هذه هي الحقيقة وإن غضب الأطباء ليست لدي مشكلة مع الأطباء لكن مشكلتي مع الاستحمار !!
للأطباء أن يطالبوا بكل حقوقهم لكن ليس لهم أن يكذبوا علينا ويستحمروا الغلابة
الذين يستنكرون علي ما أكتب عن الشعار الوهم #اضرابنا_عشانك_يامواطن هذه اللغة الابتزازية فقط كانت للتجييش !!
أنا على اطلاع تام بما دار بين اللجنة المركزية ونائب الرئيس ومن قبله وزير الصحة لقد كانت اللجنة داخل غرف الاجتماعات تتحدث عن حقوقها ( حوافز مرتبات تدريب ميز أطباء ) وتتحدث للإعلام عن المرضى هذه هي مذكرة التفاهم مع نائب الرئيس حتى نكون واضحين وهذه هي قائمة المطالب التي يجب تحقيقها خلال أسبوع :
*علاج الحالات الحرجة و الأطفال دون سن الخامسة مجاناً ( هذه هي للمواطن لزوم التذويق طيب رأيكم شنو تعملوا بهذا البند أو تخفيض 50% في عياداتكم الخاصة ؟!! في مدرستي الخاصة بقبل أي طالب فقير أو يتيم بتخفيض 75% وبقبل الطلاب من أبناء المهاجرين من سوريا واليمن ومصر بتخفيض 75% وبقبل الطلاب من الأسر النازحة إلى الخرطوم من مناطق الحرب وهي فقيرة بتخفيض 75% وفي مركزي للتدريب بدرب أبناء الفقراء بتخفيض 75% في جميع الدورات التي يتطلبها تطويرهم في تعزيز سيرتهم للحصول على وظيفة في تخصصاتهم وإن كتانت الدورات نادرة وبشهادات عالمية وفي شركة شباب بزنس بندفع الأسرة 15% من تكلفة مشروع الاستثمار وبنديها أرباح 40% أعلى من نسبة مشاركتها ب25% عايزنكم تعالجوا الاطفال الفقراء بتخفيض 50% في عياداتكم الخاصة )
• تهيئة الحوادث بشكل نموذجي في ( 22 ) مستشفي في العاصمة و الولايات بشكل عاجل كمرحلة أولى . البان جديد .. الشعب .. البلك .. التركي .. بشائر ، و مستشفى رئيسي واحد لكل ولاية ((17 مستشفى تمثل 17 ولاية)) وهي : الفاشر .. نيالا .. الجنينة .. النهود .. الدمازين .. الأبيض .. سنار .. الضعين .. كسلا .. القضارف .. بورتسودان .. دنقلا .. عطبرة .. زالنجي .. كوستي .. مدني .. كادوقلي ..( هذه للمواطن بسرونا كيف حتكون في أسبوع وإذا ما تمت أرجعوا في اضرابكم ولو زادوا مرتباتكم ونفذوا مطالبكم في التدريب والحماية )
●توجيه رئاسي بتفعيل تنفيذ قانون الخدمة المدنية من جانب الاعتداء علي الاطباء كموظفي خدمة مدنية و إلزام المستشاريين القانونيين للمستشفيات بتولي جميع اوجه الدفاع عن الاطباء في جميع القضايا التي تختص بالطبيب .( هذا مطلب لصالحكم الزام الحكومة بالدفاع عنكم في مواجهة المواطن الذي أضربتم عشانه !!).
• توجيه رئاسي بالشروع في سن قانون لحماية الطبيب و الكادر الطبي ..( هذا مطلب لصالحكم حمايتكم من المواطن الذي أضربتم عشانه )
• قرار من وزارة الصحة بتعديل عقد التدريب بخصوص الإلزام الزمني للنواب وفق لائحة التدريب القومي لتصبح لمدة (4) سنوات للإبتعاث الداخلي على نفقة الدولة ..( هذا مطلب لصالحكم )
• إلتزام وزارة الصحة بكافة الرسوم للمبتعثين علي نفقة الدولة بما يشمل رسوم التدريب و رسوم الكورسات المشروطة لنيل درجة التخصص و رسوم إستخراج الشهادات للمتدربين على نفقة الدولة ..( هذا مطلب لصالحكم وهذه ستدفعها لكم الحكومة ليس من جيب حسبو عبدالرحمن وإنما من جيب المواطن الذي أضربتم عشانه قال إضرابنا عشانك يا مواطن إضرابكم سيزيد الضرائب على المواطن حتى تستطيع الحكومة الوفاء لكم بهذه المطالب )
• قرار بإضافة نواب الإختصاصين لحافز الكشف الموحد 2% ..( هذا مطلب لصالحكم بالله دي آخرتها زيادة حوافز !!)
• قرار بالإلتزام ببدلات التدريب وفق اللائحة و بدل العيادة 250 ج سوداني ..( هذا مطلب لصالحكم يا حبيبنا الطبيب ال250 جنيه دي حيدفعها لكم حسبو عبدالرحمن من وين من مزرعة البشير في السليت ؟!!)
• وظائف للنواب لتوفيق اوضاعهم في المستشفيات ..( هذا مطلب لصالحكم المطالبة بتوفيق أوضاع وتحسين أوضاع اتقوا الله المرضى يتلوون من الألم وأنت مضرب عايز توفيق أوضاع كم دمعة نزلت وكم نفس زهقت وكم حالة تأخرت وكم مرض إزداد عضالا وأنت عايز توفيق أوضاع قال إضرابنا عشانك يا مواطن بالله !!)
• إرجاع جميع المفصولين و من اتخذت ضدهم عقوبات إن وجدوا بما فيهم اطباء مستشفى كوستي ..( هذا مطلب لصالحكم )
• دعم بمبلغ مالي عاجل لتهئية الميزات و استراحات الأطباء حدد 1.500.000ج ..( هذا مطلب لصالحكم من غير تعليق غير إضرابنا عشانك يا مواطن كم من مواطن تأخرت حالته لأن الطبيب بشاهد كورة في الميز وبعد التحسين وتضربكم المكيفات حيموت المريض قبل ما ميسو يجيب قوون )
• معالجة قضية نواب امدرمان الذين اتهمو بالقتل العمد بفصلها من ملف الجاني ..( هذا مطلب لصالحكم هذا موضوع بيد القضاء لماذا تطالبون فيه بفصل قبل انتهاء دورته في القضاء )
• تبني و دعم مراكز التدريب التابعة لمجلس التخصصات الطبية بالخرطوم و الولايات .( هذا مطلب لصالحكم بالله شوفوا المحن دي ).
هذه هي المطالب كاملة وعلى المواطن أن يحكم هل هذا الشعار كان صادقا أم لا #إضرابنا_عشانك_يامواطن
وسننتظر أسبوع حسبو نشوف ما الذي سيتحقق من هذه المطالب وأنا بحرضكم من حسع إذا ما تحقق الأول والتاني ولو رفعت مرتباتكم وتحسنت بيئة ميزاتكم أرجعوا للإضراب ونحن كلنا معاكم ولو عملتوا كده تبقوا جدعان وسأعتذر عن أي كلمة كتبتها هنا
اتصفت العلاقات السودانية المصرية في الفترة الماضية بالفتور والتوتر، على الرغم من استمرار الحديث الإيجابي من المسؤولين في البلدين عن متانة العلاقات وأزليتها.
في الأسابيع الماضية تحديداً، شهدت العلاقات بين الدولتين توّتراً ملحوظاً، إثر منع وزارة التجارة السودانية استيراد المنتجات الزراعية المصرية والأسماك، على الرغم من أنّ القرار سيادي يتعلّق بصحة المواطنين السودانيين وسلامتهم، وسبق أن اتخذت دول أخرى الموقف نفسه من المنتجات المصرية، مثل السعودية وروسيا وقطر والإمارات، إلا أنّ مواطني السودان تفاجأوا بردّة الفعل العنيفة من نشطاء مصريين على مواقع التواصل، ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل خرج مسؤول مصري رفيع، بدرجة وكيل وزارة، في إحدى فضائيات بلاده، مُدلياً بتصريح كارثي، قال فيه إنّ السودان هو بلد الزنوج والكوليرا!
في ظلّ هذه الأجواء، تلقّى الرئيس السوداني، عمر البشير، دعوة رسمية من نظيره المصري عبد الفتاح السيسي لزيارة مصر، وحضور اجتماعات اللجنة المشتركة العليا بين البلدين، وهي اجتماعات روتينية، تعقد كل ثلاثة أشهر تقريباً، لذلك كان من اللافت للانتباه حضور الرئيسين البشير والسيسي اجتماعاً دورياً، من دون أن يستدعي الأمر ذلك.
لا تزال الملفات العالقة بين البلدين تراوح مكانها، فقد رفضت مصر مناقشة موضوع حلايب المتنازع عليها، مكتفيةً بسياسة إحكام السيطرة والأمر الواقع، كما أنّ اتفاقية "الحريات الأربع"، وهي حرية التنقل والتملّك والإقامة والعمل لا تزال مطبّقة بشكل كامل من الجانب السوداني، في حين لم تطبّق مصر بعض جوانبها، خصوصاً ما يتعلق بالتأشيرة، حيث لا يزال المواطن السوداني مُطالباً بالحصول على تأشيرة مسبقة قبل السفر إلى مصر.
على الصعيد الشعبي، تبدو العلاقات متميّزة ظاهرياً، نسبة لعوامل الانصهار والتداخل الأسري، لكن السودانيين لا يخفون غضبهم من الإعلام المصري الذي يسيء للسودان وشعبه، خصوصاً عقب أحداث مباراة مصر والجزائر التي استضافها السودان قبل أعوام، حينها شنّت الفضائيات المصرية هجوماً متزامناً على السودان، بدعوى أنّه لم يوّفر الحماية للمشجعين واللاعبين المصريين، على الرغم من أنه لم تحدث حالة وفاة واحدة في صفوف الجمهور المصري، ولا حتّى مجرّد إصابة خطيرة.
كما يرى السودانيون أنّ الدراما المصرية عملت على عكس صورة سلبية عن الإنسان السوداني، ممثلة في شخصية البوّاب الساذج، وأنّها (أيّ الدراما) لم تتحدّث بايجابية عمّا قدّمه السودان لمصر، ومن ذلك تهجير سكان مدينة وادي حلفا الحدودية من أجل قيام السد العالي، بجانب المشاركة المتميّزة للجيش السوداني في حرب اكتوبر. وينظر النظام المصري بعين الريبة والشك للحكومة السودانية التي يراها امتداداً لجماعة الإخوان المسلمين، والتي يصنّفها النظام المصري جماعة إرهابية. هذه النظرة الحذرة استمرّت منذ عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك الذي كان يسند ملف العلاقات مع السودان لجهاز المخابرات وليس لوزارة الخارجية.
النقطة الإيجابية التي يمكن ملاحظتها في زيارة البشير هي الاعتراف المصري بالدور السوداني في المعارك التي خاضها الجيش المصري في حرب أكتوبر 1973، حيث قام السيسي بتكريم البشير بوسام رفيع، تقديراً له على مشاركته في تلك الحرب.
أمر آخر ربما يتعلّق بزيارة البشير، هو ملف سد النهضة الإثيوبي، حيث لا يخفى على أحد تباعد المواقف بين إثيوبيا ومصر، وعلى النقيض تماماً يظهر التفاهم السوداني الإثيوبي في ملف السد، بل ارتفع سقف العلاقات إلى الحديث عن تكامل اقتصادي وسياسي بين الخرطوم وأديس أبابا، بينما يواصل إعلام مصر في الهجوم على إثيوبيا يومياً، والمعروف أنّ الإعلام المصري ينطق بلسان الحكومة، ولذلك يعتبر مؤشراً حقيقياً لموقف السلطة الحاكمة هناك.
تعاني إثيوبيا منذ فترة من صراعات داخلية في إقليمي أوروميا وأمهرا، تشتدّ حيناً وتقلّ أحياناً أخرى، لكن الجديد أنّ التلفزيون الإثيوبي اتهم مصر، قبل أيام، بشكل صريح، أنّها تقف وراء الأحداث التي أدّت، أخيراً، إلى مقتل مواطنين عديدين، وانتشر على مواقع التواصل فيديو يوّضح مشاركة مصريين في فعالية أقامتها مجموعة معارضة تابعة لما تسمى جبهة تحرير أوروميا.
بالتأكيد، ستنظر إثيوبيا بعين الريبة والشك لمدلولات زيارة البشير المصرية، خصوصاً بعد الخطاب الذي ألقاه السيسي، والذي أكد فيه دعمه قيام شراكة استراتيجية مع السودان ووحدة أراضيه وسلامتها، في الوقت الذي ينظر فيه السودانيون إلى مصر بأنّها تحتل مثلث حلايب، منذ محاولة اغتيال حسني مبارك عام 1993، وأنّ المسؤولين المصريين دائماً يتعاملون مع السودان بنظرة استعلائية وليس على أساس التكافؤ والندية الكاملة.
هناك قاعدة في المرافعات بالقضايا الجنائية تبدو هزلية ولكنها سليمة ومعمول بها في المحاكم بكثير من دول العالم ومن بينها السودان، وهي تقوم على السماح للمتهم بتبنّي خطي دفاع متناقضين في القضية الواحدة، فالمتهم في جريمة القتل – مثلاً –يجوز له أن يبني دفاعه على إنكاره المُطلق لإرتكاب الجريمة،فيجتهد في تقديم ما يُثبِت أنه كان في مكان آخر وقت وقوع الجريمة (Alibi)،في نفس الوقت الذي يتقدم فيه بدفاع يقول فيه أنه كان في حالة دفاع شرعي عن نفسه عند إرتكابه للجريمة،ووجه الصِحّة في تطبيق هذه القاعدة بالمحاكم، هو الحرص على عدم إجهاض العدالة وأخذ المتهم بالجريمة الكاملة لمجرد أنه كاذب وقد دفعه الجُبن لمحاولة تفادي عواقب الإعتراف.
