس تحت أشعة الشمس ولأوقات طويلة من الليل، بحثاً عن الرزق الحلال. 
ويقول عبدالله "ست الشاي توفر مكان التقاء الأصدقاء بتكلفة أقل، في ظل الضائقة المالية التي نعاني منها". أما محمد فيرى أنه "ليس هدف كل الشباب القهوة والشاي، وقد تكون ست الشاي نفسها جاذبة بسبب مظهرها وطريقة حديثها". لكن يوسف يختلف تماما عن ما ذهب إليه محمد، ويقول لـ"العربي الجديد": "أنا شخصياً لا علاقة لي بشرب الشاي أو القهوة في المنزل، ولكني أجد لهما طعما خاصا عند ست الشاي، وأعتقد أن ما يجذب هو طريقة الإعداد، فضلا عن الأجواء المحيطة البعيدة عن التكلّف". 
وتمثل ست الشاي ملاذاً لكثير من الشباب في المناسبات العامة، خاصة رأس السنة، فيعمد الكثيرون إلى الالتفاف حولها وتقضية الليل، لا سيما أولئك الذين حالت ظروفهم المالية دون استمتاعهم بالحفلات التي تقام في تلك الليلة، إذ تصل تكلفتها في الحد الأدنى إلى ثلاثين جنيهاً، بينما تكلفة فنجان الشاي جنيهان في الطرقات العامة، وفي شارع النيل أربعة جنيهات. 
ويرى الخبير الاجتماعي علي عبدالله أن الالتفاف حول ست الشاي الذي بدا واضحاً أخيراً يعود إلى الحالة المزاجية للشعب السوداني التي تبدّت ملامحها أخيراً وساهمت في تدني الروح وولدت لديهم إحساساً ورغبة في عمل أشياء لتحسين المزاج وانتشالهم من الوهدة المعنوية، ومنها شرب الشاي عند ست الشاي. وأضاف "كما أن العطالة وعدم القدرة على تحقيق الطموحات ولّدا نوعاً من الإحباط والشعور بعدم الرضا والخوف من المستقبل وفقدان الثقة، وهو ما قاد الشباب إلى الجلوس عند ست الشاي لساعات طويلة، وأصبح الوقت للشاي". وأوضح أن "أماكن ست الشاي أصبحت ملتقى لطالبي الوظائف والباحثين عن المتعة، أيا كان شكلها". وأردف "تلك الأماكن تعطيهم شعوراً بالأمان النفسي والرضا المجتمعي، وإن كان مزيفاً ومؤقتاً".
العربي الجديد

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق