الاثنين، 13 يوليو 2015

الكشف عن اختلاس مدير شركة 4 مليارات جنيه


الخرطوم: سناء المادح
كشفت نيابة المال العام، أمس (الأحد)، عن اختلاس مبلغ 4 مليارات جنيه، قام بها مدير شركة للتعدين.
وأوضح المتحري أمام قاضي محكمة المال العام، أمس (الأحد)، أن الشاكي تقدم بفتح بلاغ ضد المتهم، يفيد فيه بأن تمت مراجعة حسابات الشركة، وأشار إلى أنهم وجدوا فروقات تصل 4 مليارات جنيه في الأرباح السنوية للشركة، وأضاف تم عمل إجراءات ضده، وأنكر المتهم التهمة المنسوبة إليه، وذكر أنه قام بصرف المبلغ داخل الشركة، وحددت المحكمة جلسة 30/7/2015 لسماع الشاكي
التغيير

القبض على 16 سودانيا يحاولون التسلل إلى إسرائيل

اعلنت السلطات الامنية المصرية ، في بيان أمس ، ان وحدات الأمن المركزي تمكنت من إحباط محاولة تسلل 16 سودانياً إلى إسرائيل عبر شمال سيناء ، بمنطقة وسط سيناء بالقرب من العلامة الدولية53.
وأضاف البيان، ان جميعهم من السودان، ويحملون جوزات سفر، ماعدا شخص واحد فقط لم يكن يحمل بطاقة هوية، وتم التحفظ عليهم جميعاً في قسم نخل بوسط سيناء.
(مصدر الخبر صحيفة التحرير المصرية).

صناعة الإعاقة السياسية والإجتماعية في السودان : التمكين والتهميش من منظور مناهج دراسات الإعاقة

