توفيق أبو شومر
نشر الصحفي المختص بالمخابرات الإسرائيلية، رونين برغمان، مقابلة مع أحد أبرز الشخصيات الاستخبارية الإسرائيلية، وهو اليوم باحث في معهد يافي التابع لجامعة تل أبيب، وأحد أبرز منفذي العمليات الاستخبارية، ونشر أبرز محتويات كتابه الجديد:
( محيطنا، والبحث عن حلفاء) الصادر عام 2015
يتذكر يوسي الفير 1960 ، أنه كان ضمن وحدة خاصة للجيش الإسرائيلي، كُلِّفت بمهمة استخبارية بالتعاون مع الشين بيت، والموساد.
قال: ( تفقَّدتُ المعدات المحمولة في الطائرات الإسرائيلية، في قاعدة هارنوف الجوية، وتأكدتُ من خلو الحمولات من أية علامة تشير إلى إسرائيل، أو جيش الدفاع.
كانت الطائرات مكلفة بإلقاء حمولتها من السلاح، إلى جهة لا يعرفها إلا بعضُ مسؤولي المخابرات، فقد كانت العملية (بالغة السرية).
كانت اليمن تشهد في تلك الفترة حربا شعبية، بين الشيعة الزيديين( الحوثيين) من جهة، وبين الثوار الجمهوريين من جهة ثانية، وكان السعوديون يدعمون الشيعةَ ، أما المصريون والروس، كانوا يدعمون الثوار الجمهوريين.
لم يكن السعوديون يهتمون بدعم الشيعة، بمقدار رغبتهم في تثبيت حكمهم، ونفوذهم في اليمن، في مواجهة الحلف المصري الروسي.
طلب السعوديون الدعم من بريطانيا، وأرسل البريطانيون وحداتٍ جوية خاصة من وحدة ٍSAS وطلب البريطانيون الدعم من إسرائيل.
كان ممثل الشيعة الزيديين، هو الإمام بدر ، اتصل مباشرة بالموساد في أوروبا، ثم حضر إلى إسرائيل في زيارة !
أنجزتْ الطائرات الإسرائيلية أربعة عشر طلعة جوية، لإسقاط الأسلحة لأنصار الإمام البدر، وكانت الطائرات تُقلع من مطار هارنوف، إلى اليمن ، وتسقط السلاح من ارتفاع 3600 متر، وكانت المهمة هي معرفة أن الأسلحة سقطت في الأماكن الصحيحة، لهذا أرسل الموساد عميليَنِ لمتابعة ذلك، بالتنسيق مع المخابرات البريطانية، أحد هذين العميلين مرض، فانسحب، وقام الثاني بمتابعة المهمة!
كل شيء كان يجري بسهولة ونجاح، وكان التنسيق بين السعودية وبريطانيا وإسرائيل ناجحا، قاد العملية، ناحوم أدموني ، وصار رئيسا للموساد من عام 1982 إلى 1989 .
قليلون في السعودية يعرفون تدخل إسرائيل في اليمن ، ويعرفون تأثير هذا التدخل في المعركة.
يجيب يوسي الفير عن هدف هذه العملية في اليمن فيقول:
"كان الهدف هو هزيمة الجيش المصري، فقد كنا نعرف أن هناك حربا قادمة بيننا وبين المصريين، وكنا نعرف أن مصر استخدمت الغازات السامة في اليمن.
استفاد الموساد بتوثيق العلاقة بين بريطانيا والسعودية، بالإضافة إلى غنائم السلاح المصرية في حرب عام 1956 .
جرى إلغاء عملية عسكرية لضرب المطار المصري في اليمن، حتى لا تُكشف خطتُنا القادمة بضرب المطارات المصرية عام 1967
ومن الفوائد أيضا أن تدخلنا في اليمن أثَّر سلبا في الروح المعنوية للجنود المصريين، وقد رأينا آثار ذلك في حرب 1967 عندما أسرنا الجنود المصريين في سيناء، فقد لاحظنا أثر تلك الهزيمة عليهم!
ومما أورده في الكتاب:
كان هدف المشروع الذي أرساه، بن غريون، ورئيس الموساد الأول، رؤفين شيلوح، المحافظة على قوة الردع الإسرائيلية، وتفكيك العالم العربي العدائي حولنا للرد على شعار:" إلقاء اليهود في البحر"!
وكان ردنا في الكتاب: " لسنا وحدنا"!!
وتولى المشروع تكثيف جهود الاستخبارات في العالم العربي، ومن أبرز صفحات الكتاب، لقاء ، رئيس الوساد، دافيد كيمحي، مع الملا مصطفى البرزاني في العراق 1965 .
