الخميس، 11 فبراير 2016

مقترح قرار بزيادة تعرفة المياه بالخرطوم بنسبة 100%

أعلنت هيئة مياه ولاية الخرطوم، عن مقترح قرار بزيادة تعرفة المياه بنسبة 100%، وحذّر مدير الهيئة، خالد علي خالد، من توقف خدمة الإمداد حال لم تُجز الأجهزة التشريعية والتنفيذية للولاية التعرفة الجديدة، قبل أن يلوح بمغادرة منصبه.
ووفقاً للمقترح ستقفز بالقطاع السكني إلى 85 جنيهاً للدرجة الأولى بدلاً عن 45 جنيهاً، و55 جنيهاً للدرجة الثانية بدلاً عن 25 جنيهاً، و30 جنيهاً للدرجة الثالثة بدلاً عن 15 جنيهاً.
وبرر مدير عام هيئة مياه ولاية الخرطوم، المهندس خالد علي خالد، في حديث لبرنامج “صدى الأحداث” الذي بثته قناة “الشروق” ليل الأربعاء زيادة التعرفة المقترحة، إلى ارتفاع تكاليف التشغيل، وعجز المصروفات بنسبة 50%.
وقال إن الهيئة بحاجة إلى إجمالي مصروفات خلال موازنة 2016 بنحو 455.513.423 جنيهاً، بينما الإيرادات بالتعرفة القديمة تبلغ 234.036.972 جنيهاً، أي ما يعادل 51.4% من المصروفات بحسب الهيئة.

عدد المشتركين
وفصّل خالد بأن عدد المشتركين المتوقع خلال 2016، سيشمل القطاع الحكومي والتجاري وشبه التجاري بنحو 13.914 مشتركاً، بجانب مشتركي الدرجة الأولى سكني بنحو 43.009 مشتركين، والدرجة الثانية سكني 276.027 مشتركاً، والدرجة الثالثة سكني بنحو 482.444 مشتركاً بإجمالي مشتركين يصل إلى 815.394 مشتركاً.

وأضاف، أن الإيرادات المحتملة حال زيادة التعرفة بإجمالي عدد المشتركين 815.394 مشتركاً، ستقفز إلى 461.513.440 جنيهاً تشمل القطاع الحكومي والتجاري وشبه التجاري البالغة 61.786.638 جنيهاً.
وأضاف أن مصروفات الهيئة حسب موازنة 2016 تشمل تعويضات العاملين وعددهم 3.682 بنحو 112.211.156 جنيهاً، بجانب 278.502.267 جنيهاً للتشغيل والغيار، فضلاً عن الفصل الثالث الذي يشمل تأهيل المباني وشراء الآليات والعربات وإحلال الطلمبات وأن إجمالي المصروفات يبلغ 455.513.423 جنيهاً، مقارنة مع إجمالي إيرادات التعرفة القديمة البالغة 234.063.972 جنيهاً.
شبكة الشروق

سوداني ينتحر في الكويت


انتحار سوداني وهندي في «الوفرة» و«أمغرة»
أقدم مقيم سوداني على الانتحار شنقاً داخل مزرعة في منطقة الوفرة، وتحديداً بالقرب من طريق الأرتال، وتم تسليم جثته إلى رجال الأدلة الجنائية، من قبل دوريات أمن الأحمدي.

كما أقدم مقيم هندي على الانتحار شنقاً بتعليق نفسه بشجرة في سكراب أمغرة، وتم التأكد من وفاته من قبل فنيي الطوارئ الطبية بمركز سعد العبدالله، حمزة اسماعيل وسيبي جونسون، ثم تسليم جثته إلى رجال الأدلة الجنائية.
جريدة القبس الكويتية

الأربعاء، 10 فبراير 2016

حظر تصدير الذهب.. واشنطن تسعى لخنق الـخرطوم

بالرغم من المساعي التي تقودها الحكومة والزيارات الماكوكية التي يقوم بها المسؤولون في الدولة، وآخرها زيارة وفد البرلمان بقيادة رئيس المجلس برفسور إبراهيم إحمد عمر إلى نيويورك، لجهة تجسير الهوة في العلاقة مع الولايات المتحدة الأمريكية. إلا أن العلاقة بين الخرطوم وواشنطن لم تراوح مكانها، بل نجد أن الخرطوم كما تقدمت خطوة نحو واشنطن ابتعدت الأخيرة عدة خطوات ووضعت المتراريس في طريق ترميم هذه العلاقة.. وأمريكا منذ أن فرضت عقوباتها الآحادية على السودان، تسعى جاهدة لإحكام قبضتها على عنق الاقتصاد السوداني وإغلاق جميع المنافذ التي تمثل له متنفساً، وآخر هذه السناريوهات وليس آخرها والتي تسعى الإدارة الأمريكية لحبكها ضد السودان التحركات التي تقوم بها هذه الأيام في مجلس الأمن الدولي لحظر تصدير الذهب السوداني والذي يمثل 50% من صادرات البلاد.

مناورة:
الخبير الاقتصادي عضو اللجنة الاقتصادية بالبرلمان د. بابكر محمد محمد توم يرى أن تحركات واشنطن لحظر تصدير الذهب السوداني مجرد مناورة تسعى أمريكا من خلالها دفع السودان في اتجاه قضية معينة، إما مواجهة بوكو حرام أو تنظيم داعش. واعتبر الأمر برمته جزءاً من السياسة العالمية. وقال بابكر لـ»آخر لحظة» إن خطوة حظر تصدير الذهب قانونياً لايمكن أن تتم، وإن الخطوة لن تجد القبول من الدول التي تشارك السودان الاستثمارات في مجال الذهب.


«2» مليار عائدات الذهب:
ويشكل الذهب 50% من صادرات البلاد، بينما تمثل عائداته نحو 2مليار دولار سنوياً، والبعض يرى التحركات الأمريكية لحظر صادرات الذهب، مبنية على مزاعم بأن الحكومة تستخدم عائدات هذا المعدن النفيس في أغراض الحرب، بينما يرى فريق آخر أن أمريكا أرادت من خلال هذه الخطوة أن تقطع الطريق أمام روسيا والصين اللتين ولجتا بثقليهما مجال الاستثمار في قطاع التعدين بالبلاد.


هجوم البشير
وفى الأثناء شن رئيس الجمهورية المشير عمر البشير خلال مخاطبته مؤتمر تقييم وتقويم الاداء للدفاع الشعبي امس هجوما عنيفا على واشنطن علي خلفية تقديم مشروع لمجلس الأمن طالبت فيه بحظر صادرات الذهب، وأضاف « نقول للامريكان والاستعمار الجديد لا ولن نركع الا لله»، أردف» امريكا وحلفائها هم من يدعمون الحركة الشعبية وسعوا لفصل الجنوب من اجل اسقاط الحكومة ومن ثم توحيد السودان على اسس الحركة الشعبية»، وزاد» نحنا ما بنخاف علي الكراسي ولا علي الارزاق لانها بيد الله ورغم عن انفهم نحنا قاعدين وعهدنا مع الشهداء باقي وسنظل قابضين علي جمر القضية «


ادعاءات كاذبة:
الخبير الاقتصادي د. محمد الناير لم يذهب بعيداً عن ما قاله بابكر محمد توم، وتوقع أن لاتنجح أمريكا في حظر صادرات الذهب إلا في حال اتجاهها فرض حظر خاص مماثل لماقامت به في العام 2007، حيث استطاعت أن تؤثر على بلدان كثيره في عدم التعامل مع السودان، ويمضي الناير قائلاً واشنطن لن نستطيع عبر مجلس الأمن تحقيق الخطوة التي تسعى لتحقيقها بزعم أن السودان يستخدم عائدات الذهب في أغراض الحرب، وهذا ادعاء غير حقيقي بالنظر إلى أن واردات البلاد تبلغ نحو 7 مليارات دولار.


اعتراضات دولية:
العلاقات التي يتمتع بها السودان مع دول كثيره لها كلمتها داخل المؤسسات الدولية، ستقف سداً منيعاً وتجعل السودان في مأمن من تمرير المقترح. وما يعضدد ذلك،أن هذا المقترح الذي تم طرحه في أروقة مجلس الأمن أمس الأول، واجه اعتراضاً من روسيا وفنزويلا والصين وماليزيا ومصر وأنجولا المتحدة، ويرى الناير أن روسيا ستتعامل مع السودان دون النظر لهذه العقوبات كما فعلت من قبل الصين.


حرج أمريكي:
ويقول محمد الناير إن الولايات المتحدة الأمريكية في حرج بالغ بسبب تنامي الأثر السالب للعقوبات على المواطن السوداني وليس الحكومة. وأضاف أن موقف الاتحاد الافريقي الأخير الذي طالب من خلاله برفع الحظر على البلاد سيشكل ضغطاً على أمريكا.