هذا ما يفعله النظام اليوم بدعوته للحوار مع المعارضة، فهو من جهة يقول أنه يرغب في الحوار والمُصالحة من أجل وقف الحرب وإصلاح فساد الحكم ومعالجة الإنهيار الذي حدث في الصناعة والزراعة والخدمة المدنية ..إلخ بما يرجع بالسودان إلى سيرته الأولى، ثم يلتفت (النظام) إلى الجهة الأخرى ويقول أن الحرب قد إنتهت وأن السلام قد تحقق وأنه قضى على التمرّد بالكامل، وأن غالبية الشعب يؤيد النظام، وأن كل ما يُقال عن فساد الحكم هو إفتراء ومن نسج خيال الحُسّاد والمُعارِضين، وأن النظام يسير في الإتجاه الصحيح الذي يحقق مصلحة الوطن، وأن الذين يخالفونه الرأي عملاء ومأجورين ولا يستحقون الحياة على ترابه أو دفنهم في باطنه.
هذه إزدواجية في الموقف لا يمكن أن ينجح معها حوار، وما يجري اليوم في أديس أبابا سوف ينتهي بإلقاء النظام للجبهة الثورية ومن معها في قارعة الطريق لا السير معها على خارطة الطريق، فالسبيل لنجاح أي حوار مع النظام يجب أن يبدأ بتسليم الأخير بالأخطاء التي إرتكبها ووضعها على الطاولة حتى يمكن رسم الطريق لمعالجتها، فما يحدث الآن في أديس أبابا أن أطرافها يغفلون البحث في تشخيص المرض وإنكبّوا في معالجة أعراضه (وقف الحرب والترتيبات الأمنية)، دون وجود أي إشارة لموقف النظام من القضايا موضوع الخلاف مثل المحاسبة عن الإنتهاكات وجرائم الفساد ..إلخ، فالذي يُوقف الحرب ويمنع من إندلاعها مرة أخرى هو معالجة الأسباب التي أشعلتها لا بتعهّد الأطراف عن الكف من إطلاق النار.
تُخطئ الجبهة الثورية ومن وقّع معها من أطراف المعارضة إذا إعتقدوا بأنهم يُمثلون إرادة غالبية الشعب فيما يتوصلون إليه من إتفاق نهائي (حتى لو نجحوا في ذلك) مع النظام، فكثير من أفراد الشعب ممن يُظهِرون التعاطف مع هذه الذين يُجرون حوار أديس أبابا يفعلون ذلك بسبب وجود عدو مُشتَرك، ولقناعتهم بأنه ليس من الحكمة أن ينبِشوافي سيرة جهة لها موقف من النظام مهما كان الخلاف معها، وهذه قناعة قديمة ترجع جذورها لزمن تحالف المعارضة بالقاهرة التي كان قد سرى فيما بين أقطابها (سجع) لغوي يقول: “لا مُعارضة لمعارِض”، وهو قول سديد وحصيف، برغم أن نصف من قالوا بهذه العبارة أضحوا – فيما بعد – من رموز النظام الذي إتفقوا عليه.
الصحيح أن كثير من أفراد الشعب يعتقدون – سواء بالحق أو بالباطل – أن الجبهة الثورية لها أجندة خاصة وتقوم على أساس عنصري ومن قبائل معينة وأن جيش الجبهة الثورية لديه غبينة نحو أبناء الشمال النيلي وأنهم سوف يقومون بعمليات فوضى وسلب وإغتصاب في حقهم متى وصلت الجبهة الثورية للسلطة، ولم تعمل قيادة الجبهة الثورية على تصحيح هذا المفهوم الذي يروّج له النظام، وأقصى ما تفعله في سبيل نشر أفكارها وتوضيح أهدافها هو “بوستات” أنصارها من أعضاء منبر “سودانيزأونلاين” ولم تُظهِر أي رغبة في سبيل إنشاء منفذ إعلامي يكون صوت للمعارضة مثل القناة الفضائية التي طال الحديث عنها.
وبالمثل، هناك كثيرون يعتقدون أن حزب الأمة هو سبب الوحسَة التي تعيشها البلاد، ويرجع له (لحزب الأمة) القسم الأعظم من مسئولية التفريط في الديمقراطية التي قدّم الشعب تضحيات عظيمة من أجلها، وتسبّب حزب الأمة في ضياعها بكل سهولة، وأسباب هذا الزعم معروفة بالدرجة التي تُغنينا عن سردها، ويكفي القول في ذلك، أن إنقلاب الإنقاذ قد جرى تنفيذه (وهو إنقلاب مكشوف وعلني ووقع في ظروف مُتوقعة) ووجد الإنقلابيون ونصفهم من المدنيين كل المواقع الحيوية مثل القيادة القيادة العامة ومبنى الإذاعة والتلفزيون بلا حراسة كافية، وتم القبض على جميع القادة العسكريين وهم نيام في منازلهم فيما كان كل أقطاب الحكومة يبتهجون في المشاركة في ليلية فرح أحد الوجهاء.
الواقع أن الذين يجلسون على مقاعد التفاوض في الطريقين (طريق الوثبة وطريق إمبيكي) حصلوا عليها (المقاعد) إما بوضع اليد أو برفع الحلاقيم أو السلاح، دون أن يكون هناك أي دليل على أن ما يتوصلون إليه يُمثّل ما يبتغيه غالبية الشعب وليس فقط ما يحقّق طموحاتهم الشخصية، بل هناك دليل على حدوث العكس، فقد فاوض النظام من قبل قادة أشاوِس في التنظيمات التي حملت السلاح وتوصلوا إلى إتفاقيات مع النظام،من بينهم – في جبهة الشرق –موسى محمد أحمد (مساعد رئيس الجمهورية) والحاجة آمنة ضرار (وزير دولة متنقّل)، والأمين العام لحركة التحرير والعدالة بحر أبوقردة (وزير الصحة) والكوماندو حيدر قلوكوما (والي لغرب دارفور ثم وزير للشباب والرياضة)، والقائد بخيت دبجو من حركة العدل والمساواة المُنشقة (جاري البحث له عن وزارة) وغيرهم مئات من الأسماء الأخرى من بينها الحاج أبوساطور والآنسة تابيدا بطرس ومنّي أركو منّاوي (أصبح مساعداً لرئيس الجمهورية قبل أن يعود مرة أخرى للنضال المسلّح) .. إلخ، فما هي القضية التي حمل هؤلاء السلاح من أجلها وما الذي تحقق بعد أن وضعوه جنباً وشاركوا في الحكم بعد توقيعهم لإتفاقيات مع النظام، حتى يُقال أن هناك ما يحمل على التفاؤل بحدوث التغيير هذه المرة !!
الحقيقة الغائبة، أن الأغلبية المُطلقة تنعقد لأبناء وبنات الشعب الذين لا يجمع بينهم تنظيم ويجلسون اليوم في منازلهم يتابعون هؤلاء الذين يريدون تقرير مصير البلاد،وهي أغلبية تكتفي بالتصفيق للكلمة الحلوة التي تطربها في المقال أو القصيدة التي تحكي عن مأساتِها، وليس هناك وعاء سياسي (حزب) يجمع بينها، وقد جاء الوقت لأن يتم تجميع هذه القوة تحت سقف واحد، بإنشاء كيان جديد وليكن بإسم “حزب الأحرار”، حتى يكون له يكون له صوت داوٍ يُخرس الذين يسرقون اليوم لسان الشعب ويعقدون الصفقات بإسمه، وحتى يكون لهذه الأصوات وزن في الإنتخابات عند عودة الديمقراطية.وهذا موضوع يحتاج بحثه إلى عودة أخرى.
تحوَّلت مسألة مثلث حلايب في الأعوام الأخيرة لأزمة مستمرة في العلاقات بين مصر والسودان، حتى تحول هذا المثلث إلى «مثلث برمودا» العلاقات المصرية السودانية الذي تختفي عنده كل عبارات المجاملة والأخوة ليحل محلها عبارات السباب والشتم كما تختفي الطائرات والسفن عند مثلث برمودا. ولذلك فقد قررت سبر أغوار مسألة حلايب تاريخيا وسياسيا متجنبا النقاش القانوني قدر المستطاع.
تاريخ قبائل البجا في إقليم حلايب المتنازع عليه
تاريخيا يعيش في حلايب قبائل «البشاريين» التي تتحدث بلغة «البداويت»، وقبائل «العبابدة». وهذه القبائل لم تكن يوما جزءا من حضارة مصر ولا حضارة كوش «شمال السودان»، بل كانت تحترف شن الحروب والغارات على المملكتين على حد سواء. حافظت قبائل البجا على مدار التاريخ على استقلالها متفردة بشنها للحروب وإقامة المعاهدات؛ وكان أشهر هذه المعاهدات تلك التي أقيمت بين كنون بن عبد العزيز زعيم قبائل البجا، وعبد الله بن الجهم والي مصر للمأمون العباسي. وفي هذه المعاهدة التي وضعت الحدود الأولى بين البجا وأراضي مصر؛ ففي نصها:
«هذا كتاب كتبه عبد الله بن الجهم مولى أمير المؤمنين صاحب جيش الغزاة، عامل الأمير أبي إسحاق بن أمير المؤمنين الرشيد أبقاه الله، في شهر ربيع الأوّل سنة ست عشرة ومائتين، لكنون بن عبد العزيز عظيم البجة؛
إنك سألتني وطلبت إليّ أن أؤمنك وأهل بلدك من البجة وأعقد لك ولهم أمانًا عليّ وعلى جميع المسلمين فأجبتك إلى أن عقدت لك وعلى جميع المسلمين أمانًا ما استقمت واستقاموا على ما أعطيتني وشرطت لي في كتابي هذا، وذلك :أن يكون سهل بلدك وجبلها من منتهى حدّ أسوان من أرض مصر إلى حدّ ما بين دهلك وباضع ملكًا للمأمون عبد الله بن هارون أمير المؤمنين أعزه الله تعالى، وأنت وجميع أهل بلدك عبيد لأمير المؤمنين إلا أنك تكون في بلدك ملكًا على ما أنت عليه في البجة، وعلى أن تؤدّي إليه الخراج في كل عام على ما كان عليه سلف البجة، وذلك مائة من الإبل أو ثلثمائة دينار وازنة داخلة في بيت المال، والخيار في ذلك لأمير المؤمنين ولولاته».
المهم في هذه الاتفاقية أنها أول اتفاقية ترسم حدًا بين الإدارة في مصر و قبائل البجا جاعلة نهاية حدود الأولى مدينة أسوان، ومعيِّنة إقليم البجا مثلث الشكل بأن جعلت حده الغربي أسوان والجنوبي مدينة باضع «مصوع الإرترية». لم تكن هذه نهاية الحروب بين البجا والدولة العباسية إذ ظلت المعارك بينهم سجال بين تعديات البجة ورد العباسيين؛ إلا أن الشاهد هنا أن «دولة البجا» ظلت مستقلة في ساحل البحر الأحمر عن مصر وعن النوبة في شمال السودان، حتى قامت الحروب الصليبية و أغلق طريق الحج البري، وحيل بين الحجاج ومكة المكرمة فاضطروا لاستخدام ميناء «عيذاب» على البحر الأحمر، و هو تحت سيطرة البجا كما روى الرحالة ابن جبير.
في ظل هذا الوضع قرر حاكم مصر الظاهر بيبرس البندقداري، عام 1265م الموافق 664هـ، غزو عيذاب «حلايب» وميناء «سواكن» والسيطرة عليهما ليحول دون وقوعهما في أيدي الصليبيين الذين كانوا يسعون للحصول على موطئ قدم على ساحل البحر الأحمر، ليهاجموا منه المدن الإسلامية المقدسة في الحجاز. استمرت تلك المناطق خاضعة لدولة المماليك حتى جاءت الدولة العثمانية وفصلتها بأن حولتها إلى ولاية هباشتان «ولاية الحبشة» في زمن السلطان سليم الثاني، ثم تم ضمها إلى باشوية جدة بعد ذلك فصارت تابعة للحجاز.
أسرة محمد علي وبداية معضلة مصر والسودان
ظلت «حلايب وشلاتين» على تبعيتها لولاية الحجاز حتى طالب بها محمد علي باشا في اتفاقية لندن 1840م ليضمها مع السودان في مملكته الوراثية، باعتبار أن هذه المواقع ليست في الحجاز وإن كانت تخضع لوالي الحجاز .
استمرت أسرة محمد علي حاكمة للسودان، بما فيه موانئ البحر الأحمر، حتى ثمانينات القرن التاسع عشر حيث حدثت هزتان متزامنتان لحكم الأسرة العلوية: الأولى كانت «الثورة العرابية» في مصر، والثانية «الثورة المهدية» في السودان. استعانت الأسرة العلوية بالدول الغربية لقمع الثورتين؛ فكان قمع ثورة عرابي في التل الكبير ونفيه لسيلان، ثم الهجوم على السودان للقضاء على الثورة المهدية وهدم قبر المهدي ونبش جثته وأخذ جمجمته للمتحف البريطاني.
طوال هذه الفترة كانت حلايب تحت حكمدار السودان. واستطاعت الثورة المهدية السيطرة على السودان بأكمله غير أنها فشلت تماما في السيطرة على سواكن وعلى حلايب، ولذلك عندما صدر قانون إخلاء السودان لم ينفذ في مديرية سواكن ومنطقة حلايب وبالتالي خرجت هذه المنطقة من حدود السودان مؤقتا. و عندما تمت إعادة احتلال السودان بالجيش الإنجليزي بقيادة هربرت كتشنر عام 1898م بطلب من الخديوي المصري عباس حلمي الثاني احتاجت الحكومة المصرية لإعادة تعريف السودان بعد زوال المسبِّب لقانون إخلاء السودان، فتم إصدار قانون مصري جديد في 19 يناير 1899م كان نتيجة توافق مصري-بريطاني يعيد تعريف السودان أنه المنطقة جنوب خط عرض 22.
و لكن هذا التعريف ولّد مشاكل عدة؛ فسكان منطقة حلايب ارتبطوا تاريخيا بساحل البحر وبمناطق البجا وبمدينتهم سواكن، ولم يكونوا يوما جزءًا من الإقليم المصري قبل ذلك الوقت. فطلب أهالي حلايب من الخديوي أن يعيدهم إلى وضع ما قبل الثورة المهدية، فتم تشكيل لجنة مشتركة مصرية–سودانية بعد ثلاثة أشهر فقط من إعلان الحدود الجديدة، ونتيجة لتوصيات اللجنة أصدر وزير الداخلية المصري «قرارًا إداريًا» بإعادة الوضع إلى سابق عهده قبل المهدية في 1902م. ظل الوضع على ما هو عليه حتى جاءت «اتفاقية السودان» في 1953م بين الحكومة المصرية و الإنجليزية، والتي أعطي فيها الشعب السوداني حق تقرير مصيره، وتم إحصاء سكاني للسودانيين شمل أهالي حلايب وشارك في لجنة الإحصاء الجانب المصري، وأجريت الانتخابات في السودان على هذا الأساس بما فيها منطقة «حلايب» وانتخب مجلس النواب السوداني في 1954م بمن فيه من جاء بأصوات أهل حلايب.
