|
الدنيا سخانة والناس عطشانا .... |
رددتها سيدة خمسينية وقد تساقط من وجهها العرق ذات نهار رمضاني: (تعبنا تعبنا من عدم الموية ونقلها في النهار الحار دا ونحن صايمين)، ومن ثم أعقبتها بآهة: (نحن عايزين الرئيس يسمعنا ويشوف معاناتنا دي مع الموية). هكذا كان لسان حالهم في رحلة المعاناة المستمرة بحثا عن الماء، شكوى محاسن وهي تتحدث لـ(اليوم التالي) أمس انتقلت إلى مجموعة من النسوة والصبية والفتيات كن يقفن إلى جوارها في صف ممتد من داخل خور الفتيحاب الذي يفصل المنازل، في انتظار بعض ماء، كل ينتظر دوره، بعضهن يحملن جرادل المياه على رؤوسهن وسط هجير الشمس لمسافة ليس بالقصيرة، ولكن لأنه لا بدائل أمامهن فليس لهن من بد سوى الاستمرار في ذات المهمة لساعات حتى تكتفي الواحدة بحمل ما يكفيها من المياه.
“تعبنا” التي رددتها الخمسينية نقلت ذات نبض المعاناة التي تتربص بسكان الفتيحاب والمربعات وهي تحكي واقعا قاتما في الحصول على جرعة ماء. معاناة وأزمة تتجاوز شهرها الثاني، وتقترب من الثالث في تفاوت بين هذا وذاك من الأحياء السكنية والمربعات، تتجدد كل أسبوع من حي إلى آخر، المشهد يتساوى فيه الجميع، الشوارع تحدثك عن صورة متكررة في جميع الأحياء الأمدرمانية، مشهد العطش ومحاولات البحث عن الماء تتسيده الجرادل والجركانات البلاستيكية، البراميل المحمولة على السيارات وعربات الكارو. يحدث واقع الأرقام بأن سعر برميل المياه وصل إلى أكثر من 50 جنيها في بعض الأحياء، فسكان مربعات (6/7/12) خيمت عليهم الأزمة ودخلت شهرها الثالث، فيما يواجه حي الجامعة (بالشقلة) ومناطق الصالحة، ذات المعاناة بل أسوأ وأشد. وجه آخر للمعاناة تجسد في مربعي 4 و6 منذ أول يوم في شهر رمضان، انعدام تام للمياه، فقد تعرض الخط الناقل للمياه لعطل بسبب عمليات الصيانة التي تجري داخل (خور أبو سعد)، جرافة كبيرة شلّت انسياب المياه، ما جعل الجميع يبحث عن الماء نهارا لتكتمل المعاناة والتعب بالسهر ليلاً في انتظاره، وإن جادت به الحنفيات فإنه يأتي في أحايين كثيرة مخلوطا بالطمي ما يجعل من المستحيل استخدامه مع تزايد الاستهلاك في شهر رمضان.
المعاناة تحولت خلال أمس الأول إلى احتجاجات تصاعدت في عدد من الأحياء والمربعات بالفتيحاب، طوقتها سيارات الشرطة منعاً للناس من توسيع دائرتها، عوض السيد الذي يقطن مربع 4 الفتيحاب قال: “نحن صابرين وصبرنا نفد لكن نعمل شنو مع انعدام الموية”. المواطنون حملوا رسائلهم ودعواتهم عبر (اليوم التالي) إلى رئيس الجمهورية ووالي الخرطوم وبقية المسؤولين بأن يلتفتوا لمعاناتهم ويضعوا حداً لها.
مجموعة من النسوة وهن في انتظار حمل الماء كان لسان حالهن ينطبق عليه القول (ما عدت قادر انتظر). (اليوم التالي) رصدت في جولة على مختلف أحياء الفتيحاب والمربعات والصالحة حجم معاناة الناس في الحصول على ماء بشكل يومي ومتكرر، مهمة تحكيها الكاميرا والصور التي لا تكذب ولا تتجمل، مشكلة مستمرة وممتدة يوما إثر يوم، صمّت عنها آذان المسؤولين إلا قليلاً، وسط وعود مبذولة بالمعالجات تبارح مكانها، بالأمس كان مدير مياه الريف الجنوبي في زيارة برفقة عدد من معاونيه إلى خور أبو سعد بعيد أن توالت الشكاوى بانقطاع المياه عن عدد من الأحياء، الخور حول المأساة إلى مأساة أخرى فقد أدى انكسار خراطيم المياه فيه بفعل إحدى جرافات الصيانة إلى تكاثر البعوض والحشرات ونمو الحشائش الغزيرة بما يشبه نباتات السافنا الطويلة، فتحول الواقع من انعدام للمياه إلى معاناة أخرى وبيئة خصبة للذباب وتراكم الأوساخ والطين، ما زاد المعاناة والمأساة على السكان المجاورين للخور وجعلهم يجأرون بالشكوى في انتظار من يسمع لهم صوتاً ويلقي لهم بالا من السلطات والجهات المعنية، وبالخصوص معتمد أم درمان والمحلية ليسهموا ولو بالقدر القليل في إزالة الحشائش ومعالجة الكوارث التي يسببها الخور الممتد على طول الفتيحاب
اليوم التالي