لم يكف مرور واحد وثلاثين عاماً من عمر انتفاضة أبريل المجيدة لحسم الجدل حول طبيعتها، حيث لازال السؤال القديم المتجدد قائماً، هل ما حدث ثورة أم انتفاضة؟، في وقت تشابه فيه البقر على كثيرين غاصوا في رحلة بحث مضنية عن طبيعة ما حدث في أبريل من العام 1985..ففي كل عام يمر على الذكرى يتبارى المحللون السياسيون حول ما فعله الشعب السوداني في تلك الحقبة، ويقفز إلى الأذهان السؤال التقليدي .. وظلت الإجابة عليه عصية حتى في هذا العام الذي شهد عمليات عصف ذهني في كثير من مراكز الدراسات المهتمة بهذا الجانب .
محاولات
محاولات عديدة تحاول أن تجعل من أبريل ثورة كاملة الدسم، لاسيما من صانعيها الذين لازالوا على قيد الحياة مشحونون بذكريات تلك الأيام المفصلية من عمر الوطن بدأية من المظاهرات التي اندلعت من جامعة أم درمان الإسلامية في 26 مارس بعد أن أطلق الطالب محمد سيد أحمد حنجرته للهتاف رداً على رفض اتحاد الجامعة الذي أختار عدم الخروج للشارع، ثم اندلعت المظاهرات وخرجت جموع الطلاب من الجامعة إلى أن وصلت إلى مقر البرلمان الحالي، وتم تفريقها بالبمبان من قبل البوليس، مروراً بإضراب الأطباء الشهير، ووفقاً لهذه المعطيات لم يتورع أحد صانعي أبريل ناصر السيد، الأمين العام لجبهة الدستور الإسلامي حالياً من أن يطلق لفظة (الثورة) على صنيعهم بمعايير أن الثورة هي تغيير شامل وجذري، واعتبر أن تغيير نظام شمولي باطش وديكتاتوري في حد ذاته تغييراً جذرياً، لاسيما وأن مراكز القوة لم تكن متكافئة عند وقوع الفعل في ذلك التاريخ، وكان الشعب الأعزل يواجه قوات مدججة بالسلاح، أفلح الأول في نهاية الأمر على تحييد الثاني، ومن ثم ضمه إلى جانبه بتكوين مجلس عسكري انتقالي استلم السلطة لمدة عام عقب نجاح الثورة .
حديث العواطف
لكن هل أحدثت أبريل تغيراً جذرياُ بالفعل، أم أن السيد يتحدث وفقاً لما تميله عليه عاطفته، أو ربما دفعه أجتراره للذكريات، وأستدعائه لوقائع تلك الأيام أن يسلم بأن الأمر كان ثورة بدون أي معايير حقيقية يستند عليها، حسناً لم يقف السيد عند مقولته أعلاه ويسلم بسلامة خلو ملف ثورتهم، وأقر بان هنالك أخطاء صاحبت حركتهم المباركة، أجملها في قصر مدة الفترة الانتقالية والتي استمرت لعام واحد أجريت بعدها الانتخابات قبل أن توفق الأحزاب أوضاعها، خاصة وأنها خارجة للتو من بين ثنايا نظام مستبد يحكمه طاغية بالحديد والنار لستة عشر عاماً، ثم ضعف القيادة العسكرية التي تولت أمر الفترة الانتقالية، فهي ولم تكن راغبة في الحكم، ثم تخوفات القوى السياسية المدنية من انقلاب أبيض ربما يقوم به العسكر ويستولون على السلطة من جديد، كل هذه العوامل مجتمعة أجهضت الفعل الذي كان يمكن أن يتحول إلى ثورة تحدث تغييراً جذرياً في المجتمع، حديث السيد يعني أن تحرك الجماهير العفوي يمكن أن ينقلب إلى ثورة كاملة الأركان أذا ما كانت عواملها موجودة لحظة وقوع الفعل، ذلك أيضاً ما ذهب إليه أستاذ العلوم السياسية بالجامعات السودانية الدكتور صلاح الدومة في حديثه لـ(آخر لحظة) بقوله إن الانتفاضة يمكن أن تتحول إلى ثورة، وبالتالي فإن أبريل انتفاضة تحولت إلى ثورة كاملة أحدثت تغييراً سلمياً شامل دون وقوع خسائر، وبالرغم من المساعي التي تقودها هنا وهنالك والحوار الوطني الذي انطلق بقاعة الصداقة إلا أن الدومة يعتقد أن كل أركان الثورة وعناصرها متوفرة حالياً، وما تبقى منها إلا انطلاق الشرارة فقط .
