عندما يكون الحديث عن النهضة التي استنفر لها جميع مواطني شمال كردفان في الداخل والخارج من أجل المساهمة في هذا النفير الذي لم يترك أحداً إلا وكان له سهم في معركة النهضة والتنمية لولاية شمال كردفان، ولكن حتى اللحظة تظل بعض المدن والقرى تساهم في النهضة ولا تنال إلا العناء والإهمال. مستشفى مدينة الرهد «أبودكنة» ذو المساحة الشاسعة والموقع الإستراتيجي ظل أسيراً لتردي الخدمات والإهمال وتشريد الكوادر التي عملت بالمستشفى لأكثر من عشرين عاماً فقد استقال كل الكادر لسوء الوضع وتبقى فقط (45) عاملاً وهم عبارة عن ممرضين وعمال واختصاصي واحد. وأقسام المستشفى «5» أقسام هي الباطنية والجراحة والاطفال والنساء والتوليد والعيون والأشعة، كل هذه التخصصات لا يوجد منها سوى اختصاصي واحد بهذه المستشفى هو اختصاصي النساء والتوليد، فالبيئة داخل المستشفى مهملة ومتردية، بينما أغلبية الأقسام عندما تدخلها لا تجد فيها سوى الأتربة وتراكم الأوساخ والمعدات البالية على جانبي العنابر، مرضى يتوسدون الأسرَّة في انتظار من يشخص حالتهم او أملاً في أن يجدوا طبيباً مداوياً يتلمس الجراح ويعطي الدواء أملاً في الشفاء.. على مقربة من الطريق السفري الرابط بين الأبيض والخرطوم تقع مستشفى الرهد وأنا استعد للدخول الى المستشفى عبر بوابتها الرئيسة، أول ما توجهت إليه هو قسم الباطنية، وأنت تضع أول خطواتك في محيط العنابر ينتابك شعور بأن هذه المستشفى ليس لها «وجيع» ولا أحد يهتم لأمرها. أغنام تتراقص وتسرح حول العنابر، مرافقين ينامون تحت ظل الشجر يرحلون معه أينما ذهب يوقدون نيرانهم عشماً في وجبة يسدون بها رمق الجوع او فنجان قهوة يقي شر الهجير وعناء التعب والتفكير، وبعض الممرضات يشكين الإحباط وعدم الرضا من التعامل، ومرضى ينتظرون رحمة السماء او نظرة الأطباء واهتمام الرعاية، فجميع أقسام المستشفى مغلقة. حتى المعمل كان مغلقاً ولا حراك فيه. فقسم العيون وكأنه يحتاج الى عين تراه يجاوره قسم الأسنان الناظر إليهما يعلم أن القسمين لم تفتح أبوابهما لفترة طويلة بينما أمام قسم الحوادث الذي لا يوجد منه سوى اسم الحوادث، فلا طبيب ولا أحد بالمكان، بل تتواجد بعض المعدات التي جاءت للمستشفى حديثاً بجهد من أبناء الرهد المتواجدين بالمملكة العربية السعودية تحوي بعض الأثاثات والمعدات الطبية بعضها ظل خارج المخازن حيث تم توزيع بعض الثلاجات والتلفزيونات في الوقت الذي يحتاج فيه المرضى للأجهزة الطبية التي قال المديرالطبي عنها إن وزير الصحة بالولاية طلب عدم التصرف فيها الى حين أن يأتي مهندس الأجهزة الطبية ليدلي بدلوه حولها. شطارة دكاترة: وبنك الدم خالٍ تماماً من الرصيد ولا توجد به زجاجة واحدة من الدم تعطي أملاً بأن كل من احتاج الى عملية طارئة لا يخشى شيئاً اذا حدث أي نزف بأن الدم موجود. في الوقت الذي قال فيه المدير الطبي للمستشفى إنهم (غير محتاجين للدم لأن الطبيب شاطر)، عندها، سألته كيف ذلك؟