قال الصادق المهدي رئيس وزراء السودان الأسبق، رئيس حزب الأمة المعارض، إن المعارضة السودانية تسعى لتوحيد القوى في اتحاد تحت مسمى “قوى المستقبل الوطني”، وهي قوى نظمت حملات شعبية قوية، مثل حملة “ارحل”، و(ابينا) وقوى شبابية ومنظمات تمثل المجتمع المدني، إلى جانب القوى الثلاث الأساسية، حزب الأمة والحركة الثورية وحزب الاتحاد الديمقراطي، لخلق تحالف سياسي واسع، يستهدف حشدا شعبيا لانتفاضة ربيع سوداني تطيح بنظام عمر البشير، مؤكدا أن السودان الوطن الأصلي للربيع العربي، حيث شهد ثورتين عامي 1964 و1985، كما أن تزايد الاحتقان الشعبي الناجم عن إخفاقات النظام تدعم احتمال سقوطه بانتفاضة شعبية.
حول الاحتمالات البديلة حال إفشال النظام لمحاولات الحشد الجماهيري، قال المهدي: نعمل على أجندة أخرى موازية، وهي الحوار الوطني، عبر وساطة دولية، لتكرار تجربة دولة جنوب أفريقيا، التي نجحت في تحقيق تحول ديمقراطي سلمي وكامل عام 1992، وهذا هو الخيار الثاني الذي يمكن أن تقبل به قوى المستقبل الوطني، شريطة أن يكون الحوار من منطلق تحقيق سلام عادل وشامل وتحول ديمقراطي كامل.
وعن الضمانات التي طلبها المهدي من الوسيط الجنوب أفريقي (ثامبو مبيكي) للدخول في حوار وطني، قال: طالبنا أن تطّلع آلية الوساطة الأفريقية، مجلس الأمن والسلم الأفريقي، على العثرات التي واجهتها في الحوار الوطني، وأن يطلب المجلس الأفريقي من مجلس الأمن الدولي إصدار قرار يقضي ببدء حوار وفق خارطة محددة، يبدأ بحوار مع النظام، برعاية دولية في الخارج، وينتهي إلى عقد مؤتمر وطني دستوري بالخرطوم، لوضع الآليات التنفيذية والجدول الزمني للانتقال الديمقراطي للسلطة، بما يحقق أهداف الشعب السوداني المشروعة، على أن يشمل القرار صلاحية الوسيط الأفريقي في رفع تقارير تعتمد دوليا، وتقييمه لمدى استجابة كل طرف أو عرقلته للحل.
ترتيبات البشير للسيطرة
بشأن صعوبة خلع نظام البشير الذي يستند لنتائج الانتخابات بنسبة مشاركة 36 بالمئة، ما جعله يدفع بامتلاكه لشرعية الصندوق، قال المهدي: هذه أكاذيب إحصائية، فالعملية الانتخابية باطلة في كل مراحلها، التسجيل كان معيبا، وأجريت وفق كشوف الناخبين في عام 2010، والتي لم تعدّل لتشمل كل من له حق التصويت، ومفوضية الانتخابات كانت معيّنة من النظام، فاقدة للاستقلال والنزاهة، والنظام مهيمن على كل شيء، والمعارضة رأت أنه لا ضمانة لانتخابات حقيقية فقررت المقاطعة، والحزب الحاكم أجرى تعديلات دستورية قبل الانتخابات بأشهر، ضاعفت من قبضته الحديدية، فضلا عن تكريس إجراءاته القمعية بحق معارضيه.
وعن إمكانية اتحاد المعارضة للإطاحة بالبشير في “تحالف قوى مستقبل الوطن” في ظل انقسامها، وانتقاد الجبهة الوطنية لهذا الطريق، قال المهدي إن “الجبهة الوطنية العريضة، كيان وهمي، أفراد يحملون أفكارا، لكن لا وجود لهم على مستوى القواعد في الشارع”. مضيفا أن القوى الحقيقية في السودان، هي حزب الأمة، الذي حصل في كل انتخابات حرة على الأغلبية، والقوة الثانية حزب الاتحاد الديمقراطي بقيادة عثمان المرغني، لكن جزءا منه منخرط في الحكومة، وأغلبية الفصائل الاتحادية ذات الوزن تقف في صفوف المعارضة، والقوة الثالثة هي الجبهة الثورية، وهي المعارضة المسلحة، التي قبلت بالتخلي عن خيار المواجهة المسلحة وشكلت معنا “نداء السودان”، وهي قوى تحظي باعتراف أفريقي ودولي، ونعمل على توسعتها لتضم جميع القوى المعارضة السودانية، وصهرها في تيار قوى مستقبل الوطن.