ناصف بشير الأمين
في حقل دراسات الإعاقة (Disability Studies) تم تطوير مقاربتين او نموذجين تحليلين متميزين عن بعض ومتنافسين لفهم وتعريف مفهوم الإعاقة. النموذج الأول او التقليدي يعرف بالنموذج الطبي Medical Model و الذي يفهم الإعاقة بإعتبارها ناتجة مباشرة عن الإصابة او المرض او الضعف الجسدي او العقلي الذي يعانيه الشخص المعاق. منهج التحليل الثاني يعرف بالنموذج الإجتماعي للإعاقة Social Model of Disability وهو يرى الإعاقة كحالة مصنوعة صناعة بواسطة المجتمع. وذلك بسبب الحواجز البيئية اوالمؤسساتية اوالسلوكية القائمة في المجتمع، والتي تمنع الأشخاص المعاقين من التمتع بحقوقهم الأساسية، على قدم المساواة مع الآخرين، وليس بسبب المرض او الضعف او الإصابة التي تعرض لها الشخص المعاق. هذه محاولة لإستلاف المنهج الإجتماعي للإعاقة من مجاله الأصلي وهو دراسات الإعاقة، بغرض توظيفه لتحليل وفهم ظاهرة إجتماعية – سياسية أخرى هي ظاهرة التهميش السياسي والإقتصادي للسواد الأعظم من السودانيين، من قبل المجموعة الإسلاموية المسيطرة تحت سياسة التمكين. وسبب اخيتار هذا النموذج – كما سنبين لاحقا- هو التشابه بين الظاهرتين موضوع الدراسة بإعتبار أن جوهر الإثنين هو ممارسة التمييز Discriminationمن خلال بناء ونصب الحواجز التي تعترض المجموعات المميز ضدها. وذلك بغرض حرمانها من الإندماج والمساهمة الكاملة في المجتمع ومن التمتع على قدم المساواة مع الآخرين بحقوقها الأساسية السياسية والإقتصادية والإجتماعية. والنتيجة هي خلق حالة الإعاقة الحركية او التقليدية في الحالة الأولى وخلق ما اسميته ب((الإعاقة السياسية-الإجتماعية)) في الحالة الثانية.
النموذج الطبي للإعاقة Medical Model of Disability
وفقا للنموذج الطبي، فإن الإعاقة تفهم على أساس أنها مشكلة فردية تتعلق بالشخص المعاق. والإعاقة حسب هذا النموذج تعتبر ناتجة مباشرة عن مرض او إصابة او أي ظرف طبي. اذا كانت لشخص ما، علي سبيل المثال، مشكلة في النظر او الحركة او السمع، فإن عدم قدرته على النظر او السمع او الحركة كانت تفهم (وفقا للنموذج الطبي) على أساس انها هي نفسها الإعاقة الخاصة بذلك الشخص. او بمعنى اخر فإن المشكلة ناتجة عن الطريقة التي تشكل من خلالها جسد الشخص المعاق. بناءا على هذا المنظور الطبي التقليدي (الذي كان سائدا حتى ستينات القرن الماضي) فإن الإعاقة تتطلب رعاية طبية تقدم في صورة علاج فردي بواسطة إختصاصيين لتصحيح المشكلة الخاصة بالفرد المعاق. جن يانقا Chen Yanga يرى ان هذا التعريف يشير ضمنا الى ان الإشخاص المعوقين يفتقدون قدرات إنسانية أساسية، ومن ثم لن يكون في إمكانهم على الإطلاق ان يعيشوا حياة طبيعية. يرى الكثيرون ان الفهم المبني على النموذج الطبي للإعاقة يؤثر أيضا على الطريقة التي ينظر بها الأشخاص المعاقين الى أنفسهم. العديد من الناس المعاقين يجعلهم ذلك الفهم يضمرون النظرة السلبية لذواتهم والتي فحواها ان كل مشاكلهم كأشخاص معاقين ناتجة عن كونهم ليس لديهم أجساد عادية. كذلك يمكن ان يقود هذا الفهم الناس المعاقين الى الإعتقاد بأن الضعف الذي يعانونه يمنعهم تلقائيا وبطريقة الية من المشاركة، على قدم المساواة، في النشاطات الإجتماعية المختلفة.
النموذج الإجتماعي للإعاقة Social Model of Disability
النموذج الإجتماعي ينظر للإعاقة بإعتبارها مشكلة خلقها المجتمع وليست مشكلة تعزى للفرد. وفقا لهذا المنظور، فإن الناس الذين يعانون مرضا او ضعفا او ضررا معينا يعتبرون معاقين بواسطة فشل المجتمع في إستيعابهم وتزويد إحتياجاتهم الفردية والمشتركة ضمن المجرى العام للحياة الإقتصادية والثقافية. هذا النموذج طور بواسطة حركة المعوقين أنفسهم – في أمريكا وبريطانيا ودول أوروبية أخرى. وقد تطور أساسا كنتيجة لتجاربهم مع نظام الصحة والرعاية الإجتماعية –في البلدان الرأسمالية المذكورة – والذي جعلهم يشعرون بالعزلة والظلم الإجتماعيين. مصادرة الفرص وتقييد الخيارات والحق في إتخاذ القرارات في الشئون الخاصة و عدم السيطرة على نظام الإعانة والمساعدات في حياتهم قادهم كل ذلك الى أن يسائلوا ويشككوا في الإفتراضات المؤسسة للسيادة التقليدية للنموذج الطبي للإعاقة. من خلال هذا المنظور الإجتماعي، تفهم الإعاقة باعتبارها علاقة عدم مساواة ضمن مجتمع لا تحظى داخله إحتياجات الأشخاض الذين يعانون مرضا اوضعفا او ضررا معينا بأي إعتبار او بإعتبار قليل. الناس الذين لديهم ضعف او ضرر ما، تتم إعاقتهم من خلال واقعة انهم مستبعدون من المساهمة ضمن التيار العام للمجتمع كنتاج للحواجز الفيزيائية والمؤسسية و السلوكية. من وجهة نظر الباحثة ساندرا فردمان Sandra Fredman فإن ذلك ناتج عن حقيقة ان المؤسسات الإجتماعية، وطرق التعامل والبيئة القائمة كل هذا تم تشييده من أجل الأشخاص غير المعاقين Able-bodied persons. لهذا يركز المنظور الإجتماعي للإعاقة على الحواجز الإقتصادية و البيئية و الثقافية والتي يمكن ان تمنع المشاركة الكاملة والمتساوية في المجتمع. تشمل هذه الحواجز: أنظمة المعلومات والتعليم، والإتصالات التي لايمكن الوصول اليها بواسطة الأشخاص المعاقين Inaccessible ، بيئة العمل و التوظيف، المساعدات المالية غير الكافية للمعاقين، خدمات الصحة والرعاية الإجتماعية التمييزية، صعوبة إستخدام والوصول الى : المواصلات العامة، المساكن، المباني والمرافق العامة، وكذلك المهانة التي يتعرض لها الأشخاص الذين تطلق عليهم صفة معاقين من خلال الصور والتعليقات السالبة في الإعلام..الخ. وكما قال يانقا، فإن المجتمع وليس الفرد يتوجب، لهذا السبب، تغييره من أجل استيعاب المعاقين. من خلال إزالة هذه الحواجز السلوكية او البيئية، فإن الأشخاص المعاقين يمكنهم ان يساهموا كأعضاء فاعلين في المجتمع وأن يتمتعوا بطيف كامل من حقوقهم الإنسانية.