عثمان ميرغني |
والي الخرطوم الجديد الفريق أول عبد الرحيم محمد حسين بدأ رحلته مع الولاية بمراجعة (الاستعداد لموسم الخريف).. ولو كنت في مكان الوالي الجديد لاستدعيت كل من له علاقة بحكاية (موسم الخريف) وأصدرت أمراً صارماً ( أوقفوا فوراً أي استعدادات لفصل الخريف)..
نظرة متفحصة لعشرين عاماً ماضية..تكشفان حكومة ولاية الخرطوم في مثل هذه الأيام من كل عام تنشغل بـ(الاستعداد لموسم الخريف).. بالله هل رأيتم عاصمة في كل العالم.. عليها أن تستعد لفصل الخريف كل عام.. فكيف تعيش العواصم التي أمطارها طوال العام تقريباً ( حوالي تسعة أشهر)..
ربما كثير من القراء زاروا الاسكندرية ورأوها كيف تغتسل بالأمطار لشهور.. هل يعلن محافظ الاسكندرية عن برنامج (الاستعداد لموسم الأمطار) كل عام..
عيب على الخرطوم أن تظل عمرها كله تكون اللجان وتحشد الآليات والأموال لمجابهة الـ(أربعة مطرات) التي تغسلها كل عام..رغم عمليات فتح المجاري التي تخرج الأنقاض والتراب من المجاري وتتركها بجانبها لتعود إلى موضعها في أقرب فرصة.. ثم تتكرر العملية كل عام..
لو حسبت الخرطوم ما تنفقه في حكاية (الاستعداد لموسم الأمطار) كل عام.. ولعدة أعوام ماضية لاكتشفت أنه كاف لحفر مجاري تصريف سطحي للمياه في كل شبر من الولاية.. لتتحول الأمطار من (نقمة) تفزع الناس كل عام إلى موسم ربيعي جميل يخرج الناس مع كل (مطرة) لاستنشاق الهواء والتنعم بالمناظر.. بدلاً من أن يبيت الناس الليالي يحملون المجاريف لتصريف المياه من منازلهم ثم لا ينفع حيث تسقط على روؤسهم.
لو كنت مكان الوالي الجديد لأعلنت للمواطن .. (الخريف العام هذا عليك.. وعلينا بعده كل خريف).. ولطلبت من كل الادارات المختصة أن تشرع فوراً في التخطيط لأكبر شبكة تصريف سطحى للمياه.. وتوفير كل الأموال والآليات لهذه الشبكة..
والعجيب.. مشكلتان متناقضتان لكنهما متلازمتان.. في كل عام مع بداية فصل الصيف يبدأ الناس في الشكوى من انقطاع مياه الشرب.. ويتطور الأمر أحياناً ليصل حد التظاهر والاحتجاج الجماعي.. وقبل أن يهدأ خاطر المواطن يتفاجأ بالأمطار التي تغرق الشوارع والبيوت وتطيح ببعضها.. فيبدأ الصراخ هذه المرة من كثرة المياه.. صورة متناقضة وساخرة ترسم الطريقة التي نعالج بها مشكلاتنا..
كتبت هنا قبل عامين أنصح الوالي السابق د. عبد الرحمن الخضر.. أن يحيل قضية (المياه) إلى خبراء مختصين ومتفرغين.. واقترحت أن تتحمل الولاية تكلفة تأسيس مركز علمي متخصص تحت اشراف أي جامعة ليتفرغ لدراسات المياه.. يوفر الدراسات المتخصصة ويضع الخيارات العلمية السليمة في أيدي التنفيذيين.. فواحدة من أكبر الأخطاء التي نرتكبها الآن أننا نضع البيض كله في سلة (التنفيذيين) هم الذين يخططون ثم ينفذون .. وهم الذين يرصدون النتائج ثم يقيمونها..
التيار