بعيداً عن الغرق
وفيما يبدو أن ناصر والدومة لم يعيرا جوهر الاختلاف في عناصر كل من الثورة والانتفاضة اهتماما كبيراً، بقدر ما ركزا على أن الانتفاضة في نهاية الأمر يمكن أن تتحول إلى ثورة، بيد أن القيادي بالحزب الاتحادي الموحد محمد عصمت قال إنه لايريد أن يغرق في تفاصيل المعاني الاصطلاحية لمفردتي الثورة والانتفاضة كأداتين للتغيير الذي تتعدد أدواته ومنها بالطبع الانقلاب العسكري والمدني والاقتصادي، كما حدث في الصين، لكن المهم حسب عصمت المشتهى من الثورة أو الانتفاضة هو إجراء التغيير المطلوب للوصول إلى حالة أفضل من وأقع ما قبل الحدث، سواء كان ثورة أو انتفاضة، فلو أسقط هذا الفهم على ما حدث في أبريل، لوجد بالضرورة أن أبريل ما كانت ثورة ولا انتفاضة ويرى عصمت ان مخرجات أبريل في منتهاها هو وقوع الوطن كله في قبضة جماعة الأسلام السياسي، بيد أنه ينبه إلى أن هذا الأمر لا يلغي بالطبع أن أبريل وبكل المقاييس التاريخية هي علامة هامة في السجل النضالي للشعب السوداني في سعيه الحثيث لإحداث التغيير السياسي والاجتماعي والاقتصادي الذي يشبه تاريخه وجغرافيته وتراثه وأخلاقه وحقه في منافسة الأمم والشعوب المتحضرة.
تنبيهات لازمة
وبعيداً عن التفسيرات والتعاريف لماهية أبريل، قال رئيس اتحاد الانتفاضة بجامعة الخرطوم ورئيس حزب المؤتمر السوداني عمر الدقير إن الشعارات والمطالب التي صاغتها جماهير الانتفاضة كانت تحتاج الإرادة سياسية فاعلة تؤمن بها وتحيلها إلى واقع خلال الفترة الانتقالية، وأضاف في حديثه لـ(آخر لحظة) لكن الذي حدث أن التجمع النقابي الذي قاد عملية الاضراب السياسي وأسقط مايو قدم تنازلاً مخلاً حين قبل بتشكيل مجلس عسكري بسلطات تشريعية وتنفيذية، كما فشل في اختيار حكومة قوية تعبر عن إرادة الانتفاضة، ولذلك بعدت الشقة بين السلطة الانتقالية وشعارات الانتفاضة، ولم تنفذ منها سوى إتاحة الحريات وتنظيم الانتخابات العامة بقانون انتخابي معيب، وتحسر الدقير على ضياع فرصة تاريخية من عمر البلاد بسبب منقصة في التجمع النقابي يجعل من تبيهات محمد عصمت عن ضرورة توفر عناصر وطبيعة التغيير قبل الحديث عن عناصر الثورة أو الانتفاضة أو الانقلاب بكل أشكاله بالأهمية بمكان، حيث يرى عصمت أن أي تغيير حدث في عالمنا الذي نعيشه الآن أو الذي سيحدث لاحقاُ، لابد أن يستند على رؤية ورسالة واضحتين، زائداً قيم جوهرية يعتنقها رواد وأصحاب التغيير اعتناقاً كما التدين، ويضيف أن عناصر التغيير حسب المشهد الماثل الآن تحتاج لبعض الوقت الذي قد يطول أو يقصر حسب الجهد المبذول من الرواد أنفسهم .
تقرير :علي الدالي
صحيفة آخر لحظة
صحيفة آخر لحظة