فلنضرب مثال الصورة (التي تحولت لأشهر البوسترات التي وظفتها حركات حقوق المعاقين منذ سبعينات القرن الماضي) والتي يظهر فيها شخص معوق وهو يجلس على كرسي متحرك، ويقف محتارا أمام درجات السلم المؤدية لمدخل مبنى، غير قادر على صعود درجات السلم بواسطة كرسية المتحرك. وفقا للمنظور الطبي للإعاقة، فإن هذا الشخص لايستطيع دخول المبنى (لوحده دون مساعدة) بسبب الإعاقة نفسها. أما وفقا للمنظور الإجتماعي فإن سبب فشل هذا الشخص في دخول المبنى ناتج عن عدم وجود مصعد او ممر صاعد مستوى يمكن ان يسير عليه الكرسي المتحرك، وليس الإعاقة: بمعنى اخر ان المبنى صمم أساسا لفائدة الأشخاص غير المعاقين Able-bodied ومن ثم يصعب الوصول اليه Inaccessible بالنسبة للأشخاص المعاقين. وبالتالي فإن الحل هو في إعادة تصميم المبنى بحيث يمكن الدخول اليه بواسطة الأشخاص المعاقين – وغير المعاقين على السواء – وذلك عن طريق إضافة مصاعد خاصة او ممر مستوى يصلح لسير الكراسي والعجلات المتحركة التي يستخدمها المعاقين. ويمكن ان يقال نفس الشي عن شخص غير قادر مثلا على قراءة معلومات مكتوبة بسبب إنه أعمى، ولكن يمكنه الإطلاع عليها من خلال تزويدة بنسخة مكتوبة بطريقة برايل Brailleاو مسجلة صوتيا. النظرة المعاكسة (التى تتغذى على المنظور الطبي للإعاقة) والتي تعمل على تعزيز هذه الحواجز بدل العمل على إزالتها وعلى التمييز ضد المعاقين فيما يتعلق بالتمتع بحقوقهم المدنية والسياسية والإقتصادية، يطلق عليها مصطلح Disabilism ويمكن ترجمته بالإعاقوية. وهي تعتبر نوع او شكل من أشكال الإضطهاد المتعددة مثل العنصرية Racism او معاداة الجنس الآخر Sexism . هذه الإعاقوية التي تعمل على صنع وتعزيز الحواجز –بدل إزالتها- من أجل خلق وتعزيز إعاقة (تكسيح) مجموعة (أقلية) إجتماعية وبالتالي تهميشها وإستبعادها من دائرة المساهمة والمشاركة الكاملة في المجتمع هي التي تعنينا في هذه المقاربة.
سياسة النظام الإسلاموي في السودان في المجالين السياسي والإجتماعي يلخصها العنوان الأيدويولوجي الأبرز وهو ((التمكين)). هدفت هذه السياسات الى الإحتكار الكامل للسلطة السياسية وشبه الكامل للثروة القومية من قبل الطبقة السياسية الإسلاموية الحاكمة والقاعدة الإجتماعية-الإقتصادية المحدودة المرتبطة بها. هذا الإحتكار التمكيني للسلطة والثروة من قبل مجموعة إسلاموسياسية محدودة عددا وقاعدة، في بلد غني بالتعدديات كالسودان، لايمكن ان يتحقق وأن تكتمل حلقات إستحكامه، بالضرورة، دون تهميش وإبعاد (الغالبية) التي أصبحت أقلية مهمشة سياسيا وإقتصاديا. ولما كان التمكين هو الوجه الآخر لعملة التهميش فإن النموذج الإجتماعي للإعاقة يمكن ان يكون مفيدا في تحليل وفهم آليات عمل التمكين-التهميش بإعتبار أن الأخير يعتمد أيضا في آداء وظيفته على آليات إعاقوية Disabilism مشابهة تعمل على إنتاج وصناعة نوع خاص من الإعاقة ذات الطبيعة السياسية.وظيفة الحواجز البيئية والمؤسسية والسلوكية – التي تكون الأدوات والجهاز المفهومي للمنهج الإجتماعي لفهم ظاهرة الإعاقة – الذي ناقشناه، هي منع وحرمان الأشخاص المعاقين من التمتع على قدم المساواة بفرص التعليم والصحة والإسكان والتوظيف…الخ، وبالنتيجة خلق حالة الإعاقة. نفس الوظيفة تؤديها الحواجز التي تشكل آاليات عمل إستراتيجية التمكين-التهميش. حيث تنتصب ذات الحواجز (والتي سنشرح نوعيتها وطبيعتها لاحقا)أمام الفئات الإجتماعية المستهدفة وتعمل على التمييز ضدها وحرمانها من التمتع بالتساوي مع الآخرين بحقوقها الإنسانية الأساسية، سواء الحقوق السياسية كالحق في التعبير والتنظيم والإنتخابات الحرة النزيهة (المشاركة السياسية) وحرية الفكر والدين، او حقوقها الإقصادية والإجتماعية كالتعليم والصحة والسكن والحد الأدنى من المستوى اللائق للمعيشة..الخ، والنتيجة كما في الحالة الأولى هو خلق حالة الشلل والإعاقة ولكن ذات الطبيعة السياسية والإجتماعية. في الحالتين تعمل الحواجز – غض النظر عن نوعيتها- كاليات لممارسة التمييز والتهميش في المجتمع، ضد مجموعات معينة، للحول دون إندماجها ومشاركتها الكاملة في المجتمع والتمتع بحقوق المواطنة المتساوية مع الاخرين. من خلال حرمان هذه الفئات وتجريدها من أدوات وشروط وجودها الإجتماعي والإقتصادي والثقافي الفاعل، تقل وتتعطل بالنتيجة قدرتها على الفاعلية والمبادرة السياسية والإجتماعية وتتحول الى مجاميع من المعوقين المعطلين خارج عن دائرة الحركة السياسية ذات التأثير. وهذا بالضبط ما اعنيه “بالإعاقة السياسية.”
في التجربة الغربية (الرأسمالية) التي طورت فيها حركات حقوق المعوقين النموذج الإجتماعي للإعاقة كمنهج للتحليل، فإن السبب الدافع للنظام الرأسمالي لخلق الحواجز التي تميز ضد المعوقين هو النظرة السائدة للمعوقين- من وجهة نظر رأسمالية صرفة- بإعتبارهم قسما عاطلا وغير منتج من المجتمع: يعيش بالتالي عبئا وعالة على النظام. أما في النموذج السوداني التمكيني، نجد ان النظام الدكتاتوري مؤسس على بنية أيديولوجية إسلاموسياسية – فاشية. ما يميز هذه الآيديولوجيا الإسلامو-فاشية أنها تتأسس بدورها على عقيدة مركزية تؤمن باللامساواة بين البشر وأن بعضهم مفضل على بعض بناء على تراتبية تفاضلية لأديانهم وإثنياتهم. ومثلما أن النازية لايمكن تعترف بالمساواة في القيمة الإنسانية بين الفرد الآري من جهة والفرد اليهودي او الأسود من جهة أخرى، ومثلما أن داعش لايمكن أن تعترف بالمساواة بين المسلم السني السلفي من جهة والمسيحي او البوذي او حتى الشيعي من جهة أخرى، فإن الآيديولوجيا الإسلاموية-الفاشية لا تعترف بالمساواة بين البشر كإخوة في الإنسانية، كقيمة عالمية، غض النظر عن أديانهم وأعراقهم. وبالتالي فإن النظام الإسلاموي الدكتاتوري يمارس سياسية التمييز بين المواطنين على أساس الدين والعرق واللون والثقافة والجهة تطبيقا لهذه العقيدة الآيديولوجية الفاشية التي تؤمن بالتمييز كإيمانها بوجوب (الجهاد) ضد المميز ضدهم. والتي زادت ضراوتها مع بروز التوجهات الجهوية والقبلية للنظام والتي اضافت (حشف) العنصرية الى (سوء كيل) الأصولية والهوس الدينيين. وفي الممارسة السياسية للنظام، نجد أن الآخر المختلف (الشريك في الوطن) ليس هو فقط هدف للتمييز بمختلف أشكاله، وإنما ينظر اليه، في حالات عديدة، كعدو وكموضوع للجهاد المقدس يجب إستئصاله، وبالعدم محاصرته وتجريده من كل عوامل المقاومة والفعالية السياسية. عليه فإن السبب الدافع لنصب الحواجز التي تميز ضد كل الآخرين المختلفين (سياسيا –دينيا-عرقيا-جهويا..الخ) لدرجة الإعاقة، هو النظر اليهم بإعتبارهم مهددا أمنيا لوجود النظام ومشروعه التمكيني، يجب لذلك العمل على تحويلهم الى مجتمع من المعوقين. والإعاقة او (التكسيح) الناتج هنا المقصود به الإعاقة السياسية والإجتماعية. فاذا كانت الإعاقة العادية تمنع صاحب ذلك الكرسي المتحرك، الذي ذكر في المثال، من الحركة الفيزيائية في المكان، فإن الإعاقة الثانية تتم بغرض منع وتعطيل المجموعات المعوقة عن الحركة والصعود السياسي والإجتماعي Social Mobility. وبالتالي يتم قفل الطريق من خلال ووضع الحواجز المتعددة التي تمنع الصعود في السلم السياسي والإجتماعي والهدف هو ان تصبح العلاقات بين من هم في أعلى ومن هم في أسفل السلم السياسي والإجتماعي علاقات ثابتة وقارة ونهائية، وغير خاضعة لقوانين الحركة الإجتماعية. ليس بسبب تعطل هذه القوانين الطبيعية ولكن بسبب إعاقة وتعطيل اللاعبين الآخرين، وفق مخطط هندسة جديدة لقواعد الصعود والهبوط.
