في 26/1/1431هـ الموافق 12 يناير 2010 أصدرت المملكة العربية السعودية المرسوم رقم (م/4) لتحديد خطوط الأساس للمناطق البحرية للمملكة في البحر الأحمر وخليج العقبة والخليج العربي وفق قوائم إحداثيات جغرافية ضمنت في ثلاثة جداول تحمل الأرقام 1 و2 و3. وهذا المرسوم منشور في موقع قسم شؤون المحيطات وقانون البحار.
وبما أن السودان من الدول المشاطئة للبحر الأحمر فمن الطبيعي أن يتوقع المرء أن تعكف الجهة المختصة في السودان على دراسة الإحداثيات الواردة في الجدول رقم 1 المتعلقة بالبحر الأحمر واتخاذ موقف بشأنها حيال الدولة المعنية وتسجيل هذا الموقف لدى الأمانة العامة للأمم المتحدة. خاصة وأن الحدود البحرية بين السودان والمملكة لم تحدد بعد ولكنهما أبرما في 16 مايو 1974 اتفاقية بشأن الاستغلال المشترك للثروة الطبيعية الموجود في قاع وما تحت قاع البحر الأحمر في المنطقة المشتركة بينهما.
أما مصر فقد تحفظت على خطوط الأساس السعودية بإعلان بتاريخ 15/9/2010 بعثت به إلى مكتب الأمين العام للأمم المتحدة ونُشر الإعلان المصري في موقع شؤون المحيطات وقانون البحار. وتكمن أهمية الإعلان المصري في أنه كشف عن مفاوضات تجري بين الحكومتين المصرية والسعودية لتحديد الحدود البحرية بين البلدين في البحر الأحمر وأن هذا التحديد ربما يشمل المنطقة البحرية لمثلث حلايب. جاء في الفقرة الثانية من الإعلان المصري: "إن جمهورية مصر العربية تعلن بأنها سوف تتعامل مع خطوط الأساس الواردة إحداثياتها الجغرافية في الجدول رقم 1 المرفق بالمرسوم الملكي رقم (م/4) بتاريخ 12 يناير 2010 - المقابلة للساحل المصري في البحر الأحمر شمال خط عرض 22 الذي يمثل الحدود الجنوبية لمصر - بما لا يمس بالموقف المصري في المباحثات الجارية مع الجانب السعودي لتعيين الحدود البحرية بين البلدين".
في ضوء ما أسلفنا فإن المرء كان يتوقع تحركاً دبلوماسياً سريعاً من السودان: كأن تطلب وزارة الخارجية مثلاً توضيحاً من المملكة عن الحدود التي يجري التفاوض بشأنها مع مصر وما إذا كانت تشمل إقليم حلايب، والتحفظ على الإعلان المصري لأنه مؤسس على فرضية أن منطقة حلايب تخضع للسيادة المصرية، والتحفظ كذلك ورفض نتائج أي مفاوضات سعودية - مصرية تقوم على أساس الاعتراف بالسيادة المصرية على حلايب. ومن ثم تضمين الموقف القانوني في مذكرة أو مذكرات وإيداعها لدى الأمانة العامة للأمم المتحدة وطلب تعميمها على الدول الأعضاء ونشرها.
ولكن يبدو أن شيئاً من ذلك لم يحدث. بل أدلى الناطق الرسمي لوزارة الخارجية بتصريح لصحيفة الاهرام اليوم السودانية في 12 يناير 2011 قال فيه "إن معالجة النزاع التاريخي في مثلث حلايب أمر متروك لتقدير وحكمة القيادة السياسية للسودان ومصر. ونبه إلى أن موقف السودان في القضية معلوم وموثق في أضابير الأمم المتحدة. وأكد أن أي اتفاق ثنائي لا يدحض موقف السودان في النزاع القانوني القائم حول خط 22. وقطع خالد موسى بأن أي اتفاق بين دولتين ليست له سلطة نفاذ على طرف ثالث مجاور".
لا خلاف في أن المعاهدة لا تنشئ إلتزامات أو حقوقاً للدول الغير بدون موافقتها. فهذا مبدأ ثابت في القانون الدولي العرفي وقد قننته المادة 34 من اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات لعام 1969. ولكن إذا مست أو حتى لو كان هناك مجرد احتمال بأن تمس معاهدة ما حقوق طرف ثالث، فإنه ينبغي على هذا الطرف الثالث أن يتدخل لتأكيد حقوقه أو الحفاظ عليها وذلك بالاحتجاج لدى الدولتين المعنيتين وتسجيل موقفه لدى الأمانة العامة للأمم المتحدة. فلا مجال للسكوت أو عدم الاحتجاج في ظرف يستوجب رد فعل إيجابي للتعبير عن الاعتراض أو الدفاع عن الحقوق. فالقبول الضمني والإذعان ينشأ من السكوت أو عدم الاحتجاج عندما يكون الاحتجاج أو التدخل ضرورياً بل واجباً لحفظ الحقوق.