إن العرب يرون تواجدنا في جنوب السودان وإثيوبيا تهديدا لأمنهم المائي، لأجل ذلك يجب أن نُشعر العرب دائما أننا تحت جلودهم، حتى نجبرهم على السلام!
يجب أن نشعرهم بأنهم غير قادرين على هزيمتنا عسكريا.
إن أهم ركيزة لتحقيق ذلك هو الاستخبارات.
ففي عام 1958 وقِّعَ اتفاقٌ سريٌ بين أنقره، وإسرائيل، بين بن غريون ، وعدنان مندريس.
وفي عام 1955 كُوِّن حلف سيناتو بين بريطانيا وتركيا وباكستان وإيران والعراق، اجتمعوا في أواخر 1958 ، ووجهوا أجهزة مخابراتهم لمكافحة نفوذ جمال عبد الناصر، والسوفيت.
ووقعنا مع أمريكا حلف الناتو، لوقف النفوذ السوفيتي في الشرق الأوسط.
ولهذا مولت أمريكا بناء طابقين للمخابرات الإسرائيلية في تل أبيب، السفلي باللون الأزرق، للشؤون الإيرانية، والعلوي باللون الأصفر، للشؤون التركية، وهناك غرفة مؤتمرات كبرى في الطابق الثاني!
اعتاد رؤساء المخابرات الثلاثة الاجتماع في أواخر الخمسينيات، وصولا إلى ثورة الإمام الخوميني 1979 ، حضرتُ بعض هذه الاجتماعات ، التقيتُ مع رئيس السافاك الإيراني ، نصيري، رئيس مخابرات الشاه.
عام 1959 اجتمع رئيس الاستخبارات الإسرائيلية، حايم لاسكوف، في أسطنبول ، مع رئيس الجيش التركي ، كنا نتبادل المعلومات عن الصواريخ الروسية!
دربنا قواتٍ إيرانية، وبعنا لهم السلاح.
قامت إسرائيل بدور الوسيط بين إيران، والشيعة، في جنوب لبنان، فقد أوصلنا لهم الأسلحة الإيرانية 1958 لمواجهة حلف عبد الناصر، وكنا نمد أكراد العراق بالسلاح لإنهاك الجيش العراقي!
وقد دعم الموساد التعاون مع الأكراد.
وقد اعترضتُ على خطة قدمها الأكرادُ، وتقضي الخطة بتدمير سدين مائيين في شمال العراق، وقد أوقفتُ العملية لما لها من آثار بيئية كارثية ، فسوف تدمر بغداد!
في عام 1960 ساعدنا الثوار المسيحيين في جنوب السودان، بواسطة رئيس الموساد، دافيد بن عوزيل، وأرسل ثلاثة من عملاء الموساد إلى جنوب السودان لتدريب المنشقين ، وأمددناهم بالسلاح، فوجئ النميري بهزيمة جنوده، وبالتأكيد هذا أنتج انفصال المسيحيين في دولة جنوب السودان 2011 .
ساعدت إسرائيل المغرب، ودربت لها وحدات خاصة، ونظير ذلك قدمت المغرب تفصيلات عما دار في مؤتمر القمة العربي في الدار البيضاء 1965 ، وبعد اثنتي عشرة سنة، توسَّط الملك الحسن بين مصر وإسرائيل ، وهو منسق زيارة السادات لإسرائيل .
وصل رابين إلى المغرب، متخفيا بباروكة شعر أشقر، واجتمع رئيس الموساد، يتسحاق حوفي، مع الملك الحسن، وهناك التقي بمستشار السادات ، حسن التهامي ، واجتمع التهامي بموشيه دايان، وزير الخارجية في عهد حكومة رابين، ودخل دايان المغرب، بعد أن أزال غطاء عينه، ولبس طاقية، لدرجة أن رجال الجوازات لم يتعرفوا علية بعد ذلك!.
وبعد توقيع معاهدة السلام مع مصر، يجري البحث عن معاهدات أخرى جديدة .
يتذكر يوسي الفير حادثة أخرى عن إيران:
" استدعاني رئيس الموساد( حوفي) على عجل وقال:
إن رئيس وزراء الشاه، شاهبور بختيار، أبلغ رئيس الموساد في طهران، إليعزر تسفرير، بأنه يرغب في اغتيال الإمام الخوميني، وكان الخوميني منفيا من العراق إلى إحدى المدن بالقرب من باريس، بعد أن رحَّلَهُ صدام حسين من العراق 1960 ، وكانت العراق ترغب في اغتياله أيضا .
يومها كنتُ أفضل عدم تنفيذ الخطة، فلم أكن أملك المعلومات الكافية، فرفض الموسادُ الخطة، وأنا اليوم نادمٌ على ذلك!!
دنيا الوطن