عقارب الساعة تشير إلى الحادية عشرة صباحاً، ودرجات الحرارة بدأت ترتفع رويداً رويداً في نهار الأربعاء الماضي، أخذنا مواقعنا في البص الفخيم المتجه من الخرطوم إلى محمية الدندر، بدعوة من الإدراة العامة للحياة البرية للمشاركة في احتفالاتها باليوم العالمي للحياة البرية، وصلنا إلى محمية الدندر في الواحدة من فجر الخميس، ومكثنا بها ثلاثة أيام، البص الذي يقلنا قطع المسافة بين الخرطوم وولاية النيل الأزرق في “12 “ ساعة، كانت مليئة بالمغامرات والمفآجات، البرنامج الذي ذهبنا من أجلة لم يقتصر على الاحتفال باليوم العالمي للحياة البرية، فقد صاحب ذلك أنشطة عديدة، حيث أقامت إدارة الحياة البرية زواجاً جماعياً لعدد من منسوبيها، وتكريم فريق مدرسة عبدالله موسى الذي فاز في بطولة (ج) بقطر، كان الحماس وحب الاكتشاف هو الدافع لقبول تلك الدعوة، وللتعرف على أكبر محمية طبيعية، حزمنا حقائبنا في صباح الأربعاء وتوجهنا إلى مقر الإدارة العامة للحياة البرية عند الساعه السابعه والنصف صباحاً في نفس الموعد المحدد، ومكثنا طويلاً في انتظار وصول البص الذي ينقلنا إلى الدندر، ويبدو أن هنالك عدم تنسيق مسبق للرحلة، حيث وصل البص عند الساعة الحادية عشرة لتبدأ رحلتنا إلى المحمية
طرق وعرة
توقفت محركات البص أمام مقر إدارة الحياة البرية بود مدني، ووجدنا برية دون وجود حياة لها، فليس هنالك مايدل على أنها إدارة سياحية، بالرغم من إن الإدارة شرعت في تشييد مباني جديدة، علها تبعث الحياة في جسد الحياة البرية مجدداً، انطلق البص لمواصلة رحلتنا لتبدأ رحلة جديدة من مدني الى سنار، والتي بدأت بشريات الخريف تهل فيها، ومن سنار توجهنا إلى سنجة التي مازالت تكتسي بملامح القرية، ويخيم عليها البؤس، وعلى حسب رأي أهلها الذين قالوا إن سنجة مدينة منسية، وخرجت مئات من السفراء والعلماء والشعراء، ولكنها لم تنل نصيبها من الخدمات كبقية المدن الأخرى، لم نتوقف عندها طويلاً، لنبدأ رحلة وعرة بدأت مع انقطاع طريق الأسفلت عند مدخل الدندر، ليبدأ مسلسل المعاناة، إطارات البص ما أن تخرج من حفرة حتى تقع في التي تليها، واستمرينا في هذا الحال قرابة الساعتين، خشينا على البص من أن ينهك الطريق المتعرج والوعر قواه التي بدت فاترة، وصلنا إلى شرطة محمية الدندر الاتحادية، واستقبلتنا بحفاوة ازاحت عناء السفر، وعندها ودعنا بصنا السياحي فالطريق الذي يوصل إلى المحمية أكثر مشقة وعناءًا لاتتحمله عجلات البص، تركنا ذلك البص واستغلينا بصاً آخر بمسماه القديم (لوري) ولكن تم ترقيته إلى بص بعد أن تم «سقفه» ووضعت على جانبيه بعض المقاعد، وبعض أفراد الوفد توزع بين عربات (تاتشرات) الشرطة وآخرين، وجدوا لهم مكاناً وسط طلاب مدرسة عبد الله موسى في حافلة لم تطأ عجلاتها أرض وعرة مثل تلك، كما قال سائقها عند وصولنا أنه عمل سائقاً أكثر من أربعين سنة، ولم يواجهه طريق وعر وشاق أكثر من ذلك الطريق الذي يوصل إلى أكبرمحمية طبيعية، وتبلغ مساحته (180) كيلومن الدندر، انطلقت الرحلة في الليل تقطع الفيافي وتهزم شموخ الأشجارالتي كانت عائقاً ثقيلاً في دخولنا إلى المحمية، ولكن لم تصمد عجلات الحافلة طويلاً، حيث وقعت في قبضة خور مليء بالماء .
