استمتعت المحكمة العليا البريطانية في لندن، يوم الأربعاء 15 يوليو الحالي، للقضية التي تقدم بها المحامي السوداني، علي عجب، ضد وزارة الدفاع البريطانية بشأن تقديم مساعدات عسكرية للقوات المسلحة السودانية.
واستمرت مداولات المحكمة من الساعة العاشرة صباحا وحتي الساعة الرابعة عصراً، امام قاضي المحكمة العليا سيمون.
وكانت المسائل الأساسية التي تمت مناهضتها في الجلسة، والتي تأسست عليها مذكرة المحامي علي عجب، هي ان
الضوابط المعنية بحقوق الانسان عند تقديم المساعدات الخارجية في مجال العدل والأمن لم يتم الالتزام بها في تنفيذ التدريبات المعنية التي قدمتها وزارة الدفاع البريطانية للقوات المسلحة السودانية. حيث ان التقييم الذي أجرته السلطات البريطانية قد قلل من خطورة التدريب على أوضاع حقوق الانسان في السودان، ولم ينبني على تقديرات معقولة لخطورة انتهاكات حقوق الانسان التي ترتكب بشكل يومي بواسطة القوات المسلحة السودانية خاصة في مناطق جنوب كردفان، وجنوب النيل الازرق، ودارفور. كما إن التدريب الذي تم تقديمه للقوات المسلحة السودانية يهدف إلى رفع الكفاءة والمهارات العسكرية لهذه القوات. واشتمل التدريت المقدم للقوات المسلحة السودانية على كورسات متعددة.
علاوة على ان التقييم الذي أجرته السلطات البريطانية لمشروع دعمها للقوات المسلحة السودانية، لم يتم فيه تقييم حقيقي لسلوك القوات المسلحة السودانية، بعد تلقيها تلك التدريبات المدعومة من بريطانية، ومن ثم لم يتم بحث المخاطر المحتملة بعد التدريب.
واشارت المذكرة، التي تقدم بها المحامي علي عجب، للمحكمة العليا البريطانية، إلى أهم البنود في ضوابط التقييم الصادرة عن الحكومة البريطانية والتي يجب ان يتم اتباعها في التقييم، والتي جاء فيها: “أن يوضع في الاعتبار الوضع الدولي للقطر المضيف وسلوكه في احترام حقوق الانسان والقانون الدولي الانساني. والسؤال حول المخاوف المتعلقة باستقرار البلد في الوقت الراهن او الخمس سنوات القادمة، بجانب معرفة ما إذا كان هناك صراع قائم في اي جزء من القطر المعني. وهل هنالك مخاوف تتعلق بحقوق الانسان في البلد المعني والقانون الدولي لحقوق الانسان”.. وعند اجراء هذا التقييم يجب أن يوضع في الاعتبار الانتهاكات الموضحة في البند الثاني من التقييم، ويشمل هذا البند على قائمة طويلة، يأتي على رأسها، تطبيق عقوبة الاعدام، والاحتجاز غير القانوني أو التعسفي، والتعذيب أو المعاملة القاسية أو اللا انسانية أو المهينة (بما يشمل اوضاع الاحتجاز)، والقتل غير القانوني والاستخدام غير القانوني للقوة او الاستخدام غير المتناسب للقوة، بجانب الاختفاء القسري، والمحاكمات غير العادلة.
وأوردت المذكرة التي تقدم بها علي عجب، أنه لا يمكن لأي شخص يطلع على اوضاع حقوق الانسان بالمقارنة مع هذه الضوابط، ان يقول ان الضوابط تسمح بالتعامل مع القوات المسلحة السودانية، وان وزارة الدفاع البريطانية لديها علم كافي بالأوضاع في السودان، وقد جاء في التقييم الذي أجرته الوزارة لمشروع تعاونها مع القوات المسلحة السودانية، في العام الماضي، ان “القوات المسلحة السودانية تتبع لوزير الدفاع، عبد الرحيم محمد حسين، وهو نظرياً يساءل أمام لجنة برلمانية فرعية فيما يتعلق بالشئون الخارجية والأمن والدفاع، وهذه اللجنة البرلمانية لديها روابط قوية بالحزب الحاكم والرئيس عمر البشير، والأخير ضابط سابق في القوات المسلحة مازال يحتفظ بوضعية القائد العام ومرتبط بشكل وثيق بصناعة القرارات الاستراتيجية… والبشير وحسين مطلوبان للمحكمة الجنائية الدولية في جرائم حرب وجرائم ضد الانسانية”.
