البراق النذير الوراق
تنشط الحكومة هذه الأيام لمنع إحالة ملف السودان للبند الرابع عوضاً عن البند العاشر(المعدل) والقائم حالياً وذلك خلال اجتماعات مجلس حقوق الإنسان بجنيف في دورته الحالية. ويأتي نشاط الحكومة على مستويين، الأول هو حملة إعلامية لدمغ كل الجهات التي تسعى لنقل التفويض للبند الرابع بالأعداء والمتأمرين والخونة، إضافة لوضع كل جهود دول العالم في هذا الإتجاه تحت مظلة أمريكا وبالتالي فكل أوزار أمريكا ستكون (حاجز وهمي) يمنع التعاطف داخلياً وخارجياً مع الدفع بهذا القرار. والمستوى الثاني هو إرسال الوفود الضخمة لجنيف لعمل لوبي(Lobby) بين أعضاء المجلس الذين سيصوتون مع أو ضد أي قرار تجاه الدول التي تتهم بانتهاكات لحقوق الإنسان، وهذه الوفود الضخمة طبعاً تسافر سنوياً على نفقة الدولة وتتبضع في جنيف من أموال الموارد التي يقول والي الخرطوم أنها "شحيحة".
أما المفاجأة الدواية التي فجرها نظام الخرطوم وتعتبر كمستوى ثالث في التعامل مع هذه القضية، فهو تقرير اللجنة الأمن والدفاع البرلمانية والتي أعلنت عن بعض نتائج التحقيقات التي تجري لاستقصاء ما حدث في سبتمبر 2013. اللجنة قالت إن الخسائر بلغت 30 مليار جنيه، وأن الطلاب والأحزاب بريئون من هذا الفعل وأنهم ألقوا القبض على بعض الجناة الذين اعترفوا بالجرم المشهود وأطلقوا بالضمان، وقالت اللجنة إن الشرطة كانت في حالة دفاع عن النفس.(الجريدة 13/9/2015).
إن هذا التقرير يعتبر مستوى ثالث في التعامل مع قضية أحداث سبتمبر ليس لأن الحكومة تسعى لكشف حقيقة ما جرى وليس لأنها لا تعرف من هم الجناة الحقيقيين، بل هي في رأينا تريد ذر الرماد في عيون الجميع، بمن فيهم دول مجلس حقوق الإنسان ولجنة السلم والأمن الأفريقي، وآخر اهتمامها بالطبع أسر الضحايا أو المواطنين السودانيين. ففي تصريح لأحمد التهامي رئيس لجنة الأمن والدفاع، قال إن الشرطة لن تتهاون في أمن الوطن والمواطن وأكد الاستعداد لمجابهة أي خروقات أمنية!(المصدر السابق).
حسناً دعونا نعيد ترتيب بعض الأوراق: الحكومة لن تتهاون في أمن الوطن والمواطن عبارة قيلت إبان الأحداث، فماذا كانت النتيجة؟ والحكومة مستعدة لمجابهة أي خروقات أمنية، فما الخروقات الأمنية إن لم تكن قتل المواطنين العزل في شوارع المدن في وضح النهار وبواسطة كيانات غير مرئية تقود سيارات من غير لوحات؟! إجابة سيادته والحكومة على سؤال سبق وأن طُرح حول معنى الاستعداد للمجابهة كان نتيجته ما حدث في سبتمبر 2013، وإجابة سيادته اليوم هي نفس الإجابة مع تعديل بسيط((أنهم استفادوا من التجربة السابقة))! وهي ما يعني تجويد النتيجة مع البعد تماماً عن الهدف المعلن وهو حماية أمن الوطن والمواطنين، فعدم التهاون والمجابهة التي رأيناها عياناً هي الموت والدمار، أفلا تجود قريحة الحكومة ولجانها بمفردات جديدة قد توحي بما هو أكثر لياقة ولباقة من مثل هذه المفردات؟!.
الحكومة السودانية وعبر هذا التقرير ورَّطت نفسها من حيث أرادت أن تنجو، فإذا قرأنا هذه النتائج مع تقرير الأمم المتحدة الأخير حول الأوضاع في مناطق النزاع، وإذا قرأناه مع تقارير منظمات مشهود لها بالمهنية والاحترافية مثل هيومان رايتس ووتش والعفو الدولية، فسنجد أن النتيجة الوحيدة هي ضرورة نقل السودان للبند الرابع والذي يعني إرسال مقرر خاص لمراقبة أداء الحكومة في مجال حقوق الإنسان، فكيف يمكن أن يصمت العالم على تقارير- بما فيها تقرير الحكومة هذا- تتفق كلها على أن محاولات لجم الانفلاتات والخروقات الأمنية كانت نتيجته مزيداً من الخروقات والقتل والدمار، وكيف يمكن لمن يفشل في معرفة الجناة الحقيقيين في أحداث كهذه أن يستطيع إدارة ملفاته دون تدخل، وما هو التحسن في مجالات حقوق الإنسان الذي تريد تأكيده الحكومة، وهيومان رايتس ووتش تتحدث عن أنه لا زال هناك إنساناً في السودان يتم إجلاسه على زجاجة فارغة حتى المنتصف ومن ثم كسرها وهي على مؤخرته؟!
إن كثرة الحديث عن الأمن لا يجعلنا نتحسس أمننا بل يجعلنا نلطمه لطماً، فالواضح أن أساليب الحكومة في التعامل مع قضية الأمن لا زال يعتورها قصر النظر وأن طريقة كسب الوقت لا زالت هي الوسيلة الوحيدة في التعامل مع العديد من القضايا مثل الحوار والحرب والسلام والتحول الديمقراطي..إلى آخر القضايا، أما قضية عدم إنفاذ العدالة فهي حفرة عميقة في طريق الوطن وجاروف الحكومة يزيدها عمقاً يوماً بعد يوم.. حفرة سيحتاج دفنها لسنوات تطول حتى وإن تغيَّر النظام.
baragnz@gmail.com
الراكوبة