للمقارنة بين الظاهرتين، نجد أحد الفروق الأساسية بينهما تتمثل في ان الحواجز البيئية والسلوكية والمؤسسية التي تنتج الإعاقة التقليدية قد تكونت كنتاج لتراكم تاريخي طويل ولتفاعل عوامل مجتمعية وثقافية متعددة، يشترك فيها عدة فاعلين إجتماعيين. ويتحكم فيها بشكل عام الإتجاه العام لتطور النظام الرأسمالي وآليات عمله، ولم تتكون كنتيجة تخطيط او قرار سياسي مباشر. فوجود درجات في مدخل المبنى في المثال الذي ذكرته وعدم وجود مصعد خاص للمعاقين هو نتاج للأسلوب السائد في تشييد المباني العامة، وربما هو تعبير عن تأخر الوعي العام بالإحتياجات الخاصة للأشخاص المعاقين. ولكن من الصعب النظر اليه باعتباره نتاجا لسياسة مخطط لها من قبل السلطة السياسية او الإجتماعية، ومعدة سلفا بغرض التمييز ضد المعاقين. بالمقارنة فإن ما اسميته ب”الإعاقة السياسية والإجتماعية” هو نتاج مباشر لسياسة مخطط لها من قبل السلطة السياسية (هي سياسة التمكين)، بل ومفروضة فرضا بقوة السلاح. اعتمد تنفيذ هذه السياسة على بناء الحواجز الإجتماعية والإقتصادية وتوظيفها كآلية للتمييز ضد قسم من المجتمع، بقصد تحويله الى قطاع معوق ومعطل في المجتمع. والغرض هو تكريس وإدامة سيطرة (غير المعوقين سياسيا وإجتماعيا –المتمكنين) على المعوقين والمعطلين سياسيا وإجتماعيا (المهمشين). فرق آخر وهو نوع الحواجز المستخدمة في الحالتين. في حالة الإعاقة التقليدية نجد أن أغلب الحواجز التمييزية التي تعترض المعوقين هي حواجز ذات طبيعة إقتصادية – اجتماعية (في الغالب فيزيائية) مثل عدم توفير مصعد في المثال المذكور او معلومات صوتية بدل معلومات مكتوبة لشخص أعمى مثلا، او إستبعاد شخص معوق من منافسة على وظيفة بسبب إعاقته: بمعنى آخر ان هذه الجواجز تجتمع لتشكل آلية للتمييز بين المواطنين على أساس المرض او الضعف الجسدي او العقلي الذي يعانيه قسم منهم (إختصارا التمييز بسبب الإعاقة). في حالة صناعة الإعاقة السياسية والإجتماعية، نجد ان نوع الحواجز التمييزية يختلف إختلافا نوعيا في كونها تعمل على التمييز بين أفراد المجتمع على أساس الإنتماء السياسي او الدين او العرق او القبيلة او الجهوية. الملاحظ هنا إن النظام في سنواته الأولى كان يتميز بتركيبته الديكاتورية الشمولية وطغيان أيديولوجيته الإسلاموسياسية الفاشية. لهذا السبب كانت النسخة المبكرة من برنامج التمكين تعمل على التمييز بشكل رئيسي ضد المعارضين والمختلفين سياسيا (حواجز تمييز على أساس سياسي) و ضد غير المسلمين (حواجز تمييز على أساس ديني وثقافي). مع تراجع وتدهور النظام وسقوط ورقة الدين- خاصة بعد تورطه في مسلسل جرائم الإبادة والتطهير العرقي ضد شعوب دارفور المسلمة– تسارعت التحولات ذات الطبيعة القبلية الجهوية في تركيبة النظام. نتج عن ذلك فيما يتعلق بالحواجز التمييزية، إنه تمت المحافظة على الحواحز القديمة التي تميز على أساس الإنتمائين السياسي والديني والثقافي، مع إضافة ترسانة من الحواجز الجديدة التي تميز بين المواطنين على أساس العرق والجهة والقبيلة. والنتيجة إضافة ضحايا جدد لآلية صناعة الإعاقة السياسية الإجتماعية. ويترتب على كثرة وتعدد أنواع الحواجز المذكورة واقعة أخرى أكثر تعقيدا وهي جديرة بالتوضيح. فحواها أن ضحايا الحواجز المستهدفون لايعانون الإعاقة السياسية والتهميش بدرجات متساوية. على سبيل المثال هناك من تعترضه بعض الحواجز دون غيرها، وهناك من تقف في وجهه كل الحواجز مجتمعة. لتوضيح ذلك نضرب مثال من تعترضه حواجز الإنتماء السياسي والقبلي ولكن لايعترضه مثلا حاجز تمييز على أساس الثقافة او الدين او العرق. والنتيجة انه لا يواجه تمييزا على أساس الدين او الثقافة، ولكنه مع ذلك يعاني الإعاقة التهميش السياسي والإجتماعي. ويمكن مقارنة ذلك بالفرد الذي تعترضه كل هذه الحواجزمجتمعة، ومن ثم فهو يواجه تمييزا مضاعفا.والخلاصة انه في ظل إستراتيجية التمكين لا توجد حتى مساواة في الظلم والإضطهاد. اشير أخيرا الى ان تطبيق هذه السياسية لأكثر من ربع قرن نجح في تهميش وبالتالي إعاقة الغالبية العظمى من المجتمع سياسيا ونتج عنها زلزالا إجتماعيا أعاد رسم الخارطة الإقتصادية والطبقية في المجتمع السوداني، ومزق النسيج الإجتماعي. وادت ذات السياسات التمكينية العنصرية الى فصل جنوب البلاد، ويهدد إستمرار عمل آلياتها التمييزية الى تقسيم ما تبقى من القطر على أسس عرقية وجهوية ودينية. بالنتيجة أضعف ذلك القاعدة الإجتماعية للقوى السياسية والإجتماعية الديمقراطية(خاصة المدنية)، مما تسبب في ضعف هذه القوى وتمزقها. إن إزالة هذه الحواجزالتمييزية لا يتحقق الا من خلال وضع بناء دستوري يكفل بشكل حقيقي حقوق المواطنة المتساوية للجميع دون تمييز، في إطار مشروع وطني جديد يستهدف إعادة الإندماج والمشاركة الشاملة في مجتمع تعددي حر. وهو ما يتناقض مع مصالح أصحاب الإمتيازات من المتمكنين. وكما قال يانقا قي إطار حديثه عن الإعاقة التقليدية، إن المجتمع وليس الفرد يتوجب تغييره من أجل استيعاب المعاقين. الشيء نفسه يمكن ان يقال عن الحواجز والآليات التي تصنع التهميش والإعاقة السياسية. لكن إزلتها، من خلال إحلال الترتيبات السياسية الدستورية المذكورة، غير ممكنة من دون إزلة بنية النظام التمكيني التمييزي الذي انتجها ويستمر في إعادة إنتاجها.
ناصف بشير الأمين
حريات