إزالة الجفوة:
ويقول بابكر محمد توم كنا متفائلين بأن ترفع واشنطن الحصار عن الخرطوم بعد إزالة الجفوة بين البلدين وتبادل الزيارات بين المسؤولين، و استنكر التوم عدم إدانة أي جهة دولية لهذا الحصار.
كثيرون يرون أن أسباب الجفوة بين الخرطوم وواشنطن تلاشت، ولابد من التطبيع بين البلدين، ولكن في نهاية المطاف تأتي رياح واشنطن بما لا تشتهي الخرطوم.

تقرير:عمار محجوب
صحيفة آخر لحظة

لماذا طرح التطبيع مع إسرائيل في السودان الآن؟


صرّح وزير الخارجية السوداني، إبراهيم غندور، في منتصف يناير/كانون ثاني 2016 أنّ السودان يمكن أن يدرس مسألة التطبيع مع إسرائيل. وجاء هذا الحديث إثر الأنباء التي أوردتها وكالة السودان للأنباء "سونا"، وهي الوكالة الحكومية الرسمية، أنّ مسألة التطبيع مع إسرائيل موضوعة ضمن جدول أعمال لجنة العلاقات الخارجية لمؤتمر الحوار الوطني السوداني، الذي يجري حالياً في السودان. وجاء في خبر "سونا" أنّ أغلبية أعضاء لجنة العلاقات الخارجية بمؤتمر الحوار الوطني يوافقون على إقامة علاقات "مشروطة" مع إسرائيل. 

نفي أم تأكيد؟
على الرغم من نفي الحكومة السودانية مسألة التطبيع مع إسرائيل، على لسان كُلٍ من نائب رئيس الجمهورية، حسبو محمد عبد الرحمن، ونائب رئيس مؤتمر الحوار الوطني، إبراهيم محمود، ومع تأكيد الأخير أنّ الحزب الحاكم لم يناقش هذه المسألة في أيٍّ من اجتماعاته، فإنّ الشواهد تشير إلى أنّ التطبيع مع إسرائيل ظل خياراً يراود بعض قيادات حزب المؤتمر الوطني خلف الكواليس. فقد صرح والي ولاية القضارف السابق، كرم الله عباس الشيخ، في إبريل/نيسان 2012 أنّ هناك تياراً داخل حزب المؤتمر الوطني الحاكم يوافق على التطبيع مع إسرائيل. وقد علّق الحزب على هذا التصريح بأنه مجرد رأي شخصي. كما سبق أن طالب والي النيل الأبيض الحالي ورئيس لجنة الاستثمار والصناعة في البرلمان سابقًا، عبد الحميد موسى كاشا، بالتطبيع مع إسرائيل، قائلاً: "ما دمنا قد قبلنا بأميركا فلنقبل بإسرائيل". وإضافة إلى تصريحات وزير الخارجية، إبراهيم غندور، لم يدحض رئيس القطاع السياسي في الحزب الحاكم، مصطفى عثمان إسماعيل، الفكرة من أساسها، بل قال إنّ اتخاذ قرارٍ بقبول التطبيع مع إسرائيل أو عدمه إنما يعود إلى مؤتمر الحوار الوطني.


وضع مسألة التطبيع مع إسرائيل في مثل هذا الإطار يجعلها تبدو مثل بالون اختبار لفحص ردود الفعل عليها، أو تعويد الناس على هذا الموضوع، تمهيدًا لقبوله، فتصريح عضو لجنة العلاقات الخارجية في مؤتمر الحوار، إبراهيم سليمان، بأنه لا يستبعد أن يكون التطبيع مع إسرائيل من ضمن التوصيات النهائية لمؤتمر الحوار الوطني، لا يبدو أنه صدر من فراغ، خصوصاً أنّه نشر في وكالة "سونا" الرسمية.
تزامن الحديث عن التطبيع مع وصول ناشطة سودانية مقيمة في كندا إلى الخرطوم، بدعوةٍ من الحكومة للمشاركة في أعمال الحوار الوطني. وبدا لافتاً مدى احتفاء الحكومة بهذه الناشطة، ودعوتها إلى مؤتمر الحوار الوطني، بوصفها شخصية وطنية مهمة؛ إذ استقبلها في مطار الخرطوم، حامد ممتاز، الذي يشغل منصب الأمين السياسي لحزب المؤتمر الوطني الحاكم. وبلغت الحفاوة بها حدّ السماح لها بمقابلة رئيس الجمهورية. ولكنْ، حتى وقت قريب جدًا، كانت هذه الناشطة معارضةً لسياسات الحكومة السودانية، وتحوم شبهاتٌ حول انخراطها مع جمعياتٍ صهيونيةٍ أميركيةٍ تنشط في قضية دارفور. وقد ساهمت هذه الجمعيات في استصدار أمر القبض على الرئيس عمر حسن البشير من محكمة الجنايات الدولية. كما عُرف عن هذه الناشطة أيضاً تكوينها جمعية "للصداقة" السودانية – الإسرائيلية"؛ ما يدعم الشكوك في أنّ الحكومة السودانية منشغلة بالتقارب مع إسرائيل، فإسرائيل هي بنظرها مفتاح العلاقة بأميركا. إنّ احتفاء الحكومة بهذه السيدة التي لا وزن فكرياً أو سياسيًا لها، لا يخرج عن هذا الإطار. ويبدو أنه، من منظور من طرح فكرة التطبيع، أنّ من أدى دوراً لدى أميركا وإسرائيل لفتح موضوع مشكلة دارفور، يمكنه أن يساعد أيضاً في غلقه.

تحولات السياسة الخارجية وخيار التطبيع
جرت، في الآونة الأخيرة، تحولات حادة في السياسة الخارجية السودانية (من دون انتظار قرار من مؤتمر الحوار؛ ما يؤكد أنّ صاحب القرار في السودان هو الرئيس، ولا أحد غيره). وقد ظلت حكومة السودان تسعى جاهدةً، منذ سنوات طويلة، إلى تطبيع علاقاتها مع الولايات المتحدة الأميركية، بغرض رفع عقوبات الأخيرة عنها. وقد تعاونت الحكومة السودانية مع الإدارة الأميركية، تعاوناً تاماً في مسألة فصل الجنوب، لكنها لم تجنِ شيئًا مما وُعدت به. كما تعاونت معها في ما سُمي "محاربة الإرهاب"؛ إذ زار رئيس المخابرات السودانية واشنطن، وسلم الأميركيين قوائم بأسماء "إرهابيين خطرين"، غير أنّ تلك الخطوة لم تأتِ أيضاً بمردودٍ تجاه رفع العقوبات؛ فقد ظلت الإدارة الأميركية تجدّد هذه العقوبات بصورة مستمرة. 
أثّرت العقوبات الأميركية تأثيراً كبيراً في الاقتصاد السوداني الضعيف أصلًا؛ فقد ازدادت الضغوط عليه، عقب انفصال الجنوب في عام 2011، من خلال أيلولة ثلثي الإنتاج النفطي السوداني إلى دولة الجنوب الوليدة. ومع اشتعال الحرب الأهلية في جنوب السودان، واضطراب الأحوال فيه، انخفض إنتاج النفط الجنوبي بصورة حادّة، وتدهورت أسعاره، إثر انخفاض أسعار النفط عالمياً. وقد أدى تراجع الإنتاج والأسعار إلى انخفاضٍ حادٍ في ما يناله السودان من رسوم عبور نفط جنوب السودان أراضيه، ومن استخدام حكومة جنوب السودان أنابيب السودان وموانئ التحميل على ساحل البحر الأحمر. وقد تفسّر هذه الضغوط المتنوعة التغيرات الحادة الأخيرة في السياسة الخارجية السودانية.


