تنقل صحيفة آخر لحظة الصادرة الاثنين تصريحات مبارك الفاضل وهو يقول بأن البشير (ذكي ومتواضع).. قليل من الذكاء يضعك في المستقبل وهو أن البلدوزر يعيد ترميم طريق العودة مرة أخرى.. قبل أن يجف مداد التصريحات تنقل الوسائط صورة الرجل وهو يجالس نائب رئيس المؤتمر الوطني ومساعد رئيس الجمهورية إبراهيم محمود. تقول مخرجات اللقاء المعلنة إنه كان يهدف لإيقاف النزيف في الجامعات ووضع حد للعنف الطلابي. المفارقة تبدو في أن الرجل الواقف على بوابة العودة إلى حزب الأمة لا يملك صوت تأثير على قطاع الطلاب وهو ما يقود إلى أن الحديث دار في محاور أخرى مثل خارطة الطريق وفي البال أن للرجل تصريحات ناقدة لرفض زعيم الأنصار الإمام الصادق المهدي التوقيع عليها في لقاء أديس أبابا الأخير.
يقول الصحافي السوداني المقيم بالولايات المتحدة الأمريكية فائز السليك في هذا السياق: “يبدو أن بوصلة السيد مبارك الفاضل المهدي تتجه نحو الحكومة كلما بعد عنها السيد الصادق المهدي”!.. هل في الأمر مكايدة سياسية تصل حد الاقتراب من النظام الشمولي؟؟ ام هي قفزات في الظلام؟؟ أم أن مبارك نسي تجربة سنة 2000؟؟
الخرطوم مدينة يمكنك أن تحكي من خلالها قصة مبارك الفاضل (السياسي المثير للجدل) بتوصيف كثيرين، أو أن تسرد تفاصيل مشهد البلدوزر الذي لا يستكين في محطة واحدة وسرعان ما يتجاوزها نحو أخرى.. الحبيب المفتون بالتكتيك الشيوعي ورجل المعارك التي لا تنتهي إلا لتبدأ من جديد. تختفي تحت الجلباب الأبيض مجموعة من الحكايات المتشابكة، وعلاقات السياسة المتقاطعة. تقف في تقاطع شارع البلدية لترسم صورة شخص اسمه مبارك الفاضل، صفته الآنية أنه عضو في حزب الأمة القومي ويقف على النقيض من رئيس الحزب ابن عمه الإمام الصادق المهدي.. الصفة الحالية تلاحق أخرى للرجل المنسوب إلى بيت الإمام المهدي وصفاته التاريخية وزير داخلية في النظام الديمقراطي المنقلب عليه ومساعد في القصر في بداية الألفية وصفته المستقبلية ربما يسبقها تجديد العودة لذات الكرسي الذي غادره.
يتفق كثيرون في توصيف الفاضل بأنه رجل مناور من الدرجة الأولى ويجيد لعبة السياسة من تحت الجلباب الميكافيلي وهو ما يجعل من خطوته الأخيرة محض مناورة جديدة يعترضها استفهام: هل يعود الرجل إلى قصر كان قد غادره مطروداً في وقت سابق؟ ولأي مدى (قنع) مبارك الفاضل من العودة لبيت حزب الأمة وهو الذي ظل يصارع من أجل هذا الهدف منذ العام 2010 وإن كان السؤال الرئيس: ما هو الذي تغير في المشهد حتى يعود الفاضل؟
بحسب تفسير فائز السليك فإن الأمر لا يعدو مكايدة بين الفاضل والصادق المهدي، فرفض الأخير للمشاركة يفتح الأبواب المغلقة أمام مبارك للولوج إليها، لكن ثمة من يقول بأن الأمر هنا يتجاوز مكايدات الأنصار فيما بينهم، وإنما يدخل من بوابات أخرى تتعلق هذه المرة بالتركيبة الجديدة في الحزب الحاكم وتراجع دور أسماء كان لها قصب السبق في تحريك دفة الأحداث في الحزب الحاكم وهو الأمر الذي تتم قراءته وفقاً لخطوات الفاضل الجديدة. الفاضل الذي غازل النائب الأول لرئيس الجمهورية بكري حسن صالح في وقت سابق قبل أن يختم حديثه بالموقف الإيجابي من رئيس الجمهورية.. هنا الرجل يبدو وكأنه يستعيد مشهد معاركه السابقة مع عوض الجاز ومع نافع علي نافع وغيابهما يفتح المزيد من الأبواب أمامه للعودة وربما يعيد رصف الطرق لعبور البلدوزر نحو مقاعد جديدة دون أن يبقى الأمر دون تساؤلات حول ما يمكن أن يحدث وما معيار التأثير المنتظر من مشاركة جديدة لشريك قديم؟
ينظر كثيرون لموقف الفاضل بأنه موقف انتهازي ليس أكثر من ذلك، يربطون ذلك بالظروف المحيطة بالبلاد وينعتون السلطة بأنها في أضعف حلقاتها وأن رحلة بحثها عن منقذ تظل هي المحرك الأساسي لها لمغازلة مبارك ولمباركته هو للخطوة لكن بحسب المعارضين فإن مثل هذه الخطوة لن تأتي بجديد وتبدو أشبه بتعبئة عطور قديمة في قنانٍ جديدة.. فمبارك كان جزءا من منظومة السلطة دون أن يشكل تحولاً إيجابياً في التعاطي مع المشهد وأن كل المتبقي من تجربته السابقة مجموعة من أحزاب الأمة وقيادات تتبوأ مقاعدها في السلطة.
“الفاضل يبحث الأوضاع مع قيادات الحزب الحاكم”.. تلك هي التفاصيل المتاحة الآن والتي تضع تساؤلا عن أي شيء يبحث البلدوزر عبر خطوته الجديدة؟.. مؤكد أن الرجل يبحث عن مقعد جديد للتأثير على مسارات الأحداث ولكن هذه المرة من تحت جلباب السلطة.. الجلباب الذي كان قد تدثر به في وقت سابق وخرج وقد علقت به تهمة أنه باع القضية واشترى الترماي.. وهو الأمر الذي انطبق على الوطني نفسه فهو لم يخرج من شراكته مع الفاضل سوى بتقسيم المقسم، حزب الأمة.
يبقى السؤال الراهن: هل سيعود الفاضل كمساعد في ذات العربة القديمة؟ وهل سيجد له مقعداً وفي البال أن مقاعد المساعدين مقسمة على بيت الميرغني وبيت المهدي ومقعد للشرق بالإضافة لمقعد الحزب الحاكم.. مؤكد أن وصول الفاضل إلى القصر يعني قطع آخر طريق أمام الإمام الصادق المهدي وهو ما يطرح سؤالا: هل يمضي الوطني في هذا الطريق يغلق الأبواب امام الجميع ويفتحها للبلدوزر؟ وهل ستنفتح أبواب الاستقرار على مصراعيها أم أن اجتماع الفاضل مع قيادات الوطني لا يعدو مناورة أولى في طريق طويل؟.
الخرطوم – الزين عثمان
صحيفة اليوم التالي