فمن الشطارة أن يوفر الطبيب احتياطاً قوارير دم تحسباً لأي طارئ. عنبر الاطفال: مليء بالأتربة ولا يوجد أي اخاصاصي للاطفال او طبيب، وبعض بقايا النفايات الطبية مبعثرة بطربقة يتقزز منها الإنسان، هذا فضلاً عن عدم وجود حضانة للأطفال حديثي الولادة. مستشفى بلا إسعاف: مستشفى تعليمي وباعتباره مرجعياً للولاية يخدم أكثر من ثمانين قرية، لاتوجد به عربة إسعاف واحدة مجهزة ومعدة بطريقه صحية وحديثة، الإسعاف الوحيد بالمستشفى أشبه بعربة الكارو المتهالكة، فهو يقف مهزوماً تحت الشجرة وقد تراكمت عليه الأوساخ والأتربة ومخلفات الطيور، في حالة يرثى لها.. ويمتلك المستشفى عربة: (بوكس) قديمه لا ترتقى لتقديم أية خدمة وهي مسجلة باسم فاعل خير خوفاً من بيعها والتصرف فيها ورغم ذلك تم الإعلان عن دلالتها في إذاعة الولاية على لسان أحد أعضاء مجلس إدارة المستشفى. أما صيدلية الدواء، فهي مغلقة تماماً ويتم وضع الأدوية في المخزن غير المطابق أصلاً لتخزين الأدوية، فهو مستودع دواء (بدون تكييف). وقالت مصادر للصحيفة إن بعض الأدوية التابعة للمستشفى يتم بيعها لأصحاب الصيدليات الخارجية وتم فتح بلاغ ضد أمين المخازن بالمستشفى على خلفية بيع الأدوية، والبلاغ بالرقم.(2689) بتاريخ 15/11/2015م. المشرحة: المشرحة بالمستشفى عبارة عن غرفة متهالكة مهجورة أشبه بمخزن للخرد فيها يتم غسل الموتى وتشريحهم ظاهرياً وتستقبلك ثياب الموتى ملقاة على الأرض عند مدخل المشرحة، فلم تكلف إدارة المستشفى نفسها بإزالة هذه المخلفات بواسطة عمال النظافة، الشيء الذي دفعني لأن أطرح التساؤل حول خطة المستشفى لتغيير ذلك الواقع المزري بالمشرحة، فتوجهت بالسؤال لعبدالرحمن عبدالقادر عضو مجلس الإدارة بالمستشفى والذي قال لـ«الإنتباهة» إن المشرحة الجديدة جاءت فكرتها من أحد الخيرين، حيث طلبنا وقتها من مهندس وزارة الصحة بالولاية أن يمدنا بالتفاصيل الهندسية الكاملة لبناء المشارح فاندهش لطلبنا وقال (ما حصل جاني أي زول لطلب زي دا)! ولكن بمجهوداتنا الخاصة استطعنا أن نبني هيكل المشرحة الجديدة الذي أخذناه من هيكل مشرحة الأبيض بواسطة المقاول، ولكن حتى هذه اللحظة المشرحة الجديدة تحتاج لمبلغ «73»ألف جنيه والتزم بها والي ولاية شمال كردفان عند زيارته للمستشفى ولكننا لم نتسلمها حتى الآن. محسوبية الإدارة: إحدى الممرضات -فضلت عدم ذكر اسمها- قال بأنها تعمل رئيسة أحد العنابر المهمة بالمستشفى ما يقارب 19عاماً الشيء الذي أكسبها خبرات متراكمة فأصبحت تمارس المهنة بجدارة فائقة، ولكن للأسف تم إعفاءها من وظيفتها واستبدالها بأخرى لا تزيد خبرتها عن سنتين فقط، مما جعلها تحس بالظلم وترغب في تقديم استقالتها. نفايات طبية في العراء: خلف عنبر الأطفال وعلى بعد200متر شمالاً تقبع عربة النفايات والتي تراكمت حولها الأوساخ والنفايات الطبية من حاويات محاليل ومحاقن وإبر، حيث شاهدت من على البعد بعض الأطفال الذين يقفون حول عربة