شرع الرئيس البشير، عندما وصل إلى الحكم في عام 1989، في ترجيح كفة إيران إستراتيجياً على دول الجوار العربي في الخليج ومصر، بسبب العلاقات المتوترة بين السودان وجيرانه العرب. ومن جانبها، ألقت إيران بثقلها في السودان، بوصفه موطئ قدم حيوية؛ وهو ما يمكِّنها من تعضيد وجودها العسكري في البحر الأحمر، والضغط على السعودية من جهة الغرب. كما رأى الإيرانيون في السودان نقطةً بالغة الأهمية للانطلاق في خططهم نحو التغلغل والانتشار في أعماق أفريقيا جنوب الصحراء. وقد ساعدت إيران السودان في إنشاء أجهزته الأمنية، كما ساعدته في تطوير صناعاته العسكرية. وانتشرت، عبر العقدين الماضيين، المراكز الثقافية الإيرانية فيه. ولكن، في سبتمبر/أيلول 2014، أصدرت الحكومة السودانية قراراً بإغلاق المراكز الثقافية الإيرانية في البلاد، بتهمة أنها تبشر بالمذهب الشيعي، مع أنّ هذا التبشير كان قائماً سنوات عديدة، وأمهلت موظفيها 72 ساعة لمغادرة البلاد. وكانت تلك أولى الإشارات الدالة على أنّ الحكومة السودانية بدأت أولى خطواتها في طريق العودة إلى المنظومة العربية، وخصوصاً الخليجية. 
وباتخاذ قرار إرسال لواء من المشاة إلى اليمن، مع عددٍ من طائرات السوخوي، للمشاركة في "عاصفة الحزم" إلى جانب التحالف العربي، بقيادة المملكة العربية السعودية، يكون السودان قد اتخذ قرار القطيعة التامة مع إيران التي تدعم قوات الرئيس السابق علي عبد الله صالح وجماعة الحوثي. وحين جرى الاعتداء على السفارة السعودية في طهران، ردًا على إعدام المعارض الشيعي السعودي، نمر النمر، ضمن عشرات ممن حاكمتهم السعودية بتهمة الإرهاب، بادرت حكومة الرئيس البشير إلى قطع علاقاتها الدبلوماسية مع إيران، تضامنًا مع السعودية. وقد تخطى السودان في قوة الإجراء الذي اتخذه تجاه إيران دولاً خليجيةً اكتفت بتخفيض تمثيلها الدبلوماسي.
ويبدو أنّ الحكومات العسكرية السودانية، ونعني بها هنا تحديدًا حكومات الرئيسين جعفر النميري وعمر البشير، قد دفعت إلى أبعد مدى ممكن العبارة القائلة: "ليس في السياسة صديق دائم، كما ليس فيها عدو دائم"، فحين أصبح الوضع الاقتصادي في البلاد على حافة الانهيار، وزاد ضغط المعارضة على نظام النميري في النصف الأول من ثمانينيات القرن الماضي، لجأ إلى "تطبيق" الشريعة الإسلامية عام 1983. وبعد عامٍ من تطبيق الشريعة، دخل في صفقة مع الإسرائيليين والإدارة الأميركية، والتي سمح السودان بموجبها بترحيل آلاف من يهود الفلاشا الإثيوبيين، من إثيوبيا إلى إسرائيل عبر أراضي السودان، في ما سمي "عملية موسى". وظنّ النميري، الذي نال نظير موافقته على تنفيذ تلك العملية مساعدات بقيمة 200 مليون دولار، إضافة إلى 60 مليون دولار، كانت قد وصلت إليه بصورة عاجلة، أنه اشترى عمراً جديدًا لنظام حكمه، فغادر إلى واشنطن، عقب انتهاء تلك العملية لتلقي الثناء ومزيد من القبول، غير أنّ انتفاضة شعبية عارمة اندلعت ضد نظامه، وهو خارج البلاد. وانحازت القيادة العسكرية للشعب، فسقط نظامه، وانتهى النميري منفياً في مصر. 

خاتمة
 تشير كل الدلائل إلى أنّ مسألة التطبيع مع إسرائيل، حقيقة كانت أم ظلت في إطار التصريحات والاختبارات، أصبح التفكير فيها كأحد أطواق النجاة الممكنة للنظام الحاكم في السودان من أزماته، وأصضمن ما يشغل النخب الحاكمة. وعموماً، فإنّ التحولات الحادة في السياسة الخارجية، حيثما جرت، إنما تدل، بقدر ما، على تأزّم الأوضاع الداخلية بصورة بالغة الحدة.بحت 
وقد أظهرت نتائج المؤشر العربي الذي أجراه المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، أن نسبة قبول التطبيع مع إسرائيل بين السودانيين في عام 2015، كانت الأعلى في العالم العربي (18%مقارنة بـ 16% في مصر ولبنان) ، على الرغم من أنها تبقى صغيرة. ويبدو أنّ عوامل، مثل تدهور الأحوال المعيشية وتفشّي البطالة وانسداد الأفق، في ظل أنظمة استبدادية قد ساعدت على بروز هذا الميل. وفي حالة السودان، ثمّة ما يدل، بصورة أكبر على هذا التحول، وهو ازدياد نسبة الشباب السودانيين الذين يهاجرون إلى إسرائيل. ويمكن للمرء أن يلمح نشوء علاقةٍ أخذت تبرز وسط قطاع من الجمهور العربي بين سوء الأحوال الاقتصادية وانعدام الفرص وتمكّن الاستبداد من جهة، والابتعاد عن الهمّ العربي المشترك والقضايا العربية، من جهة أخرى. وفضلًا عن أنّ الاستبداد هو الأبعد عن الهمّ العربي، فهو، في الوقت نفسه، الأكثر تنفيراً للناس منه، وهو (أي الاستبداد) يرتكب جريمةً بحق قضية فلسطين نفسها، حين يستخدمها في الدعاية لسياساته. 
ويلاحظ أنّ اليأس من الحالة العربية يزداد في الأقطار العربية التي تقع على تخوم الوطن العربي، كالسودان والصومال، حيث تعيش أيضاً أقوام غير عربية تشعر بالاغتراب عن الدعاية التي تمارسها الأنظمة الحاكمة. كما يمكن ملاحظة نشوء شعور بانعدام الجدوى من الوقوف في الصف العربي، وسط قطاعاتٍ من شباب هذه الأقطار، وبأنّ الارتباط بالمشترك العربي قد يعوق أكثر مما يساعد. وهذا تصور معطوب من دون شك، ولا يصلح لتفسير تردّي الأحوال في بعض الأقطار العربية. ومع ذلك، لا بد من التفكير بصورة أعمق وأوسع وأكثر جديةً في ما يجري من تفكّك وتشظٍ في المنظومة السياسية العربية، فالفراغات التي تنشأ وسط الأقطار العربية لا تبقى شاغرة، وإنما يملأها الآخرون.
مرت على الأقطار العربية زعامات اتجهت نحو التطبيع مع إسرائيل، فلا حُلت قضية التنمية ولا قضية الاستبداد. وما حصل هو العكس، فقد ازدادت الفجوة بين هذا الأنظمة ورأيها العام. كان هدف هذه الزعامات مقايضة الرضا الأميركي بالتخلي عن القضية الفلسطينية، لأهدافٍ متعلقة ببقاء النظام، وليس بهموم الشعوب نفسها. وهذا ما يجري في السودان حالياً. ولكن أميركا تبخل بالرضا قبل الخضوع لشروطها كلها، وغالباً ما لا يسعف هذا الرضا الغالي الثمن نظام الحكم، بل يعقّد علاقته - 

المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات
العربي الجديد

"مكتبة توتيل": أحلام نشر في الظل

في تجربة ثقافية جسورة؛ افتتحت في الرابع من الشهر الجاري "مكتبة توتيل العربية" في اسطنبول، لتعلن بذلك تأسيساً جديداً لمشروع عربي يتوخّى هوية مختلفة في النشر، سواء لجهة أهداف واستراتيجية المكتبة، أو لجهة الفكرة التي انبثقت قبل ربع قرن عن رؤية للمناضل الإريتري المعتقل إبراهيم توتيل، والذي كان يحلم بنشر الإبداع العربي للكُتَّاب الإريتريين على تخوم سوق القراءة والنشر في العالم العربي.
وفيما كانت العاصمة الإريترية، أسمرا، أصلاً مفترضاً لمكان هذا الحلم الثقافي الرائد، إلا أن مياهاً كثيرة جرت منذ عام 1991، حالت دون تحقيقه، لا في أسمرا، ولا في بلدان الجوار العربي؛ لتصبح اسطنبول أرض الحلم الذي تحقق على يد رجل الأعمال الإريتري الشاب إصرار توتيل ــ نجل إبراهيم توتيل ــ مع جدوى جديدة وحلم أكبر في عمل ثقافي أوسع، أطلق عليه أصحابه: "ظلّ الهامش" في سوق النشر العربية.
لا تطرح استراتيجية "ظلّ الهامش" لـ "مكتبة توتيل العربية" تجربتها الجديدة في تكثيف نشر إبداع بلدان الهامش الثقافي العربي: السودان وإريتريا وموريتانيا وأثيوبيا والصومال وجيبوتي وتشاد ومالي، عبر اسطنبول، ضمن مزاج يبحث عن فرص تنافسية جديدة لمزاحمة المراكز؛ بل إنها تأتي أساساً من جدوى الانتظام في سوية ثقافية للإبداع العربي، بوصفه تمثيلاً متعدّد الوجهة والمكان للكتابة العربية ذاتها، حيثما كانت، ومن ضرورة استكمال منشورات تلك الكتابة وبذلها بما هو متاح من وسائط النشر الحديثة، تجسيراً لهوة النسبة والتناسب، وتحقيقاً لفرص انتشار تركز على إيجاد ما كان غائباً أو مغيباً، وجلبه إلى المركز.
بطبيعة الحال، لا يعني هذا أن القائمين على "مكتبة توتيل" في اسطنبول (وهم الشاعران محمد مدني ومصطفى عجب، والفنان التشكيلي فاتح الحاج وآخرون) غير مدركين للوجه الآخر من العمل الذي سيستكملون صورته؛ بنشر كتب لمبدعين من المركز العربي، بقدر ما يعني أن ثمّة حاجة أكثر لنشر إنتاج الهامش داخل المركز؛ لهذا شكّلت اختيارات النشر المتصلة ببعض مبدعي المراكز العربية في منشورات "مكتبة توتيل العربية" الوجه الآخر لجدلية المركز والهامش.
هكذا، سنجد ضمن منشورات "توتيل" أسماء لشعراء عرب من أمثال الشاعر السوري نوري الجراح إلى جوار الشاعر الإريتري السوداني محمد مدني، لتعكس المكتبة بذلك ضرباً من انتقال الأعمال الإبداعية بنسب انتشار معقولة في سوق النشر العربية كي تصل إلى الجميع.
الفعل الثقافي في "مكتبة توتيل" جزء من الرؤية الثقافية ذاتها، من ناحية، ومن جدواها التي تقتضيها ملابسات المكان والإنسان العربي في اسطنبول من ناحية ثانية. إذ تتسع فكرة المكتبة لتوفير ما هو متاح من الإنتاج العربي والمترجم إلى العربية في مختلف صنوف وأجناس الكتابة الإبداعية من رواية وشعر ونقد وفلسفة وأدب وعلوم دين وتقنية وأدب أطفال وكتب ودراسات أكاديمية، وتضم كذلك قسماً للإنتاج الإعلامي (أفلام وثائقية، تسجيلية وتقارير ثقافية وفنية وسياسية)، فضلاً عن جناح يحتوي على معرض تشكيلي دائم من خلال غاليري للفنون، إذ يقوم الغاليري بتنظيم معارض فنية فردية وجماعية للتشكيليين والتشكيليات، كما تنظم الدار معرضاً سنوياً للكتاب تشارك فيه مختلف دور النشر مع نشاطات ثقافية مصاحبة كالندوات وورش العمل، فضلاً عن فعاليات توقيع الكتب.

