نشرت (افريكا كونفدنشيال) تقريراً عن هروب عمر البشير من جنوب افريقيا ، فى عددها بتاريخ 18 يونيو الجارى .
هرب الرئيس عمر حسن أحمد البشير مرة أخرى من براثن المحكمة الجنائية الدولية، بيد أن ظهوره المزعج في قمة الاتحاد الأفريقي وإقلاعه المتعجل من تشوان (بريتوريا) سوف يتردد صداه في السودان، وجنوب أفريقيا وخارجهما. لقد أعطت حكومته الجديدة رسائل متناقضة وبدت مصدومة من حقيقة أن القضاة في جنوب أفريقيا لا يأخذون الأوامر من حكومتهم.
وفي الوقت نفسه، يتساءل السياسيون والصحفيون الجنوب الأفريقيون عن الذي تغير منذ عام 2009، عندما قال الرئيس جاكوب زوما في تلفزيون سي إن إن CNN إنه سيأمر باعتقال الرئيس عمر لو وصل جنوب أفريقيا في أي وقت. وأوضح زوما إن بلاده تعطي الأولوية لالتزاماتها بموجب المعاهدات الدولية. وكانت جنوب أفريقيا واحدة من أولى الدول الأعضاء للمحكمة الجنائية الدولية، وكانت من بين أوائل الدول التي صادقت على نظام روما الأساسي الذي تأسست عليه المحكمة، ثم أدرجت أحكامه في قانونها الوطني.
بدأت الأزمة حينما هبطت طائرة المشير عمر في وقت متأخر يوم 13 يونيو في مطار أور تامبو الدولي بجوهانسبرج. أصر مسؤولوه أنهم تلقوا تطمينات من جنوب أفريقيا أنه يتمتع بالحصانة السياسية باعتباره رئيس دولة يحضر قمة الاتحاد الأفريقي. في عام 2009 وعام 2010، أصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرات اعتقال بحقه بتهم متعددة متعلقة بالإبادة الجماعية وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية (آفريكا كونفدنشيال المجلد 49 رقم 16، إنقاذ عمر).
قبل أسبوعين من القمة، نشر حزب المؤتمر الوطني الأفريقي (ANC) في الجريدة الرسمية وعلى عجل ضمانه حصانة من الاعتقال لجميع رؤساء الدول الحضور للقمة. ومع ذلك، فإن النشطاء الحقوقيين والقانونيين جادلوا بأن هذا الضمان لا يمكنه أن يرجح على التزامات جنوب أفريقيا الدولية.
في وقت مبكر من يوم 14 يونيو، قدم مركز جنوب أفريقيا للتقاضي (SALC)، وهو منظمة غير حكومية معنية بتعزيز حقوق الإنسان وسيادة القانون، قدم طلباً للمحكمة العليا بشمال غوتنغ في تشوان بالقبض على عمر. وقال إن عدم إلقاء القبض عليه (يتعارض مع دستور جمهورية جنوب أفريقيا، لسنة 1996)، ودعا المخاطبين إلى (اعتقاله مؤقتاً) كما تتطلب التزامات الدولة.
وضع مركز جنوب أفريقيا للتقاضي أربعة وزراء كمخاطبين (وزراء العدل والشرطة والعلاقات الدولية والشؤون الداخلية)، ومفوض الشرطة وسبعة من كبار المسؤولين، بما في ذلك مدير النيابات العامة. حكم القاضي هانز فبريسوس بأن هناك حالة تقتضي الإجابة وأن الرئيس عمر يجب أن يحتجز في البلاد حتى تتداول المحكمة العليا في القضية في صباح اليوم التالي. وطلب أيضا دليلا من المدير العام للشؤون الداخلية أن المسؤولين على كافة المراكز الحدودية قد أبلغوا بذلك.
وبينما شاهد العالم الجلسة، دعا العديدون لاعتقال عمر وكان من بينهم الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، والحركة الشعبية لتحرير السودان- شمال، وبريطانيا، ومنظمة العفو الدولية، وحزب الأمة القومي (ولكن ليس الصادق الصديق المهدي الذي دعا للعدالة (المحرية) بدلا من العقابية).
حينما بدأت زيارة عمر تنكشف، أصر وزير العدل في جنوب أفريقيا مايكل ماسوثا على أن ضمانات الحصانة كانت سليمة من الناحية القانونية، وأن محامي الدولة سوف يجادل عن قضيته في المحكمة العليا (آفريكا كونفدينشيال المجلد 55 رقم 11، مجلس وزراء الموالين). وفي الوقت نفسه، غرد سلاح الجو السوداني في التويتر قائلا بأن قائده قد طار عائداً للوطن ظهر الأحد. ولم يكن ذلك صحيحاً، ولكن طائرة الحكومة السودانية كانت قد نقلت سراً من مطار أور تامبو إلى قاعدة وتركلوف التابعة لسلاح الجو قرب تشوان.