بخصوص موقف “نداء السودان” من دعوة نظام البشير لما يسمى بـ حوار”7+7” الذي يمثل فيه النظام بـ7 مفاوضين، والمعارضة بمثلهم، شدّد المهدي على رفضه هذا الاقتراح، لأن النظام نفسه سيرأس الحوار.
وعن الفرق بين نداء الوطن الذي أسسه الصادق المهدي عام 1999 عبر حواره مع البشير برعاية جيبوتي، ونداء السودان في أغسطس 2014، قال المهدي: الأول كان بين النظام وحزب الأمة فقط، ومات الاتفاق لعدم استجابة النظام لمطالبنا، ثم جاء بعد ذلك إعلان باريس وكان بين حزب الأمة والجبهة الثورية، ثم نداء السودان، وهو خطوة شملت حزب الأمة، والجبهة الثورية، ومنظمات المجتمع المدني، والآن هو تحالف أوسع لقوى مستقبل وطن.
وتوقف المهدي عند سؤال “العرب” حول مدى الخسائر في صفوف الشعب، حال الانتفاضة، وانحياز الجيش السوداني للبشير، وقال إن الجيوش صناديق مغلقة، لا يمكن توقع ردة فعلها، لكن خيار العنف في مواجهة الانتفاضة أكبر، فنظام البشير تمكّن من اختراق نسبي للجيش، وأخونة قطاع منه، إلى جانب تشكيل ميليشيات مسلحة للتدخل السريع، ومع ذلك فإن محاولات الانقلاب المتكررة بالجيش تكشف أن اختراقه غير محتمل.
وبخصوص تبعات سماح جنوب أفريقيا للرئيس السوداني عمر البشير، مغادرة بالبلاد بالمخالفة لقرار المحكمة العليا، والجنائية الدولية، قال المهدي: حكومة جنوب أفريقيا تآمرت مع الوفد السوداني، وخرقت دستور الدولة، واتفاقية المحكمة الجنائية الدولية الموقعة عليها، وهذا أحرج الرئيس جاكوب زوما دوليا، وقد يعرضه لدفع ثمن سياسي على المستوى الداخلي، ومع هروب البشير، فإن ما حدث أكد للعالم وللشعب السوداني، أن البشير ما زال ملاحقا من الجنائية الدولية، وحتما سوف يقبض عليه، وهذا يدفع الحكومة السودانية، إلى اللجوء لحوار بهدف انتقال ديمقراطي، حيث يكون الاستقرار في السودان، مقابل خروج آمن للبشير مع إمكانية وضع نص في الاتفاق بمقتضاه يجمّد قرار توقيف البشير، أما إذا رحل بانتفاضة سوف يسلّم لا محالة للجنائية.
إنذار مبكر
عن رأيه في ما آلت إليه الأوضاع في بلدان الربيع العربي في ظل سعي المعارضة السودانية تكرار التجربة في الخرطوم، قال: أنا عضو في نادي مدريد الذي يضم أكثر من مئة من رؤساء الدول والحكومات السابقين، وقد قامت وفود من النادي بجولة في البلدان العربية نهاية 2007 ومن بين تلك الدول مصر وتونس وليبيا وسوريا، أعقبها مؤتمر في يناير 2008 وأصدرنا ما سمّي بـ”إعلان البحر الميت”، وخرجنا بتوصيات تؤكد وجود حالة احتقان شعبي بالدول التي قمنا بزيارتها، ونصحنا الحكومات، في حينه، بضرورة إجراء حوار جاد مع المعارضة وتحقيق إصلاحات، ولم تستجب الحكومات، فخرجت الشعوب لإسقاط السلطة الحاكمة.
وأضاف أن تلك الثورات تعثرت نتيجة أن القوى الشعبية خرجت عفوية بلا قيادة بديلة، لكن مهما تعثرت فهي ستحقق أهداف الثورات، وإن تأخرت، فإحباط الشباب وعرقلة وصول الثورات لأهدافها، من عدالة وحرية وديمقراطية واستقلال وطني، فتح المجال لميلاد التنظيمات الإرهابية، في شكل حركات احتجاجية، تسعى للتغيير بالقوة، واستقطبت شبابا فقد الأمل في التغيير الديمقراطي.