وصوت هذا المجلس على الاستقلال و لم يقم بعمل استفتاء لتقرير المصير خوفا من ألاعيب نظام عبدالناصر بالتراجع عن اتفاقية السودان 1953م. والمفاجئ من موقف عبدالناصر أنه بمجرد إعلان النواب التصويت على الاستقلال من داخل البرلمان أعلن عبدالناصر اعترافه بهذا الاستقلال، فكانت مصر أول دولة تعترف باستقلال السودان. لكن هذا الاعتراف كان اعترافًا ملغَّمًا حيث أعلن الاعتراف بالسودان «بحدود 1899م» أي بحدود لا تضم منطقة حلايب. ورغم أن عبدالناصر لم يعترف بتبعية حلايب للسودان إلا أنه لم يحرك ساكنا لنشر أي قوات في حلايب لأنه كان يعلم ويعرف أن السودان كان في ذلك الوقت محميا بالقوات البريطانية، حتى لو أنها انسحبت ظاهريا منه، ولذلك لم يتحرك إلا عندما أثير أن بريطانيا ربما تتخذ مواقعا في البحر الأحمر بعد انسحابها من قناة السويس، فتحركت قوات من الجيش المصري إلى حلايب ومعها صناديق انتخابية بحجة إقامة الاستفتاء على الجمهورية العربية المتحدة التي أعلنت في 1958م، ولكن ووجه تصرف عبدالناصر بإجراءات من رئيس وزراء السودان عبدالله خليل الذي أرسل قوات من الجيش السوداني للاشتباك مع الجيش المصري، وأرسل شكوى إلى مجلس الأمن الدولي، وعندها انسحب عبد الناصر من حلايب.
ظلت حلايب تحت سيادة سودانية كاملة إلى أن جاء عام 1967م وتم تدمير سلاح الجو المصري، فأقامت الحكومة المصرية في حلايب، بعد موافقة حكومة الرئيس جعفر نميري، 12 نقطة مراقبة لرصد الطيران الإسرائيلي المنخفض، وذلك استنادًا لمعاهدة الدفاع المشترك العربية. وعندما وقعت مصر اتفاقية كامب ديفيد في 1978م لم تقم بسحب هذه النقاط، بل غيرت هذه النقاط وظيفتها من مراقبة الجو إلى إجراء التحري مع المواطنين في تلك المنطقة، أي تحولت إلى أكمنة ثابتة مثل أي كمين ثابت في المدن المصرية.
اعترضت الحكومة السودانية على هذا السلوك لكن كانت مصر في ذلك الوقت ترد بردود من نوع أن ما يحدث في حلايب هو أخطاء فردية وخلافه. وجاء انقلاب البشير في 1989م فازداد التوتر بين البلدين، ثم اجتمعت لجنة مشتركة سودانية مصرية في الخرطوم في مارس 1992م وانتهت إلى وجوب وقف الحملات التحريضية من الطرفين. وأثناء هذا الاجتماع أرسلت مصر قوات عسكرية إلى داخل مثلث حلايب لفرض الأمر الواقع، في حين كان أعضاء اللجنة المشتركة من الجانب المصري ينكرون هذه الأنباء ويتحججون بصعوبة الاتصال بتلك المنطقة. إلى أن أتى عام 1995م إذ أعلنت الحكومة المصرية استكمال سيطرتها على حلايب، بعد محاولة اغتيال حسني مبارك في إثيوبيا والتي يقال أن أفرادا من النظام السوداني قاموا بدعمها.
الحجج المصرية في تأكيد السيادة على حلايب
1. أن السودان كلها تابعة لمصر وأن الملك فاروق كان ملك مصر والسودان
هي حجة في غاية التهافت. فالملك فاروق وأسرته لم يملكوا السودان إلا بقرارات وفرمانات السلطان العثماني. فالسلطان محمود الثاني هو من أصدر فرمان فبراير 1821م الذي قام بموجبه محمد علي باشا بغزو السودان. والدولة العثمانية هي التي منحت محمد علي باشا وأسرته حكم السودان بعد معاهدة لندن 1840م مقابل أن يتخلى للدولة العلية عن بلاد الشام والحجاز. و المهم من كل ذلك أنه إذا صدقنا هذا القول بأن من حق مصر المطالبة بكل السودان لأنه كان جزءًا من أراضيها، فبالأحرى يكون أيضا من حق تركيا أن تطالب بمصر كجزء من أراضيها من نفس المنطلق، خصوصا إذا علمنا من الأستاذين محمد حسنين هيكل وجلال أمين أن مصر ظلت تدفع الجزية السنوية لتركيا حتى 1954م عندما أوقف جمال عبدالناصر تسديد ديون تركيا بضمان الجزية المصرية.
2. أن الشركات المصرية كانت تنقب عن المعادن في حلايب وشلاتين
وأما دليل أن شركة النصر للتعدين المصرية كانت تنقب عن المعادن في حلايب، وبهذا تصبح حلايب مصرية. هو دليل أيضا في غاية التهافت؛ فقد ولَّى زمن شركة الهند الشرقية وشركة قناة السويس والتي كان عن طريقها يفرض أمر واقع وترسم الحدود. وإن تابعنا القائلين بهذا المنطق، فيجب ضم الأراضي البحرية بين مصر وإيطاليا لإيطاليا لأن شركات الإيطاليين تنقب عن النفط والغاز في أراضي قرب الحدود البحرية بين مصر وإيطاليا. ومن المعلوم أن الحكومة السودانية منعت هذه الشركة عن التنقيب بعد العام 1985م باعتبارها كانت تمارس السيادة في حلايب قبل أن يأتي الجيش المصري ويفرض أمر واقعا في حلايب في أوائل التسعينات.
3. أن مصر أعطت السودان حلايب كوديعة لتكافح الملاريا
وهو دليل أيضا في غاية التهافت، ولا يستسيغه عقل. فكيف توكل دولة دولة أخرى أن تكافح لها مرض الملاريا، وهل عدمت مصر كفاءات صحية حتى تحتاج لأن يكافح لها السودان مرض الملاريا الذي يموت بسببه آلاف السودانيين سنويا؟! وهل اختفت الملاريا اليوم من حلايب فاستردتها مصر أم ما زالت موجودة؟! في الحقيقة كنت أفضل على مصر أن تسلم حلايب لأمريكا لتكافح لها الملاريا بدلا أن تثقل على السودان بهذه المهمة.
أخيرا في الحقيقة لا يوجد دليل على هذه القصة إلا ما قاله الدكتور مصطفى الفقي في لقاء تليفزيوني استشهد فيه الدكتور مصطفى الفقي بتسليم مصر لتيران وصنافير للسعودية بعد أن كلفها الملك السعودي بحمايتها.
الحجج السودانية في تأكيد السيادة على حلايب
1. أن أهالي حلايب شاركوا في استفتاء استقلال السودان
إحدى أبرز الحجج السودانية لتأكيد سيادتها على حلايب أن أهالي حلايب شاركوا في برلمان 1954م والذي اختار الاستقلال في 1956م. وهذه الحجة ضعيفة. فإذا أخذنا أزمة أبيي بين السودان وجنوب السودان مثالا؛ فقد شارك جزء من أهالي أبيي في استفتاء تقرير المصير لجنوب السودان، ولكن لم يترتب على ذلك أي حجية قانونية بتبعية أبيي لجنوب السودان، حيث رفض المجتمع الدولي الاعتراف بهذه المشاركة، لأن أبيي قضية نزاع حدودي لا يمكن حله إلا بآلية الاستفتاء المحددة في اتفاقية السلام عام 2005م. هذا على الرغم من أن عددا من أبناء أبيي هم في مراكز اتخاذ القرار من حكومة جنوب السودان، مثل: دينق ألور.
2. أن السودان مارس سيادته على حلايب
وهذه الحجة فيها إشكال. فممارسة الدول للسيادة في الأراضي موضع النزاع ليس ذا حجية كبيرة. فمثلا، دولة البحرين كانت تتمتع بسيادة تاريخية على جميع جزر «حوار» بالإضافة إلى منطقة الزبارة منذ 1868م، تاريخ اعتراف بريطانيا بدولة قطر تحت سلطة آل ثاني وإعلان الانتداب على قطر، ومع ذلك عندما تقدمت دولة قطر بشكوى لمحكمة العدل الدولية استطاعت الحصول على السيادة على الزبارة وجزيرة جنان وفشت الدبل، وظلت بقية جزر حوار تحت السيادة البحرينية؛ أي أن جزر حوار تم تقسيمها بين البلدين دون مراعاة لتاريخ السيادة البحرينية على الجزر أو لكون قطر نفسها كانت تابعة للبحرين وأن آل ثاني استقلوا بقطر عن البحرين في منتصف القرن التاسع عشر.
3. أن سحنة أهالي حلايب تشبه سحنة السودانيين
وهذا الدليل أيضا غير معتبر. فلماذا لا يطالب السودان بضم مناطق النوبة جنوب أسوان للسودان وهم أيضا سحنتهم تشبه سحنة السودانيين. وهذا أيضا يتيح لحكومة تشاد أن تطالب بضم أجزاء من دارفور لأن السحنة والقبائل متشابهة، وكذلك الأمر بالنسبة لشرق السودان وإريتريا. ما لا يدركه القائلون بهذا القول أننا نعيش في زمن الدول متعددة الهوية وأن زمن الهوية الواحدة والأحزاب ذات الطبيعة القومية قد ولَّى.
مع الأخذ في العلم أن مصر لديها مشكلة كما السودان في القبول بالتعدد الثقافي؛ فلا زال الإعلام المصري يعتبر سكان الوادي ذوي السحنة الواحدة أفضل تجسيد للهوية المصرية، ولا ينظر بإيجابية لسكان مناطق سيناء والنوبة وعرب مطروح وسكان الواحات.
وأما بالنسبة للسينما المصرية فلم تهتم أصلا بالكلام عن أهالي حلايب أو مناقشة مواضيعهم. والمقطع الوحيد الذي جرى فيه ذكر سكان حلايب كان بشكل سلبي في فيلم «غرباء» باعتبارهم مثالا لبشر يعيشون خارج التاريخ.
4. قرار الاتحاد الإفريقي باحترام الحدود التي تركها الاستعمار.
5. عدم وجود دليل على أن مصر طلبت من السودان إدارة حلايب كما تزعم الخارجية المصرية.
6. مئات الخرائط التي تثبت أن حلايب كانت جزء لا يتجزأ من الإقليم السوداني طوال فترات الإدارة المصرية التركية للسودان، والإدارة المصرية الإنجليزية للسودان.
الخلاصة
لا حل لقضية حلايب في رأيي إلا بالذهاب للتحكيم الدولي، وهو أمر تتهرب منه مصر لأنها لا تملك أي وثائق ملكية لحلايب أو خرائط، إلا خريطة واحدة ادعى القائمون على المعهد العلمي المصري أنه تمت سرقتها في أحداث محمد محمود، ونشر هذا التصريح في صحيفة الأسبوع أونلاين يوم 28 ديسمبر 2011م. و لا أعرف في الحقيقة ما مصلحة اللص في سرقة مثل هذه الخريطة وكيف ستصمد هذه الخريطة الوحيدة أمام طوفان الخرائط التي تمتلكها السودان أو المنتشرة حول العالم، وآخرها خرائط مكتبة برلين التي نشرها الباحث المصري «تقادم الخطيب» -ليدافع بها عن مصرية تيران وصنافير- و هذه الخرائط القيمة أجمعت على اعتبار حلايب جزءًا من الأراضي السودانية.
عقارب الساعة تشير إلى الحادية عشرة صباحاً، ودرجات الحرارة بدأت ترتفع رويداً رويداً في نهار الأربعاء الماضي، أخذنا مواقعنا في البص الفخيم المتجه من الخرطوم إلى محمية الدندر، بدعوة من الإدراة العامة للحياة البرية للمشاركة في احتفالاتها باليوم العالمي للحياة البرية، وصلنا إلى محمية الدندر في الواحدة من فجر الخميس، ومكثنا بها ثلاثة أيام، البص الذي يقلنا قطع المسافة بين الخرطوم وولاية النيل الأزرق في “12 “ ساعة، كانت مليئة بالمغامرات والمفآجات، البرنامج الذي ذهبنا من أجلة لم يقتصر على الاحتفال باليوم العالمي للحياة البرية، فقد صاحب ذلك أنشطة عديدة، حيث أقامت إدارة الحياة البرية زواجاً جماعياً لعدد من منسوبيها، وتكريم فريق مدرسة عبدالله موسى الذي فاز في بطولة (ج) بقطر، كان الحماس وحب الاكتشاف هو الدافع لقبول تلك الدعوة، وللتعرف على أكبر محمية طبيعية، حزمنا حقائبنا في صباح الأربعاء وتوجهنا إلى مقر الإدارة العامة للحياة البرية عند الساعه السابعه والنصف صباحاً في نفس الموعد المحدد، ومكثنا طويلاً في انتظار وصول البص الذي ينقلنا إلى الدندر، ويبدو أن هنالك عدم تنسيق مسبق للرحلة، حيث وصل البص عند الساعة الحادية عشرة لتبدأ رحلتنا إلى المحمية
طرق وعرة
توقفت محركات البص أمام مقر إدارة الحياة البرية بود مدني، ووجدنا برية دون وجود حياة لها، فليس هنالك مايدل على أنها إدارة سياحية، بالرغم من إن الإدارة شرعت في تشييد مباني جديدة، علها تبعث الحياة في جسد الحياة البرية مجدداً، انطلق البص لمواصلة رحلتنا لتبدأ رحلة جديدة من مدني الى سنار، والتي بدأت بشريات الخريف تهل فيها، ومن سنار توجهنا إلى سنجة التي مازالت تكتسي بملامح القرية، ويخيم عليها البؤس، وعلى حسب رأي أهلها الذين قالوا إن سنجة مدينة منسية، وخرجت مئات من السفراء والعلماء والشعراء، ولكنها لم تنل نصيبها من الخدمات كبقية المدن الأخرى، لم نتوقف عندها طويلاً، لنبدأ رحلة وعرة بدأت مع انقطاع طريق الأسفلت عند مدخل الدندر، ليبدأ مسلسل المعاناة، إطارات البص ما أن تخرج من حفرة حتى تقع في التي تليها، واستمرينا في هذا الحال قرابة الساعتين، خشينا على البص من أن ينهك الطريق المتعرج والوعر قواه التي بدت فاترة، وصلنا إلى شرطة محمية الدندر الاتحادية، واستقبلتنا بحفاوة ازاحت عناء السفر، وعندها ودعنا بصنا السياحي فالطريق الذي يوصل إلى المحمية أكثر مشقة وعناءًا لاتتحمله عجلات البص، تركنا ذلك البص واستغلينا بصاً آخر بمسماه القديم (لوري) ولكن تم ترقيته إلى بص بعد أن تم «سقفه» ووضعت على جانبيه بعض المقاعد، وبعض أفراد الوفد توزع بين عربات (تاتشرات) الشرطة وآخرين، وجدوا لهم مكاناً وسط طلاب مدرسة عبد الله موسى في حافلة لم تطأ عجلاتها أرض وعرة مثل تلك، كما قال سائقها عند وصولنا أنه عمل سائقاً أكثر من أربعين سنة، ولم يواجهه طريق وعر وشاق أكثر من ذلك الطريق الذي يوصل إلى أكبرمحمية طبيعية، وتبلغ مساحته (180) كيلومن الدندر، انطلقت الرحلة في الليل تقطع الفيافي وتهزم شموخ الأشجارالتي كانت عائقاً ثقيلاً في دخولنا إلى المحمية، ولكن لم تصمد عجلات الحافلة طويلاً، حيث وقعت في قبضة خور مليء بالماء .
