الخرطوم: عطاف عبد الوهاب
عقب فشل لقاء الحكومة بحركات دارفور المسلحة في كمبالا الذي كان محدداً له منتصف هذا الشهر، حرر السفير السوداني بيوغندا، عبد الباقي كبير شكوى رسمية إلى وزارة الخارجية السودانية ضد ما وصفها بأطراف تسعى لمحاولة تشويه سمعته الدبلوماسية والسياسية، ورغم أن السفير لم يسمِّ أطراف بعينها لكن مصادر مطلعة قالت لـ "الصيحة" إن السفير قصد في شكواه السيدة نجوى قدح الدم المعروفة بعلاقتها الوطيدة بالحكومة اليوغندية والتي تقود وساطة دبلوماسية شعبية لعقد لقاءات غير رسمية بين الحكومة وحركات دارفور.
وذكرت المصادر أن قدح الدم تعمل بمنأى عن الدبلوماسية الرسمية، وتخطت الأعراف الدبلوماسية والسفارة السودانية، عندما أجرت ترتيبات اللقاء الذي لم يكتمل بين الحكومة والحركات المسلحة في كمبالا، لكنها نجحت في محاولة سابقة في جمع الحركة الشعبية قطاع الشمال والحكومة في وقت عجزت فيه عن ترتيب لقاء كان مقرر له منتصف هذا الشهر بين الحكومة وحركة العدل والمساواة بقيادة جبريل ابراهيم وجيش تحرير السودان بقيادة مني أركو مناوي. وبعد فشل اللقاء الثاني ما كان من السفير عبد الباقي كبير إلا أن قدم شكوى رسمية إلى وزارة الخارجية، وبعد أيام قلائل من تقديمه للشكوى فوجئ السفير للمرة الثانية بأخبار سرقة منزله، نشرتها مجموعات تواصل إسفيرية، حيث نفى حدوث مثل هذه الوقائع واتهم جهات بالوقوف خلفها وقال في حديث لـ "الصيحة" أنه شرع في تحريك إجراءات قانونية ضد من قام بنشر الأخبار والشائعات المغرضة- على حسب وصفه- وأكد السفير أنه يحتفظ بحقه القانوني في مقاضاة من روج لهذه الأخبار المغلوطة التى تسئ لشخصه وأسرته. في وقت عبر رجالات الدبلوماسية الشعبية بكمبالا عن حزنهم العميق للتصرفات التي تقوم بها نجوى قدح الدم، ووصفوها بأنها "تتطفل سياسياً" في شؤون دبلوماسية، وفي ذات السياق علمت "الصيحة" من مصادرها العليمة أن وزير الخارجية البروف إبراهيم غندور اتصل بالسفير عبد الباقي وطلب تقريراً مفصلاً عن ما حدث مؤكداً أن له الحق في اتخاذ أي إجراء قانوني يراه مناسباً، وأكدت المصادر أن الخلافات بين السفارة السودانية وقيادات الدبلوماسية الشعبية بكمبالا من جهة وبين نجوى قدح الدم وبعض من يقف معها من جهة أخرى، على أشدها، فما الذي حدث بالضبط؟ وما هي حقيقة الشكوى التي رفعها السفير السوداني والتقرير الذي طالبت به الخارجية؟، وماذا يدور في أضابير الدبلوماسية السودانية في كمبالا، الشعبية منها والرسمية؟!
أصل الحكاية:
رن هاتف السفير السوداني عبد الباقي كبير في كمبالا، وعندما رفع السفير سماعة الهاتف فوجئ بأن التجاني سيسي رئيس السلطة الانتقالية السابق بدارفور على الطرف الآخر من الخط يبلغه بأن هناك لقاءً مع الحركات المسلحة سوف يتم في الثالث عشر والرابع عشر من هذا الشهر (سبتمبر)، السفير أصابته الدهشة كجهة ممثلة للحكومة السودانية بكمبالا وليس لديه علم بهذا الاجتماع، أو عن الجهة التي رتبت لهذا اللقاء، وأصابته الحيرة من تجاوز السفارة السودانية في أمر مهم كهذا، ولكن السفير وبحكم دبلوماسيته، ما كان منه إلا أن رحب بالتجاني سيسي والوفد القادم برئاسة أمين حسن عمر مسؤول ملف دارفور، وعندما جاء الوفد وتم استقباله، فشل اللقاء بينهم وبين الحركات المسلحة بدافور، حيث تم الاتصال بالحركات لكن دون جدوى لأن الحركات المسلحة قالت في ردها إنه من المستحيل أن تأتي إلى كمبالا في غضون ليلة وضحاها، فما كان من الوفد الرسمي بعد أن قضى يومين بيوغندا إلى أن عاد إلى الخرطوم بخفي حنين.
السفير اتخذ خطوة بعد هذه الحادثة، وتقدم بشكوى رسمية إلى وزارة الخارجية، نظراً للتهميش الذي طال السفارة السودانية، وبعد أيام قلائل من تقديمه الشكوى فوجئ السفير باخبار تشير إلى تعرض منزله لسرقة (30) مليون دولار من قبل "فتيات"، وهي الحادثة التي أشيع أنها تزامنت مع سفر زوجته وأبنائه أوروبا، فما كان منه إلا أن سارع بنفي الخبر، متهماً جهات لم يسمها بالسعي لمحاولة إطلاق إشاعات مغرضة – في إشارة إلى خلافاته مع نجوى قدح الدم – الغرض منها ضرب إمكانيات السفارة السودانية في كمبالا واستهداف مجهوداتها في تمثيل السودان تمثيلاً سليماً في أعقاب التنسيق الذي تم بين البلدين إضافة إلى اللقاءات الدورية بين المسؤولين.
تطفل سياسي:
ليست الدبلوماسية الرسمية فقط هي ما بات يضايقها تحركات قدح الدم، إذ أن بعض قادة الدبلوماسية الشعبية المقيمين منذ سنوات طويلة في كمبالا عبروا أيضاً عن عدم رضاهم عن نشاطات "قدح الدم"، ويقول رجل الأعمال في كمبالا طارق حامد في حديث لـ "الصيحة" إن نجوى لا تمتلك الحنكة الدبلوماسية، واعتبرها من المتسلقين الذين يودون الظهور في الأجواء المسممة وهي تظهر – كما يضيف – كمتطفلة سياسية في موائد القضايا الخلافية.
ويرى حامد أن قدح الدم ليس لها لون ولا تحمل أية صفة أو عمق معرفي في النشاط السياسي، وأضاف: لقد سعينا للقاء الحكومة مع الحركات المسلحة كثيراً، مشيراً إلى أن كمبالا كانت محطة للحركات حيث تم إقناعهم بالتوقيع على خارطة الطريق بعد أن رفضوها في مارس الماضي في كمبالا، ويمضي طارق بالقول إن قدح الدم كانت تسعى للتخريب والتهميش، وذكر حامد أنها ظلت تردد في لقاءات خاصة أنها قادرة على التأثير لصالح إجراء تعديلات في وزارة الخارجية سابقاً وحالياً وفي سفارة السودان بكمبالا كذلك، وقال طارق إن الذي تسعى إليه قدح الدم هو أن تجلس على كرسي السفير في سفارتنا بكمبالا.
وكشف طارق حامد أنه من استضاف وفد الحكومة وعلى رأسه أمين حسن عمر والتيجاني سيسي وتابيتا بطرس بعد أن تفاجأت السفارة بقدوم الوفد، وقال إن قدح الدم أقحمت الوفد في اجتماعات لا طائل منها وأحدثت تشويشاً بصورة بالغة وفشلت اللقاءات التي حاولت أن تنسق لها مع الحركات المسلحة.
مريم على الخط:
من جهتها كتبت مريم الصادق المهدي في الأسافير تقول إنها قد تألمت كثيراً لما ورد عن نجوى قدح الدم وكأنها دخيلة على السودان وقالت: لن أعدد السودانيين أصحاب الجنسيات الأخرى الذين فاوضوا باسم السودان في أخطر الملفات ولا الذين عملوا سفراء من مُوالي المؤتمر الوطني لأن من يكون السفير باسم السودان ينبغي أن يكون سودانياً وهذا أمر لا يخضع للمجاملة. وأضافت مريم تقول: ولأن الله يحب نجوى.. خصها بامتحانات متتالية في فقد الأعزاء وأكثر في صحتها، ولكنها عبر كل امتحان تحرز علامات عالية في الصبر واليقين والخروج بمزيد من القوة والإشراق وجمال الروح والإحساس بألم الآخرين ومعاناتهم والإصرار على مساعدة الناس بتلقائية وبكرم وبحب كأنما هي التي تأخذ وليست هي التي تعطي.
