طارق الشيخ
مرّ الحديث، في مكالمة هاتفية مع صديق طبيب في السودان، على العراق، وأصدقاء منه منذ سنوات الدراسة، وكيف أن بعضهم، ممن منحهم الله القوة والصحة، يشاركون، هذه الأيام وبهمة الشباب، في تظاهرات الاحتجاج في بلدهم ضد الفساد. قلنا إنه أزكم الأنوف هناك، لكنه لا يرقى، وبالتوثيق، إلى مرتبة الفساد السوداني، فالعراق أفضل درجة، وفقاً لتقارير منظمة الشفافية الدولية.
في مكتبته التي كانت منارة للمعرفة في الخرطوم، التقيت صاحبها اليوناني خريستو. اشتكى من أن الناس التي تقرأ غادرت السودان في معظمها، ومن بقي انشغل بتفاصيل الحياة اليومية وتعقيداتها. يقول إن الناس لم تعد تقرأ، ومن النادر أن يقصد المكتبة شخص لشراء كتاب، إما لغلاء الكتب، أو لمشاغل الحياة التي جعلت من القراءة ترفاً ليس متاحا للغالبية من أبناء السودان.
كانت أرفف هذه المكتبة تغطيها الكتب والمراجع العلمية الثمينة من مختلف دور النشر الغربية، أما اليوم، فقد غاب ألقها القديم، وتدثّرت بطبقة من الغبار الناعم، وأصبح من الصعب حتى قراءة العناوين. ينسجم مبنى المكتبة، بطرازه المعماري الإنجليزي الأنيق، مع شكل المباني العتيقة حوله، من فندق فيكتوريا الذي استمد اسمه من ملكة بريطانيا، والمطل على شارع القصر وسط الخرطوم، على مقربةٍ منه فندق أكروبول، اليوناني الذي كان مفضلاً للصحفيين والمراسلين الأجانب، أصبح كما حال المكتبة.
ومنذ المرة الأولى التي دخلت فيها المكتبة، أسرتني بإنارتها الهادئة وبصمتها، مع وجود زبائن من محبي الكتب بين ممراتها. لم تكن "الخرطوم بوكشوب" مثل كل المكتبات في السوق الإفرنجي، كما كان يسمى. كانت تضاهي مكتبات عالمية، فالكتب الأكثر مبيعاً من دور النشر العالمية آنذاك تجدها ساخنة في موعد صدورها عالمياً. الهدوء يملأ المكان. رائحة البيتفور تنبعث من الركن الهادئ داخل المكتبة، حيث تباع أنواع من البسكويت والحلويات الإنجليزية الفاخرة. قلت لخريستو: هذه المكتبة شكلت الوعي لدى شرائح واسعة من السودانيين. كانت، في تعاونها مع وزارة التربية والتعليم، توزع المقررات المدرسية من الكتب الإنجليزية. قال: كان هذا في زمن جميل. وأضاف: كانت الخرطوم أجمل مدن إفريقيا. في الخامسة عصراً،
في مكتبته التي كانت منارة للمعرفة في الخرطوم، التقيت صاحبها اليوناني خريستو. اشتكى من أن الناس التي تقرأ غادرت السودان في معظمها، ومن بقي انشغل بتفاصيل الحياة اليومية وتعقيداتها. يقول إن الناس لم تعد تقرأ، ومن النادر أن يقصد المكتبة شخص لشراء كتاب، إما لغلاء الكتب، أو لمشاغل الحياة التي جعلت من القراءة ترفاً ليس متاحا للغالبية من أبناء السودان.
كانت أرفف هذه المكتبة تغطيها الكتب والمراجع العلمية الثمينة من مختلف دور النشر الغربية، أما اليوم، فقد غاب ألقها القديم، وتدثّرت بطبقة من الغبار الناعم، وأصبح من الصعب حتى قراءة العناوين. ينسجم مبنى المكتبة، بطرازه المعماري الإنجليزي الأنيق، مع شكل المباني العتيقة حوله، من فندق فيكتوريا الذي استمد اسمه من ملكة بريطانيا، والمطل على شارع القصر وسط الخرطوم، على مقربةٍ منه فندق أكروبول، اليوناني الذي كان مفضلاً للصحفيين والمراسلين الأجانب، أصبح كما حال المكتبة.
ومنذ المرة الأولى التي دخلت فيها المكتبة، أسرتني بإنارتها الهادئة وبصمتها، مع وجود زبائن من محبي الكتب بين ممراتها. لم تكن "الخرطوم بوكشوب" مثل كل المكتبات في السوق الإفرنجي، كما كان يسمى. كانت تضاهي مكتبات عالمية، فالكتب الأكثر مبيعاً من دور النشر العالمية آنذاك تجدها ساخنة في موعد صدورها عالمياً. الهدوء يملأ المكان. رائحة البيتفور تنبعث من الركن الهادئ داخل المكتبة، حيث تباع أنواع من البسكويت والحلويات الإنجليزية الفاخرة. قلت لخريستو: هذه المكتبة شكلت الوعي لدى شرائح واسعة من السودانيين. كانت، في تعاونها مع وزارة التربية والتعليم، توزع المقررات المدرسية من الكتب الإنجليزية. قال: كان هذا في زمن جميل. وأضاف: كانت الخرطوم أجمل مدن إفريقيا. في الخامسة عصراً،
كان فندق فيكتوريا المجاور يكمل استعداده لاستقبال زبائنه من كبار الموظفين الذين اعتادوا شرب شاي المغرب على الطريقة الإنجليزية في الساحة أمامه. أناقة المكان، وتهيؤ العاصمة كلها للمساء، أوحيا لبيوت الموضة، آنذاك، أن تنتج أثواباً نسائية راقية، حملت اسم "الخرطوم في الليل". ثياب باللون الأزرق، أو الأسود، تتناثر فيها حبيبات بيضاء لها وميض، تحاكي أنوار الخرطوم في الليل.