النفايات من خلال تسلقهم لحائط المستشفى والبحث في النفايات التي تحتوي بعض الإبر والمخلفات الخطرة على صحتهم. حوادث مغلقة: على جانب المستشفى من الناحية الغربية توجد بعض المباني الجديدة لخمس غرف سألنا المدير الطبي عنها قال إنها مبنى للحوادث تم بدعم من أحد البنوك ولكننا لم نتسلمه حتى اللحظة. سألته عن مدى صلاحيتها لأن تكون مبنى للطوارئ علماً بأن الطوارئ تحتاج لمواصفات محددة تستوعب الحوادث والحالات الحرجة، قال هو لا يعرف شيء عنها فقط تم بناءها هكذا. بالمستشفى مخزن كبير يحوي عدداً من المعدات والأجهزة الطبية التي تم التبرع بها من جهات مختلفة منذ فترة ولاتزالطريحة المستودع بالتالي لم تتم الاستفادة منها لخدمة المرضى بالرغم من الحاجة الماسة لها، إلا أن إدارة المستشفى لم تستفد منها لأسباب غير منطقية او موضوعية، فقد علمت أن عدم الاستفادة من هذه المعدات تعزيه إدارة المستشفى لبعض النواقص (مافي سلك كهرباء ) لتوصيل ومراجعة التوصيلات الكهربائية بالمبنى. المدير الطبي: وكان لابد «للإنتباهة» أن تجد رداً على تساؤلاتها عن الأوضاع المتردية لهذه المؤسسة الصحية التي تخدم قطاعاً كبيراً من المواطنين بالولاية، فكان لقاءنا بالمدير الطبي الدكتور طارق نور الدائم الذي أفاد بأن النقص في الكادر الطبي هو مسؤولية الوزارة فهي التي تقوم بإرسال الأطباء وتعيينهم. أما فيما يخص وضع بيئة العنابر، فقال إن المستشفى تحتاج الى عنابر جديدة ونحن الآن بصدد تنفيذ بعض المشاريع الخاصة بالعملية والمعمل، وقريباً ستكتمل الحوادث الجديدة. أما فيما يخص بنك الدم، فقال إن المستشفى لا تحتاج الى احتياطي من أكياس الدم، وذلك لأن عدد العمليات ليس بكبير. مدير عام الوزارة: المدير العام لوزراة الصحة بشمال كردفان الدكتور خالد محمدين قال إن البيئة الصحية في المسشتفى حقيقة مزرية ودون المستوى المطلوب، ولكن هناك بشريات خلال هذا العام 2016م لعدة مشروعات داخل المستشفى منها مشروعات اتحادية وولائية تحتوي على مباني عمليات كبيرة وولادة ومعمل، كما أن هناك تمويل ولائي بمبلغ مليار جنيه. وأقر دكتور محمدين بنقص الكوادر الطبية ولكن قال لدينا بعض التعيينات خلال الأيام القادمة لبعض الأطباء. أما من ناحية الإدارة داخل المستشفى، فهناك بعض التعديلات التي تجري خلال الأيام القادمة والتي تحمل معها بعض الحلول، مضيفاً إنهم الآن يعملون بجدية تامة ونحن بصدد إنشاء مساكن للأطباء. وقال دكتور خالد إن المستشفى بحاجه ماسة لعربة إسعاف مجهزة بصورة جيدة، وذلك لإنقاذ الحالات الحرجة في الوقت المناسب، اياً كان مكانها في المحلية، مضيفاً إن المستشفى يقع على طريق سفري فمن الضرورة بمكان أن تكون به عربة إسعاف مجهزة بالكامل تحسباً للحوادث حتى يتم إسعاف المصابين بالسرعة المطلوبة لأن حياة الإنسان ليست رخيصة، وهذه نظرتنا لمستشفى الرهد من بعد إستراتيجي.
الانتباهة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق