أمسكت ام عوض بصورة ولدها العشريني الذي قتل خلال الاحتجاجات الشعبية العارمة في اواخر سبتمبر عام ٢٠١٣ وغالبت دمعة نزلت من عينيها الي خدها وهي تنظر الي الصورة التي يظهر فيها وهو يبتسم برفقة ثلاثة من أصدقائه.
وقالت وهي تتحدث الي انها ان " رغبتي الأولي هي ان يعود ابني الي حضني مرة اخري وان استمع الي حكاياته ومشاغاباته الكثيرة". واضافت تقول بحسرة: " صحيح انني اعلم انه لن يعود مرة اخري بعد ان انتقل الي الرفيق الاعلي ولكني مصرة تماما علي محاسبة والقصاص ممن قاموا بقتل أبتي بدم بارد وبرصاص اخترق صدره ولن أيأس حتي تأخذ العدالة مجراها".
وبحسب رواية ام عوض فان ولدها من أوائل الذين قتلوا خلال الاحتجاجات في منطقة امدرمان بعد اندلاعها. وقالت ان أصدقاءه جاءوا الي البيت واخبروها ان ابنها قد إصابته رصاصة في صدره عندما كان يتفرج علي المتظاهرين وتم نقلها الي مستشفي امدرمان. وتضيف انها وبعد مرور نحو سنتين علي مقتل ابنها لم يأتي اليها احد او تقابل واحدا من المسئولين وسؤالها عن اسباب مقتل ابنها " سمعت موخرا ان الرييس امر بصرف تعويضات لنا كاسر متضررة ولكنني لست في حوجة للمال أنا في حوجة للقصاص من قاتل أبني اي كان".
وربما تعبر ام عوض عن موقف ومشاعر العشرات من الأمهات والاسر التي فقدت ابناءها خلال احتجاجات سبتمبر والذي بلغ عددهم اكثر من مائتي قتيلا بحسب إحصاءات منظمات حقوقية محلية ودولية غير ان السلطات الرسمية لا تعترف الا بمقتل ٨٣ شخصا خلال الاحتجاجات التي وصفت بأنها الاخطر الذي واجه حكومة الرييس عمر البشير الذي وصل الي السلطة عبر انقلاب عسكري في العام ١٩٨٩.
وشهدت العاصمة السودانية الخرطوم ومدن اخري موجة عارمة من الاحتجاجات الشعبية التي كان يقودها الشباب بعد رفع الحكومة السودانية الدعم عن المحروقات ما ادي الي ارتفاع أسعار السلع الاستهلاكية. وواجهت الاجهزة الامنية هذه الاحتجاجات التي استمرت لمدة خمس ايام بعنف مفرط واستخدمت كافة وسائل الترهيب بما فيها استخدام الرصاص الحي بحسب شهادات منظمات حقوقية وشهود عيان.
وبعد مرور سنتين من الاحتجاجات ، وبعد استمرار حالات النكران بمقتل المتظاهرين قال الرييس البشير انه سيقوم بتعويض آسر الضحايا بمبالغ مالية. وقال وزير العدل عوض الحسن النور، إن الرئيس طالبه باستكمال إجراءات ومعاقبة المعتدين على ممتلكات الدولة في أحداث سبتمبر وتعويض أسر الضحايا.واضاف ان توجيهات الرييس تدعوا ايضا الي تعويض المستثمرين واستكمال إجراءات معاقبة المعتدين على ممتلكات الدولة في تلك الأحداث.
ويبدو ان السلطات الرسمية لا تريد ان تذهب باتجاه محاسبة الجناة او الاعتراف بهم ذلك ان وزير العدل السابق محمد علي دوسة كان قد نفي وجود اي لجنة للتحقيق في الجهات التي قتلت المتظاهرين مع ان الخبير المستقل لحقوق الانسان التابع للامم المتحدة مسعود بدرين اكد اكثر من مرة ان المسئوليين اخبروه ان هنالك لجنة للتحقيق ولكن لم يصدر عنها اي شي. الأكثر من ذلك فان رييس لجنة الامن والدفاع بالبرلمان ورئيس لجنة التحقيق فى احداث سبتمبر احمد التهامي، ان التقرير الختامي للتحقيق فى الاحداث، حوى اتهامات للشرطة ولعربات لا تحمل لوحات، باطلاق النار. واكد ان خسائر التخريب قدرت بمبلغ 30 مليار جنيه قاطعا بان ان المحاكم تنظر الآن فى عدد من القضايا.