وأكد أن تنظيم داعش وأمثاله مستحيل أن ينجح في إحداث تغيير، ومصيرهم إلى زوال، لأنهم خارج التاريخ، وحتما سوف تصل قافلة الربيع العربي إلى أهدافها في المنطقة العربية، وطالما لم تتحقق أهداف الثورات سيظل الغضب يولّد موجات من الانتفاضات الشعبية الجديدة.
وعن مسؤولية الإسلام السياسي في إعاقة ثورات الربيع العربي، وفي مقدمة ذلك ما حدث بالسودان من سيطرة الإسلاميين على الحكم، قال المهدي: لا أوافق على مصطلح الإسلام السياسي، فهناك “سياسة الإسلام”، والمسلم كل من ينطق بالشهادتين، و”الإسلامويون” من يتخذون من الخطاب الأيديولوجي الديني وسيلة للوصول للسلطة، وهم ينقسمون إلى طيف عريض، منه من يكفّر الحكام والمجتمعات، ومن يتعايش مع الدولة المدنية، فأردوغان مثلا يتحدث عن أيديولوجية إسلامية تتعايش مع العلمانية في تركيا، وأيديولوجية إسلامية تتعايش مع الدولة المدنية كما في تونس، وإسلامويون يتعايشون مع العرش الملكي كما في المغرب، وأيديولوجية إسلامية تتعايش مع التعددية الثقافية كما في ماليزيا.
وأضاف المهدي: لدينا في أصحاب الأيديولوجية الإسلامية متطرفون، يكفّرون المجتمع والحكام، كما في طالبان، والتيار القطبي في جماعة الإخوان، وهؤلاء بلا مستقبل، لأنهم يعزلون أنفسهم، ويكفّرون حتى مخالفيهم من تيارات الإسلام السياسي، أما اليسار الإسلامي الذي يقبل التعايش مع غيره ومن يخالفونه، ويقبل بالاحتكام لنتائج العملية الديمقراطية والدولة المدنية، فله مستقبل لأنه يصحح أخطاء تجاربه.
وعن كون الإخوان الحاضنة الأولى للتطرف التي ولد منها اليمين الإسلاموي التكفيري، قال المهدي: جماعة الإخوان المسلمين ذاتها منبثقة من أفكار طرحها محمد رشيد رضا، وتبناها حسن البنا (مؤسس الإخوان)، وأضاف إليها التنظيم، والعمل السياسي، لكن لم تقدم برنامجا سياسيا للإصلاح، وما ينبغي أن يكون عليه نظام الحكم، فالبنا نجح في بناء تنظيم، لكنّه تنظيم بلا برنامج أو رؤية سياسية، وأدى هذا إلى صراع داخل التنظيم لعدم حسم الأسئلة الهامة، فانقسم التنظيم إلى تيارين الأول يقبل بالديمقراطية والتعددية، وتيار قطبي (نسبة إلى سيد قطب) يكفّر الآخر، وينتهج الإرهاب والعنف مثل طالبان.
وحول تجاهل داعش استهداف الأميركان وعدم استهداف إيران، ودلالات ذلك، قال المهدي: لا أعتقد أنهم صنيعة غربية، لكن تم استخدامهم وتوجيههم لصالح تحقيق أهداف إيران والأميركان، رغم أن داعش جاء بفكرة الخلافة السنية، في مواجهة فكرة ولاية الفقيه الشيعية.
وعن رأيه في من يطالب بإقامة خلافة، قال إن الخلافة مرحلة تاريخية انقضت، لا دور لها ولا إمكانية لتحقيقها الآن، ولم يسمّ خليفة لرسول الله سوى أبوبكر الصديق، وعمر بن الخطاب كان أميرا للمؤمنين، وليس خليفة، وعندما جاءت خلافة بني أمية الموحدة، لم تعبر عن حقيقة الإسلام أو الحكم الإسلامي، لذلك فإن الدولة الوطنية، هي الأنسب والخيار القابل للواقع ولإدارة الدولة الوطنية، والدول الإسلامية يمكنها تكوين منظمة تعاون جديدة، في إطار يحقق نظرة موحدة حول الإسلام وحقوق الإنسان والنظم الاقتصادية، وهذا يسمى تعاونا بين دول وليس خلافة، فحتى الدولة الواحدة بها معتنقو ديانات مختلفة، ولا بديل عن الدولة الديمقراطية الحديثة.