جلد المعارضين



(عندما تسبب العقوبة هلعاً أكثر من الجريمة فإن النص القانوني يجب أن يفسح الطريق لصالح الشعور الإنساني العام).
إدوارد جيبون
أصدر قاضي جنايات كررى بامدرمان حكماً بالجلد 20 جلدة لكل من المعارضين/ مستور أحمد محمد الأمين السياسي لحزب المؤتمر السوداني، وعاصم عمر وابراهيم محمد زين، أعضاء الحزب بعد إدانتهم بمخالفة المادة 69 من القانون الجنائي لقيامهم بإلقاء خطابات في مخاطبة جماهيرية أقامها حزب الموتمر السوداني في إحدى أسواق العاصمة منددين بالإعتقالات التى طالت سياسيين ومطالبين باطلاق سراحهم، وداعين لمقاطعة الانتخابات. هذا الحكم والأمر بتنفيذه فوراً يعيد إلى الذهن مقولة إدوارد جيبون إذ لا شك أن الحكم يسبب إزعاجاً عاماً أكثر من الفعل الذي قام به المتهمون.
الجريمة والدستور
تنص المادة 69 على مايلي :- (من يخل بالسلام العام أو يقوم بفعل يقصد به أو يحتمل أن يؤدي الى الإخلال بالسلام العام او بالطمأنينة العامة ، وكان ذلك فى مكان عام ، يعاقب بالسجن مدة لا تجاوز شهراً أو بالغرامة أو بالجلد بما لا يجاوز عشرين جلدة.)
لا بد للتنبيه أولاً أن هذه الجريمة مختلفة عن جريمة الإزعاج العام المعروفة في القوانين المختلفة وتلك جريمة حدودها معروفة، في حين أن جريمة الإخلال بالسلام العام تتميز بالغموض و وخلوها من أى معنى محدد. الإخلال بالسلام العام في الشريعة العامة The Common Law هوعنصر تتضمنه أى جريمة، ولكنه ليس جريمة قائمة بذاتها. لذلك فإن فقهاء القانون الإنجليزي مجمعين على أن جميع الجرائم تتضمن عنصر الإخلال بسلام الملكة a breach of queen’s peace وفقاً لذلك، فإنه عند صياغة التهمة، حسب قانون لائحة الإتهام لعام 1915م Indictments Act يشمل الاتهام جملة أن المتهم قد إرتكب فعلا ضد سلام سيدتنا الملكة وتاجها وكرامتها against the peace of our lady the queen , her crown and dignity. ثم تأتي بعد ذلك تفاصيل الإتهام الموجه للمتهم. وهذا هو السبب في أن مكتب المدعى العام، بإعتباره ممثلاً للملكة، هو الذي يتولى الإتهام في جميع الدعاوى الجنائية. أما إعتبار الإخلال بالسلام العام، دون تحديد اى فعل كجريمة معاقب عليها، فهذأ غموض مخالف للدستور. تقول المحكمة العليا الأمريكية يكون القانون غامضاً، عندما يجعل الأشخاص ذوى الذكاء العادى يخمنون المعنى المقصود، ويختلفون حوله، (الولايات المتحدة ضد ونش). والقانون الغامص يخالف الدستور من أوجه ثلاث :الأول أنه يؤدى إلى معاقبة الناس على أفعال لم يكن في وسعهم معرفة عدم مشروعيتها وقت إرتكاب الععل المعلقب عليه، والثاني أنه يؤدى إلى تسلل المعايير غير الموضوعية لتطبيق القانون، وهذه المعايير من شأنها أن تقود إلى تطبيق تحكمي وتمييزي بواسطة منفذي القانون، والثالث أنه يؤدى إلى أن يمنع المواطن نفسه من ممارسة حرياته الأساسية بسبب الأثر الذي يحدثه غموض القانون لدى المواطن والمعروف فى فقه القانون الأمريكى بال CHILLING EFFECT والذي يؤدي لإمتناع الشخص عن ممارسة حرياته الأساسية خوفاً من أن يكون في ذلك خرقاً لقانون لا يعرف المواطن النشاط الذى يمنعه ذلك القانون على وجه التحديد.
الأفعال المنسوبة للمتهمين
ورغم أنه يستحيل أن نستطيع أن نعرف بالضبط ما هو المقصود بالإخلال بالسلام العام، إلا اننا نعرف أن الفعل المنسوب للمتهمين ليس به أى إخلال بالسلام العام، لأن الإخلال بالسلام العام لا يمكنه أن يتضمن ممارسة حق دستوري، وإذا صح أن المتهمين قد إرتكبوا الأفعال المنسوبة لهم، وهي أنهم نددوا بالإعتقالات التى طالت سياسيين وطالبوا باطلاق سراحهم فإنهم يكونوا قد مارسوا حقهم الدستوري في الإحتجاج، وبالتالي فإنهم لا يكونوا قد إرتكبوا إخلالاً بالسلام العام. بالنسبة لمقاطعة الإنتخابات فهذا حق مشروع للمواطن. إذا توصل مواطن لأن الإنتخابات بالشكل الذي تجرى به لاتوفر المتطلبات الدستورية للإنتخابات فإن واجبه هو أن يقاطع تلك الإنتخابات، وأن يدعو غيره لمقاطعتها، لأن في فعله هذا ليس فقط ممارسة لحقه الدستوري بل هو أيضاً في واقع الأمر دفاعاً عن الدستور وفقاً لقناعاته. ولا يهم بعد ذلك أن يكون ما يستند عليه من وقائع صحيحاً أم غير صحيح، والمهم هنا هو حق المواطن في التعبير عن قناعاته ودعوة الآخرين لتبنيها. وقد أكد الرئيس في خطابه الذي ألقاه بمناسبة فوزه في الإنتخابات أن الذين قاطعوا الإنتخابات مارسوا حقهم الدستوري “لأن السودان بلد حر وناسه أحرار والذي يشارك يشارك، والذي لا يريد أن يشارك هذا حقه ونحن نحترم رأيه ونحترم موقفه” إذاً فليس هنالك مأيخالف القانون ويستدعي العقاب فيما قام به المتهمون.
العقوبة والدستور
عقوبة الجلد عقوبة مهينة ولذلك فهي مخالفة للدستور ولإلتزامات السودان الدولية. تنص المادة 33 من الدستور على ما يلي ” لا يجوز إخضاع أحد للتعذيب أو معاملته على نحوٍ قاسٍ أو لا إنساني أو مُهين” وتنص المادة 27(3) على أن “تعتبر كل الحقوق والحريات المضمنة في الاتفاقيات والعهود والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان والمصادق عليها من قبل جمهورية السودان جزءً لا يتجزأ من هذه الوثيقة.” المادة الخامسة من الميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان والشعوب تنص على.” لكل فرد الحق فى احترام كرامته والاعتراف بشخصيته القانونية وحظر كافة أشكال استغلاله وامتهانه واستعباده خاصة الاسترقاق والتعذيب بكافة أنواعه والعقوبات والمعاملة الوحشية أو اللاإنسانية أو المذلة” وتنص المادة السابعة من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية على “لا يجوز إخضاع أحد للتعذيب ولا للمعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو الحاطة بالكرامة. وعلى وجه الخصوص، لا يجوز إجراء أية تجربة طبية أو علمية على أحد دون رضاه الحر.” تطبيقاً للمادة 3 من الاتفاقية الأوروبية لحماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية،والتي تنص على أنه “لا يجوز إخضاع أي إنسان للتعذيب ولا للمعاملة أو العقوبة المهينة للكرامة” وهي تشابه المواد السابق الإشارة لها، قررت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان في Tyrer v. United Kingdom 213 UNTS 221أن:
“أساس طبيعة العقوبة البدنية القضائية هي أنها تنطوي على أن يقوم إنسان بإيقاع عنف جسدي على إنسان آخر، وهو في هذه الدعوى عنف مؤسسي يسمح به القانون، ويقع بأمر من السلطات القضائية، و تقوم به سلطات الشرطة في الدولة. و على الرغم من أن مقدم الطلب لم يعاني من ألم شديد أو من أثر جسماني طويل الأمد، إلا أن العقوبة التي وقعت عليه من حيث أنها تتعامل مع مقدم الطلب كمجرد شئ في قبضة السلطات، تشكل اعتداءً على أحد الأهداف الرئيسية للمادة 3، وهو على وجه التحديد حماية كرامة الإنسان وسلامته الجسدية. كما ولا يمكن استبعاد ما يمكن أن يكون لهذه العقوبة من آثار نفسية سلبية”
العقوبة وإلتزامات السودان الدولية
في الشكوي رقم 236/2000 فحصت اللجنة الإفريقية لحقوق الإنسان عقوبة الجلد في القوانين السودانية في شكوى لخصت اللجنة وقائعها كالتالي: حسب إدعاء الشاكي أنه في 13 يونيو 1999، قامت جمعية النوبة في الجامعة الأهلية بتنظيم رحلة على ضفاف النهر في منطقة بري بالخرطوم. وأنه على الرغم من أن الحصول على إذن ليس ضروريا للرحلات وفقاً للقانون، فقد سعت الجمعية وحصلت على إذن من السلطات المحلية لهذه الرحلة . داهمت شرطة النظام العام الطلاب أثناء الرحلة، وإعتقلت ثمانية منهم بشبهة مخالفة المادة 152 من القانون الجنائي لسنة 1991 بالنسبة لما كان يرتديه بعض الطالبات من ثياب، ولبعض التصرفات التي إعتبرت فاضحة كالرقص المختلط. في 14 يونيو 1999، أدين الطلاب الثمانية، وحكم عليهم بالغرامة والجلد. وقد تم تنفيذ العقوبة بإشراف المحكمة، وأن هذا النوع من العقاب يتم توقيعه على نطاق واسع في السودان.
لم تنازع الدولة المشكو ضدها في صحة الوقائع بل أكدتها في الملاحظات الشفوية بالقول بأنه من رأي الدولة المشكو ضدها أنه من الأفضل للضحايا أن يجلدوا بدلا من سجنهم لأن ذلك كان سيؤدي لحرمانهم من فرصة مواصلة حياتهم الطبيعية.
ذكرت اللجنة أنه ليس هناك حق للأفراد، وبصفة خاصة للحكومة في أن تمارس عنفاً بدنياً ضد الأفراد بسبب إرتكابهم لجرائم، وإن قبول اللجنة لهذه الممارسة سيعني قبول الميثاق للتعذيب برعاية الدولة وذلك يخالف الأساس الذي قامت عليه المعاهدة التي أنشأت الميثاق من حيث كونها معاهدة معنية بصيانة حقوق الإنسان.
ولاحظت اللحنة أنه قد تم تطبيق القانون موضوع الشكوى على أشخاص آخرين، وهو وضع إستمر رغم إدراك الحكومة للتعارض الواضح مع القانون الدولي لحقوق الإنسان.
لهذه الأسباب، فإن اللجنة الأفريقية تقرر أن جمهورية السودان قد إنتهكت المادة 5 من الميثاق الأفريقي، وتطلب من حكومة السودان أن تعدل على الفور القانون الجنائي لعام 1991، وفقا لالتزاماتها بموجب الميثاق الأفريقي وغيرها من الصكوك الدولية ذات الصلة بحقوق الإنسان؛ وذلك بإلغاء عقوبة الجلد ،واتخاذ التدابير المناسبة لضمان تعويض الضحايا.
236/00 : Curtis Francis Doebbler/Sudan
العقوبة والشريعة
كثيراً ما يتذرع المؤيدون للإبقاء على عقوبة الجلد بالشريعة الإسلامية، ولكن الواقع يقول أن صلة عقوبة الجلد بالشريعة الإسلامية تقتصر على الحدود الشرعية الثلاث التي يعاقب على إرتكابها بالجلد، في حين أن ً القانون الجنائي يعاقب على أكثر من ثلاثين جريمة بالجلد. أضف لذلك، الكم الهائل من القوانين الولائية والأوامر المحلية التي تعاقب بالجلد على أعمال مختلفة. فصاحب المنزل الذي يقيم حفلاً غنائياً في منزله، ولا يمنع النساء من الرقص المختلط مع الرجال، أو أمام الرجال، ومن يغسل عربته في غير الأماكن المخصصة لذلك، والرجل الذي يدخل البص من الباب المخصص للنساء، والرجل الذي يدخن الشيشة في مكان عام في بعض المحليات، والمرأة التي تدخن الشيشة في مكان عام في محليات أخرى، ومقدم الخدمة أو بائع السلعة الذي يسمح بإصطفاف الرجال مع النساء في صف واحد، كل هؤلاء تعاقبهم قوانين ولائية أو أوامر محلية بالجلد. الثابت وفقاً لذلك كله هو أن عقوبة الجلد بسبب كونها عقوبة مهينة ومذلة فقد منعت المواثيق الدولية تطبيقها كعقوبة، وأنه إذا جاز تطبيقها في العقوبات الحدية الشرعية بسبب أنه لاخيار للمشرع في ذلك، فإنه لا يجوز تطبيقها كعقوبة في الجرائم التعزيرية لأن السلطة التشريعية مقيدة بإلتزاماتها الدستورية، وإلتزامات السودان الدولية التي تمنع ذلك.
نبيل أديب عبدالله
المحامي.