في صباح اليوم التالي في الساعة 11.30، عقد القاضي دونستان ملامبو، رئيس شعبة غوتنغ والمتخصص في القانون للمصلحة العامة، عقد هيئة مؤلفة من ثلاثة قضاة للنظر في القضية. تضمنت الهيئة كذلك فبريسوس ونائب القاضي الرئيس أوبري ليدوابا.
بعد حوالي ساعة، سأل ملامبو مدعي الدولة، وليام موخاري، ما إذا كان الرئيس السوداني قد غادر البلاد. فأجاب أن مثل هذه التقارير (مثيرة للدهشة لنا). وأنه (ليس لدي تأكيد برحيله، وبالتالي فإن المحكمة لديها اختصاص. إلى حد علمي)، كان لا يزال في جنوب أفريقيا. لقد كان ذلك حاسما: إذا غادر عمر أو كان معروفا للمحكمة العليا إنه قد غادر البلاد، فإن المحكمة لم يكن بإمكانها الاستمرار في الحكم على هذه القضية.
في الحقيقة فإن عمر ووزير الخارجية إبراهيم أحمد غندور كانا قد اصطحبا إلى وتركلوف مع عشر سيارات شرطة قبل ساعات قليلة من بدء إجراءات المحكمة العليا. هذا الاستخفاف بأمر المحكمة في اليوم السابق وما انطوى عليه من خداع للجمهور هو الآن موضوع تحقيق حكومي آخر. ولمزيد من الإحراج لحكومة زوما، شكر إبراهيم غندور مضيفيه لضمان المرور الآمن للرئيس السوداني خارج البلاد.
وفي ظهر ذلك اليوم، حكم القضاة الثلاثة في جنوب أفريقيا بأن الفشل في اعتقال عمر البشير انتهاك للدستور وانه يجب القبض عليه ونقله إلى عهدة المحكمة الجنائية الدولية. وبعد أن اعترف المدعي العام للدولة بأن عمر قد غادر البلاد، ملمحاً بأن اسمه لم يكن على قائمة الركاب عندما حلقت الطائرة الحكومة السودانية بها. كما طالب القضاة كذلك بالتحقيق في الاستهانة بالأوامر الصادرة عنهم في وقت سابق.
إن القضية قد أضرت بالحكومتين السودانية والجنوب أفريقية.
وكانت هذه هي المرة الثانية التي أجبر فيها الرئيس عمر على الفرار من بلد أفريقي حيث كان يحضر اجتماع الاتحاد الافريقي. فقبل عامين، كان قد غادر على عجل اجتماعا في أبوجا بعد أن قدم محامو حقوق الإنسان النيجيريون التماسا في المحكمة العليا هناك لاعتقاله.
ولا يمكن للاحتفال المنظم بعناية في مطار الخرطوم في يوم 15 يونيو أن يموه على المذلة الرئاسية التي حدثت مؤخراً . ويتفاقم الضرر المحلي من خلال الأضرار التي لحقت بمغازلة السودان لأفريقيا مؤخراً. وتفهم آفريكا كونفدينشيال أن القوات المسلحة السودانية أيضا غاضبة حول الطريقة التي تعاملت بها الحكومة مع هذه القضية. القوات المسلحة السودانية تعلم أن الرجل الذي تعتمد عليه قد أفلت بكل صعوبة (بجلدة أسنانه).
وتخبط الوزراء فوق بعضهم الآخر ليقولوا إنه لم يكن هناك أي خطأ، وكان قلقهم بائناً للجميع. واستلم زمام المبادرة إبراهيم غندور وزير الخارجية الجديد ومساعد رئيس الجمهورية سابقا وصاحب سلسلة من المناصب العليا في حزب المؤتمر الوطني الحاكم. بروفسر إبراهيم، الذي يحمل الجنسية البريطانية، يتفاخر بأنه بصير بمعالجة الأمور، لذلك عندما ظهر حائراً بشكل حقيقي في جنوب أفريقيا، فإنه لم يقدم الكثير لمهنته. وحينما وصل عمر الخرطوم، لم يمكنه حبس دموعه. (لقد كانت الدموع الفرج) كما لاحظ أحد كبار المعارضين. (فقد كان يعرف أن رأسه كان يمكن أن تطيح). ثم ضمنت (مشاكل فنية) أن رد فعل عمر ذهب بدون أن تسمعه الأمة.