4- الوضع في إقليم حلايب البري
إن لمصر الآن وجود عسكري كبير في حلايب يعود تاريخ نشره إلى ديسمبر 1992. ونجد تفصيلاً لذلك في الرسالة التي بعث بها في 27 ديسمبر 1992 وزير خارجية السودان آنذاك علي أحمد سحلول إلى رئيس مجلس الأمن. جاء في تلك الرسالة أن القوات المصرية توغلت بتاريخ 9 ديسمبر 1992 في الأراضي السودانية لمسافة 28 كيلومتراً جنوب مدينة حلايب السودانية في محافظة حلايب، وعلى الطريق الذي يربطها بميناء بورتسودان. كما جاء فيها أن تلك القوات أقامت عدة معسكرات في الأراضي السودانية. وجاء في مذكرة السودان كذلك أنه في مساء نفس يوم 9 ديسمبر تقدمت قوة مصرية أخرى مكونة من ستمائة جندي وضابط داخل الأراضي السودانية واستقرت على بعد ثلاثة كيلومترات جنوب مدينة حلايب وفرضت حصاراً كاملاً على المدينة وأحاطت بنقاط عسكرية سودانية كانت موجودة في المنطقة. وقد توقفت تلك القوة عند خط 22 وأقامت على طول الخط عدداً من المعسكرات وعلامات حدودية كُتِب على جنوبها الجغرافي السودان وعلى شمالها مصر.
رد وزير خارجية مصر آنذاك عمرو موسى في رسائل بتاريخ 3 و14 يناير 1993 إلى رئيس مجلس الأمن على الرسالة السودانية. ففي إحداهما رفض عمرو موسى ما وصفها بالادعاءات التي تضمنتها رسالة سحلول واعتبرها مساساً بسيادة مصر على أراضيها. وشدد على أن مصر لم تنقطع عن ممارسة سيادتها على المنطقة الإدارية الواقعة شمال خط العرض 22 منذ توقيع وفاق 1899. وأبرز من مظاهر تلك السيادة ما يلي:
• الوجود المصري الأمني والإداري في المنطقة بكل صوره.
• مسؤولية مصر عن اصدار القرارت الخاصة بالتنقيب على المعادن في المنطقة للشركات المصرية والسودانية على السواء علاوة على ممارسة مصر لانشطة تعدينية في المنطقة منذ عام 1915.
• إنشاء محمية طبيعية في المنطقة بهدف حماية مظاهر الحياة الطبيعية فيها.
• صدور الخرائط الرسمية لمصر منذ توقيع وفاق عام 1899 موضحاً عليها حدودها الدولية التي يمثلها خط عرض 22.
وفي رسالة أخرى بتاريخ 30 مايو 1993 إلى رئيس مجلس الأمن قال عمرو موسى إن الاختصاصات الادارية المحدودة التي خولتها مصر للسودان في المناطق الواقعة شمال خط عرض 22 هي اختصاصات لا ترقى بحال إلى الدرجة التي تستحق معها صفة أعمال السيادة، ولا تصلح سنداً لاكتساب أية حقوق على الإقليم. وأوضح عمرو موسى أن وجود قوات حرس الحدود على طول الحدود المصرية أمر طبيعي ومن قبيل ممارسة مصر لسيادتها على أراضيها، وتقتضيه في الآونة الأخيرة دواعي حماية الأمن المصري في مواجهة العناصر الإرهابية التي تزايد نشاطها واختراقها للحدود.
يلاحظ مما تقدم ما يلي:
(أ) لم يطلب السودان دعوة مجلس الأمن للأنعقاد لمناقشة الأحتلال العسكري المصري لحلايب ووضع علامات حدود احادية على خط درجة 22 شمال. علماً بأن قائمة المسائل المعروضة على المجلس لا تزال تشمل البند رقم 6 "رسالة مؤرخة في 20 شباط / فبراير 1958 موجهة إلى الأمين العام من مندوب السودان". ونحسب أن بعثة السودان الدائمة في نيويورك تواظب على تجديد البند رقم 6 وفقا للمطلوبات الإجرائية.
(ب) لم يتبع السودان مذكرته بتاريخ 27 ديسمبر 1992 بمذكرة اخرى يفند فيها الأدعاءات المصرية على مثلث حلايب التي وردت في رسائل عمرو موسى بتواريخ 3 و 14 يناير و 30 مايو 1993.
5- عود على بدء
وقفنا من خلال الفقرات الفائتة على الآتي:
1. أن إحداثيات خطوط الأساس المستقيمة التي نصَّ عليها قرار رئيس جمهورية مصر رقم 27 لسنة 1990 شملت ساحل حلايب وذلك عبر إحداثيات النقاط من 50 إلى 56. مما يعني أن مصر اعتبرت إقليم حلايب البري خاضعاً لسيادتها. فالمبدأ في القانون الدولي للبحار أن الدولة تحصل على منطقة بحرية بحكم سيادتها على الإقليم البري المواجه للبحر. فالأرض تسيطر على البحر.
2. تحفظت مصر على خطوط الأساس المستقيمة التي أعلنتها المملكة العربية السعودية في عام 2010، وأعلنت مصر أنها ستتعامل مع خطوط الأساس السعودية المقابلة للساحل المصري شمال خط عرض 22 درجة الذي يمثل الحدود الجنوبية لمصر – بما لا يمس بالموقف المصري في المباحثات الجارية بين البلدين لتعيين الحدود البحرية.
3. كما ذكرنا فقد جاء في بيان مجلس الوزراء المصري أن لجنة تعيين الحدود البحرية السعودية – المصرية اعتمدت في عملها على قرار رئيس جمهورية مصر العربية رقم 27 لسنة 1990 الذي فصَّلنا بيانه في الفقرة 1 أعلاه.
4. إن التفسير الواضح لما تقدم أن تعيين الحدود البحرية بين المملكة العربية السعودية وجمهورية مصر شمل منطقة حلايب البحرية مما يعني الاعتراف بالسيادة المصرية على إقليم حلايب. وسيظل هذا التفسير قائماً إلى أن يتم التثبُّت بعد الاطلاع على نص الاتفاق والخرائط الملحقة به من أنه ليس في هذه الوثائق ما يمس صراحةً أو ضمناً مطالبة السودان بالسيادة على إقليم حلايب البري أو يعتدي على منطقته البحرية.