الأسبوع القادم النطق بالحكم في قضية اختلاسات سد مروي

الخرطوم: إنعام محمد آدم
حددت محكمة الخرطوم شمال جلسة مطلع الأسبوع القادم للنطق بالحكم في قضية اختلاسات سد مروي وذلك بعد أن استمعت المحكمة لقضيتي الاتهام والدفاع وإيداع المرافعات الختامية وكانت المحكمة وجهت، اتهاماً لـ(12) متهماً في اختلاسات سد مروي، فيما شطبت المحكمة التهمة في مواجهة اثنين من المتهمين وأمرت بإخلاء سبيلهما فوراً. وقال القاضي في قرار توجيه التهمة إن المتهمين قاموا باتفاق مسبق بينهم بتزوير توقيع مستند اتهام واحد وقاموا بالاستيلاء على مبلغ (2) مليون جنيه من حساب سد تعمير منطقة مروي محققين بذلك كسباً غير مشروع.. ورد ممثلو الدفاع عن المتهمين، بالإنكار التام مبررين بأن المتهمين قد انتزعت أقوالهم تحت التهديد والتعذيب، وأن لديهم شهود دفاع على ذلك. وحسب الاتهام، فإن المتهمين قد جرى توقيفهم على خلفية بلاغ صادر عن شركة (الحلقة) في نيابة المصارف تفيد بأنهم قد اختلسوا مبلغ (2) مليون جنيه من حساب إعمار منطقة سد مروي، حيث فتحت في مواجهتهم بلاغات بالاشتراك في التزوير بالمستندات والتزوير والاحتيال.
التيار