مطبات
لم تستطع الحافلة الخروج من ذلك الخور، رغم المحاولات المستمرة لإخراجها من هذا المطب، ولا معين بين تلك الغابات الكثيفة والظلام الدامس لنجدتنا واستعنا بعربات الشرطة (تاتشرات) التي سبقتنا، وبعد شد وجذب تم إخراج الحافلة من ذلك الخور، وبعد ساعات طوال وصلنا معسكر «قلقو» في المحمية، وفي صباح الخميس تجولنا بين الحظيرة التي تبلغ مساحتها، أكثر من عشرة آلاف، ويصعب الوصول إليها بسيارات خلاف المخصصة لها لوعورة طرقها وكثافة وضخامة أشجارها، وكانت سيارات شرطة الحياة البرية هي معيننا في اكتشاف مابداخل تلك الغابات .
في انتظار الأسد
أنواع مختلفة من الحيوانات تزخر بها الحظيرة من كافة أنواع الطيور والقرود والجاموس والغزلان والنعام والحلوف والأسود، بالإضافة إلى فصائل متعددة من الكتمبور والقرف، ولكننا لم نحظ في ذلك اليوم بمقابلة ملك الغابة، حيث جئنا في وقت متأخر، ولرؤيته يجب أن نأتي باكراً، وفي صباح اليوم التالي تهيأنا باكراً حتى نظفر برؤيته، وكنا في حالة ترقب وانتظار لظهوره، وعم الهدوء المكان حتي يطمئن ويظهر لنا، وطل الأسد مصطحباً معه ثلاثة أسود أخرى، ووقفنا نراقبه ويترقبنا من على البعد، وكأننا بذلك نشاهد عالم الحيوان الذي تبثه قناة (ناشيونال جغرافي) على الطبيعة .
تأهيل طريق
طرحت ما جال بخاطري من أسئلة حول ضعف إقبال السياح على المحمية على مدير الإدارة العامة للحياة البرية اللواء سند سليمان، حيث قال إن قلة السياح يرجع إلى الإعلام السالب الذي يزعم بعدم وجود استقرار بالبلاد، بجانب عدم وجود إعلام مضاد له، مما أثر بشكل كبير على ضعف إقبال السياح، وأضاف أن الطرق الوعرة واحدة من معوقات السياحة بالمحمية، وأوضح: تمت معالجة ذلك بإدخال الطريق المؤدي إليها ضمن الطرق القومية، حيث تم الاتفاق بين وزارة الطرق والجسوروالسياحه مع وزارة المالية في إقامة الطريق من الدندر إلى أم بقر، ووضعت له ميزانية وسيتم العمل على تأهيل المطار الذي يستقبل طائرات (هليكوبتر) بالمحمية، وقال إن القوة الموجودة غير كافية، إذ يغطي الفرد الواحد مساحة 50 كيلو، كما أن نوعية العربات الموجودة غير ملائمة مع طبيعة المحمية، وتتوقف الحركة في الخريف.
مشاكل ومهددات
وقال مدير محمية الدندر اللواء جمال الدين آدم بلة إن المحمية، تواجه مشاكل عدة أخطرها الجفاف الذي يمثل تهديداً لوجودها ومعالجة الأمر تحتاج إلى دراسات كثيرة من وزارة الري لمعرفة أسباب جفاف (الميعات) التي تعتمد عليها الحيوانات في شرابها، وينقل الجفاف أعشاب غير مرغوبة تعمل علي تحطيم المرعى، وأضاف نعمل علي معالجة مشكلة الجفاف باجتهادتنا فقط، بالإضافة إلى مشكلة وجود أعداد كبيرة من قبائل غرب أفريقيا (أمبررو) وأثبتت الدراسات أن تلك القبائل تنقل أمراضاً فيها خطورة وتهديد للحيوانات، وتمثل مشكلة النيران التي تشتعل في الغابات بسبب المراعي والعسالة خطراً آخر على الحياة البرية، وقال إن طرق الحماية التي نتبعها طرق بدائية وغير فعالة، لا تستطيع تغطية المساحة الكبيرة للمحمية، ولكي تتم الحماية بصورة أفضل نحتاج إلى طوافات لتأمينها، وإلى إجراء البحوث والدراسات حتى نتمكن من إعادة ما انقرض من الحيوانات، وحتى يتم مجاراة المتغيرات البيئية الناتجة من شح الأمطار، وأوضح أن تنمية وتطوير المحمية تحتاج إلى تدخل جهات عدة، والى امكانيات ضخمة.
عدنا أدراجنا إلى الخرطوم، وفي مخيلتنا الكثير المثير عن هذه المحمية التي عانت من الإهمال طويلاً، رغم أنها تعد ثروة قومية لم تستغل بعد.
Some Aspects of the Development of Girls’ Education in the Northern Sudan
Lilian M. Sanderson ليليان م. ساندرسون
ترجمة وتلخيص: بدر الدين حامد الهاشمي
مقدمة: هذه ترجمة وتلخيص لمقال البريطانية ليليان م. ساندرسون (1925 – 1996م) المنشور في مجلة "السودان في مدونات ومذكرات "في عددها رقم 42 والصادر في عام 1961م، عن تاريخ تعليم البنات بالسودان.
وعملت الكاتبة، بحسب سيرتها الذاتية بموقع جامعة درم، منذ عام 1953م في تدريس البنات بمدرستي أمدرمان الوسطى والخرطوم الثانوية، وذلك حتى عام 1962م. ثم عملت لعام آخر في التدريس بجامعة الخرطوم أستاذة غير متفرغة.
ونشرت الكاتبة نسخة أخرى من هذا المقال في عام 1968م في العدد الثامن من مجلة غربية هي
Paedagogica Historica: International Journal of the History of Education ، ومقالا مماثلا عن تطور تعليم البنات في جنوب السودان.
المترجم
***** *********** ********* ********
تطور تعليم البنات بالسودان في غضون الستين عاما الأولى من القرن العشرين، بنفس الوتيرة التي تطور بها في البلدان الأخرى، وبالتوازي مع التطور (الأسرع) الذي حدث في تعليم البنين. وتوضح الأرقام التالية في الجدول رقم 1 أعداد مدارس البنين والبنات بالسودان عام 1960م
جدول رقم 1. أعداد مدارس البنين والبنات في عام 1960
مدارس الأولاد مدارس البنات
الصغرى 712 207
الأولية 565 245
الوسطى 89 25
الثانوي 12 02
وبالإضافة لذلك كانت هنالك أيضا 14 مدرسة صناعية وسطى وثانوية للبنين، ومعهد الخرطوم الفني، وكانت جميعها تقدم تعليما مهنيا لتدريب البنين. ولم تكن هنالك معاهد مماثلة للبنات خلا كلية التمريض، والتي كان عدد طالباتها لا يتجاوز 11 (في العام). أما في جانب التعليم الديني فقد كانت هنالك 28 مدرسة وسطى، و6 مدارس ثانوية، ومعهد (علمي) وحيد للبنين، بينما لم تكن هنالك أي مدارس دينية للبنات.
أما أوضح تبيان بين تعليمي البنين والبنات فقد كان على المستوى الجامعي. فقد بلغ عدد طلاب جامعة الخرطوم 1164 في مقابل 52 طالبة فقط (لم تذكر الكاتبة في أي عام كانت تلك الاحصائية. المترجم)
وكان هنالك في المدارس غير الحكومية /الأهلية (والتي شملت المدارس الخاصة السودانية، ومدارس البعثة المصرية، والبعثات التبشيرية /الكنسية، ومدارس الجاليات الهندية والإغريقية والأرمنية) نحو 4980 طالب و1319 طالبة.
أما بالنسبة للأمية، فقد بلغت نسبة من بمقدورهم القراءة والكتابة من البنين فوق سن العاشرة نسبة 30% من السكان الذكور، بينما لم تتجاوز تلك النسبة عند البنات 4% في عام 1956م. وساهمت المطبوعات التي أصدرها مكتب النشر والنوادي (الثقافية) في عدم ارتداد بعض تلاميذ المدارس الأولية إلى ظلام الأمية بعد تخرجهم منها وهجرهم للتعليم. ولم تكن تلك الفرصة متاحة للبنات، مما يشير إلى أن الفروقات بين نسبتي الأمية عند الجنسين قد تكون في الواقع أكبر مما هو مذكور أعلاه.
كيف نشأ هذا الوضع؟ دعنا في البدء ننظر إلى الاتجاهات الرئيسة في تطور تعليم البنات على خلفية التعليم عموما في خلال الستين عاما الماضية. فعلى الرغم من أن قلة قليلة فقط من البنات كن يرتدن الخلاوي، إلا أنه كان من المعلوم أن هنالك بعض النساء على معرفة بالقراءة والكتابة في عهد الفونج (السلطنة الزرقاء). وورد في "طبقات ود ضيف الله"، والذي كتب في نهاية القرن الثامن عشر، عدة إشارات لنساء متعلمات وفقيهات (فقيرات)، وكان بعضهن شيخات في الخلاوي. وورد أيضا أن خوجلي بن عبد الرحمن (المتوفى عام 1742م) قد ولد في جزيرة توتي وتعلم في خلوة الفقيرة عائشة بنت ولد القدال. ورغم ذلك فالراجح أن الغالبية العظمى من بنات السودان قبل دخول الاستعمار (الثنائي) لم يكن يتلقين أي تعليم غير القصص التراثية الشفاهية (oral tradition) وهن في أحضان أمهاتهن.
ورغم أن السير جيمس كيري أول مدير للتعليم وعميد كلية غردون التذكارية كان قد أوضح أغراض التعليم في السودان، ومحدوديتها، إلا أن الحكومة كانت قد توسعت في تعليم البنين بعد إنشاء أول مدارس أولية بالبلاد في العقد الأول من القرن العشرين، وأولها كلية غردون التذكارية، والتي افتتحت في 1902م. ثم تم إنشاء قسم ثانوي صغير بذات الكلية في 1904م، وبدأ من بعد ذلك طرح مقررات (كورسات) صناعية وفنية ووسيطة، ومعهد لتدريب المعلمين. ثم افتتحت "مدرسة كتشنر الطبية" في عام 1924م. وما أن أتى عام 1931 حتى كان وضع تعليم البنين كما هو موضح في جدول رقم 2.
جدول رقم 2. أعداد مدارس البنين والطلاب في عام 1931
عدد المدارس عدد البنين بالمدارس
الأولية 89 9339
الوسطى 11 1272
الثانوي 1 534
الورش التعليمية 3 372
كلية تدريب المعلمين 1 44
ولم يحدث توسع مماثل لتعليم البنات في تلك الفترة.
وفي عام 1921م كانت هنالك خمس مدارس أولية للبنات في كل من رفاعة والكاملين ومروي ودنقلا والأبيض. ويرجع الفضل في البدء في فتح تلك المدارس للشيخ بابكر بدري ومبادرته وحماسه. فقد أفتتح ذلك الرائد أول مدرسة للبنات في رفاعة عام 1906م، ثم تلقى عونا من الحكومة للمضي قدما في حقل تعليم البنات، وشجع نجاح فكرته السير جيمس كيري على فتح مدارس للبنات في مدن أخرى. ويجب أن نذكر هنا أن الشيخ بابكر بدري كان يطوف ببعض تلميذاته على مختلف المدن لتشجيع البنات على التعليم المدرسي. غير أن محاولاته تلك لاقت صنوفا من المعارضة من الرأي العام بالبلاد، مما جعل الحكومة لا تحاول فرض تعليم البنات أو تسريع معدل فتح مدارس لهن، والانتظار حتى يكون هنالك طلب (demand) يستدعي فتح مدارس جديدة.
وكان أحد أهم معالم تعليم البنات بالسودان هو افتتاح كلية تدريب المعلمات بأم درمان في عام 1921م. ويعزى نجاح تلك الخطوة إلى حماس الأختين إيفانز (المقصود هما دورثي جي إيفانز وأختها). وكانت كبراهن هي أول عميدة لتلك الكلية، ومن أكثر الذين عملوا على زيادة أعداد مدارس البنات الأولية. (يمكن مراجعة مقال مترجم لبروفيسور مارتن دالي له صلة بهذا الجانب عنوانه: "عرض لكتاب الجندرية البريطانية إنا بيزيلي "الناس والأماكن والتعليم في السودان". المترجم). وتوج جهد السيدة إيفانز بافتتاح أول مدرسة وسطى للبنات بأم درمان. ومضى التوسع في تعليم البنين بين عامي 1932 و1946م يسير قدما استجابة لتقارير أعدتها لجان عالمية متخصصة، ولاستقدام عدد كبير من المعلمين من مختلف الدول، وإنشاء معهد بخت الرضا، بينما بقي تعليم البنات يتوسع بشكل تدريجي وشديد البطء. وبقي الوضع هكذا حتى أفتتح في عام 1945م فصل ثانوي صغير في مدرسة أمدرمان للبنات، انتقل فيما بعد إلى المقر الحالي لمدرسة أمدرمان الثانوية للبنات في عام 1949م.