ومضي التهامي الي اكثر من ذلك عندما قال انهم استفادوا من التخريب السابق، لافتا الى ان الاحداث كانت مظاهرات عادية قام بها طلاب ومواطنون على خلفية زيادة اسعار الوقود لكن بعض العناصر المخربة استغلت الاحداث استغلالا سيئا وعملت على النهب والسرقة وقال "انا كنت رئيس لجنة التحقيق والخسائر التى رفعنا بموجبها التقرير تقدر بمبلغ 30 مليار" واضاف "الاحداث ليست سياسية بقدر ما هى تخريبية فقد ضبطنا سواطير ومسدسات وسلاح" وبرأ التهامي الطلاب والقوى السياسية من التخريب والسرقة مشيرا الى ان تقارير النائب العام والشرطة والتحريات التى اجريت حملت اتهام من المواطنين للشرطة صراحة بانها اطلقت النار على المواطنين فضلا عن اتهامات بوجود عربات لا تحمل لوحات مرورية شاركت فى اطلاق النار وقال "الآن هناك محاكم شغال
ودخل الاتحاد الأوروبي علي خط القضية عندما دعا الحكومة إلى إجراء تحقيق مستقل بشأن مصرع وإصابة العشرات خلال أحداث سبتمبر 2013. وأصدر سفراء الاتحاد الأوربي بالخرطوم بيانا بمناسبة مرور عامين علي الأحداث قالوا فيه انهم اجتمعوا موخرا وناقشوا ذكرى الأحداث التي اندلعت في 23 سبتمبر 2013. وأضاف البيان "رحب سفراء دول الاتحاد الأوروبي بإعلان الحكومة تعويض أسر الضحايا وأضافوا أن العدالة لا يمكن أن تتحقق من خلال التعويضات المالية وحدها". وأشاروا الى أن السلطات السودانية لا تزال بعيدة عن إجراء تحقيق فعال ومستقل في أعمال القتل وغيرها من انتهاكات حقوق الإنسان التي وقعت. وجددوا دعوات إلى حكومة السودان لإجراء تحقيق مستقل يخضع فيه المسؤولين عن وفاة وإصابة المتظاهرين السودانيين للمساءلة الكاملة. .
غير ان المحامي والحقوقي وعضو لجنة التضامن مع أسر ضحايا سبتمبر معتصم الحاج يري ان حديث التهامي يحمل الكثير من المغالطات وانكار الحقائق وانه " محاولة رخيصة لذر الرمال علي عيون الأهالي وأسر الضحايا". واكد انهم وبحسب متابعاتهم لهذه القضية فان " هنالك تماطلا حكوميا واضحا في عدم تحقيق العدالة ومحاسبة المتورطين بدليل ان هنالك العديد من الملفات الكاملة التي في حوزتنا ويمكنها ان تكون قضايا مكتملة في حال وافقت النيابات والمحاكم في النظر اليها ولكننا دائماً ما نواجه بالمماطلة والتسويف".
ولعل اشهر قضية رأت طريقها للمحاكم فيما يتعلق بأحداث سبتمبر هو قضية الطبيبة الصيدلانية سارة عبد الباقي التي قتلت برصاص مباشر من احد الجنود السابقين بأمر من قايد شرطة الدروشاب حيث قتلت. واتهمت وسائل الاعلام المحلية والدولية بوقائع المحاكمات التي استمرت لفترة طويلة وكان الجميع يتوقع ان تدين المحكمة الجندي الذي اطلق النار في وضح النهار وبوجود الكثير من الشهود الذي افادوا بما رواه في المحكمة لكن القاضي فاجأ الجميع بتبرئة المتهم من التهمة بل وطالب بإطلاق سراحه.
وفي هذا الصدد يقول معتصم ان هذه المحاكمة لن تثنيهم عن مواصلة التقاضي مع بقية أسر الضحايا الذين اوكلوهم " صحيح ان هنالك خيبة أمل بعد حكم البرأة في القضية الواضحة وضوح الشمس ولكن الامر الجيد ان كثير من الأسر مازالت تعتقد بان العدالة ستتحقق ماداموا يسيرون خلف حقوقهم".
التغيير