«الفيسبوك» وثقافة الانغلاق


كان الحديث في بداية ظهور وسائل الاتصال الحديثة على أنها مصدر تعددية ثقافية وانفتاح ودمقرطة للغة والحوار ومعها المجتمعات والدول، في هذا المقال سأطرح عكس كل هذا وأتحدث عن «الفيسبوك» و«تويتر» على أنهما سجن انغلاق لغوي وثقافي وبالتبعية انغلاق سياسي وزينوفوبيا.
دخل العرب عالم الآيفون والإنترنت كعلامات للحداثة، ولكن ليس المهم هو الآيفون، وإنما المحتوى الذي ينقل من خلاله، كما أنه ليس المهم «الفيسبوك» أو «تويتر»، ولكن ما يكتب فيهما. فهل تغير المحتوى خلال الخمس سنوات الماضية، أي هل قالت العرب شيئًا جديدًا لم تقله من قبل، أو بلغة جديدة، أم أن القارورة جديدة وهو الشراب ذاته؟
المتابع لصفحات «الفيسبوك» والصحف الإلكترونية الجديدة لا تخطئ عينه، إن الصفحات تجذب مؤيديها، وبهذا يخلق ما يسمى بالإجماع الكاذب حول جدية الأفكار. فإذا دخلت مثلاً على صفحة لأحد مناصري الشاعر السوري أدونيس، وقرأت حوارًا على هذه الصفحة حول حديثه الأخير عن النص المقدس وتاريخيته إلى آخر ما قاله مما قتل بحثًا في مدارس اللاهوت في الغرب، وقلت إن ما قاله أدونيس لا يصمد أمام الربع ساعة الأولى في سيمنار لطلاب الدراسات العليا في مدارس اللاهوت في إيطاليا أو في مدرسة اللاهوت في هارفارد أو غيرها، لجاءتك ردود من مؤيديه بأنك على خطأ، ولو قررت الاستمرار في الحديث مذكرًا بمدرسة التفكيك من داريدا إلى فوكو إلى تلميذهم الراحل إدوارد سعيد وتحدثت عن الهرمنوتكس كمنهج، لظهرت كما شخص أصابه الخرف. هذا ليس لأن هذه النظريات غير موجودة، ولكن لأن عالم «الفيسبوك» لم يعد مصدر استلهام من ثقافات أخرى بل أصبح سجن لغة وثقافة لا تكرر إلا ذاتها ولا ينجذب إليها إلا من يؤيد الفكرة. وهذا ليس بغريب فالأساس في الإعلام التعبوي من ألمانيا النازية إلى الصين الشيوعية هو قولبة العقل ليصبح مواطنًا جديدًا. ونقد فكرة التنشئة السياسية وصناعة المواطن الجديد، كثير جدًا لا يتسع له مقال أو حتى كتاب كامل.
النقطة هنا تبدأ من مقولة مكلون الشهيرة إن الوسيلة هي الرسالة (medium is the message) التي يعرفها المبتدئ في مدارس الإعلام إلى كلام الفيلسوف الفرنسي بودريارد القائل بأن «حرب الخليج لم تحدث»؛ بمعنى أنها حدثت على الشاشات لا على الأرض، ونظريته عن أن الصورة أهم من الأصل وأن الصورة أكثر حقيقة من الواقع في عالم الإعلام الجديد.
الثقافة السردية في «الفيسبوك» و«تويتر» هي كما عنكبوت ينسج بالكلمات وتكرارها بأشكال مختلفة سجن للأفكار يصنع اختلافًا وهميًا لا علاقة له باختلاف الأفكار، وإنما هي الأفكار ذاتها في لباس سردي جديد تقف خلفه صورة فتاة جميلة أو مشهد بشع يهدف إلى تأييد فكرة بدائية من دون الزخرفات المصاحبة والتغليف البراق يكون الداخل بدائيًا، ولا يقبل في جلسة وجهًا لوجه أو تواصل مباشر حيث تنتفي الأدوات المصاحبة، وتلك نقطة فرعية يمكن لأي شخص أن يقولها ولا ترقى إلى مستوى تعميقها.
ومع ذلك، يبقى شيء لا بد من ذكره، وهو عقلية التسليع؛ أي تحويل الأشياء والبشر إلى سلعة بغض النظر عن الثمن، وهذا ليس بجديد ففي رسوم المستشرقين مثل الفرنسي دالكوا الذي رسم مشاهد من نساء الجزائر أو من رسموا لوحات من أفريقيا كانت دائمًا الصورة للمرأة البيضاء وفي خلفيتها خادم أسود. والأسود هنا ليس لشخصه وإنما لإظهار البيضاء وفي هذا عنصرية بغيضة، تستخدم السيدات والرجال معًا اليوم في «فيسبوك» و«تويتر» و«إنستغرام» صورة للأطفال والزوجة أو الزوج وإنما كخلفية وليس لذاتها، وهذا ليس بالضرورة سلوكًا مدفوعًا بوعي وإنما كثيرا من دون وعي ولكن من سيدرسون هذه الصور فيما بعد سيكتبون ما نكتبه اليوم عن رسامي فترة الاستعمار الأوروبي في أفريقيا والشرق الأوسط، ولكنه استشراق محلي الصنع تم قبوله بالتعود والتكرار ليس لقيمة جمالية فيه، وهذا يأخذني إلى نقطة أخرى حول الإبداع العربي في عالم «إنستغرام» و«الفيسبوك» و«تويتر».
غياب المعايير الفنية في صفحات تبدو وكأنها إعلانات تجارية، لا يسمح بتقييم للإبداع في «الفيسبوك» و«تويتر» و«إنستغرام»، لأن المتابعين لك يشيدون بإبداعك ولا داعي للمعايير، خصوصًا لو كان لديك مليون متابع بعضهم حقيقي وكثير منهم وهمي يقولون إن كل ما تكتب أو ترسم هو إبداع، فالطبيعي أن تصدق أنك مبدع. لكن هذا الإبداع المدعى لم يمر بصرامة النقد الحاكم لعلوم الجمال سواء في الشعر أو النثر أو الصورة. فقط هو جميل لأن مؤيديك يقولون ذلك وبتكرار ملح، وهنا تبدأ صناعة الانغلاق على المعايير وتبدأ حالة السجن الذاتي.
«الفيسبوك» وأزمة الإنسان الوحيد الباحث عن «سيلفي»؛ أي الذات فقط ولا غيرها في نرجسية منقطعة النظير، فلا يصبح «الفيسبوك» فقط سجنًا لجماعة على صفحة ما، وإنما سجن للفرد في صوره وسرده معلنًا عن أزمته الوجودية التي تكون الوحدة أحد مكوناتها.
ما ذكرته عن أدونيس في البداية واستخدام عقلية الزحام لإزاحة صرامة النقد خارج المشهد يقال عن الذين يمارسون تجارة الدين في تلك الوسائط الاجتماعية؛ إذ يكون لرجل بدائي أكثر من مليون متابع فقط، لأنه يبيع بضاعة رخيصة لا تخضع لمعايير الجودة مثل من يفترشون الشوارع ببسطة ملابس في العتبة في القاهرة.
بالطبع يستطيع شباب الباحثين الجري بفكرة «الفيسبوك» كأداة انغلاق، وقد تأكد التخلف بالنظر إلى بنية الوسيلة، فمثلاً نستطيع القول بأن فكرة الباطن والظاهر أو التقية يزداد تأكيدها من خلال ما يكتبه الشخص في العام وما يقوله على الخاص، وبهذا يسهم «الفيسبوك» في تطوير فكرة الأداء المسرحي السياسة في عالم تحكمه الديكتاتورية والسلطة الأبوية. ففي كل نظريات الديكتاتورية مثلاً كانت الصحيفة هي العمل الروائي، وتصبح الرواية من خلال تخفي الشخوص هي مصدر الحقائق الاجتماعية كما في مصر عبد الناصر ومحفوظ حيث كانت الصحف القومية يمارس فيها الكذب وتنقل الحقائق السياسية في الأعمال الروائية. «الفيسبوك» لم يقض على ظاهرة النفاق، بل زاد الفجوة بين المعلن والمخفي أو الظاهر والباطن ومنحنا تقية ما بعد حداثية من خلال الوسائل لا المحتوى.
التواصل مع الحضارات الأخرى من حيث الترجمة وغيره اندثرت ودخلت الصور لا المفاهيم كأسرع بضاعة تستورد ولا تحتاج إلى عناء ذهني، أضف إلى ذلك أن 144 حرفًا في «تويتر» أو أكثر لا تنتج عقلية نقدية بقدر ما تنتج عقلية الثرثرة المتقطعة.
المهم في هذا كله أن التوقعات والآمال النظرية التي كان يعقدها البعض على دور وسائط التواصل ما بعد الحداثية لدمقرطة المجتمعات التقليدية تبدو نتائجها الأولية وكأنها تأصيل للقدامة لا للحداثة وتساعد المفاهيم البدائية على البقاء التي ربما كان الاندثار مصيرها من دون «الفيسبوك» و«تويتر».