وبين عامي 1946 و1956م أنصب تركيز الحكومة على التوسع الكمي في مدارس البنين في مختلف المراحل أكثر من التوسع الكيفي، وذلك لمقابلة الاحتياج المتوقع للمتعلمين بعد نيل البلاد لإستقلالها. وفقد بذلك تعليم البنات فرصة أخرى للتوسع. غير أن تعليم البنات بدأ بعد عام 1956م في التوسع مجددا، ولكنه ظل في المقام الثاني، وبمعدل بطيء، إذ أن الأولوية كانت لا تزال تعطى للتوسع في تعليم البنين بسبب الحاجة لمتدربين فنيين ومتعلمين سودانيين على كل المستويات.
لم تأخر تطور تعليم البنات بهذا الشكل؟ كان أحد الأسباب (الجزئية) لذلك هو الوضع الخاص بالنساء في المجتمع السوداني، وفصلهن عن المجتمع، ونظرته المتحفظة تجاههن. وكان المجتمع ينظر لأي فكرة أجنبية يعتقد بأنها تتعدى أو تنتهك النظام الاجتماعي القائم بعين الريبة والشك العظمين. وكانت النساء أنفسهن يؤمن بأن أي نوع التغيير هو بمثابة خطيئة تخالف أحكام الله وأقداره. وكانت الحكومة في بدايات القرن العشرين لا تعارض تعليم البنات، إلا أنها كانت تحتمله فقط دون أن تشجعه. ففي بداية الحكم الثنائي كان اللورد كرومر (1841 – 1917م، مبعوث ملكة بريطانيا العظمى والقنصل العام المقيم بالقاهرة) قد قطع لقادة تجمع ضخم لزعماء قبائل شمال السودان وعدا صارما بعدم القيام بأي محاولة للتبشير المسيحي في مناطق السودان المسلمة (انظر مقال الدكتورة الأمريكية هيزر شاركي "مسيحيون في أوساط المسلمين" والمنشور في "مجلة التاريخ الأفريقي" في عام 2002م، والذي ذكرت فيه أن مسلما واحد فقط تنصر على يد البعثات التبشيرية في الستين عاما الأولى من عهد الحكم الثنائي. المترجم). وخشيت الحكومة من أن يعد الأهالي افتتاح مدارس للبنات في ذلك الوقت تدخلا في تقاليدهم الموروثة. ولم تكن الحكومة ترى، على كل حال، أن تعليم البنات أمرا ملح الضرورة. ولم تسمح الحكومة للبعثات التبشيرية بفتح مدارس للبنات في بداية العهد الاستعماري، رغم أنه كان بإمكانها الإسراع بوتيرة تعليم البنات، ولكنها سمحت بذلك في عشرينيات وثلاثينيات القرن العشرين ضمن خطتها للتوسع في التعليم عموما وتعليم البنات خصوصا، مع تحول (طفيف) للرأي العام السوداني تجاه قبول تعليم البنات ورؤيته لثماره. وكانت نوعية التعليم المقدم للبنات في تلك السنوات يفوق ذلك الذي كان يقدم للبنين، غير أن عدد مدارس البنات كان أقل بكثير جدا من مدارس البنين.
وظلت الحكومة تسعى لإقناع العامة من الأهالي بأهمية تعليم البنات في وقت كان فيه غالب سكان البلاد يعارضونه. وفي أخريات الثلاثينيات انشغل الناس عن الالتفات لتعليم البنات بتطوير تعليم البنين وتوسيعه واستقدام معلمين من الخارج. وتقرر بعد إنشاء المجلس الاستشاري عام 1946م، حينما بدا واضحا أن السودان مقبل على الاستقلال، التوسع في تعليم البنين مهما بلغت التكاليف. ونتج عن ذلك نقص الاعتمادات اللازمة لفتح مزيد من المدارس لتعليم البنات. فقد كان من السهل على الحكومة والمواطنين تفهم فائدة التوسع في المدارس الأكاديمية والصناعية والتقنية والمهنية للبنين. ولم يكن الأمر بذلك الوضوح بالنسبة للتوسع في تعليم البنات، واللواتي يتم تزويجهن في سن باكرة على كل حال، ولا يتقلدن وظائف عامة تفيد المجتمع، مما يجعل الانفاق على تعليمهن – في نظرهم- بلا عائد، ويصعب تبريره. ولم تبدأ عملية التوسع في تعليم البنات إلا في الخمسة عشر عاما الأخيرة (أي بين 1945 – 1960م)، وحينها كان الطلب على تعليمهن يفوق القدرة المالية على مقابلته.
ونعود لذكر ما قام به الشيخ بابكر بدري، رائد تعليم المرأة في السودان، والذي كان بحق سابقا لعصره. فقد واجه معارضة شرسة من مجتمعه لسعيه لتعليم البنات، والذي كان يراه بثاقب نظرته أمرا بالغ الأهمية للمجتمع. وكان الشيخ صديقا مقربا للأسقف قوين (المقصود هو الأسقف لويلن قوين أول رئيس للكنيسة الأنغليكانية في مصر والسودان بين عامي 1920 – 1946م. انظر المقال المترجم المعنون: "من بعض ما ورد عن آراء الجنرال غردون عن الإسلام" لمعرفة المزيد عن هذا الأسقف. المترجم). وكان الأسقف يحاول في بداية الحكم الثنائي إقناع الحكومة – دون فائدة - بالسماح للجمعيات والبعثات التبشيرية بفتح مدارس للبنين والبنات. وكان الشيخ بابكر بدري، بحسب ما جاء في مذكراته، شديد التأثر بوالدته. وازداد اقتناعه بأهمية تعليم البنات في غضون عامي سجنه في أسوان بعد أسره بعيد هزيمة حملة عبد الرحمن النجومي التي كان أحد جنودها. والتقى في أسوان بعدد من النساء السودانيات، وأعجب أشد الإعجاب بشجاعتهن وشخصياتهن القوية. وكان أول زواج له في تلك الفترة بأسوان، حيث كان بصحبته والدته وثلاث من أخواته. وفي تلك الأيام، وما تلاها من أعوام، غدا شيخ بابكر بدري من دعاة ونصراء قضية تعليم البنات.
وعندما أطلق سراح الشيخ من الأسر آب إلى رفاعة، وأفتتح بمنزله فيها أول مدرسة للبنات لأبناء وبنات عائلته عام 1906م في تحد لمعارضة قوية وعداء شديد من أفراد عائلته ومجتمعه (اختلفت كثير من المصادر في سنة افتتاح تلك المدرسة، فقد ورد في مقال "سجلات التقدم" لهيزر شاركي أن تلك المدرسة افتتحت في عام 2007م، بينما ذهب آخرون إلى أن تاريخ افتتاح المدرسة هو 1910م، بينما يزعم من كتب في موسوعة الويكيبيديا عن الشيخ أن تاريخ افتتاح المدرسة هو 1903م. المترجم). وكان بأول فصل افتتحه 4 من بناته و12من قريباته. وكانت البنات (بحسب معلومة تلقيتها من سارة بدري، إحدى قدامى تلميذات تلك المدرسة) يتلقين خمس حصص للحياكة والتطريز وأعمال الإبرة، وحصة واحدة للغة العربية. وكانت أعمال الإبرة والتطريز التي يتم تعليمها سودانية تقليدية، فقد كن يصنعن طواقي لإخوانهن. وكانت الحصص تبدأ في السابعة صباحا إلى الساعة الثانية ظهرا، ومن الثالثة عصرا إلى السادسة مساء.
وأخفق الشيخ بابكر في الحصول على أي عون مادي من أقربائه لتوسيع فصله، فطلب من المأمور مبلغ عشرين جنيها لبناء فصل لتدريس البنات (يمكن أن يستخدم أيضا مخزنا لمدرسة البنين) ولكن المأمور رفض ذلك الطلب. فقدم الشيخ ذات الطلب للحكومة مباشرة، فرد عليه السير كيري بأنه لا يعتقد بأن الوقت قد حان لتقبل المجتمع والرأي العام لتلك الفكرة. ورد الشيخ بدعوة السير كيري لزيارة رفاعة وأن يرى بنفسه مدرسته التي أقامها في منزله.
وفي ذات العام (1906م) كان على مكتب السير كيري طلب للسماح بفتح مدرسة للبنات في الخرطوم وقع عليه عدد من موظفي الحكومة المصريين مطالبين بمدرسة لبناتهم يقدم لهن فيها تعليم في أجواء غير طائفية non- sectarian atmosphere. ورد السير كيري على تلك المذكرة بالقول بأنه يقر بأهمية قيام تلك المدرسة، ويتمنى أن تتوفر الإمكانات المادية في المستقبل القريب لإنشائها. وفكر السير كيري في أن مدرسة رفاعة تلك قد تصلح لتكون "تجربة عملية"، إذ أن الأخبار كانت قد بلغته عن أن هنالك "مدرسة كتاب محلية عالية الكِفايَة (الكفاءة) يديرها شيخ محلي قدير ومثير للاهتمام". ورغم ذلك أفتتح في عام 1907م فصلان للبنات في مدرسة الخرطوم الأولية حتى يكتمل بناء مدرسة الخرطوم الأولية للبنات والتي كان قد خطط لها أن تكتمل في عام 1909م.
وفي عام 1907م كانت مدرسة الشيخ بابكر بدري تضم 17 طالبة، منهن 12 من عائلة الشيخ نفسه، والباقيات من بنات أصدقائه. وقرر الشيخ بابكر بعد ذلك القيام بحملة أخرى لتغيير نظرة المجتمع لتعليم البنات، ولتذكير الناس بأن البنات كن يتعلمن القرآن في خلاوي سواكن منذ عام 1310هـ (الموافق لعام 1893م). وعين الشيخ مدرسة للقيام بتدريس البنات كان يعطيها 10 شلن شهريا، ويبيع ما يصنعنه من طواقي وغيرها بنحو جنيه واحد. وقام الشيخ بتأليف كتاب مخصوص لتعليم البنات اللغة العربية، إذ أنه كان يعتقد بأن الكتاب الذي يستخدمه الأولاد ليس مناسبا للبنات. وأرسل السيد ديكنسون مدير مديرية النيل الأزرق تقريرا للسير جيمس كيري ذكر له فيه أنه زار مدرسة الشيخ بابكر بدري في شهر إبريل من عام 1907م ووجد الطالبات يقرأن ويكتبن ويحصين الأعداد حتى 99.
وسجل السير جيمس كيري في ديسمبر من عام 1907م زيارة لمدرسة الشيخ بابكر بدري في رفاعة. وكان على الشيخ أن يحصل على موافقة آباء التلميذات قبل السماح للسير كيري بالدخول عليهن في الفصل. وصل السير كيري للمدرسة في الخامسة مساء، وبادر بسؤال الشيخ بابكر بدري عن تكلفة إقامة المدرسة فأجابه الشيخ:"14 جنيه". وسأله السير كيري عن "طلباته" فرد الشيخ بأنه يرغب في أن تتولى الحكومة كل شئون المدرسة، وأن تدفع له 4 من الجنيهات المصرية شهريا حتى يمكنه تعيين مدرسة جيدة من واد مدني اسمها ست أبوها. وافق السير كيري على الفور على ذلك الطلب. ثم طلب الشيخ بابكر بدري مبلغ 200 جنيه لبناء مبنى جديد بقرب مدرسة الأولاد. وغمره الفرح وهو يسمع موافقة السير كيري على ذلك الطلب أيضا. ثم أقترح السير كيري أن تقوم الطالبات بحياكة ملابسهن بأنفسهن عوضا عن صنع الطواقي. وبهذا بدأت أول مدرسة حكومية لتعليم البنات في السودان. ومن بعد ذلك تطورت المدرسة بصورة تدريجية إلى أن رسخ عودها. وقرر السيد ديكنسون أن تتولى الحكومة دفع مرتب حارس (غفير) المدرسة الشهري، والبالغ جنيها واحدا. غير أن زعيم قبيلة الشكرية، والمحكمة الشرعية، ومساعد الباشمفتش برفاعة ظلوا جميعا على رفضهم لمدرسة بابكر بدري الجديدة، وطفقوا يألبون الناس ضدها، إلا أن السيد ديكنسون ظل يساند الشيخ ومدرسته ويرد عنه هجوم المعارضين.
وبعد ذلك اقتنع السير كيري بأن الوقت قد حان للتوسع في التعليم الحكومي للبنات. غير أن الأزمة الاقتصادية التي حاقت بالبلاد في تلك الأعوام دعت الحكومة لإيقاف إنشاء المزيد من المدارس لأجل لم يتم تحديده. وأقر مدير التعليم بعد عام 1916م سياسة تقضي بإرسال الطالبات اللواتي أكملن أربع سنوات في مدرسة بابكر بدري برفاعة إلى الخرطوم لمواصلة الدراسة في مدرسة جمعية التبشير الكنسي Church Missionary Society school (وهي مدرسة الاتحاد العليا الحالية Unity High School) لمدة عامين إضافيين للتدرب على التدريس والتخرج منها والعمل في مجال تدريس البنات. وكانت أول دفعة من هؤلاء الطالبات من عائلة بدري وضمت أم سلمة بدري أول خريجات تلك المدرسة. وكانت ست أبوها مصطفي (المدرسة برفاعة) هي أول طالبة تذهب للدراسة والتدريب في مدرسة جمعية التبشير الكنسي في عام 1911م. وأخبرتني ست أبوها، وكذلك ست نفيسة مكاوي (وهما من قريبات الشيخ بابكر بدري) عن استمتاعهما بالدراسة في مدرسة الاتحاد العليا، وعن خيبة أملهما عندما قرر ذويهما سحبهما من تلك المدرسة. وحكت لي ست عديلة بدري عن قضائها لشهر واحد فقط في مدرسة الاتحاد العليا وهي في العاشرة من العمر، قرر بعده عمها يوسف إخراجها من تلك المدرسة، وكان ذلك مصدر خيبة أمل كبيرة لها لأنها كانت قد شرعت لتوها في تعلم العزف على آلة البيانو. وفي عام 1916م بدأت عائشة محمد أحمد الدراسة في مدرسة الخرطوم الأولية للبنين، غير أن السير كيري نصحها بالتحول لمدرسة جمعية التبشير الكنسي، مما أثار حفيظة الكثيرين من الأهالي. ولكن والدها الشيخ محمد أحمد فضل آثر أن يستجيب لنصيحة السير كيري ونقل ابنته لتلك المدرسة، حيث درست، وبمزيد من الاستمتاع، لمدة أربعة أعوام في المرحلة الأولية، وثلاث سنوات أخرى في المرحلة الوسطى، والتي شملت بالإضافة للمواد الأساس دراسة العقيدة المسيحية والموسيقى والألعاب الرياضية.