لم يكن التموقع في اسطنبول من قبيل الصدفة المحضة لهذا المشروع الثقافي العربي، إذ إن المدينة التركية أصبحت بمثابة موئل لجزء كبير من مثقفي وفناني البلدان المجاورة ولا سيما مع الأحداث التي تعيشها مجموعة من البلدان العربية، إذ تبدو اسطنبول حاضنة جاذبة بما توفره من سقف معقول من الحريات للفنانين والنشاط الثقافي.
توفّر"مكتبة توتيل" في معرضها الدائم، إلى جانب منشوراتها الخاصة، مطبوعات مختارة لأحدث وأهم كتب دور النشر العربية الجادة والمكرّسة التي تتعاون معها، وهي بذلك تضع بين يدي القارئ العربي في اسطنبول وتركيا ما يمكن أن يتيسّر له من مختلف ضروب الإنتاج العربي في المعرفة والإبداع والفكر.
تأتي المكتبة العربية في تركيا، لتخدم كثيراً من المثقفين والقراء العرب الذين لجؤوا إليها منذ العام 2011، إذ تحتوي اسطنبول وحدها ما يقارب مليوني عربي، علماً أن "صفحات" هي مكتبة عربية أخرى افتتحت أيضاً، قبل أشهر في المدينة. يذكر أن القوانين التركية تتيح حيازة سجل تجاري لأي لاجئ أجنبي فور دخوله أراضيها.

هذا ويأتي انطلاق فعاليات افتتاح "مكتبة توتيل" تزامناً مع تاريخ اعتقال إبراهيم توتيل في الرابع من شباط/ فبراير عام 2013، إنها الوجه الآخر لمواجهة الظلم والقمع والديكتاتورية بالمزيد من المعرفة والحرية. تضمّ هذه الفعاليات تظاهرات ثقافية عربية وأفريقية موزعة بين الأمسيات الشعرية والمحاضرات.

______________

إطلالة عربية أفريقية 
أعلنت "مكتبة توتيل" عن دار نشرها، الأسبوع الماضي، في حفل افتتاحها، من خلال فعالية إطلاق باكورة منشوراتها التي ضمّت "غبار اليوم التالي" للكاتب والنحات السوري عاصم الباشا، و"مرثيات أربع" للشاعر السوري، نوري الجرّاح، و"الصدى الآخر للأماكن" للكاتبة السودانية كلثوم فضل الله، و"أزيزنا الليلي" للشاعر السوداني، مصطفى عجب، و"تحت الحياة فويق الممات" للشاعر الإريتري محمد مدني.  
محمد جميل أحمد
العربي الجديد

حامد ممتاز الأمين السياسي لحزب المؤتمر الوطني الحاكم في السودان لـ «القدس العربي»: من الممكن أن نحكم السودان ليس فقط 25 عاماً بل 50 عاماً



لندن – «القدس العربي»:

تحولات مفاجئة شهدها المسرح السياسي السوداني في الآونة الأخيرة (على الصعيدين المحلي والدولي)، والأبرز تحول بوصلة السياسة الخارجية على الصعيد الإقليمي من موجبات الطاعة لسياسات الولي الفقيه أو «المرشد الإيراني الأعلى» إلى التماهي مع مستجدات المسرح السياسي العربي ومناصرة الحسّ القومي.
كثيرة هي الاستفهامات حول دواعي الارتدادات السياسية التي مارستها الخرطوم حيث تَشَي الكواليس أن وزارة الخارجية السودانية لم تعد الجهة المعنية بملف العلاقات مع كل من المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة بعد أن أسند الرئيس السوداني عمر البشير هذين الملفين إلى وزير الدولة برئاسة الجمهورية السودانية الفريق طه عثمان الحسين، الأمر الذي يصفه المراقبون بـ (الحالة الشاذة على التقاليد الدبلوماسية) وذلك حرصا من الرئيس على الإشراف على تنفيذ سياساته الجديدة في المنطقة.
الخرطوم إتخذت الكثير من المواقف التي أثارت تساؤلات، بداية من خطوة إغلاق المراكز الثقافية الإيرانية ومروراً بإرسال قوات للمشاركة في حرب اليمن ضد الحوثيين، وانتهاء بقرارها قطع العلاقات الدبلوماسية كلياً مع إيران وطرد سفيرها من السودان على خلفية الاعتداء على السفارة السعودية في طهران في أعقاب إعدام المملكة السعودية لرجل الدين الشيعي نمر النمر، في وقت أبقت فيه بعض دول التعاون الخليجي «شعرة معاوية» مع إيران وهي المعنية بالأمر أكثر من السودان.
القرارات السودانية يصفها البعض أيضاً (بالمواقف مدفوعة القيمة) من أجل الخروج من الضائقة الاقتصادية التي تعانيها البلاد وآخرون يصفونها (باللهث وراء المال)، كما جاء على لسان البرفيسور الفلسطيني عبد الستار قاسم أستاذ العلوم السياسية، في تصريحات صحافية لوكالة أنباء فارس أعقبت إعلان الخرطوم وعلى لسان وزير خارجيتها البروفيسور إبراهيم غندور رغبة بلاده التطبيع مع إسرائيل.
كل المعنيين بتقلبات الأنواء السودانية يتساءلون حول دواعي إتخاذ هكذا خطوات، لا سيما وان الخرطوم كانت واحدة من أكبر مناصري القضية الفلسطينية على الصعيد العربي فيما عرف بدول الممانعة وتتهمها إسرائيل بتمرير السلاح الإيراني لحركة المقاومة الفلسطينية حماس.
«القدس العربي» طرحت العديد من هذه التساؤلات الملحة على مسؤول العلاقات السياسية في حزب المؤتمر الوطني الحاكم في السودان حامد ممتاز.


○ بداية ما هي المستجدات التي دفعت الخارجية البريطانية لدعوتكم لزيارة بريطانيا ونعلم أن العلاقات السياسية والدبلوماسية بين البلدين متضاربة في بعض المواقف وهذا تصنيف الحكومة السودانية.. فما الذي استجد في هذا الملف؟
• دعني بداية أقول إننا لم ننقّب في البحث عن المستجدات التي دفعت الخارجية البريطانية لتقديم هذه الدعوة. ولكن على المستوى العام في اعتقادي أنه تحوّل ايجابي يُحسب للخارجية البريطانية في إطار التواصل السياسي في ظل القطيعة غير المشروعة في العمل السياسي بين السودان وبريطانيا، ولكن على العموم هي زيارة تمثل نقطة تحول جديدة في العلاقة ما بين الدولتين. وأعتقد ان هذه مرحلة مهمة جداً في التحول ليكون بيننا تواصل خلافا لما كان في السابق.

○ هل لهذه الزيارة أي علاقة بقرار طردكم لمنظمة «ايركون» البريطانية من دارفور خلال الأسابيع الماضية؟
• ليست هناك علاقة بين هذا وذاك ولكن الأمر هو فقط دعوة لا علاقة لها بهذا الموضوع من قريب أو بعيد، ولم نتطرق له في جولات التواصل التي تمت خلال الأيام الماضية.

○ إذن هل هي دعوة روتينية أم لها أجندات خاصة؟
• هي دعوة خاصة فيها برامج متعددة حيث إلتقينا عددا من القيادات السياسية البريطانية في برنامج استمر لخمسة أيام، ومن ثم كانت هنالك لقاءات خاصة بالمسؤولين الرسميين والسياسيين.

○ إذن أين الخصوصية وأنتم مدعوون ضمن مجموعة من المسؤولين الآخرين من دول أخرى؟
• الخصوصية في الجزء الثاني من البرنامج الذي إتفقنا عليه في الخرطوم بأن تكون هنالك لقاءات خاصة ذات طبيعة سياسية ترتبط بالخارجية والبرلمان البريطانيين.