مامون فندي

السودان يعترف بتفشي الفساد والإفلات من المحاسبة


الخرطوم: أحمد يونس
أقر مسؤول عدلي سوداني بارز بأن الفساد يعد أحد مهددات الأمن القومي في البلاد، وقال إن الدولة جادة وعازمة على محاربة الفساد ومكافحة إفلات أصحاب الحصانة من الحساب، وبوجود سلبيات تحول دون تطبيق مكافحة الفساد في البلاد.
وقال رئيس لجنة إعداد مشروع قانون مكافحة الفساد بالسودان بابكر أحمد قشي في تصريحات أمس إن الأمن القومي للبلاد مهدد بالفساد، وإن لجنته اقترحت محاسبة أصحاب الحصانات من دون إلغائها، وإن الدولة عازمة وجادة في مكافحة «الظاهرة».
وتصنف منظمة الشفافية الدولية السودان من بين الدول الأكثر فسادًا في العالم، ويحتل المركز الثالث بعد كوريا الشمالية والصومال الدول الأقل شفافية والواقعة في ذيل القائمة بثمانية نقاط، بحصوله على 11 نقطة في مؤشر الشفافية البالغ 100 نقطة، في تقريرها لعام 2014.
وأضاف قشي عقب اجتماع لجنته بالخرطوم أمس إن المفوضية أنشأت لمساعدة الجهات العدلية الأخرى المختصة بمكافحة الفساد دون أن تلغي دور هذه الجهات، وأنها تعمل على إعداد «مشروع قانون» يتجاوز سلبيات حالت دون تطبيق قوانين سابقة لمكافحة الفساد الذي أعاق نمو اقتصاد البلاد وتحول لمعضلة تؤرق الحادبين على البلاد.
وقطع الرئيس البشير عقب أدائه لليمين الدستورية بأن تشهد دورته الرئاسية الحالية بسط قيم المحاسبة والشفافية، واتخاذ إجراءات حاسمة ضد الفساد، معلنا عن تشكيل هيئة عليا للشفافية ومكافحة الفساد بصلاحيات واسعة ومباشرة.
وفشلت آلية مكافحة الفساد السابقة التي كونها الرئيس البشير منذ أكثر من ثلاثة أعوام في البت في أي قضية فساد، رغم أنها أعلنت عن تقديم ملفات فساد لرئيس الجمهورية.
وحسب قشي فإن لجنته تتبنى ثلاثة محاور عمل تتضمن مراجعة الاتفاقيات الدولية والإقليمية التي وقع عليها السودان، والاستفادة من جهود الرئاسة والقرارات الصادرة، فيما يتناول المحور الثاني منها قضية «الحصانات» التي تعيق تنفيذ القوانين، بيد أنه لم يدع لإلغاء الحصانات بل أن تتم الحيلولة بينها والتحول لعائق أمام تنفيذ القانون، ويتضمن المحور الثالث عقد ورش عمل وسمينارات لتوسيع المشاركة في إعداد مشروع القانون الذي يهدف لخلق هيئة تؤدي دورها بفعالية وشفافية ويسندها قانون قوي ونافذ، وأن المفوضية ستهتم بكافة قضايا الفساد التي تتناولها وسائل الإعلام، إضافة إلى جهود التقصي والتحري التي ستبذلها من جانبها.
ويقدم المراجع العام سنويًا تقارير عن اعتداءات على المال بمليارات الجنيهات السودانية، لكنها لا تجد آذانًا صاغية، وتحول الحصانات والمحسوبية دون خضوع المؤسسات والأفراد الذين أشارت إليهم تلك التقارير للمحاسبة.
ويتندر السودانيون من معدلات الفساد العالية في البلاد، والتي بلغت ذروتها بإعلان والي الخرطوم الجديد عن بيع كل الممتلكات الحكومية، وسخريتهم من الجهد الذي بذل في إنشاء «سد مروي» شمال الخرطوم والذي أعلن أنه سيحل مشكلة الطاقة في البلاد، لكن المحصلة أن العاصمة الخرطوم ومدن البلاد الأخرى تشهد قطوعات قاسية في الكهرباء والمياه في صيف البلاد الحار، ويرى كثير من المواطنين أن العجز الحالي في تزويدهم بالطاقة ومياه الشرب مرده الفساد الذي شاب تشييد السد.
كما يسخرون من الحصانات الواسعة التي يتمتع بها طيف كبير من الدستوريين الذين تتجاوز أعدادهم الآلاف ومحسوبيهم وعوائلهم، وتتداول على نطاق واسع تقارير عن فساد كبير في توزيع الأراضي الحكومية تطال مسؤولين كبار في الدولة.
ونقل المركز السوداني للخدمات الصحافية (إس إم سي) القريب من جهاز الأمن في وقت سابق أن فريقًا من منظمة الشفافية الدولي سيقوم بزيارة وشيكة للبلاد، يلتقي خلالها رئيس البرلمان والمراجع العام والجهات المعنية بمحاربة الفساد، تزامنا مع بدء أعمال الهيئة العليا لمكافحة الفساد التي أعلن عنها الرئيس السوداني عمر البشير بعد أدائه اليمين الدستورية.
الشرق الأوسط