وفي جنوب أفريقيا فإن الضرر لا يزال أكثر جدية. فالحكومة لم تضرب بأمر المحكمة العليا بعرض الحائط وحسب، ولكن مسؤوليها يعتبرون على نطاق واسع قد كذبوا بشأن الحقائق الرئيسية في هذه القضية. شكك الأب ديزموند توتو في أخلاق الحكومة التي ترفض منح تأشيرة دخول للدالاي لاما، وتنزين غياتسو، ولكنها تكسر التزامات معاهدة دولية لاستقبال زعيم متهم بارتكاب إبادة جماعية (آفريكا كونفيدينشيال المجلد 4 رقم 12، الدالاي لاما ملقى مرة أخرى).
وكانت حكومة زوما تأمل بأن تنظيمها لمؤتمر الاتحاد الأفريقي من شأنه أن يساعد على تحسين العلاقات مع الدول في المنطقة بعد أعمال العنف ضد المهاجرين الأفارقة التي اندلعت في بلداتها في أبريل. وقد أرادت أيضا إعادة تأكيد الدور الرئيسي في حفظ السلام وفض النزاعات: فقد لعبت تحت قيادة زوما دور الوسيط الرئيسي في الأزمات في بوروندي وجمهورية الكونغو الديمقراطية.
وقال الوزير السابق طوكيو سكسويل للصحفيين بينما كانت قمة الاتحاد الافريقي جارية، إنه كان غير مقتنع بتفسير الحكومة لمدفوعاتها لجاك وارنر، نائب الرئيس السابق للاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا)، الذي كان قد اتهم من قبل الولايات المتحدة بعد أن تفاوض أبناؤه على صفقة مع وزارة العدل الأميركية.
حولت قصة عمر الاهتمام من جدول أعمال قمة الاتحاد الإفريقي الرئيسي بالبحث عن حلول لأزمات بوروندي وجنوب السودان، ومن موضوعه حول تمكين المرأة، وبدلا من ذلك، فإنها أثارت المزيد من التساؤلات حول موقف حكومة حزب المؤتمر الوطني الأفريقي من المحكمة الجنائية الدولية. حتى الآن فإن جنوب أفريقيا، التي تسعى لمقعد دائم في مجلس الأمن الدولي، تجادل ضد البلدان الأفريقية التي غادرت المحكمة الجنائية الدولية بشكل جماعي احتجاجا على كثرة الحالات الأفريقية في المحكمة. بدلا عن ذلك، فقد دفعت لإصلاح المحكمة تحت قيادة فاتو بنسودا، المحامية الغامبية التي حلت محل الارجنتيني لويس مورينو أوكامبو بوصفها المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية.
الآن، يقول المؤتمر الأفريقي الوطني إن المحكمة ‘لم تعد مفيدة للأغراض المقصودة بها – كونها محكمة الملاذ الأخير لمحاكمة الجرائم ضد الإنسانية”. جادلت اللجنة التنفيذية الوطنية للحزب، والتي لا يزال يسيطر عليها أنصار زوما بالقول (إن حقيقة أن الامتثال لأوامراللمحكمة الجنائية الدولية طوعي ويمكن للبلدان اختيار ما إذا كنت تريد أن توقع أم لا، يعني أن انتهاكات الحقوق الجسيمة التي ترتكبها الدول غير الموقعة تمر دون عقاب). هذا يعني أن (البلدان، ولا سيما في أفريقيا وأوروبا الشرقية، والتى بسبب التزامها الثابت بالتمسك بحقوق الإنسان والعدالة الدولية)، كانوا أعضاء، (تتحمل دون مبرر وطأة قرارات المحكمة الجنائية الدولية)، (والسودان هو أحدث مثال). وخلصت إلى أنه، لذلك ينبغي للأمم المتحدة إجبار كافة الأعضاء على الانضمام إلى المحكمة.
وأشار توتو والمدافعون البارزون عن المحكمة الجنائية الدولية في جنوب أفريقيا إلى أن جميع الحالات الأفريقية تم إحضارها من قبل حكومات أفريقية. الاستثناءات هي حالات كينيا، والتي نجمت عن وساطة كوفي عنان، ثم الأمين العام للأمم المتحدة UNSG، وإحالة السودان كانت من قبل مجلس الأمن الدولي، في قرار يدعمه أعضاء غير دائمين من أفريقيا في مجلس الأمن (الصين وروسيا من الدول الخمس دائمة العضوية تجاهلتا طلب السودان في الاعتراض على تلك الإحالة بحق النقض).