ويرى المهدي، رئيس المنتدى العالمي للوسطية، أن ما يسميه بـ”الوسطية الإحيائية الإصلاحية”، هو الأنسب لتجديد الخطاب الديني للتعايش مع العصر، بنظرة اجتهادية توافقية بين التأصيل والمعاصرة، مضيفا “هنا يجب أن نشير إلى أنها تختلف عن الوسطية المستأنسة التي تحاول تقديم تفسيرات دينية تبرر للحكام دكتاتوريتهم”.
وشدد المهدي، على أن النظام السوداني بدأ بأيديولوجية إخوانية، ورفع شعارات دينية، غير أنه أفرغها من مضمونها، وأصبحت أهدافه المسماة إسلامية فارغة، فبات النظام بلا محتوى أيديولوجي، مثل النظام السوري الذي يرفع شعارات بعثية، لكنه فارغ من معان البعث، فمثل هؤلاء أنظمتهم سلطانية توظف الشعارات الفارغة للاحتفاظ بالسلطة.
وبشأن رأيه في شبكات تهريب السودانيين إلى داعش في العراق وسوريا، عبر تركيا، بعد ضبط 19 شابا وفتاة، بينهم ابنة المتحدث الرسمي للخارجية السودانية، أوضح المهدي أن النظام السوداني براغماتي، والوضع مترهل من الناحية الفكرية، وهذا خلق فراغا، سمح لأصحاب الخطاب المتطرف بتوظيفه، وممارسة جماعات داعشية وتكفيرية وقاعدية لعملية استقطاب وتجنيد واسعة في السودان، تحت سمع وبصر النظام الذي لم يحرّك ساكنا لمواجهة ذلك، لدرجة تشكيل حركة سمّت نفسها “جماعة المعتصمين بالكتاب والسنة” بايعت داعش علنا، وبايعت أبابكر البغدادي خليفة، وهناك تكفيريون يعتلون المنابر بالمساجد، منهم محمد على الجزولي الذي أعلن مبايعته للبغدادي.
وأكد المهدي أن داعش يتمدّد الآن في فراغ، وطالما لم تُشغل هذه الساحة بإسلاميين وسطيين إصلاحيين، سوف يواصل هذا التنظيم تمدده لتخريب الأوطان العربية.
المهدي والسيسي والإخوان
عن خطاب المهدي المفتوح للرئيس المصري عبدالفتاح السيسي بشأن المصالحة السياسية مع الإخوان، قال المهدي إن الوضع في مصر يحتاج لحل توافقي، كأن يواصل القضاء محاكماته ويصدر أحكامه، ثم يقوم الرئيس السيسي بالعفو وفقا لسلطاته الدستورية عن الرئيس الأسبق محمد مرسي، ومرشد الإخوان، لوقف ما قد يترتب على تنفيذ أحكام الإعدام، من خلق مزيد من الميل للتطرف والعنف، انطلاقا من مبدأ “درء المفاسد مقدم على جلب المنافع” ، على أن تجري جماعة الإخوان مراجعات وتقدّم اعتذارا للشعب المصري، ويتمّ إجراء تحقيق موضوعي عن تهديدات الإخوان في ميدان رابعة والاعتذار عن الأخطاء.
وعندما سألته “العرب” عن كيفية مطالبته بالعفو عن مرسي وقيادات التنظيم المعرضين لأحكام نهائية بالإدانة في جريمة مثل التخابر، قال المهدي: يمكن تطبيق عقوبات دون الإعدام، كالسجن المشدّد، فليس معنى العفو إلغاء العقوبة، أما الإعدام فيشعل الأمور، وتنظيم الإخوان دولي، إذا تمت السيطرة على الداخل، لن تكون هناك سيطرة على التنظيم في خارج البلاد، وإذا كان هناك ناس لقوا حتفهم فالحل السياسي يمنع موت المزيد.
وعن أخطاء الإخوان إبان حكم مرسي، قال المهدي: قدمت مبادرة بعد زيادة الاستقطاب عام 2012 بين الإخوان وجبهة الإنقاذ، تقضي بوقف الجبهة للحشد الشعبي المناهض للرئيس مرسي في حينه، مقابل أن يلغي مرسي الإعلان الدستوري (نوفمبر 2012) الذي أثار الأزمة بتحصين قراراته ضد أحكام القضاء، ووافقت جبهة الإنقاذ والرئيس مرسي ذاته استمع للمبادرة ووعدنا بدراستها والرد علينا، لكن عندما عرضناها على قيادات مكتب الإرشاد بحيّ المقطم (مقر الإخوان الرئيسي في القاهرة) رفضوها، وهذا أظهر عيبا جديدا هو أن الرئيس مرؤوس، ثم كان ما كان.
العرب