○ بالعودة لملف العلاقات السودانية – الأوروبية كيف تقيّم مسيرة العمل الأوروبي في السودان في ظل الأوضاع الإنسانية المعقدة التي برزت مؤخرا للسطح بعد الصراعات التي ظهرت في اقاليم دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق؟
• أعتقد ان الدور الأوروبي غائب كلياً عن المشهد السياسي في السودان في ظل مقاطعة غير مشروعة، وهذا قائم فقط على عوامل سياسية لا تمت للواقع الإنساني بصلة واعتقادي يجب أن تتغير هذه السياسة تجاه السودان من أجل تغيير الواقع والمساهمة الايجابية في تحقيق عملية السلام في السودان والتنمية المستدامة، بإعتبار ان السودان يلعب دورا كبيرا جدا في استقرار افريقيا بصورة عامة والقرن الافريقي بصورة خاصة وبالتالي يجب على دول الاتحاد الأوروبي وبريطانيا القيام بدور ايجابي في عملية تحقيق السلام في السودان؟

○ شهد المشهد السياسي السوداني في الآونة الأخيرة الكثير من التقلبات والمواقف المرتجلة لخلق علاقات سياسية ودبلوماسية مع دول كثيرة، كما نشهد حراكا في الملف الإسرائيلي وقد عبّر حزبكم على لسان وزير الخارجية انه لا يمانع في إقامة علاقات تطبيع مع دولة إسرائيل وعاد نائب الرئيس حسبو محمد عبد الرحمن لينفي ذلك وهذا يقود للتساؤل الذي يدور في وجدان كل العرب والجهات المعنية بشؤون المنطقة العربية.. هل هناك توجهات فعلية للحزب الحاكم في السودان للتطبيع سرا مع إسرائيل وأنت المعني بهذا الملف؟
• أولاً ليست هناك تقلبات في الواقع السياسي وانما هي مسيرة العمل السياسي بطبيعة الحال تتغير حيث تغير المراحل السياسية. هذا هو الواقع ونحن الآن في ظل حوار وطني سياسي مفتوح تُناقش فيه القضايا التي تعيق مسيرة الاستقرار السياسي في السودان منذ سنوات طويلة جداً وهنالك حرية في نقاش القضايا بصورة واسعة وشفافية كاملة ولكل حزب رؤيته الخاصة في القضايا الست، وبالتالي من الممكن ان يظهر رأي مخالف للواقع العام وهذا لا يشكل مشكلة كبيرة. على مستوى العلاقة مع إسرائيل لم نتطرق إلى هذا الأمر في أوراقنا المقدمة ولا حتى في مشروعات الحزب، على مستوى الدولة ان تكون هنالك علاقات مع دولة إسرائيل وما ظهر في الإعلام ما هو إلا مجرد اقتضاب واختصار لحديث أُخرج من سياقه العام في إقامة علاقات مع إسرائيل، ولكنه لم يصدر من حزب المؤتمر الوطني وإنما عن أحد المشاركين في الحوار، وأعاد بذلك القضية إلى صدر اهتمامات الإعلام.

○ فلنفترض انكم لم تدعوا للتطبيع مع إسرائيل في هذه المرحلة، فهل لديكم أي خطط للتطبيع في المستقبل أو سرا كما يتحدث البعض؟
• لم ندرس ذلك أصلاً باعتبار ان الموقف مع إسرائيل مبدأ شعبي عام وليس موقف المؤتمر الوطني تجاه أرض مغتصبة من دولة إسرائيل.. نحن لم نطبّع ولم ندع لتطبيع ولم ندرس ذلك من قبل ولن نفكر فيه في المستقبل.

○ إذن أنتم ملتزمون بما جاءت به قرارات الجامعة العربية فيما يخص قضايا التطبيع مع إسرائيل؟
• نحن ملتزمون بقرارات الجامعة العربية وبقيمنا وأخلاقياتنا التي تحتّم علينا التعامل مع هذه القضية وفق ما ذكرت سابقاً.
○ في بداية حديثك ذكرت تقلبات المواقف السياسية والشاهد أن السودان كان دولة حليفة لإيران ولسنوات طويلة خلت وما أن جاءت أزمة اليمن تحول بدرجة أثارت الكثير من التساؤلات، خاصة وأن كثيرا من دول مجلس التعاون الخليجي لم تتخذ مواقف متطرفة وهناك من يرى ان موقف السودان متطرف لأنه ليس عضواً في مجلس التعاون الخليجي لكي يتداعى بكل هذه الدراماتيكية في مناصرة السعودية إلى حد القطيعة الدبلوماسية الكاملة مع إيران والتي تمثّلت في طرد السفير الإيراني من الخرطوم وسحب السفير السوداني من إيران؟

• تأكيدا لحقيقة سابقة لم يكن السودان حليفاً لإيران وإنما هي علاقات دبلوماسية عادية في إطار التواصل السياسي، وما ظهر مؤخراً أن لدينا قراراً مسبقاً تمثّل في غلق الملحقيات الثقافية لأسباب تخالف القوانين المحلية والأخلاقية وبالتالي تم هذا الاجراء استكمالاً لما بدأ في المرحلة السابقة، ونحن نراه موقفاً عادياً في اطار التبادل الدبلوماسي.
نحن في حلف لاستقرار عربي بيننا وبين أشقائنا في السعودية ودول الخليج الأخرى لذلك نرى مخالفات كثيرة في هذا الواقع الذي يظهر في الخليج من الحرب التي تُقام الآن في اليمن وبالتالي ملتزمون بتحالفنا مع السعودية وهذه هي قبلتنا الأولى والعلاقة بين السعودية والسودان تقوم على أساس الأخلاق والدين.


○ هناك شعور لدى السودانيين بأن حزب المؤتمر الوطني الحاكم يستخدم المواقف السياسية خدمة لأجندات وضرورات الحاجة الاقتصادية الملحة التي تعاني منها البلاد الآن، وتمثَل ذلك جلياً في ارسال قوات سودانية إلى اليمن، وأنتم الآن بصدد ارسال قوات إلى بعض دول الخليج مقابل المال، فما حقيقة ذلك؟

• هذا إتهام، لم نشتر ونبيع في قيمنا ومبادئنا وهذا ثابت في تفكيرنا السياسي وتجربة ارسال قوات إلى دول عربية، هذه سابقة في تاريخ السودان وليس ظاهرة في ظل حكومة المؤتمر الوطني.. هذا هو تواصل للتاريخ الذي ظل يقوم به السودان كشعب تجاه اشقائه في المنطقة العربية.
ونحن الآن نواصل ذات المسيرة في الدفاع عن مقدساتنا واشقائنا العرب بموجب مواثيق جامعة الدول العربية وهذا الاتهام ليس صحيحاً بأي حال من الأحوال. ظللنا نستخدم مواردنا المحلية طيلة سبع وعشرين عاماً وسنظل كذلك حفاظاً على المبادئ التي كتبناها في سيرتنا السياسية خلال المرحلة السابقة.


○ وماذا تقول هذه المبادئ إذا سُؤلت من قبل الشعب الفلسطيني المعني بملف التطبيع مع إسرائيل كمثال؟
• الشعب الفلسطيني ندعمه على المستوى العام وقوفاً خلف الحقوق المشروعة لاقامة دولتهم المستقلة في فلسطين المحتلة وما تزال هذه هي ذات الرسالة وما يزال هذا هو الموقف.

○ هل استقبالكم للاجئين السوريين جاء لقناعتكم بالمبادئ القومية أم انه فعل أملته الضغوطات الاقتصادية ونعلم ان الاتحاد الاوروبي وعدكم بأموال طائلة للمساهمة في الحد من هواجس الهجرة غير الشرعية التي اجتاحت أوروبا مؤخراً؟

• نعلم تماماً انه ليست هناك حوافز من المجتمع الاوروبي، ولا حتى السوريين أنفسهم يحملون معهم أموالا تحفّزنا لإستيعابهم بدواعي الفائدة، ولكنها ذات القناعة الأخلاقية التي تشكّل بطبيعة الحال أخلاق أهل السودان للوقوف مع صاحب المِحَن، والسوريون الآن بعد الحرب التي طالت بلادهم يتجهون نحو أشقائهم في السودان حيث استقبلوهم استقبالاً يليق بمكانة الشعب السوري ومحنته.

○ إلى أين وصل ملف العلاقات السودانية – الأمريكية ونعلم ان حزب المؤتمر الوطني ظل يردد بأن المعاناة الاقتصادية سببها العقوبات الاقتصادية الأمريكية؟

• هو ليس ترديدا، ولكن الواقع يقول ان العقوبات الأمريكية تضررت منها مشروعات التنمية في السودان وهذا الواقع اظهر عطالة بالآلاف وسط الشباب السوداني، وقد تضررت مشروعات الشركات كما هو الحال مع خطوط الطيران والمشروعات الزراعية والصناعية الأخرى والنقل عموماً. أمريكا تعاقب حتى من يتعامل مع السودان بموجب قانون الحصار الظالم. وهذا واقع ظلت تمارسه الولايات المتحدة تجاه السودان، وفي ظل هذا نحن ندير حواراً بدأ وهو يخص الخارجية السودانية رغبة في تحقيق توافق في ظل السياسة الندية بين السودان والولايات المتحدة الأمريكية من أجل اعادة العلاقات إلى طبيعتها والتواصل السياسي.