ونذكر هنا بعض المعلومات عن مدارس جمعية التبشير الكنسي في القرن العشرين بالسودان. فقد أقامت بعثة آباء فيرونا الرومانية الكاثوليكية الإيطالية Italian Roman catholic Verona Fathers’ Mission أول مدرسة من هذا النوع في السودان. وكانت تلك المدارس الكنسية قد دخلت للسودان لأول مرة في نهايات عهد الحكم المصري التركي، ثم توقف نشاطها مع مقدم العهد المهدوي. وبعد بدء عهد الحكم الثنائي تقدمت تلك المدارس بطلبات للحكومة كي تعاود نشاطها بالبلاد. وقوبلت تلك الطلبات في البدء بالرفض. ولم يثن ذلك تلك المدارس من تكرار الطلب إلى أن استجابت الحكومة نسبة لوجود طلب على ذلك النوع من التعليم عند كثير من الأجانب بالبلاد. وأصرت الحكومة على قيام تلك المدارس في العاصمة لتسهل مراقبتها، ولأن المسلمين في المدينة أكثر من غيرهم تقبلا وتسامحا مع الديانات الأخرى. وفاق الطلب على الالتحاق بتلك المدارس من المسيحيين والمسلمين توقعات الحكومة فوافقت على فتح المزيد من تلك المدارس في العاصمة والمدن الكبرى في الأقاليم.
وكانت بعثة آباء فيرونا الرومانية الكاثوليكية الإيطالية قد افتتحت مدرستين للبنات في عام 1900م، واحدة في الخرطوم (وأسمتها مدرسة سانت آنا) وأخرى بأم درمان (وأسمتها مدرسة سانت جوزيف) بدأتا بروضة أطفال وفصول مدرسة أولية، تطورت فيما بعد إلى مدرستي مرحلة وسطى. وشيد لاحقا مبنى من طابقين لمدرسة سانت آنا (يقع شرق محطة السكة حديد الحالية) كان وقتها حديث المجتمع لفترة طويلة لجمال تصميمه. وبحسب التقارير الرسمية الصادرة في 1924م كانت هنالك 140 طالبة في تلك المدرسة الكنسية بأم درمان، و300 في مدرسة الخرطوم. واشترطت الحكومة على المدرستين عدم إجبار الأطفال المسلمين والمسلمات على حضور حصص العقيدة المسيحية، أو الحصول مسبقا على موافقة كتابية من ولي أمر الطالب أو الطالبة قبل حضور تلك الدروس الدينية.
وللإجابة عن سؤالي عن السبب الذي دعا غالب السودانيين في بداية القرن العشرين لمعارضة تعليم البنات، ثم التحاق عدد كبير من بناتهم بالمدارس الكاثوليكية، ذكر لي الأسقف باروني مطران الأسقفية الرسولية بالخرطوم بأن بعثتهم التبشيرية كانت في أيامها الأولى تمنح الآباء حوافز مالية ليبقوا بناتهم في المدرسة، غير أن ذلك توقف بعد فتح القبول بالمدرستين لكل الجنسيات، وتزايد أعداد المتقدمات للالتحاق بالمدرستين. وكانت أوائل الطالبات في تلك المدارس من السوريات والمصريات والأوربيات، وكذلك بنات كبار موظفي الحكومة والمهنيين، والطبقة الوسطى، من الذين كانوا يرغبون في تعليم بناتهم. وكان وجود الراهبات في المدارس الكنسية عاملا من عوامل دفع الآباء للشعور بالثقة والأمان عند الحاق بناتهم بها.
وكانت لمدرسة الاتحاد الأثر الأكبر في المجتمع السوداني والعالمي بالخرطوم، وفي السودان على وجه العموم. وكان تطور تلك المدرسة في بداياتها يعزى لجمعية التبشير الكنسية. وكان الأسقف لويلن قوين، الذي قدم للخرطوم في 1899م هو أحد رواد تعليم البنات بالسودان. وتجد في سجل كتاب log book الأسقف قوين بمدرسة الاتحاد العليا أن اللورد كتشنر لم يكن حريصا على بدء جمعية التبشير الكنسية لأي نشاط في منطقة مسلمة. ولكن تنازلت الحكومة قليلا مع إلحاح الجمعية الشديد، وسمحت لها بمزاولة نشاطها، بل ومنحتها لاحقا عونا ماليا لفتح مزيد من المدارس.
وفي عام 1902 اشتكى الأقباط من عدم وجود مدارس لبناتهم، فسمح لهم في يوليو من ذات العام، بمساعدة من الأسقف لويلن قوين بفتح مدرسة قبطية لتعليم بناتهم. وبعد عام من افتتاحها ضمت تلك المدرسة لمدارس جمعية التبشير الكنسي بقيادة الأسقف لويلن قوين. ويمكن اعتبار المدرسة القبطية من حيث التسلسل الزمني هي مدرسة البنات الثالثة في السودان.
وفي عام 1905م اشترت جمعية التبشير الكنسية أرضا بوسط الخرطوم بلغت مساحتها نحو فدان كامل بمبلغ 150 جنيه أقامت عليه مدرسة الاتحاد العليا الحالية. وبلغت قيمة تلك الأرض بعد سنوات قليلة أكثر من 8000 جنيه. وفي عام 1928 تولت طائفة الكنائس المسيحية Fellowship of Christian Churches إدارة مدرسة الاتحاد العليا، وحولتها لمدرسة ثانوية.
وافتتحت بعثة المشيخية الأمريكية American Presbyterian Mission مدارس لها في مناطق ليس لجمعية التبشير الكنسية فيها وجود. فبدأت بالخرطوم بحري لمدرستها للبنات في سبتمبر من عام 1908م. وبدأت بمدرسة أولية، ثم بمدرسة وسطى، تطورت فيما بعد إلى مدرسة ثانوية. وكانت تلميذات المدرسة في عامها الأولى من اليتيمات أو من ذوات الحاجة، وكن يقمن في بيوت المتزوجين من أفراد البعثة التبشيرية. وبلغ عدد الطالبات بالمدرسة في نهاية عامها الأول 56، وازداد العدد إلى 85 في السنة الثانية، وإلى 133 عند نهاية عامها الثالث. وكانت الطالبات في المدرسة من مختلف الديانات والأجناس، فمنهمن المسلمات واليهوديات والمسيحيات والقبطيات والمصريات والحبشيات والسودانيات والسوريات والأرمنيات.
وكانت للجاليات كذلك مدارسها الخاصة، فكانت هنالك المدرسة الأرمنية والهندية والإغريقية. وكانت كل تلك المدارس مختلطة للجنسين.
ودخلت في عام 1945م أول فتاة لكلية غردون التذكارية من مدرسة الاتحاد العليا. وكان ذلك العام هو عام بدأت فيه الدراسة في مدرسة أمدرمان الثانوية للبنات. ومن بعد ذلك تمدد تعليم البنات بالبلاد في سنوات كانت حافلة بكثير من التغيرات السياسية، على عكس تعليم البنين، والذي ترسخت جذوره في سنوات ساد فيها استقرار سياسي نسبي، وتحت إشراف تربويين من ذوي التدريب العالي والخبرة الطويلة.
لقد تضرر تطور النمو الفكري والثقافي الحقيقي في تعليم البنات من السعي المحموم للحصول على نتائج ممتازة في الامتحانات بكل الوسائل الممكنة مثل الحفظ عن ظهر قلب، و"حشو الذاكرة بالمعلومات / (الكب) cramming " دون عناية بالفهم، وبعمل تكتيكات معينة في الامتحانات لضمان الحصول على درجات عالية. وربما كان مرد ذلك هو رغبة البنات المحمومة والمستميتة في دخول الجامعة، واثبات القدرة على الاستفادة القصوى من أعلى تعليم ممكن بالبلاد. لا شك بأن الاتجاه الحديث للمساواة بين مدارس البنين والبنات في الأمور المادية مثل الكتب والمعينات التعليمية أمر محمود، ومن شأنه رفع مستوى مدارس البنات. غير أنه يجب في نظري أن نفكر مستقبلا في إعادة النظر في مقررات (مختلفة؟) للبنات. ولا ينبغي أن نفترض أن الدراسات التي يتلقاها الولد هي ذات الدراسات التي ينبغي أن تتلقاها البنت، بل يجب وضع احتياجات المرأة السودانية المتعلمة في المستقبل لأداء أدوارها المختلفة في الاعتبار.
نعم خجلت عدة مرات من انني سوداني . واليوم هواحد الايام . لم استطع ان اشاهد كل الصور والفيديوهات التي اظهرت اطفال وضحايا هيبان . وتذكرت النساء السودانيات الممتلئات شحما ولحما وهي يصرخن ويبكين بالدمع بسبب غزة . وشاهدنا الاسورة والحلى الذهبية تنتزع من الايدي والاعناق للتبرع للفلسطينيين . وشاهدنا مبعوث غزة وقد اوقف مع حقيبة تحوي 25 مليون دولار من السودان. وهذا يعني ان مئات الملايين قد اقتطعت من الشعب السوداني لصالح الفلسطينيين . والفلسطينيون يا اهلي الكرام لا يحترمونا ، ويصفونا بالعبيد ,ولقد ضربوا اهلنا في الاردن ووصفوهم بالفحم والعبيد . نحن نستحق الشفقة اذا لم يكن الصفع .
ان السبب في عدم خروج النساء صاحبات الاوزان الثقيلة مصحوبات بالذهب او بدون ذهب لمساعدة اطفال هيبان هو ان شعب شمال السودان ملئ بالعنصريين والمغفلين والمخدوعين بانهم ليسوا من الزنوج . وشعب جبال النوبة يالنسبة لهم اقل من البشر . ولكن مركب النقص يجعلهم يتمسحون بالعرب وكل من له لون فاتح . حتي البنقال وجدوا الزوجات السودانيات الذين احبوا ان تشبه بناتهن سبنا في فلم جانوار .
قال البروفسر عبد الله الطيب انه قد كره الطائرات لانها حرمت السودان من الشناقيط او الموريتانيين الدين كانوا يمرون بالسودان في طريقهم للحج . لماذا الشناقيط فقط ؟ وما عرف بالفلاتة لا يزالون في السودان وفي كل مكان ولهم سلطان في مايرنوا . ولقد اسهموا في تطور السودان وحاربو وجاهدوا وزرعوا وعمروا القرى والمدن . السبب بسيط . عند كثير من السودانيين عقدة اللون والشناقيط افتح لونا من الفلاتة . ولهذا يبكي عبد الله الطيب علي غيابهم . وشكل عبد الله الطيب يمكنه من الترشح للرئاسة في ابوجا ولكن في موريتانيا فهو عبد مضطهد . وموريتانيا واليمن لا تزال تمارس الرق علي السود .
العم الشنقيطي صار من رجال الاعمال الكبار وكان قاضيا واول رئيس للجمعية التشريعية والبرلمان الاول ويطلق اسمه علي احد اكبر شوارع امدرمان . كان صديقا لابي واطلق اسمه علي شقيقي الشنقيطي . ولكن كل هذا النجاح والقبول في المجتمع لم يكن ليتحصل عليه اذا لم يكن فاتح اللون . فاللون الفاتح في السودان رأس مال يحافظ عليه ، ويجب زيادة رأس المال بالزواج مع فاتحي اللون او من هم افتح لونا . والبنت فاتحة اللون تجد عريسا اسرع من غير فاتحة اللون . والعريس غير فاتح اللون يحاول ان ,, يحسن النسل ,, ويتزوج بفتاة فاتحة اللون ... ولكن يجب ان يدفع مهرا كبيرا . ويستمر في الدفع بقية حياته لأن البنت واهلها قد ضحوا . واعرف الرجال الناجحين الذين قيل لهم تعال بنعرس ليك بس ما تجيب اهلك . ورضوا بهذا الذل لانهم كانوا يريدون ان يصير ابناءهم اقل سوادا ويجدون بعض التقبل في هذا المجتمع الغريب ، حيث يفرق الاسمر من هو اكثرسمرة منه . ويقولون انهم مسلمون والاسلام قد نهى عن هذا , هذه العقد هي ما جعل قلوب البعض تتحجر ولا تهتم باطفال هيبان ... يعني شنو ما نوبة . انها المحن السودانية , لكم الله يا اهل هيبان .
العم الشنقيطي تقدم للزواج من عمتنا فاطمة بدري وكاد الامر ان يحدث لانه فردة ابراهيم بدري . ولكن تقدم لها احمد مالك ابن عم بابكر بدري .وذهب احمد مالك شاكيا لجدنا الاكبر محمد ود بدري . وكما كتب بابكر بدري في مذكراته فأنه خاف من غضب ابراهيم بدري . ولكن محمد ود بدري قال .... شنقيطي شن وكتين دارها ود مالك . وحسمت القضية بواسطة الكبير. والاستاذة نعمات مالك وآخرين ثمرة ذلك الزواج . ولكن السؤال هو ، هل كان من الممكن ان يتقدم احد اصدقاء ابراهيم بدري من الدينكا او النوبة للزواج من فاطمة بدري بغض النظر عن النتيجة . الجواب هو لا لا ... ولا بالرغم من ان ابراهيم بدري لن يعارض .. والى ان يكون الجواب نعم نعم ...ونعم . فنحن نعاني من مشكلة وطن سيتقسم . وطبعا سنسمع التبريرات بأن هذه امور شخصية وان البعض لا يفضل الزواج خارج العائلة او القبيلة . والزواج ليس هو كل شئ. فهذا الرفض يحدث في كل اوجه الحياة . ولماذا مات مليونان من الجنوبيين ونصف مليون من دارفور؟؟ ولا يزال القتل دائرا في النيل الازرق .
