قلَّ الوفاء في هذا الزمن، وقلَّ رد الجميل ولذلك يصبح من يقوم بهذا العمل شاذاً في المجتمع، ففي عدد الأمس من (المجهر) وفي الصفحة الأولى نشر خبر عن وفاء اثنين من الإخوة السعوديين جاءا إلى السودان يبحثان عن معلمهما السوداني الذي علمهما حرفاً، وأصبحا الآن بفضل الله وبفضل جهوده معهما علامات بارزة في المجتمع السعودي.
الأخوان السعوديان جاءا إلى (المجهر) برفقة معلمهما الأستاذ “عثمان منوفلي” أحد أبناء منطقة كردفان “أبو جبيهة”.. كان في ريعان شبابه حينما كان يدرس طلبته بمنطقة “الزهران”.. كان يمثل القدوة للمعلم الذي افتقدناه في هذا العهد.
الأستاذ “عثمان” انقطعت الصلة بينه وبين تلميذيه “سعيد محمد منديل الزهراني” وشقيقه “عبد الله” اللذين جاءا يبحثان عنه في السودان لتقديم واجب الوفاء لما قدمه لهما قبل ثلاثة وعشرين عاماً، كان المعلم وأستاذ الرياضة وأستاذ النشاط والإذاعة المدرسية، كان يجمع ما بين التعليم والنشاط المصاحب لفنون التعليم.
عندما خرج الأستاذ “عثمان” من المملكة العربية السعودية لم يفكر في الجزاء إلا من الله سبحانه وتعالى، عاد إلى وطنه وعاد إلى وظيفته المحببة إلى نفسه التعليم، فأعاد تسجيل اسمه من جديد في كشف المعلمين بوزارة التربية والتعليم، ولم يتوقع في يوم من الأيام أن يبحث عنه شخص.
الطالب “سعيد الزهراني” الآن مهندس وصاحب المصانع في المملكة العربية السعودية، “سعيد” كان شغوفاً برؤية معلمه “عثمان” ولو أدى ذلك إلى نشر صورته واسمه عبر الصحف أو المذياع أو أي فضائية تدله على مكان أستاذه الذي كان له الفضل في بلوغ ما وصل إليه من مكانة اجتماعية واقتصادية، لأن بفضل الأستاذ “عثمان” ترك كلية الطب واتجه إلى كلية الهندسة التي اختارها له الأستاذ “عثمان” ومن ثم نجح في هذه الكلية وأصبح شخصاً يشار له بالبنان في دولته.
المهندس “سعيد” وشقيقه “عبد الله” الذي نجح أيضاً في مجال اللغة العربية وأصبح معلماً مجيداً فيها، في مقابلتهما مع (المجهر) قدما تفاصيل حياتهما مع الأستاذ “عثمان” بمدرسة الشعراء بمنطقة “الزهران”، وقالا لم يكونا هما الطالبين السعوديين الوحيدين اللذين أشرف “عثمان” على تدريسهما، فهناك من تخرج في كليات الطب والهندسة وغيرها من الكليات التي التحق بها أولئك الطلبة.
تعرف “سعيد” وشقيقه “عبد الله” على عنوان الأستاذ “عثمان” من خلال موظف سوداني يعمل في مصانع “سعيد”.. وبالبحث عثر السوداني على رقم هاتفه بمنطقته بكردفان.. وبعد التعرف عليه اتصل “سعيد” بأستاذه الذي قدم له الدعوة لزيارة المملكة العربية السعودية لإجراء فريضة الحج.. وهذه الزيارة هي الأولى التي يأتي فيها “سعيد” و”عبد الله” إلى السودان للالتقاء بمعلمهما وهو وفاء نادر وقلَّ أن يقوم به أحد حتى نحن أبناء السودان والذين بلغنا درجات رفيعة في حياتنا لم نفكر في معلمينا ولو مرة واحدة لزيارتهم أو التعرف على حالهم إن كانوا في المرحلة الابتدائية أو الوسطى أو الثانوي.. وأين هم الآن أحياء أم أموات.. داخل الوطن أو خارجه.. فالوفاء مهم خاصة للمعلمين ولولاهم لما كان هناك الطبيب والمهندس والمحامي والصحفي والقاضي، فجزى المهندس السعودي “سعيد” وشقيقة خير الجزاء لهذا الوفاء النادر في زماننا هذا.
صلاح حبيب
صحيفة المجهر السياسي
صحيفة المجهر السياسي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق