١- ***- في هذه المقالة اليوم عن الذكري السابعة عشر علي المجزرة التي وقعت في معسكر "العيلفون" ليلة وقفة عيد الاضحي في عام ١٩٩٨، ليس عندي من معلومات جديدة عن الحادث القديم واقدمها الي القراء الكرام، الا ان اذكرهم بالمناسبة الحزينة ، واجدد ذكراها للعام السابع عشر علي التوالي ، عملآ بقوله تعالي :"وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَىٰ تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ".
٢- تقول أصل الرواية:
***- في يوم 2 أبريل 1998، عشية عيد الأضحي، حصدت رصاصات حرس معسكر (العيلفون) الخاص بالتجنيد الالزامي ارواح ١٤٠ من طلاب المعسكر في جريمة أخري تضاف الي سجل جرائم القتل الجماعي التي ارتكبها نظام المشروع الحضاري ويدفنوا سرآ بليل دون ابلاغ ذويهم!!
٣- معسكر العيلفون:
***- يقع معسكر (العيلفون) علي بعد 40 كيلو متر جنوب شرق الخرطوم، اقيم المعسكر اصلآ بهدف تدريب المجندين قسرآ قبل ارسالهم الي مناطق العمليات العسكرية في جنوب وغرب البلاد في ذلك الوقت، الطلاب المجندين كانوا يتعرضون داخل هذا المعسكر كغيره من معسكرات التجنيد القسري الموزعة في انحاء البلاد لأسوأ انواع المعاملة والقهر والأذلال ، كل من كان يحاول الهرب يتعرض الي عقوبات اشد قسوة وعنفآ. اما فيما يتعلق بالعلاج في المعسكر، فلم تكن الادارة المسؤولة عنهم تهتم بنقل اي مجند مصاب الي المستشفي، وكل من تعرض لحالة مرضية مستعصية تستوجب الرعاية الطبية اتهم زورآ التهرب من الخدمة.
٤- كيـف ولماذا قعـت المجزرة?!!
-------------------
***- طلب الطلاب المجندين من ادارة المعسكر السماح لهم بثلاثة أيام عطلة بمناسبة عيد الأضحى المبارك، التي هي عطلة رسمية في كل مرافق الدولة بما في ذلك وزارة الدفاع (هذا إذا افترضنا جدلآ ان معسكرات تدريب المجندين قسراً تربطها صلة مع المؤسسة العسكرية الرسمية).
***- رفضت إدارة المعسكر طلب المجندين بشدة، وانذرتهم بإطلاق النار إذا حاولوا عصيان الأوامر. غالبية الطلاب استنكروا تصريحات المسؤولين واصروا علي مغادرة المعسكر مهما كلفهم هذا الامر من مخاطر. بدأ المجندين التجمع سرآ في تجمعات في طرف المعسكر في محاولات للهروب.
***- عندها أصدر قائد المعسكر تعليماته بإطلاق الرصاص الحي علي المجندين الفارين، قتل في الحال ما يزيد على 100 طالب مجند، حاولت مجموعة اخري كبيرة النجاة من رصاص الجنود بالقفز بانفسهم في النهر، فكانوا صيدآ سهلا ولم ينج معظمهم من رصاص حراس المعسكر. مع تواصل إطلاق الرصاص هم في النهر ماتوا غرقآ ما يزيد عن الخمسين، تم تجميع جثثهم فيما بعد.
***- قامت السلطات بدفن جثث القتلى التي تم العثور عليها في مقابر الصحافة وفاروق والبكري واُم بدة بشكل سري للغاية. اشرف وزير الداخلية وقتها علي عمليات الدفن ومعه مدير شرطة العاصمة بالإنابة بجانب عدد من قيادات الجبهة الاسلامية، قُدر عدد الجثث التي دفنت بشكل جماعي بنحو 117 جثة، بينما سلمت 12 جثة إلى ذوي القتلى.
٥- هوية المجندين:
----------
***- اخفت السلطة الحاكمة تمامآ خبر المجزرة، ولم تفصح كعادتها عن هذه الجريمة مثلها مثل باقي المجازر، اخفت ايضآ هوية المجندين الذين راحوا ضحية الحادث. إلا ان بعض المعلومات خرجت للعلن رغم الحصار المضروب علي الجريمة، وافادت، أن غالبية الضحايا هم من أولئك الذين جرى اقتيادهم قسراً في الحملات الدورية التي كانت تشهدها شوارع العاصمة لاصطياد الشباب من الطرقات والشوارع ، وزجهم في محرقة تحت مسميات كثيرة مثل: "الدفاع عن الوطن".."الجهاد".."ساحات الفداء"، حتي اليوم رغم مرور سبعة عشر عام علي المجزرة ترفض الحكومة الاعلان عن أسماء الضحايا، ولم يتم ايضآ مساءلة أي من المسؤولين عن المجزرة الي محاكمة!!
٦- الطلاب الذين نجوا من الموت ماذا قالوا؟!! :
---------------------
***- الطلاب الذين نجوا من الموت قتلآ بالرصاص او غرقآ في النيل، يؤكدون وباصرار شدد لا يتزعزع، ان كمال حسن علي الذي كان سابقآ المسؤول الاول عن المعسكر في عام ١٩٩٨ هو من اصدر توجيهاته الي الجنود اطلاق الرصاص علي المجندين الفارين،
***- احد من هؤلاء الذين كتبت لهم حياة جديدة يعيش حاليآ في احدي دول الخليج، اكد باصرار شديد انه علي استعداد تام للشهادة امام اي محكمة سودانية كانت او اجنبية تود النظر في موضوع تصفية المجندين جسديآ بمعسكر (العيلفون)، يكمل كلامه ويقول في الم شديد انه "ما بقي علي قيد الحياة لن ينسي كمال حسن"!!
***- ان الكثيرين من الكتاب والصحفيين السودانيين والاجانب في الخارج..العاملين في منظمات حقوق الانسان.."امنستي" راحوا في كثير من المواقع الألكترونية، يكيلون الهجوم الضاري علي كمال حسن دون غيره من المسؤولين والضباط الذين اشرفوا علي معسكر (العيلفون) وقتها، اصابع الاتهام اشارت نحوه بانه القاتل الذي صفي الشباب بدم بارد.
***- الشئ الغريب والمحير في الموضوع، انه ومنذ ١٦عام ما حاول كمال ان يدافع عن نفسه ولو بكلمة واحدة يدحض بها ما يقال عنه!!، ولا حاول ايضآ ان ينفي عن نفسه تهمة ارتكاب المجزرة!!..ولا نعرف ان كان (السكوت علامة الرضا)..ام مجبور علي الصمت؟!!
٧- عمر البشير وكمال حسن عمر:
---------------------
***- كثير من المقالات التي بثت في المواقع الألكترونية السودانية وغيرها، اشارت الي ان الرئيس البشير تعمد ابعاد كمال الي القاهرة مباشرة بعد وقوع المجزرة منعآ من المساءلة، هناك في القاهرة شغل كمال منصب مدير مكتب "حزب المؤتمر" في القاهرة لفترة طويلة ، بعد هذا المنصب الحزبي اصبح سفير النظام في العاصمة المصرية، لكن هذا الابعاد - المتعمد- لم يشكل عامل نسيان للناس الذين مازالوا منذ سبعة عشر عام في تذكر المجزرة والجزار.
***- احاط السفير نفسه بمجموعة من الصحفيين راحت تلمعه في نفاق مقرف، حاولت ايضآ بقدر الامكان ان تلهي الناس وتنسيهم ما حدث في المعسكر المشئوم، لكن الاخبار خرجت فيما بعد من القاهرة وافادت ان الذين "طبلوا" لكمال هم الاصدقاء القدامي الذين عملوا معه في معسكر "العيلفون"!!
٨- احيانآ لا ينتهي العزاء بانتهاء مراسم الدفن!!
---------------------------
***- بعد غد الخميس ٢٤ سبتمبر الحالي، تتوجه مئات الاسر الي المقابر للعام السابع عشر للترحم علي اولادهم الذين ماتوا غدرآ لا لشئ الا لانهم طالبوا اجازة يقضونها مع أهاليهم وذويهم خلال ايام العيد، بعض هذه الأسر ستقرأ الفاتحة مرة واحدة علي كل القبور، لانها تجهل تمامآ اين دفنوا اولادهم !!
٩- ***- يبقي السؤال مطروحآ: "هل هؤلاء القتلة عندهم القابلية قضاء ايام العيد بلا تأنيب ضمير؟!!"
١٠- ***- في سبتمبر هذا العام الحالي ٢٠١٥،
جاءت ذكري ثلاثة مناسبات كبيرة:
------------------------
أ- معركة كرري في ٢سبتمبر ١٨٩٨ واستشهاد نحو ١٨ ألف مقاتل...
ب- مجزرة معسكر "العيلفون" عام ١٩٩٨ واستشهاد ١٤٠ طالب...
ج- انتفاضة سبتمبر ٢٠١٣ السودانية وسقوط ٢٧١ شهيد...
اللهم نسألك ان تشمل موتانا برحمتك، وتضعهم في المكان المحمود الذي وعدت به النبيين والصديقين والشهداء والصالحين..انك سميع مجيب الدعاء.
بكري الصائغ
bakrielsaiegh@yahoo.de