وأشارت المذكرة إلى التقييم الذي أجرته السلطات البريطانية، في العام 2013م، والذي جاء فيه: ان “الوحشية التي تعامل بها النظام مع تظاهرات سبتمبر 2013 قد رفعت من مستوي خطر التأثير علي سمعتنا (الحكومة البريطانية) فيما يتعلق بارتباطنا بالقطاع الأمني في السودان وإصلاحه”… و”على الرغم من هدفنا الإصلاحي إلا ان الأمر اصبح ينظر اليه من قبل كل اركان الحكومة البريطانية من حيث خطورته”.
وقدم علي عجب، في طلبه، استعراضاً للخطوات التي يجب ان يشملها التقيم حسب الضوابط الملزمة لكل اقسام الحكومة البريطانية في مجال تقديم المساعدات الخارجية في مجالي الأمن والعدالة.
وبيّن الطلب، ان اتباعها بالطريقة الموضوعة سيؤدي إلى إيقاف المشروع حيث اقرت الحكومة البريطانية بانها لم تُجرِ التقييم الاولي في عام 2009، وذلك نظراُ لأن الضوابط لم تكن قد وضعت في ذلك الوقت، لكن التقييم اللاحق يعتبر ضرورة يتطلبها تمديد فترة المشروع من عدمه.
وأرفق علي عجب، مع طلبه أمام المحكمة العليا، تقارير دولية حول حوادث الإغتصاب في دارفور، والتي ارتكبتها القوات المسلحة السودانية، ومن ضمنها حادثة الإغتصاب الجماعي في قرية “تابت” بولاية شمال دارفور، والتي تشير التقارير حولها إلى اغتصاب أكثر من 200 إمرأة وفتاة، بأوامر عسكرية مباشرة من قيادات القوات المسلحة. بالاضافة إلى تقارير موثقة عن القصف الجوي، وإحراق القري في جنوب كردفان والنيل الازرق.
وفي رده أمام المحكمة، اعترف ممثل وزارة الدفاع البريطانية، بأن هنالك انتهاكات واسعة لحقوق الانسان في السودان، متفقاً مع ما قدمه علي عجب من تقارير في هذا الصدد.
واشار ممثل وزارة الدفاع إلى أن التقييم الذي أجرته الوزارة لم يثبت ان هنالك خطورة مباشرة علي حقوق الانسان في السودان، علي الرغم من انه اعترف بان الوزارة لم تقم بتقييم لاحق لأداء القوات التي تم تدريبها.
وذكر ممثل الوزارة ، امام المحكمة، بأن وزارته قد توقفت عن تقديم بعض الكورسات في الأكاديميات العسكرية البريطانية، مما حدا بالقاضي لأن يسأله حول ما اذا كان ذلك تغيرا في السياسة المتبعة. الا ان الردود التي تم ايداعها تشير إلى تعليل وزارة الدفاع بأن ذلك تم بسبب التكلفة.
وطالبت المحكمة، من ممثل وزارة الدفاع، أن يقدم رداً مكتوباً للمحكمة خلال اسبوع، حتى يتمكن مقدم الطلب من الرد عليه.
وبحسب المحامي علي عجب، فإن الكورسات التي قدمتها وزارة الدفاع البريطانية للقوات المسلحة السودانية، تشتمل على، “كورسات متقدمة في ادارة القوات في العمليات، وكورس متقدم للقادة والاركان حرب ويستمر لمدة عام كامل ، وكورس حول تخطيط الحملات العسكرية، وادارة الحملات، وتنفيذ الحملات العسكرية الاعلامية، والتعامل مع الأسلحة، وتكوين القوة القتالية وادارتها وتطبيقها، وتحسين فهم المتدربين للقادة والقيادة والإدارة، وبجانب كورسات تمكن القوات من تطوير قدراتها على تحمل المسئولية بشكل فعال على مستوى العمليات، وكورسات حول إنضباط الجنود في ساحة المعركة، وغيرها من كورسات المهارات العسكرية والقيادة.
وقال علي عجب، في تصريح لـ(الطريق)، إن قادة القوات المسلحة السودانية قد تلقوا هذه الكورسات في اكاديميات مرموقة في بريطانيا، مثل الاكاديمية الملكية العسكرية، وتتراوح مدة الكورسات بين العام إلى سبعة أيام.
وينتظر أن تصدر المحكمة العليا في بريطاني، قرارها النهائي حول الطلب بايقاف مشروع تأهيل القوات المسلحة السودانية، الذي تموله بريطانيا، من عدمه، بعد استلام الرد الاضافي من قبل وزارة الدفاع.
لندن، الخرطوم – الطريق