بدأ الرئيس السوداني، عمر البشير، بأدائه القسم الرئاسي، يوم الثلاثاء، ولاية رئاسية خامسة تمتد خمسة أعوام لتمثّل بنهايتها محصلة حكم ثلاثين عاماً. وشكل الرؤساء الأفارقة، الذين شاركوا في مراسم التنصيب، حضوراً لافتاً، بعدما حشد حزب المؤتمر الوطني الحاكم للحفل الطاقات والموارد كافة. كما نشطت الدبلوماسية السودانية، خلال الفترة الماضية، بهدف إقناع عدد من رؤساء الدول للمشاركة في الحفل، لا سيما بعد حالة الإحباط التي أحدثتها مقاطعة الشارع السوداني الواضحة للانتخابات الرئاسية التي أجريت في نهاية أبريل/نيسان الماضي.
وشارك في حفل التنصيب رؤساء كل من مصر وتشاد وجيبوتي والصومال وجزر القمر وكينيا وزيمبابوي، فضلاً عن رئيس الوزراء الأثيوبي، ونائب رئيس دولة جنوب السودان. في المقابل، بدا واضحاً غياب رؤساء الدول الخليجية والعربية الذين اكتفوا بإرسال ممثلين عنهم، على الرغم من تمكن الخرطوم، خلال الأشهر الماضية، من تحسين العلاقة مع دول الخليج على وجه التحديد، لا سيما بعد مشاركة السودان في التحالف الذي تقوده السعودية في اليمن.
ويمثّل الغياب العربي، من وجهة نظر بعضهم، مؤشراً على عدم ثقة تلك الدول في النظام الحالي في الخرطوم وحاجتها إلى مزيد من التطمينات للمضي قدماً في علاقاتها معه، لا سيما أن مسار العلاقة مع الخليج لا ينفصل عن علاقة السودان مع الدول الغربية، وتحديداً الولايات المتحدة. أما في ما يتعلق بحضور الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي مراسم التنصيب، يرى مراقبون أن مصالح القاهرة في ما يتصل بقضية سد النهضة الأثيوبي تقف وراء مشاركته، على الرغم من المحاذير الأمنية، باعتبار أن الاحتفال تم في منطقة مفتوحة "البرلمان".
إلا أنّ ذلك لم يمنع السيسي من المشاركة، لكن وسط حماية أمنية استثنائية شملت نقله من المطار إلى مقرّ البرلمان السوداني بطائرة مروحية، على الرغم من أن المسافة بين المطار والبرلمان لا تتعدى الخمس دقائق.
في غضون ذلك، لم يحمل خطاب الرئيس السوداني، عقب التنصيب، جديداً يذكر، لكنه حمل إشارات فيما يتصل بإرهاصات سابقة كان شقيقه، عبدالله البشير، قد أثارها قبل فترة، حين لمّح إلى إمكانية أن يعلن البشير نفسه رئيساً قومياً ويتخلى عملياً عن حزب المؤتمر الوطني. ووقتها خرجت قيادات في الحزب الحاكم لتؤكد أن البشير مرشح لحزب المؤتمر الوطني، وأي خطوة لإعلان انسلاخه عن الحزب وتنصيب نفسه رئيساً قومياً ستفقده الشرعية. لكن البشير، في خطابه أمس، أشار صراحة إلى أنه سيكون رئيساً للجميع، سواء من قاطع الانتخابات أو شارك فيها، الأمر الذي قاد محللين إلى القول إن حديث البشير إشارة إلى تبنيه الخطوة.
وجدد البشير دعوة المعارضة السياسية والمسلحة، على حد سواء، إلى الدخول في الحوار الوطني، الذي أكد اكتمال كافة الترتيبات لانطلاقه خلال أيام. وشدد الرئيس السوداني على أن الباب لن يوصد أمام تلك القوى للالتحاق بالحوار الذي عدّه صمام أمان لحماية أمن البلاد وتجنيبها مصير كثير من دول الإقليم. ولم يفت البشير أن يؤكد تمسكه "بالشريعة الإسلامية، فضلاً عن تحقيق وحدة البلاد شعباً وأرضاً ونبذ الجهويات (المناطقية)، والسعي إلى تحقيق السلام".
كذلك، أكد البشير أنه سيفتح صفحة جديدة عنوانها الوفاق وجمع الصف الوطني والسلام الشامل وتحقيق رفاهية الشعب.
كما حدد الرئيس السوداني ملامح ولايته الجديدة في إجراء حوار مع كافة الدول الغربية، لتحسين علاقة البلاد بها. وهو أمر يتوجب على النظام لتحقيقه تقديم تنازلات كبيرة في ما يتصل بقضية التسوية السياسية وتحقيق السلام في البلاد، ومن ثم الانتقال لأداء أدوار إيجابية في ما يتصل بالأزمات التي تضرب الإقليم.
وفي أول رد فعل داخلي على بدء البشير ولايته الجديدة، سارع الحزب الشيوعي المعارض إلى التأكيد، في بيان، أنه يتجه إلى التعامل مع حكومة البشير باعتبارها أمراً واقعاً بالاستناد إلى التزوير الذي تم في الانتخابات الأخيرة. وشدد الحزب الشيوعي على أن "الكرة لا تزال في ملعب النظام لتقديم مبادرة ملموسة لانعقاد المؤتمر التحضيري للحوار في أديس أبابا بعيداً عن الكلام العام عن الحوار الذي لن يخدع أحدا". واعتبر الحزب الشيوعي أن الضجة الإعلامية الكبيرة حول تنصيب البشير ودعوة عدد كبير من الرؤساء أتت لرفع المصداقية حول نزاهة الانتخابات، ولصرف الأنظار عن تزويرها.
الخرطوم ــ العربي الجديد