○ الإدارة الأمريكية تقول ان عودة العلاقات لن تتحقق بخلاف ان تكتمل خريطة طريق وضعتها الولايات المتحدة الأمريكية عقب اتفاقية السلام الشامل لحل الخلافات الداخلية السودانية ومن بينها قضية دارفور ونشهد هذه الأيام عودة الصراع مرة أخرى إلى هذا الاقليم الأمر الذي دفع الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون للقول بأنه يستبعد انتهاء النزاع بين الحكومة والجماعات المسلحة في الاقليم.

السؤال هو، هل يمكن أن تتحقق العلاقات بينكم وأمريكا في ظل هذا الوضع الشائك؟


• ما يجري بين الولايات المتحدة والسودان هو ليس خريطة طريق وانما استعداء بيّن للشعب السوداني وليس النظام، والدليل هو الحصار المفروض الذي تحدثت عنه في نقطة سابقة وما يجري في دارفور هو فقط تحركات إدارية لتأمين المواطنين في الاقليم ضد المتمردين الذين يقومون بهجمات مستمرة على مواقع وقرى المواطنين.
وهو ليس جريمة إنسانية بطبيعة الحال ولكن ما يجري في دهاليز سياسة المجتمع الدولي تجاه السودان يصوّر كل ما تقوم به الحكومة من إجراءات لمواطنيها في إطار الاستهداف، ونحن نعتقد ان الوعود الأمريكية السابقة بالحوافز بعد توقيع اتفاقية «نيفاشا» والقيام بعملية تطبيق اتفاقية السلام الشامل كان وعداً كذوب وما يزال باعتقادي. ان الاستمرار في هذا الإجراء هو تأكيد لاستمرار مخالفة الخارجية الأمريكية لأطر الأخلاق في العلاقة المبدئية بين البلدين.


○ إذن أنتم لا تتوقعون ان تنفرج هذه العلاقة في المدى القريب؟
• نعمل جهدنا لأن تنفرج، ولكننا نعمل وفقاً لمصالح بلادنا وسيادة دولتنا على أراضينا، وما نقوم به من إجراءات قانونية ومشروعة وفقاً لمتطلبات حماية المواطن في التراب السوداني.
○ ألا ترى أن الإدارة الأمريكية أكثر منكم حرصاً على حماية المواطن السوداني وذلك من خلال تشددها في تنفيذ خريطة الطريق المذكورة والتي بموجبها ستتخذ قرار التطبيع من عدمه؟
• بالتأكيد لا..
○ كيف لا، وقد أدرجت أولويات حصول المواطن السوداني على حق العيش بسلام وحرية ضمن الأجندات الرئيسية التي اشترطت بموجبها عودة علاقاتها مع بلادكم؟
• أكرر بالتأكيد لا، الولايات المتحدة ليس لديها حرص على أي مواطن في العالم، فقط تهمها مصلحة المواطن الأمريكي. هناك مواطنون كثر يتعرضون لانتهاكات في العالم كما الحال في فلسطين المحتلة وبورما وبعض الدول في شرق آسيا والصين ولكن أمريكا تغض الطرف عن هؤلاء جميعاً لأن ذلك يتوافق مع سياساتها الخارجية ولكن من يخالف سياستها في اطار استقلال قراره السياسي كما هو الحال مع السودان تقف ضده بهذه الصورة الممنهجة والعدائية.

○ وهل استقلال القرار عندكم من شأنه ان يسهم في انشطار دولتكم إلى قسمين كما حدث مع الجنوب، وهناك الكثير من الولايات مهددة بالانفصال حالياً؟
• ليست هناك علاقة بين هذا وذاك، وانما بطبيعة الحال مشكلة جنوب السودان خُلقت في السابق كما تعلم من الاستعمار البريطاني في بدايات القرن الماضي، واستمرت تطعن خاصرة الاقتصاد والمجتمع السوداني بفعل التدخلات الأمريكية ودعمها للجنوب، وقد كان القرار الشجاع ان تعرض هذه القضية إلى الاستفتاء، فاذا أراد شعب الجنوب الانفصال فذاك حقهم، وقد قرروا ذلك وذهبت دولتهم إلى سبيل حالها وأقام شعب الجنوب هذه الدولة على وعود أمريكية ولكننا قدمنا لهم الدعم الأكبر من أجل الاستقرار.

○ على ذكرك لجنوب السودان هناك من يرى أن شعرة معاوية بينكم والولايات المتحدة لا تزال قضية استقرار جنوب السودان، بمعنى ان كل ما ترغب فيه الولايات المتحدة في هذه المرحلة هو استقرار دولة الجنوب ولا تُولي أي اهتمام لملف العلاقة معكم، هل صحيح هذا الأمر؟
• نعمل ما نراه مناسبا، لأن العلاقة بيننا وشعب الجنوب هي علاقة دم وثقافة اجتماعية تاريخية، نقوم بالواجب نحوهم من أجل الاستقرار والمصالح المشتركة، لا نفعل ذلك لأجل ان تستمر هذه الشعرة مع الولايات المتحدة أو تنقطع، الولايات المتحدة لا تقدم في هذا حوافز للشعب السوداني ولا للحكومة السودانية من أجل الاستقرار.

○ وانت تتحدث عن الاستقرار يجدر بنا السؤال عن شعب دارفور، هناك من يتحدث عن ان الحكومة أغفلت ملف النازحين واللاجئين والشاهد الآن وجود أكثر من مليوني شخص من النازحين واللاجئين داخل الاقليم ودول الجوار؟

• أرقام اللاجئين بالخارج هي غير الذي تحدثت عنه. والنازحون داخل الأراضي السودانية بعضهم رجع إلى قراه وبعضهم لا يزال في معسكرات النزوح، والدولة تبذل مع السلطة الاقليمية لدارفور جهودا كثيفة من أجل عودتهم إلى قراهم، وفي هذا نشكر دولة قطر الشقيقة التي ظلت تقدم كل أنواع الدعم التنموي والمادي للنازحين في السودان.
ولكن اللاجئين خارج حدود السودان يجب ان يكون هناك تعاون مشترك بيننا والأمم المتحدة باعتبار المواثيق الدولية، ونحن دولة عضو في منظومة الأمم المتحدة ولكنها عمليا لم تقدم أي معونات في عودة اللاجئين السودانيين إلى قراهم.


○ قضية دارفور وفي سياق الحوار الوطني الجاري حالياً في الخرطوم، سمعنا بمشاركة شخصيات غير معروفة في المسرح السياسي السوداني من قبل بينما المعنيون أصلاً بالقضية من قادة الحركات المسلحة والتنظيمات السياسية الأخرى لا يزالون خارج دائرة الحوار، كيف إذاً سيتم التوافق؟
• بالتأكيد أنت لا تعرف كل قادة الحركات المسلحة وهي كثيرة جداً، «ولا أنا كذلك»، ولكن الذين يشاركون الآن كانوا في يوم ما يحملون السلاح ضد الدولة لكنهم ارتضوا مشروع السلام والحوار الوطني وعادوا ليناقشوا قضايا السودان والقضايا التي تواجه الحكم فيه والاستقرار، وهم الآن جزء من هذا الحوار، وكانوا في السابق جزءاً من عملية الحرب في دارفور.
○ .. ولكن الشاهد ان الحركة الشعبية لتحرير السودان وغالب حركات دارفور المسلحة الكبرى ومعظم القادة المعارضين في الأحزاب الكبرى غير منضوين لهذا الحوار الوطني الذي يصفونه بالشكلي؟
• الحوار هو مشروع وطني دعت إليه رئاسة الجمهورية كفكرة لجمع السودانيين للتوافق على معالجة المشكلات التي تواجه الحكم والاستقرار والتنمية كذلك، وعدد كبير من القوى السياسية الوطنية استجابت لهذا الحوار وأيضا عدد كبير من الحركات المسلحة، وبالتأكيد هناك جزء لم يستجب وما يزال المجهود مستمرا ليُشركوا هؤلاء في الحوار لوضع الصورة النهائية للحلول السياسية لهذه المشكلات، كثير من الأحزاب السياسية استجابت وسيُبذل مجهود من أجل اشراك الممانعين متى ما رأوا المصلحة الوطنية العليا في هذا العمل.

○ تتحدث الحكومة عن فشل الحوار في برلين، ما هي الأسباب الخفية من وراء ذلك؟
• ما جرى في برلين ليس جلسات حوار، وانما هي جلسات غير رسمية لتقريب وجهات النظر في بعض القضايا المطروحة بين الطرفين، في المرة السابقة اتفقنا على قضايا التطور المطلوب في الجلسة الأخيرة ولكن عاد قادة الحركة الشعبية قطاع الشمال وغيّروا كل ما تم الاتفاق عليه وهذه عادتهم في كثير من جلسات التفاوض.