مطبات
لم تستطع الحافلة الخروج من ذلك الخور، رغم المحاولات المستمرة لإخراجها من هذا المطب، ولا معين بين تلك الغابات الكثيفة والظلام الدامس لنجدتنا واستعنا بعربات الشرطة (تاتشرات) التي سبقتنا، وبعد شد وجذب تم إخراج الحافلة من ذلك الخور، وبعد ساعات طوال وصلنا معسكر «قلقو» في المحمية، وفي صباح الخميس تجولنا بين الحظيرة التي تبلغ مساحتها، أكثر من عشرة آلاف، ويصعب الوصول إليها بسيارات خلاف المخصصة لها لوعورة طرقها وكثافة وضخامة أشجارها، وكانت سيارات شرطة الحياة البرية هي معيننا في اكتشاف مابداخل تلك الغابات .
في انتظار الأسد
أنواع مختلفة من الحيوانات تزخر بها الحظيرة من كافة أنواع الطيور والقرود والجاموس والغزلان والنعام والحلوف والأسود، بالإضافة إلى فصائل متعددة من الكتمبور والقرف، ولكننا لم نحظ في ذلك اليوم بمقابلة ملك الغابة، حيث جئنا في وقت متأخر، ولرؤيته يجب أن نأتي باكراً، وفي صباح اليوم التالي تهيأنا باكراً حتى نظفر برؤيته، وكنا في حالة ترقب وانتظار لظهوره، وعم الهدوء المكان حتي يطمئن ويظهر لنا، وطل الأسد مصطحباً معه ثلاثة أسود أخرى، ووقفنا نراقبه ويترقبنا من على البعد، وكأننا بذلك نشاهد عالم الحيوان الذي تبثه قناة (ناشيونال جغرافي) على الطبيعة .
تأهيل طريق
طرحت ما جال بخاطري من أسئلة حول ضعف إقبال السياح على المحمية على مدير الإدارة العامة للحياة البرية اللواء سند سليمان، حيث قال إن قلة السياح يرجع إلى الإعلام السالب الذي يزعم بعدم وجود استقرار بالبلاد، بجانب عدم وجود إعلام مضاد له، مما أثر بشكل كبير على ضعف إقبال السياح، وأضاف أن الطرق الوعرة واحدة من معوقات السياحة بالمحمية، وأوضح: تمت معالجة ذلك بإدخال الطريق المؤدي إليها ضمن الطرق القومية، حيث تم الاتفاق بين وزارة الطرق والجسوروالسياحه مع وزارة المالية في إقامة الطريق من الدندر إلى أم بقر، ووضعت له ميزانية وسيتم العمل على تأهيل المطار الذي يستقبل طائرات (هليكوبتر) بالمحمية، وقال إن القوة الموجودة غير كافية، إذ يغطي الفرد الواحد مساحة 50 كيلو، كما أن نوعية العربات الموجودة غير ملائمة مع طبيعة المحمية، وتتوقف الحركة في الخريف.
مشاكل ومهددات
وقال مدير محمية الدندر اللواء جمال الدين آدم بلة إن المحمية، تواجه مشاكل عدة أخطرها الجفاف الذي يمثل تهديداً لوجودها ومعالجة الأمر تحتاج إلى دراسات كثيرة من وزارة الري لمعرفة أسباب جفاف (الميعات) التي تعتمد عليها الحيوانات في شرابها، وينقل الجفاف أعشاب غير مرغوبة تعمل علي تحطيم المرعى، وأضاف نعمل علي معالجة مشكلة الجفاف باجتهادتنا فقط، بالإضافة إلى مشكلة وجود أعداد كبيرة من قبائل غرب أفريقيا (أمبررو) وأثبتت الدراسات أن تلك القبائل تنقل أمراضاً فيها خطورة وتهديد للحيوانات، وتمثل مشكلة النيران التي تشتعل في الغابات بسبب المراعي والعسالة خطراً آخر على الحياة البرية، وقال إن طرق الحماية التي نتبعها طرق بدائية وغير فعالة، لا تستطيع تغطية المساحة الكبيرة للمحمية، ولكي تتم الحماية بصورة أفضل نحتاج إلى طوافات لتأمينها، وإلى إجراء البحوث والدراسات حتى نتمكن من إعادة ما انقرض من الحيوانات، وحتى يتم مجاراة المتغيرات البيئية الناتجة من شح الأمطار، وأوضح أن تنمية وتطوير المحمية تحتاج إلى تدخل جهات عدة، والى امكانيات ضخمة.
عدنا أدراجنا إلى الخرطوم، وفي مخيلتنا الكثير المثير عن هذه المحمية التي عانت من الإهمال طويلاً، رغم أنها تعد ثروة قومية لم تستغل بعد.
الدندر :ناهد عباس
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق