اكرم ابراهيم البكرى
تأتى رواية شاورما للكاتب السوداني عماد البليك في 152 صفحه وهى صادرة عن دار مومنت بالمملكة المتحدة وهى العمل الخامس من ضمن سلسله روايات من السودان .
الروية غلب عليها الأسلوب الكلاسيكي القائمً على السرد والتوصيف الدقيق ، وهذا الأسلوب يندرج تحت مدارس السرد التقليدية ألقائمه على نقل الواقع من نواحيه المتعددة إلى قالب ادبى ، في هذه الرواية يتخذ عماد البليك منحى أخر فى البناء الدرامي للرواية السودانية يختلف عن المألوف والسائد فهو يطرح من خلال السرد هذا التغيرات السياسية خلال ثلاثة حقب زمانيه من تاريخ السودان الحديث هي الحكم العسكري الثاني والذي اصطلح على تسميته بحكومة مايو والحقبة الزمانيه الثانية هي الحكومة المدنية الثالثة والتي اصطلح بتسميتها بالديمقراطية الثالثة والحقبة الزمانيه الثالثة هى حكومة البشير الحالية ، وتشرح الرواية تأثير تلكم التغيرات السياسية على الواقع الاقتصادي بصورة كبيرة مما أدى إلى انحرافات في القيم والموروث السوداني الاخلاقى وبالتالي كان التغيير في النسيج الاجتماعي .الرواية مرتبطة بالواقع السوداني وتحكى مأساته وتناقضاته ، فهي تُعرية وتسلط الضوء على سلبياته وايجابيات .
أن أكثر ما يثير الانتباه في هذه الرواية هو عنوانها الذي يثير الفضول ويبعث مكامن الاهتمام لدى المتلقي فكثير من الروايات الجيدة من الناحية اللغوية والحبكة الرامية والسرد الممتاز لم تجد الاهتمام الكافي بسبب الإخفاق في اختيار عنوان جيد .
تعتمد رواية شاورما على السرد والانتقال بين محطات الذاكرة وحياة بطل الرواية التي اتسمت بالاتزان الاخلاقى برغم الظروف السئيه والتي كان من المفترض أن تؤثر على مسار حياته ، ألا انه كان حريص بدافع لا ارادى بالتمسك بالقيم ألروحيه بصورة كبيرة ومن خلال سرد الراوي نستطيع أن نلاحظ البعد الصوفي والقوه الخفية التى تلازم المتصوفة وأصحاب الباطن وهنا تكمن حقيقة خفيه فى الرواية وانعكاساتها من خلال شخصيه العجوز الذي صادف البطل عند هروبه على سطح القطار ، ومحاوله الكاتب فى استلهام تراث قديم من الروح الصوفية بحيث يبدو الأثر الصوفي واضحا ً فى الرواية ويتشكل السرد من خلال نسيج صوفي قائم على التسامح الديني والمصارحة مع الذات ومحاربه النفس الاماره بالسوء وترك شئون العباد للرب العباد وعدم الخوض فى أمور الآخرين ونلاحظ أن علاقة بطل الرواية بالتركي الذي يصفه بعمى تجسد علاقة الشيخ بالحوار وبالجانب الأخر تتجسد علاقة قائمه على الغيبيات ما بين البطل والعجوز .
يثير عماد البليك فى رواية شاورما عدد من الاسئله هل التخلي عن الأخلاق والتسامح فى المجتمع السوداني هو سبب انتكاسته وأصابته في مقتل أم هى التغيرات السياسية المتلاحقة هى التي أثرت فى النسيج الاجتماعي السوداني ، تجلت ألنزعه الصوفية نوعاً ما فى الرواية فانسجمت دلالاتها مع السرد والتقلبات السياسية فى الحقب المشار إليها سابقاً .
وفى اتجاه اخر تطرق الرواية لمفهوم السلطة الأبوية فى المجتمع السوداني ، ولا يخفى علينا بان هذا النوع من التسلط له جُذوره الضاربة فى النسيج الاجتماعي السودانى وتمثل سيطرة الأب على نظام الأسرة وتدنى مكانه المرأة فى المجتمعات الريفية وهنالك يتم استغلال النساء بصورة وحشيه وهذا يدلل على أن كينونة المرأة فى تلكم المجتمعات تعانى مرارة الاضطهاد .
يصور الكاتب من خلال سرده نموذج للواقع السوداني ويشرح حياه مجتمع مريض يعانى من تشوهات كبيرة ، فكل الإعطاب والتشوهات المجتمعية التى تم شرح تفاصيلها فى الرواية تعكس بصورة او بأخرى مشاكل مجتمعات عربيه تعانى من نفس الإعراض ، فالانتقادات التى ساقها البليك فى شاورما هى انتقادات لواقع ماتت فيه القيم و الاخلاق والتسامح .
الرواية بكل حيثياتها ألا أنها لم تتطرق للجنس بصورة صارخة كما هى عادة اغلب الروايات العربية ، كاتب الرواية حاول جاهدا الخروج بنص متوازن لا يعتمد الإثارة الجنسية وبدل من ذلك اعتمد على السرد الواقعي الممزوج ببعض الخيال ، والملاحظ فى شخصيات الرواية ليس لها أسماء أذ اعتمد المؤلف على الوصف وتوصيف الشخصيات وغالباً ما يكون الوصف بعلامة تميز الشخص الموصوف مثل الأعرج ، البدين ... فلم يكن هنالك ابتكار فى شخصيات الرواية ولم يخالج الخيال الكاتب فى تلكم الشخصيات .
بنى المؤلف قصته على مستويات متعددة تتداخل فى ما بينها دون فواصل واضحة ومن خلال أفكار متلاحقة وحقائق موضوعيه قائمه على تغيرات سياسيه مرت بالسودان خلال فترات زمنيه محددة ، وبالرغم من اعتماد الراوي على السرد الكلاسيكي الا انه جعل الرواية أكثر اشتعالاً طيله الوقت واعتمد على عنصر التشويق لمتابعه الإحداث فلم يشعر المتلقى بان هنالك حلقه مفقودة او جزء من تفاصيل الرواية يحتاج لتفسير، واشتركت كل مكونات الرواية من مكان جغرافيا وشخصيات وتحولت قرية البطل والمدينة الكبيرة الى قلب ينبض وكانت اللغة جزء تتمرحل مابين اللغة القاطعة كسرد تبنى أحداث الرواية الى تلك المعاني الشاعرية الشفافة والتي تأتى كمتطلبات ضرورية فى بعض الأحيان .
عموماً يمكن ان نعتبر راويه شاورما جزء من كتابه تاريخ السودان الحديث فهى توثيق سياسي اجتماعي فى قالب روائي .