○ هناك حديث عن العودة لاتفاق نافع – عقار الذي تم حوله اتفاق إطاري وقد رفضه حزبكم المؤتمر الوطني آنذاك ولكننا اليوم نشهد حديثا عن انه النموذج الأفضل للاتفاق بين الحكومة والحركة الشعبية، فلماذا هذا الارتداد والتقلبات في سياساتكم؟
• نحن لا نرجع للوراء في العملية السياسية ولكن الواقع يحكم عملية العلاقة بين الطرفين في التفاوض، لذلك بعد هذا الاتفاق عُقدت احدى عشرة جلسة للمفاوضات في اديس أبابا باثيوبيا وتمت مناقشة كل القضايا واتفقنا على الكثير منها حتى بلغنا نسبة 80% ولكن عادت الحركة الشعبية وألغت ما تم الاتفاق عليه وهذا هو دأبهم في عملية إطالة الحرب لأنهم لا يرغبون في تحقيق السلام ولا رفع المعاناة في جنوب كردفان والنيل الأزرق.
○ في سياق الحوار الوطني هناك من يتحدث عن ان حزب المؤتمر الوطني سنّ مؤخراً قانوناً عقابياً جديداً لمعاقبة المتظاهرين (وأنتم تسمونهم المتفلتين) بالسجن خمسة أعوام في حال المشاركة في أي عمل تظاهري (وتسمونه تخريبي) علما بأنه حالة من حالات التعبير عن الحريات في سياق التراضي الديمقراطي؟
• ليس هناك قانون جنائي جديد وانما هو القانون الذي أُجيز في عام 1991 نفسه ولم يُغير بعد، ولكن الواقع الآن أن السودان يشهد حريات واسعة جداً في ظل تهيئة المناخ العام للحوار الوطني، نحن لم نشهد مظاهرات بأي حال من الأحوال. هذا هو الواقع الماثل في السودان، لذا ليست هنالك تغييرات لقوانين وانما هو واقع يشهد اتساعا في الحريات العامة. هناك أكثر من 20 صحيفة سياسية تصدر يومياً وندوات تُقام في الطرقات والميادين العامة وفي دور الأحزاب، هذا هو الواقع الذي يجب ان يُشاهد في السودان والمعبّر عن تطور الحريات فيه.

○ أسمح لي أن أقول لك هذا غير صحيح.. أنتم تتحدثون عن الحوار الوطني، شهدنا قبل أشهر ايقاف 14 صحيفة سياسية في يوم واحد «وبقرار واحد»، كيف من شأن ذلك ان يسهم في عملية إتاحة الحريات لدعم الوفاق الوطني؟ وتعلم ان الحريات الصحافية تمثل أهم البنود التي تطالب بها الأحزاب الأخرى، حالياً ومع إنعقاد جلسات الحوار الوطني أيضا تم منع إقامة عدد من الندوات السياسية لأحزاب أخرى، بل وصدر مؤخراً قرار تعسفي جديد بايقاف صحيفة «التيار» ولا تزال موقوفة إلى الآن؟
• نحن في ظروف استثنائية على المستوى الأمني وتعلم ان هناك نزاعات مسلحة في أطراف السودان وحربا استمرت سنوات طويلة جداً، وفي مثل هذه الأوضاع الاستثنائية بطبيعة الحال تكون الحريات منقوصة نوعاً ما من أجل الحفاظ على الأمن الوطني، فما يجري هو حالة استثنائية جداً وتحدث في كثير من البلدان، وقد حدثت من قبل حتى في بريطانيا التي نحن فيها الآن، عندما تأثرت بقرارات مباشرة بايقاف كثير من الصحف أثناء الحرب في جزر الفولكلاند وذلك يجري من أجل حماية الأمن القومي. ولكن هامش الحريات عندنا يتطور يوماً بعد يوم والحوار الوطني يناقش الآن حزمة الحريات العامة كجزء من استكمال حلقة ايقاف هذه الحالة الاستثنائية التي تعيشها البلاد.

○ الأستاذ علي عثمان محمد طه النائب الأول لرئيس الجمهورية الأسبق، صرح بأن حالة المواطن السوداني متردية وقاسية وان الواقع الاقتصادي مرير إلى حد بعيد وأنه لم يكن يعلم ذلك عندما كان نائبا أول للرئيس، وأشار إلى وجود هوة كبيرة بين دوائر صناعة القرار في الحكومة والمصادر المعنية بنقل المعلومة لقمة هرم السلطة، كيف تفسّر ذلك؟

• هو بالتأكيد يعلم بها عندما كان نائبا أول، والواقع الاقتصادي نعلمه تماماً وتعلمه الدولة ويراه المراقب والمواطن المكتوي بنيرانه، ولكن كل ذلك كان بسبب الحصار الأمريكي الذي ذكرناه في بداية حديثنا، الأمر الذي تسبب في الضغوط التي حدثت عقب انفصال الجنوب وذهاب عائدات النفط.
ولكن في إطار بحثنا عن موارد جديدة نعلم ان ذلك قد يأخذ زمناً ربما يحتاج إلى أربع أو خمس سنوات، ولكن ستعود بعدها العافية للاقتصاد. والدولة تبذل حاليا مجهودا كبيرا من أجل رفع المعاناة عن المواطنين.


○ ألا ترى أن رفع المعاناة عن المواطنين يتطلب تخفيض الأسعار ودعم السلع التي تتصل بمعيشة الناس والفقراء، ولكننا شهدنا مؤخراً رفع الدعم عن الغاز وارتفاعا كبيرا جدا في أسعار العملات الأجنبية وشبه إنعدام للخبز، إذن هنالك أزمة حقيقية وكبيرة في الاقتصاد؟

• نعم، هنالك أزمة، ولكن في إطار إعادة هيكلة الاقتصاد من البديهي ان يتعرض المواطن لضغوط شديدة في المرحلة الحالية، ولكن عندما يتوازن الاقتصاد ستعود بالضرورة الأوضاع إلى طبيعتها.
انخفاض الأسعار يرتبط تماماً بهيكلة الاقتصاد وتوفر وزيادة الانتاج المحلي من أجل التوازن في الميزان التجاري العام بالنسبة للدولة وهذا ما تقوم به الدولة الآن في البرنامج الخماسي للاصلاح الاقتصادي وربما نشهد تطوراً في المرحلة المقبلة، وحالياً تسعى الدولة بكامل مجهودها من أجل راحة المواطن ورفع المعاناة عنه.


○ تحدثت عن البرنامج الخماسي للاصلاح الاقتصادي وان هذه المرحلة الأولى قد توجب معاناة للمواطن حتى يصل مرحلة الرفاه ولكن أنتم في الحكم أكثر من ربع قرن من الزمان والأوضاع الاقتصادية لا تزال تراوح مكانها وظللتم ترددون هذه الوعود لسنوات طويلة.. واليوم تقولون انكم في المربع الأول؟
• هذا ليس صحيحا ولكن كمثال المرحلة التي استقر فيها الاقتصاد بتوفّر ايرادات البترول في الفترة من العام 1998 وحتى عام 2011 كان الاقتصاد مستقراً والأوضاع طبيعية جداً ولكن بعد ذهاب عائدات نفط الجنوب اختل ميزان الاقتصاد مرة أخرى وعادت المشكلات. والأسباب يمكن جملتها في الحصار الاقتصادي الذي ذكرته وتعلم ان السودان يدير اقتصاده بموارد محلية جداً وليست هناك منح أو قروض أو أي مساعدات دولية، بالتالي من البديهي ان تعاني الدولة حتى توفر راحة المواطن بموجب ايرادات محلية وبلا أي دعم خارجي.