هذه ليست قضية شخصية . هذه قضية قومية انسانية . هذه قضية ضمير ، والتعالي علي الدين الاسلامي الحنيف . هذ جاهلية . والدليل اطفال هيبان الذين يموتون امامنا ولا تخرج المظاهرات الهادرة . انتم ترسلون الذهب الي غزة والموت لهيبان . انا يا سادتي خجلان خجلان ... وخجلان الآن لانني سوداني .
في مثل هذا النقاش وفي اجتماع كبير اراد احدهم ان يفحمني قائلا...هل تقبل بأن تتزوج بنتك بجنوبي او نوباوي ولا فلاتي ، هل سيكون شعورك طبيعيا ؟ فقلت له ان شعوري لن يكن ابدا طبيعيا . فانتفض مفتخرا وقال شايف شايف بتتكلموا ساكت . فقلت له ان شعوري لن يكن عاديا لانني سأكون سعيدا جدا بزواج ابنتي من جنوبي او نوباوي الخ لانهم خيرة الناس ومنهم من احببت وكانوا خيرا مني كبشر . وكلما تقاربت الشعوب وتداخلت وتزوجت كلما تطورت البشرية ,, يقول الله سبحانه وتعالى في سورة الحجرات: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ. صدق الله ,, . هل يعارض السودانيون تعاليم الله سبحانه وتعالي وهم يدعون الاسلام ؟ ولا ادري لماذا يفكر اهل الوسط والشمال في ان غير الشماليين يموتون للزواج من بنات الشمال انا لم اجد السبب او المحفذ ... ما هو ؟ وما الذي يجعل الشمالي او الشمالية افضل من الآخرين ... لقد بحثت ولم اجد السبب . يجب ان نتوقف ونقول ان تفكيرنا خطا . وسيتحقق مثلث البغيض حمدي ... وسنندم.
لقد استخدم الرجل الابيض الهنود الحمر ضد بعضهم البعض . وانتهي الامر بالهنود الحمر الي الفناء ومن بقي منهم حشروا كالقطعان في المحميات . اليوم يحارب النوبة النوبة . والعمود الفقري للجيش السوداني كان من النوبة . وهم خيرة الجنود وارسلوا للحرب في المكسيك وكينيا واخذهم دكتور امين الالماني الي تنجانيقا وهزموا الجيش الانجليزي في معركة كتانقا عندما تفوقوا علي قوة هي اربعة اضعافهم . ان علي النوبة ان ينسلخوا من الجيش السوداني الذي يقتل اهلهم . اليوم هيبان بكرة كلوقي وتيري وكرنقو والليري .
لقد كانت كلمة ود النوبة مرادفة للجندي . ولقد قال اللواءاحمد عبد الوهاب لمن كان من المفروض ان يكون اول الدفعة العاشرة الاسطورية والتي كانت 60 ظابطا بدلا عن العشرة ظباط كالعادة . انت كان مفروض تكون الاول لكن لعدم انضباطك ما بقيت الاول . والتفت اللواء الي الاول الذي كان بابكر عبد المجيد علي طه وقال له .... انت نبي سنتين في الكلية دي اولاد النوبة ديل ما يجيبوك يوم واحدغلطان ولا عامل مشكلة؟ الاشارة لاولاد النوبة كانت ، لان اغلب التعلمجية في الجيش كانوا من النوبة . كنا نسمع عن الشاويس عبد الجليل اذا لم تخني الذاكرة الذي كان تعلمجي في الكلية الحربية وتحمل اسمه احدي القاعات . كان من اميز الجنود . وبعد سنين رجع الي الخرطوم وكان يسأل عن طلبته خاصة الدفع الاولى مثل دفعة اللواء الباقر واظنها الثالثة ...7 ظباط. وقديما كانت الدفع حوالي السبعة الي عشرة طلاب . واعطاة احد طلابه تلفون نائب رئيس الجمهورية الباقر . وعندما اجتمعوا للإحتفاء به قال لهم . انا علمتكم شنوا؟ انا علمتكم عسكرية ... كيف اجي القاكم تجارونائب رئيس ؟ وين العسكرية العلمتكم ليها؟ النوبة كانوا مميزين في عملهم وكل اصدقاءنا الذي التحقوا بالكلية الحربية اشادوا بالنوبة الذين علموهم كي شئ في الميدان.
الشاويش لوج عمل في سجن كوبر لسنين عديدة. لم يخرج اي سجين من سجن كوبر والا حكي عنه . احبه الجميع وعشقناه علي السماع وتمنينا ان نراة . قام الاستاذ حسن التاج المربي ورجل الاعمال والشيوعي بتوظيفه معه عندما تقاعد الشاويش لوج . كان يقول للمساجين السياسيين ، ما تقولوا لمدير السجن لوج ابن ناس . قولوا لوج كعب وصعب وبطال فاهمين . بارك الله في امثال لوج وفي اهلنا النوبة الذين تطحنهن طائرات الانتنوف .
سيقول البعض ان الخطأ هو خطا المعارضين للحكومة الدستورية والرئيس البشير المنتخب . ان الكيزان يتفوقون علي انفسهم في الكذب وتصديق كذبهم . البشير سارق سلطة ومفرط في تراب الوطن ولقد سمح لازلامه بنهب البلاد . وجعلنا من اكثرالدول فشلا وفسادا وهو مطالب عالميا بجرائم حرب. وما يحدث الآن في هيبان هو جرائم ضد الانسانية . ولقد دعى البشير الناس علي رؤوس الاشهاد الي حمل البندقية اذا ارادوا ان يستردوا حقوقهم المسلوبة . ولكن هنالك قوانين في الحرب والنبي سبحانه وتعالي قد نهي من قطع الشجر وقتل الشيب والاطفال والنساء . لماذا تقتلون الاطفال والمدنيين وانتم تتشدقون بالاسلام . والحصار الاقتصادي الذي يشكوا منه الكيزان قد جلبوه علي الوطن بسبب جرائمهم .
هل في امكانكم يا بنو وطني ان تتخيلوا ان تلك الاشلاء هي لفلذات اكبادكم او احفادم؟؟ كيف سيكون شعوركم ؟
أزمة مكتومة دار رحاها داخل قبة البرلمان بين النواب ورئيس المجلس بروفيسور ابراهيم أحمد عمر، على خلفية وقوف الأخير ضد قرار متعلق بتسهيلات في تقسيط الجمارك لعربات النواب، وسرعان ما انتقلت الأزمة المكتومة من أضابير البرلمان إلى مواجهات مكشوفة في الصحف، حينما أفصح رئيس البرلمان لإحدى الصحف بأن مطالبة النواب بسحب الثقة عن وزير المالية، أتت نتيجة لمكتسبات شخصية خاصة بالنواب، تتمثل في عدم استجابة المالية لمطالب النواب في إعفاء عرباتهم من الجمارك.. الأمر الذي قوبل باستهجان من قبل النواب، ودفعهم بمطالبة رئيس البرلمان بتقديم استقالته.. ولمعرفة حقيقية مايدور حول هذه القضية الساخنة.. جلست (آخر لحظة) الى النائب المستقل أبو القاسم برطم، الذي كشف عن كثير من الحقائق الغائبة حول القضية.. فالى مضابط الحوار
حوار : أيمن المدو.. تصوير: سفيان البشرى
ماهي الدواعي والأسباب التي دفعت النواب لمطالبة رئيس البرلمان بتقديم استقالته؟
- حديث رئيس البرلمان الذي أفصح به الى إحدى الصحف، وعبارته التي حملت حالة من التجني والهجوم الواضح الذي كاله على النواب، بأن احتجاجهم ومطالبتهم بسحب الثقة عن وزير المالية، أتت بسبب رفض المالية المصادقة على موضوعات شخصية تتمثل في اعفاءت عربات النواب، وليس بسبب أزمة زيادات سلعة الغاز، وهذا الحديث عارٍ من الصحة، وكل الحصل أن وزير المالية وافق على إسقاط الجمارك للنواب لفترة أربع سنوات.
*هل تتوفر ميزة التقسيط هذه للمواطن العادي؟
- طبعاً المواطن العادي إذا تقدم بطلب لمدير الجمارك ممكن يأخذ تقسيطاً لسنة أو سنتين بالنسبة لسيارة، يعني وزير المالية هنا فيما يتعلق بالنواب لم يكسر القواعد السارية، لا في تسهيلات و لا اعفاءات من الجمارك.
* إذا من اين جاء رئيس البرلمان بهذه المزاعم؟
- إبراهيم أحمد عمر يحاول أن (يفك الحبل من رقبتو ويعلقوا في رقاب النواب)، أبداً نحن لم نطالب بإقالة وزير المالية بسبب موضوع العربات، وصحيح هنالك اعفاءات جمركية، لكنها لرئيس البرلمان ونوابه، وقبل فترة، البرلمان استجلب 30 عربة ووصلت مجاناً ومعفية تماماً من الجمارك، سلمت الى رئيس البرلمان ونوابه، أما بقية النواب فعليهم شراء العربات بعد دفع قيمتها بالكامل، على أن يتم تقسيط الجمارك، وهناك نواب تصرفوا في تصاديق العربات الممنوحة لهم من خلال بيعها في السوق.
*ماهي الأسباب التي دعت النواب لبيع التصاديق؟
- النائب البرلماني مرتبه لا يتعدى الـ 3900 جنيه، وهناك نواب يأتون الى مقر البرلمان (بالركشات)، وهذا مؤشر خطير ممكن يعرض النائب للابتزاز السياسي، مثلما يحدث الآن في موضوع الاعفاءات الجمركية
*أي ابتزاز هذا الذي تتحدث عنه وأنتم كنواب صادقتم علي زيادة أسعار الغاز بالإجماع؟
- قرار زيادة الغاز وافق عليه رئيس البرلمان ابراهيم أحمد عمر لوحده وليس البرلمان، حتى نواب المؤتمر الوطني لم يصادقوا عليه، وهناك قائمة تضم أكثر من 117 نائباً كانوا من الرافضين لهذه الزيادات، لأنها غير مبررة من وجهة نظرهم.
*لماذا توشحتم بثوب الصمت طيلة الفترة الماضية.. وما الجديد الذي دعاكم اليوم لنبش ماحدث بينكم ورئيس البرلمان؟
- لم نسعَ الى نبش الماضي، ولكن رئيس البرلمان يريد أن يصرفنا عن القضايا الأسياسية التي تؤرق مضاجع المواطنين، كقضايا الزيادات التي طرأت مؤخراً في أسعار الغاز والدولار، وفي كل السلع الضرورية الأخرى الى قضايا شخصية متعلقة بمخصصات النواب، ليلقي باللائمة علينا بأننا نسعى خلف مصالحنا، وليس مصالح الناخبين، والعكس صحيح رئيس البرلمان لم ينحز يوماً الى قضايا المواطنين الملحة مثلما نفعل.
*كأنك تريد أن تشكك في عدم أهلية رئيس البرلمان للمنصب؟
- نعم مع كامل احترامنا لشخصيته (ما عايز أشخصن القضايا) أنا بتكلم عنه كرئيس للمجلس الوطني، وبصفتي الشخصية اعتبر أداءه لدفة المجلس لم تكن جيدة صاحبها اهتزاز في مواقف عديدة، وفي أكثر من موضع.
*هل اتهامات المطيع للنواب بالفساد كانت من تلكم المواقف المهزوزة لرئيس البرلمان؟
- الإساءة التي صوبها مدير الحج والعمرة المطيع محمد أحمد للبرلمان في أكثر من موضع، لم تحرك رئيس البرلمان ليتفاعل معها في رفع الغبن الذي اتهم به نوابه، وعدم مبالاته للقضية جعل من النواب مسخرة، رغم تكوين لجنة لدحض مزاعم المطيع، وكنت أحد الشهود في هذه اللجنة، وقدمنا مستندات دفوعنا لوزارة العدل التي أرسلت خطاباً للمجلس، تؤكد ثبوت جنحة الأقوال الكاذبة على المطيع، ووصلنا الى مرحلة فتح الدعاوي الجنائية في مواجهته تحت المادة 159 من القانون الجنائي، وبالفعل حركنا ضده الاجراءات الجنائية ثم توقف الأمر.
*لماذا لم يتم توقيف المطيع إذن؟
- فوجئنا بتفويض ممهور بتوقيع رئيس البرلمان، يأمر بقتل القضية لأنها حسب تقديره قضية شخصية لا تمس المجلس الوطني، وهذه قمة المهزلة.. وإذا كانت قضية شخصية لماذا تبناها المجلس من أول يوم، والموقف الضعيف وهذا يؤكد عدم هيبة البرلمان ممثلة في رئيسه.
* في تقديرك كيف ترجع للبرلمان هيبته المسلوبة؟
- بالمحافظة على حقوقه لأنه أعلى جهة تشريعية في الدولة، وهي غير مبرأة من العيب لكننا لا نقبل بأن تمس سمعة النواب.
*هل هناك بوادر حرب مكشوفة تدور بين النواب ورئيس البرلمان؟
- مافي حاجة اسمها بداية حرب نحن (ماعندنا معاه مشكلة شخصية)، نحن عايزين نفهم (الشيء البميز رئيس البرلمان عن النواب شنو)!!
*ماهي الخطوات التي من شأنها أن تعزز الثقة مجدداً بين النواب ورئيس البرلمان؟
عندما يوثق النواب أحزمتهم ويدافعون عن حقوق المواطن المغلوب على أمره، وليس عن سياسة حزب، ولا أعني هنا المؤتمر الوطني- فحسب- بل أعني كل الأحزاب، نفترض أننا دخلنا هذه القبة باختلافاتنا السياسية، مفترض نكون متحدين في القضايا التي تمس المواطن، وأن لا ننظر للأمر حسب مصلحة الحزب، وقتها رئيس البرلمان أو غيره سيكون مجبراً على أن يحترمنا.