الدبلوماسية الشعبية:
محمد المعتصم حاكم من مجلس الصداقة الشعبية دافع في حديثه لـ" الصيحة" عن دور الدبلوماسية الشعبية في العلاقات الدولية، وقلل من تأثير الخلافات الأخيرة على دور الدبلوماسية الشعبية للسودان، وقال إن العالم كله يعتمد اعتماداً كلياً على الدبلوماسية الشعبية باعتبارها المدخل الوحيد لعلاقات رسمية بين الدول، مشيراً إلى أن هناك تجارب معروفة في هذا المجال، ولكنه قال إن الدبولماسية الشعبية حتى تنجح لابد لها من التنسيق مع الجهات الرسمية، ولابد أن تكون الجهات الرسمية على علم بجهودها حتى تتكامل الأدوار، ورأى أن أي عمل من غير معرفة الجهات المختصة قد يشكك في نواياه، وقال حاكم إن العمل الدبلماسي الشعبي حتى لو فشل فإنه عندما يكون بعلم الجهات المعنية تصبح الدولة على علم بمسببات الفشل.
من هي قدح الدم؟
لمع اسم نجوى قدح الدم بعد زيارة الرئيس اليوغندي يوري موسفيني الأخيرة إلى الخرطوم والتي حظيت باهتمام واسع من المهتمين والمراقبين للشأن الإفريقي، خاصة أن القطيعة بين البلدين استمرت لأكثر من عشر سنوات تبادلت فيها الخرطوم وكمبالا اتهامات مختلفة بإيواء ودعم المتمردين، وقد كانت نجوى قدح الدم، مهندسة هذه الزيارة لموسفيني، وكما تقول نجوى عن نفسها في حوار صحفي سابق أجرته معها "الصيحة" إنها من أم درمان، ووالدها عباس أحمد قدح الدم من مؤسسي حزب الأشقاء مع الزعيم الأزهري، وكان سكرتيرًا لنادي الخريجين، أما جدها فهو قدح الدم من أمراء الأنصار والمهدية، وتخرجت في جامعة الخرطوم من كلية الهندسة قسم "الميكانيكا، وعملت كباحثة في مجال الشرائح الدقيقة التي ترفع بالشاشات الشمسية المتصلة بالمركبات الفضائية وانتقلت للعمل بالمقر الرئيسي في أسبانيا لأكثر من عام وانتقلت من بعدها إلى (فيينا) حيث تقيم حالياً.
السفير يوضح
ويقول السفير عبد الباقي كبير لـ "الصيحة": "إن نجوى ليست هي من كانت وراء الترتيبات لزيارة موسفيني وقال إن زيارة موسفيني إلى السودان جاءت بناء على دعوات في ثلاث مراحل؛ حيث زار نائب رئيس الجمهوري حسبو محمد عبد الرحمن كمبالا في يناير مطلع العام، وحينها كنت سفيراً معتمد ولم أحضر إلى كمبالا، ثم جئت كمبالا ومعي دعوة خطية من رئيس الجمهورية ثم بعد ذلك جاء وزير الخارجية البروف إبراهيم غندور إلى كمبالا في مؤتمر سد النهضة وقدم دعوة للرئيس موسفيني أيضاً". وأضاف السفير بأن عملهم إنما هو حصيلة عمل متراكم لزملائه السفراء، مشيراً إلى أن القول بأن نجوى قدح الدم هي مهندسة اللقاء أمر لا يقبله العقل ولا المنطق. وأكد السفير أن السودان كله ضحية للإعلام، موضحاً أن نجوى قدح الدم لو كان لديها دور فهو جزئي ولا يمكن إلغاء المجهود الدبلوماسي الحكومي في تحسين العلاقة بين البلدين، وتوقع السفير عقد لقاء في أكتوبر المقبل عندما يلبي البشير دعوة موسفيني يرافقه رجال أعمال سودانيون وزاد بأنهم يتوقعون اجتماعات اللجنة الوزارية التي تنعقد في كمبالا وقال: "هذه المسائل سوف تحدد من هم سماسرة السياسة السودانية".
الأيام حبلى
وعلمت "الصيحة" من مصادرها أن الخلافات بين نجوى قدح الدم والسفارة السودانية على أشدها، حيث تعتد نجوى بعلاقتها الوطيدة مع الرئيس اليوغندي موسفيني، في وقت تعتمد السفارة السودانية على وزارة الخارجية وثقل الكثير من رجال المال والأعمال في كمبالا وهم يقفون في صف السفارة، خاصة وقد وصف طارق حامد نجوى قدح الدم بالتعالي على السودانيين الموجودين في يوغندا، فأين تقف الحكومة السودانية الآن؟ هل تنتصر لسفاراتها في كمبالا، أم أن نجوى قدح الدم تمتلك من المقدرات ما يجعل الحكومة السودانية تضرب بشكوى سفارتها بكمبالا عرض الحائط؟ هذا ما سيظهر قريباً، والأيام حبلى بكل مثير.
الصيحة