○ أليس من الأفضل لكم كسودانيين حريصين أخلاقياً على مصالح الأمة السودانية «وهكذا تتحدثون عادة» بان تترجلوا لكي تتقلّد الحكم وجوه وطنية جديدة، تكون مقبولة للمجتمع الدولي وتتبوأ المسؤولية بدلاً منكم، وبدلاً من ان تبقوا هكذا علة للشعب السوداني ويبقى السودان في دوامة هذه المعاناة؟
• دعني في هذا أسألك، إذا ترجلنا اليوم هل ستحل كل قضايا السودان غداً؟ أم ان هذا الترجل يمكن أن يتم في حال قيام الدولة التي تُدار باجراءات دستورية على ان نعرض نحن أنفسنا للتصويت؟

○ أرجو أن لا تجيبني بسؤال عكسي، أنا أستند في هذا التساؤل القيمي إلى ما جاء على لسان مسؤولي البنك الدولي وصناديق التمويل الدولي بأن عدم ترشّح الرئيس عمر البشير لفترة رئاسية جديدة في الانتخابات الماضية كان من شأنه ان يسهم في اعفاء ديون السودان ودعم اقتصاده، إذاً أليس من الأجدى ان يترجّل الرئيس عمر البشير حتى ينال السودان وشعبه حالة أفضل من تلك التي يعيشونها الآن من المعاناة والفقر والجوع؟

• وماذا قدم البنك الدولي لدعم حكومة السودان أصلاً من مساعدة؟ وماذا قدمت حتى الدول الغربية من دعم قبل مجيء الانقاذ، والرئيس البشير نفسه إلى السلطة حتى تطالب بترجلنا من الحكم؟
السودان ظل مُحارباً ولسنوات طويلة، منذ الاستقلال وحتى عام 1989. قضية الحصار الغربي والأمريكي على وجه التحديد للسودان ليست متعلقة بوجود الرئيس عمر البشير أو حزب المؤتمر الوطني، ولكن الهدف منها هو الشعب السوداني وموارده الاقتصادية، وبالتالي الحديث عن ترجّل البشير عن السلطة هو حديث غير لائق ولا حتى أخلاقي ولا يرتبط بالواقع الذي تديره الولايات المتحدة والمجتمع الغربي تجاه السودان.
ثم الترجّل يعني أننا نخرج تماماً من السلطة، ولكننا قد عرضنا أنفسنا بانتخابات شرعية كل خمس سنوات وبموجب الدستور، فاذا صوّت الشعب السوداني ضدنا سنترك السلطة.


○ ولكن الشعب السوداني لم يصوّت لكم أخيراً وقد شهد العالم كله مقاطعته للانتخابات وبصورة غير مسبوقة ولكنكم مع ذلك أعلنتم الفوز وبقيتم في السلطة، لماذا؟
• ومن الذي قال لك ذلك.

○ هكذا تقول الشواهد، وكل المنظمات التي راقبت العملية الانتخابية قالت إنها مقاطعة بصورة كبيرة جدا وغير مسبوقة؟
• ليست هذه شواهد بل اتهامات، الانتخابات كانت حرة ونزيهة وشارك فيها الشعب السوداني كله.

○ وكيف تكون حرّة والمرشحون لا يملكون حتى حق اقامة الندوات؟
• ومن الذي قال لك ذلك؟ وكل الناخبين و45 حزباً سياسياً شاركوا في هذه الانتخابات وأقاموا عدداً من الندوات والمحاضرات والمشاركات السياسية والإعلامية وطبعوا ملصقاتهم الدعائية، هناك اليوم أكثر من 119 نائباً في البرلمان من غير نواب المؤتمر الوطني الحاكم، إذاً من أين جاء هؤلاء؟.. هؤلاء يمثلون أحزابهم وهم مستقلّون داخل البرلمان.

○ أليست هي أحزاب مصنوعة لخلق موازنة شكلية هدفها مثل هذه الاجابات الجاهزة التي تفضّلت بها، وهكذا تقول حتى المعارضة السودانية كلها؟
• ليست هنالك أحزاب مصنوعة بالتأكيد، الحزب المصنوع لا يعمل أصلاً.

○ هناك من يعتقد أن العقلية الحاكمة في السودان وتحديداً في حزبكم المؤتمر الوطني لا تكترث بمعاناة الشعب بقدر ما تهتم ببقائها في السلطة وتحقيق مصالحها غصبا عن مصالح الأمة السودانية كافة؟
• الحكم في السودان مكلّف جداً ونحن نعاني كما يعاني الآخرون، نتعرض لضغوط على مستوى عالي جداً من هذه السياسات التي تأتي من الخارج، ولكن مسؤوليتنا الوطنية والدستورية تحتم علينا البقاء في السلطة ولكن بموجب الدستور.

○ عن أي دستورتتحدث وقد خرج عليكم أبناء الشعب السوداني في تظاهرات هادرة وكبيرة جداً في ايلول/سبتمبر 2013، انتفضوا ضدكم فمارستم ضدهم أقسى أنواع البطش والقتل وعدم الرأفة باستخدامكم للذخيرة الحية والتصويب إلى الرؤوس، إذن هي ضغوطات من الداخل بفعل الغضب الشعبي المتزايد وليس من الخارج كما ظللت تردد في إجاباتك السابقة؟
• فقدان مواطن سوداني واحد يعد خسارة للمجتمع السوداني، وبطبيعة الحال السودان كله ضد العنف، وضد القتل وضد السياسات التي تخالف الأخلاق وما جرى في ايلول/سبتمبر 2013 لم يُخطط له أصلاً بأي حال من الأحوال ولكنه تم في إطار سياسة حماية المنشآت والمواطن نفسه حتى لا يحدث انفلات أمني يسهم في عدم استقرار البلاد.

○ ماذا أنت قائل للمعارضة في أوروبا ونعلم أنها نشطة وتؤثر في دوائر صناعة القرار الغربي تجاه السودان؟
• أقول لهم يجب ان يفرقوا بين النظام والدولة، النظام زائل والدولة باقية كشعب ويجب ان تكون المعارضة شريفة في هذا الإطار الذي نتحدث عنه، ويجب أن لا تعادى الدولة بمؤسساتها، العداء للنظم شيء عارض وعابر ولكن الواقع يجب تكون هناك أخلاق تراعي الفرق بين النظام والدولة.

○ هناك حديث عن ان قوات الدعم السريع سحبت البساط من الجيش السوداني، وتعلم ان الجيش السوداني قد أعلن في أكثر من مرة ولثلاثة أعوام متتالية ما عُرف بـ»الصيف الحاسم» وانه بصدد القضاء على الحركات المسلحة والحركة الشعبية وتحرير المناطق التي تسيطر عليها في جنوب كردفان والنيل الأزرق ولكن الحال كما هو، ما يشير إلى ضعف كبير في الجيش قياساً بما كان عليه الحال في السابق، بينما قوات الدعم السريع يسميها البعض بأنها مرتزقة تنال دعماً أكبر وأنها مكونة من مرتزقة؟
• الجيش السوداني مؤسسة عريقة جداً وله تاريخ طويل وعقيدة قتالية عالية المستوى في المنطقة، وظل يواجه هذه التحديات أكثر من خمسين عاماً يقاتل بشرف وما يزال بهذه القوة وما يزال بهذه الأخلاق والعقيدة القتالية، أما قوات الدعم السريع فهي تتبع للمؤسسات التي من شأنها حماية البلاد والشعب كما هو الحال مع جهاز الأمن والمخابرات الوطني، وفي المقابل الجيش دوره لم ينقطع وسيظل، ولكن في إطار حماية الشعب السوداني، هناك مؤسسات أخرى تعين القوات المسلحة في تحقيق أهدافها الاستراتيجية وفق القانون والدستور وقوات الدعم السريع واحدة من هذه القوات.

○ رشحت أخبار عن ان توصيات الحوار الوطني من شأنها ان تأتي بحكومة انتقالية، تُرى هل سيأتي الرئيس عمر البشير على رأس هذه الحكومة الانتقالية مرة أخرى، هكذا تقول الكواليس؟
• الحديث مبكر عن نهايات الحوار الوطني، وانت تعلم ان الحوار الوطني لم ينته بعد، وهذه من ضمن القضايا قيد النقاش. وهناك الكثير من الإجراءات التي تتعلق بعملية الوصول إلى المخرجات النهائية التي تُوجب التراضي العام، هذا حديث سابق لأوانه وسننظر في ما سيأتي به الحوار من مخرجات في النهاية.

○ أنت شاب، وفي مقتبل العمر؛ وتشغل حالياً منصباً قيادياً مرموقاً في الحزب الحاكم، وهذا يعضد من القول السائد بأن النظام بدأ يجدد دماءه، وأننا مقبلون على ربع قرن آخر من حكم المؤتمر الوطني؟
• نحن كحزب في الساحة السياسية لدينا وثيقة إصلاح داخل الحزب وبموجبها جددنا سياسات الحزب وقياداته استعداداً للمراحل المقبلة، نحن كما الأحزاب الأخرى ننافس على الحكم، فاذا ارتضانا الشعب سنأتي من جديد للحكم، ليس فقط لـ 25 عاماً بل من الممكن 50 عاماً، ولكن بكل تأكيد في إطار قبول الشعب في المرحلة المقبلة، فلا داعي للخوف.

خالد الاعيسر

معلومات جديدة بشأن «60» حاوية مشعة ببورتسودان

كشف مدير هيئة الموانئ البحرية د. جلال شلية معلومات جديدة بشأن حاويات مشعة موجودة بالميناء تحمل مواد لصناعات استراتيجية بالدولة، وفيما قال إنها تبلغ «60» حاوية أقرَّ بفشل الموانئ في التخلص منها. وفيما ألمح شلية إلى أن الجهات المستوردة للحاويات رفضت أن تتسلمها أكد أن وجود الحاويات تسبب في العديد من المشكلات للموانئ. وأكد شلية في مؤتمر صحفي أمس صعوبة حرق الحاويات تخوفاً من تأثيرها في البيئة وعدم توفر محرقة، وكشف عن وجود مواد كيميائية يتم استيرادها للرش الزراعي وتترك لفترات طويلة.

صحيفة الإنتباهة