في الأثناء، قام الناشط في اللوبي السوداني ديفيد هولي، الذي يدير جماعة تسمى مركز بحوث أفريقيا بالانتشار والوجود في كل مكان على وسائل الإعلام في جنوب أفريقيا، معلنا أن الجهود المبذولة لاعتقال عمر مضيعة هائلة لـ(وقت الاتحاد الافريقي الثمين) وأن المحكمة الجنائية الدولية هي خليج غوانتانامو أفريقي (آفريكا كونفدينشيال المجلد 42 رقم 17، الطيور على أشكالها).
نشطاء محليون شككوا في مصداقية هولي الزيمبابوي الذي كان في الماضي ناشطا متحمسا في اللوبي لحركة المتمردين من المقاومة الوطنية الموزامبيقية وانكاثا مانجوسوثو قاتشا بوتيليزي في كوازولو ناتال. وفي عام 2001، طبعت صحيفة الغارديان اللندنية صورة لهولي ونائب رئيس الاتحاد البريطاني للطلاب المحافظين، يحمل ملصقاُ يحمل نقشاً (اشنقوا نيلسون مانديلا).
هذه الضغوط لم تقلل من حماس بنسودة أو صدّيقي كابا، الذي انتخب العام الماضي رئيسا لجمعية الأحزاب الحاكمة. وكابا هو وزير العدل السنغالي ويريد تحسين العلاقات مع القارة. قال للصحفيين من أجل العدالة في أبريل إن (أفريقيا ليست ضد المحكمة)، وإن (الدول لم تستسلم أو تقيد سيادتها).
ووفق ما كتبت الصحافية اريكا جيبسون في شبكة 24 Netwerk24 فإن الاستسلام قد يكون في عقول الـ 802 جندي في كتيبة جنوب أفريقيا في دارفور. وذلك على أساس مقابلات مع الجنود جنوب الأفريقيين وأعضاء نقاباتهم العمالية. وكتبت تقريراً يوم 16 يونيو أن وحدات من قوات الدفاع الوطني في جنوب أفريقيا الذين يعملون مع بعثة الامم المتحدة والاتحاد الافريقي في دارفور (يوناميد) قد أحيطت بالجيش السوداني خلال جلسات المحكمة في غوتنغ يومي 14 و 15 يونيو. وقال الجنود إن الحصار لم ينته إلا بعد أن هبط عمر البشير في الخرطوم. ومع ذلك، نفت كل من الأمم المتحدة وقوة الدفاع الوطنى تلك التقارير، بينما فشلت محاولات آفريكا كونفدنشيال المتكررة في إجراء اتصال هاتفي بيوناميد في مقرها بالفاشر ولم تتلق سوى رسائل ‘الرقم غير موجود” أو الرنين المستمر.
وتثير هذه التقارير أسئلة أخرى حول يوناميد، والتي يمكنها أن تنتشر فقط بإذن الخرطوم ومع ذلك من المفترض أن تحمي المدنيين من النظام ذاته الذي تهاجمهم قواته. نفى بان كي مون التقارير الصحفية حول وجود تغطية مقرة من قبل كبار المسؤولين في يوناميد لانتهاكات الحكومة السودانية في دارفور.
وينظر على نطاق واسع إلى يوناميد بأنها فاشلة، كما تم الاعتراف بسهولة بذلك في محاضرة الشهر الماضي فى عيد قوات حفظ السلام التابعة للامم المتحدة في المعهد الملكي للخدمات المتحدة في لندن ألقاها الجنرال (متقاعد) روبرت غوردون، وهو الآن مستشار كبير للأمم المتحدة. ومع ذلك يشعر المدافعون عن حقوق الإنسان ومعظم المعارضين السودانيين بأن وجودها هو أفضل من عدمه: انهم لا يريدون سوى أن تكون أكثر نشاطا في الدفاع عن المدنيين.
الرئيس عمر، والذي أهم قاعدة لسلطته داخل النظام هى الجيش، يحاول أن يسحب يوناميد كليا من دارفور. ولقد دعت هيومن رايتس ووتش لقدر أكبر من الحماية للمدنيين بدلا من الانسحاب. وقالت الأمم المتحدة إن أكثر من 50,000 شخصا قد نزحوا في الربع الأول (من هذا العام) وحده، على الرغم من أن الرقم كان (على الأرجح أعلى). ويستمر الصراع في دارفور بما في ذلك قصف القرى من قبل سلاح الجو السوداني، مرتين في الأسبوع الماضي وحده. وبسبب مثل هذه الفظائع في دارفور تحديداً فإن المحكمة الجنائية الدولية حملت عمر المسؤولية ووجهت له التهم في 2009 و 2010.
حريات