* رئيس الجمهورية أرجع قرار رفع الحصانات الى البرلمان هل هنالك خطأ من قبل البرلمان تجاه القرار؟
- في هذه القضية رئيس البرلمان أراد أن يمرر المفهوم الحزبي المتعلق بالتأصيل والاستقامة، وهو في الموضوع هذا ( بشرك ويحاحي)، يريد اتباع النظام العالمي، وفي ذات الوقت يريد مزاوجته بالتأصيل والاتنين(ما بتلمو).. والرئيس عندما طالب بالغاء الحصانة- (وهذا دليل على أن البرلمان نفسه بوقع ساكت وما جايب خبر)- الرئيس طالب بأن الحصانه ترفع في حالة إثبات الجرم، وبلدنا دي أكثر بلد فيها حصانات في الدنيا، والمجلس الوطني مرر الحكاية دون وعي منه، والذي تم أن التصحيح أتى من رئاسة الجمهورية بإرجاع الموضوع للبرلمان مرة أخرى.
*هناك نواب يستغلون سلطاتهم لعمل بيزنس خاص؟
- إذا كان النائب (مكرب حزامه) ويستطيع السيطرة على الجهاز التنفيذي، وبشكل له بعبعاً مخيفاً يمكن الاتهام هذا يكون صحيحاً.
*كيف تقرأ دار فور مابين عملية الاستفتاء وواقع أحداث الضعين الأخيرة؟
الاستفتاء هو واحدة من مخرجات الدوحة كان لازماً يتم، وشخصياً أؤيد الحكم بنظام الولايات، وماحدث في الضعين يرجع الى غياب الإدارة الأهلية التي كانت لها أدوار فاعلة في بسط الأمن والاستقرار.
*حدثنا عن حكاية البطاقات المزورة لموظفي البرلمان؟
- ظهرت قبل فترة حالة تزوير بطاقات لموظفين كانوا يعملون بالبرلمان في الدورات السابقة، يبدو بأنهم عند انقضاء فترتهم لم يسلموا هذه البطاقات الى الإدارة، ومضوا بها في الاستفادة منها في بعض المعاملات الرسمية، مثل استخراج قطع أراضي وسيارات معفية من الجمارك، والمؤسف أن هولاء الموظفين الآن متواجدون بالبرلمان ولم يتم القبض عليهم، وهي قصة واقعية والجريمة ثابتة.
*تريد أن تقول إن البرلمان ليست به مؤسسية؟
- نريد أن نعرف نحن كنواب أين هي الهيكلة الإدارية التي تنظم العمل داخل قبة البرلمان، وأين هي اللوائح التي تحدد عبرها السفريات الخارجية والداخلية لرئيس البرلمان ونوابه، لكن للأسف المعيار في البرلمان أضحي مربوطاً بشخص الرئيس، وهذه واحدة من الاخفاقات التي يمكن تدمر (حاجة اسمها مجلس وطني).
*هل المخصصات المالية مرضية لنائب أم تجعله عرضة للابتزاز؟
- نائب المجلس الوطني كما ذكرت آنفاً يتقاضى 3900 جنيه أنت المسؤول عنه يا ابراهيم أحمد عمر لو تعرض النائب الى أي نوع من الابتزاز، وليس من العدالة أن تأخذ رئيس المجلس مخصصات وزير بجانب خمس عربات وحراسة ومرتب، يتراوح مابين (30_ 40 ) ألف جنيه شهرياً، بينما النائب العادي القادم عبر الدوائر الجغرافية لا يتجاوز راتبه ( 3900).
كان مصطفى عثمان وزير الخارجية وقتها قد وضع عدداً من السيناريوهات السيئة قبل ان يلتقي ولي العهد الكويتي..تلك اول مقابلة بعد ان خرجت العلاقة الثنائية من غرفة الانعاش..الشعب الكويتي لم يكن يتوقع ان تناصر الحكومة السودانية العدوان العراقي على الكويت تحت اي مسوغ..اللحظات الاولى من اللقاء سادها توتر واضطراب.. الامير الكويتي سعد العبدالله أشاح بوجهه بعيدا عن الضيف..حاول مصطفى ان يكون لطيفا وطبع على وجهه ابتسامة دبلوماسية وخاطب صاحب الدار «طال عمرك نحنا دول الضد» .. تغيرت اسارير ولي العهد وخرجت من بين فكيه ضحكة لها صرير..من ذاك اللقاء فتحت صفحة جديدة بين الكويت والخرطوم.
منذ ايام اتابع الغضبة السودانية على الاعلامية الكويتية فجر السعيد.. هداها الله طلبت من المشير السيسي ان يتوجه بجنده لإعادة احتلال السودان ..التطاول من الشيخة فجر قليلة العلم والخبرة والباحثة عن الشهرة جعلت بعض اقلام تحيد عن المعالجة الشخصية لتنزلق في المسار الذي يدق اسفين في العلاقة الصاعدة..بعض منا حاول المن على الشعب الكويتي بحجج واهية باعتبار ان للسودانيين دور في نهضة الكويت.. وذلك عبر أرتال السودانيين الذين ذهبوا الى تلك البلاد ووجدوا الاحترام والتقدير والدينار.
الصحيح ان الكويت حكومة وشعبا ساهمت في إعمار بلدنا..كل المغتربين الذين ذهبوا الى هنالك لم يكونوا في مهمة طوعية ..بل عائدات الاغتراب ساهمت في تعمير بلدنا..حكومة الكويت تعتبر المساهم الرئيس في صندوق تنمية شرق السودان..حتى هذه اللحظة صندوق اعانة المرضى الكويتي يدير بعضاً من مشافينا..حتى عندما اتخذت حكومتنا الموقف الخطأ في غزو العراق للكويت لم تتعامل الحكومة الكويتية بردود الأفعال العاطفية ..لم تطرد السودانيين الذين صمدوا ايام الغزو..اما الذين غادروا فقد وصلتهم تعويضات مالية مقدرة الى ابواب دورهم.
الكويت تعتبر واحة من الديمقراطية في الصحراء العربية..مجلس الامة في الكويت يستطيع استجواب الوزراء والامراء ..بل في كثير من الحالات يطيح برلمانهم برؤساء الوزراء المنستبين للاسرة المالكة..الديمقراطية الكويتية سبقت غيرها في الخليج..بل ومن حيويتها استطاعت الاستمرار دون ان يقطع مسيرتها بيان رقم واحد..مثل هذه الدولة جديرة بالاحترام..وتجربتها تستحق الاحتذاء.
في تقديري ..ما اقدمت عليه فجر السعيد كان خروجا عن المألوف من الذين جربوا ظلم ذوي القربى..لكن يجب ان يوضع في مكانه اللائق في سلة المهملات..الرأي الفطير لم ينشر في صحيفة رصينة..ولم يجد غير الاستهجان من النخب الكويتية..كما ان صاحبة الرأي من ذوات السوابق في الخروج على الذوق والوجدان السليم..لذلك الحساسية الزائدة في التعامل مع فجر السعيد ربما تجعلنا نصيب العلاقة الثنائية دون سابق ترصد .
بصراحة.. وجدت فجر السعيد ما تبحث عنه من شهرة حينما استغلت نقاط ضعفنا في عدم التمييز بين الرأي وقلة الرأي.
نستطيع القول أنّ الطغيان صناعة بشرية متشابهة وإن اعتمر الطاغية في كل زمان قبعة ولباساً مخلتفا، وابتكر من فنون البطش والتنكيل بالأبرياء ما يحسبه نسيج وحده. ومهما تفنن الطغاة في الأساليب ، يظلون في خاتمة المطاف طفحاً في جسد أممهم حين يعتل جسد تلك الأمة. والطاغية لا يخرج مثلما يخرج التنين في أساطير قدامي الصينيين بلسان يمرق منه اللهب . بل هو ذاك الحمل الوديع الذي يبدو يوم مجيئه هيناً ليناً منكسر الخاطر. وحوله حاشية من الأنبياء الكذبة وجيش الطبالين والمرتزقة ممن يحلفون أنه جاء حاملاً رأسه في كفه ، مخاطراً بروحه من أجل وطنه وشعبه!
وتنطلي الحيلة على جمهور العامة بل وعلى بعض الصفوة ! ساعتها يرضع ذئب الطاغية من ثدي الشعب ويأكل خيراته، حتى إذا قوي زنده تلفت حوله وافترس من الأقربين من ظنهم خطراً عليه وعلى عرشه. وهتف له جيش الطبّالين آنذاك وحارقو البخور والقوادون. ثم إما أصيب بتخمة السلطة صار قتل الإنسان عنده أهون من قتل ذبابة. وصار وحاشيته صانعي الفساد وحراسه! ما أجمل كلمات لورد آكتون (1834-1902) التي خلّدها التاريخ: "كل سلطة مفسدة، والسلطة الكاملة مفسدة كاملة" !
إن غول الإسلامويين الذي قلب حياة هذا الشعب المسالم جحيماً على مدى سبع وعشرين سنة ، ما كان له أن يجثم على صدر أمةٍ عرفت بين شعوب الأرض بالنخوة ودحر الطغاة. ما كان غول "الإنقاذ" سيلحق من الدمار ببلادنا ما فعل لو لا أنه بمشروعه وحلمه الفاسد خلق جيشاً من القتلة والمفسدين من صلب أمتنا ، أفسدوا ونشروا ثقافة الفساد وانحطاط القيم. فكل ما أبدعه الانقاذيون أن حملوا لأرضنا الطيبة مشروعهم الذي ولد مسخاً شائهاً. كان مشروعهم الحضاري هو الإبن الشرعي لفساد تصورهم ..وقاعدة علم الاجتماع الشهيرة تقول: (فساد في التصور يساوي فساداً في السلوك!). ولأن كل ما تنطق به ألسنة ونوايا سدنة هذا النظام باطل ومسخ فقد كان حصاد سبعة وعشرين عاماً في بلادنا هو حروب الإبادة والجوع والتشريد واغتصاب الحرائر وسلخ جلود النساء بالسياط ثم مطاردة فلذات أكبادنا في دور العلم ورميهم بالرصاص الحي في وضح النهار، لا لشيء إلا لأنهم كشباب يمثلون نصف الحاضر وكل المستقبل ، وهم أدعى بأن يجهروا برفض طمس معالم المستقبل. ويعجب المرء كيف يذهب الطغيان بسدنة النظام أن يأمروا أجهزة أمنهم من القتلة والسفاحين ليعتدوا على طلاب عزل لأنهم رفضوا الظلم لهم ولشعبهم؟ تذكرت كلمات على لسان أحد ابطال رواية أديب الصحراء- الكاتب الليبي الكبير ابراهيم الكوني إذ يقول: ( بأيِّ حقٍّ ينازل شرطيٌّ إرادة الله ، فيميت خليفته على الأرض ، لا لشيء ، إلا لأنه خرج إلى السبيل رافعاً راية تظلّمه؟)
كنّا نقول بأننا نظن من قرائن الأحوال أنّ نهاية هذا النظام قريبة. ولكننا اليوم أصبحنا أكثر ثقة بأن فجر خلاص شعبنا يعلن عن بزوغ شمسه في الأفق الأرجواني المخضب بدماء شبابنا. ففي شهر واحد خسر النظام جولاته أمام صفوف شعبنا المتراصة في أمري وكجبار مروراً بتظاهرات عاصمة الحديد والنار وتظاهرات طلابنا في جامعات دنقلا وبورتسودان والجميلة (جامعة الخرطوم ) لتلحق بها اخواتها في الجزيرة وكردفان ونيالا والجنينة. وفي أقل من شهر دفع شبابنا مهر عرس الدم في جامعة كردفان وفي جامعة الجنينة وفي جامعة ام درمان الأهلية! وفي أقل من شهر كشرت الحركة الشعبية لتحرير السودان عن أنيابها وهي تدافع عن شعبنا من أطفال الكهوف والفلاحين في جبال النوبة وجنوب النيل الأزرق لتلحق بفلول مرتزقة النظام أكبر هزيمة في تاريخه العسكري. وفي ذات الشهر استطاع شعبنا في دارفور أن يثبت لنظام الإبادة أن أرحام النساء ما تزال تلد من هم في نخوة وإصرار على دينار ابن زكريا والسلطان تاج الدين الذي هزم الفرنسيين في دروتي ودرجيل. شعبنا بخير..ففي هذا الشهر من أيام الله كنت أقرأ لافتات ترفعها مسيرة شعبنا النوبي في أمري يرفضون فيها الإبادة في دارفور وينشرح الصدر أن تجيبها تظاهرة ضخمة لشعبنا في المخيمات في دار فور الصامدة ترفع لافتات فيها الرفض والتنديد بجريمة السدود ومحاولة إغراق تاريخنا العريق في بلاد النوبة. شكرا للقتلة والسفاحين فقد وحدوا إرادتنا. فنحن الآن نعيش الفصل الأخير من مسرحية الانقاذ سيئة التأليف والإخراج.
تبقى كلمة أخيرة لابد أن نقولها حتى لا تصبح غصة في الحلق. إنّ أكبر الشباب والطلاب المنتفضين سناً اليوم، وأكبر من استشهدوا في ساحة الوغى من حملة السلاح في دارفور وجبال النوبة وجنوب النيل الأزرق كان صبياً دون سن المراهقة حين أطلّ يوم انقلاب الإنقاذ المشئوم. وهؤلاء الشباب أثبتوا أنهم وحدهم (جيل البطولات). لكنهم لن يحفروا قبر الإنقاذ وحدهم ويهيلوا عليه التراب إن لم تخرج الشوارع في كل مدن وقرى السودان. لا تتركوهم حتى يواجهوا رصاص النظام الجبان بصدورهم العارية. هذا النظام أضعف من أن يقف ساعة زمان أمام زحف الشارع، وما يفعله هو فرفرة المذبوح. أقول هذا وأنا أحتكم إلى التاريخ. والذي لا يقرأ التاريخ لا يفهم فقه ثورات الشعوب وديالكتيك التاريخ!
لقد حان أن يخرج قادة الرأي والنقابيون والساسة من صمتهم وتحفظاتهم. وأن يشهروا بدلاً من وقفات الاجتجاح الخجول –إسمه (العصيان المدني)..وهو سيف يجيد شعبنا استخدامه بدرجة ممتاز.
وأخيراً .. لا أنفي عن نفسي الحلم والرومانسية. ومتى كانت الثورة غير الحلم ومتى كان الثائر غير ذلك الحالم الذي يطير بآماله إلى سابع سماء حتى إذا عاد للأرض كان فردوس الانتصار هو أقل ما كسب !