يتذكّر خريستو حال الخرطوم وسينما كولوزيوم القريبة من المكتبة في شارع القصر. كانت الذكريات تنسل ساخنة من أعماق ذاكرةٍ، باتت تفقد كثيراً من بريقها، بفعل السنوات. قال: كان يوماً لا يُنسى أفتخر فيه، لأنه سوداني ويوناني. هنا عُرض، لأول مرة في الشرق الأوسط، وتزامناً مع العواصم الأوروبية الكبرى، فيلم زد، وبحضورٍ فريد، مؤلف قصة الفيلم نيكولاس كازانتزاكيس، ومؤلف موسيقاه، الموسيقار الشهير، ميكيس ثيودراكيس، كانا حاضريْن، وأيضاً الممثلة والشخصية الثقافية اليونانية، ماريا كالاس، والتي أصبحت، لاحقاً، وزيرة للثقافة في بلدها.
من هذه المكتبة، كان مثقفون كثيرون من السودان يضعون لبنات ثقافة موسوعية منفتحة تقدمية. يحكي لي العم خريستو أنه، حينما يتحدث لأبنائه في اليونان، يسألونه بحنينٍ دافق لم يفقد طراوته عن الخرطوم التي كانت، والتي لم يتبق لهم منها سوى ذكريات رائعة، فيغلبه البكاء. بخيبة أملٍ وأسى، يقول لهم: الخرطوم لم تعد على حالها، يلحون عليه بالسفر إلى اليونان، فيردّ، بحزم، إن جذوره عميقة في الخرطوم.
ختمنا حديثنا بأمنية خريستو: أتمنى أن أموت هنا، وأن يُذرّى رمادي يوم أموت على نهر النيل. هنا ولدت على هذه الأرض الطيبة، وهنا، أتمنى أن تستقر روحي. خرجت، وعلى الرغم من عتمة المكان واختلافه، بذكرياتٍ جميلة، فيوم كانت الخرطوم جميلة ومحتفية بأهلها ومتسامحة، كان دوري كرة السلة يضم، في درجته الممتازة، أندية اليوناني والكاثوليكي والمكتبة القبطية والنادي السوري، بجانب الناديين الكبيرين، الهلال والمريخ. كان اسمها الخرطوم أنيقة جميلة، ترقد في سلام أمام مقرن النيلين.
يتذكّر خريستو حال الخرطوم وسينما كولوزيوم القريبة من المكتبة في شارع القصر. كانت الذكريات تنسل ساخنة من أعماق ذاكرةٍ، باتت تفقد كثيراً من بريقها، بفعل السنوات. قال: كان يوماً لا يُنسى أفتخر فيه، لأنه سوداني ويوناني. هنا عُرض، لأول مرة في الشرق الأوسط، وتزامناً مع العواصم الأوروبية الكبرى، فيلم زد، وبحضورٍ فريد، مؤلف قصة الفيلم نيكولاس كازانتزاكيس، ومؤلف موسيقاه، الموسيقار الشهير، ميكيس ثيودراكيس، كانا حاضريْن، وأيضاً الممثلة والشخصية الثقافية اليونانية، ماريا كالاس، والتي أصبحت، لاحقاً، وزيرة للثقافة في بلدها.
من هذه المكتبة، كان مثقفون كثيرون من السودان يضعون لبنات ثقافة موسوعية منفتحة تقدمية. يحكي لي العم خريستو أنه، حينما يتحدث لأبنائه في اليونان، يسألونه بحنينٍ دافق لم يفقد طراوته عن الخرطوم التي كانت، والتي لم يتبق لهم منها سوى ذكريات رائعة، فيغلبه البكاء. بخيبة أملٍ وأسى، يقول لهم: الخرطوم لم تعد على حالها، يلحون عليه بالسفر إلى اليونان، فيردّ، بحزم، إن جذوره عميقة في الخرطوم.
ختمنا حديثنا بأمنية خريستو: أتمنى أن أموت هنا، وأن يُذرّى رمادي يوم أموت على نهر النيل. هنا ولدت على هذه الأرض الطيبة، وهنا، أتمنى أن تستقر روحي. خرجت، وعلى الرغم من عتمة المكان واختلافه، بذكرياتٍ جميلة، فيوم كانت الخرطوم جميلة ومحتفية بأهلها ومتسامحة، كان دوري كرة السلة يضم، في درجته الممتازة، أندية اليوناني والكاثوليكي والمكتبة القبطية والنادي السوري، بجانب الناديين الكبيرين، الهلال والمريخ. كان اسمها الخرطوم أنيقة جميلة، ترقد في سلام أمام مقرن النيلين.
العربي الجديد
Diyarbakır
ردحذفSamsun
Antep
Kırşehir
Konya
5HVJİ
çankırı
ردحذفelazığ
antep
ağrı
van
S00ZZJ
6CC34
ردحذفUrfa Evden Eve Nakliyat
Çorum Evden Eve Nakliyat
Yozgat Parça Eşya Taşıma
Bingöl Lojistik
Bingöl Evden Eve Nakliyat
C7B2A
ردحذفYalova Şehirler Arası Nakliyat
Çanakkale Lojistik
Gölbaşı Boya Ustası
Uşak Evden Eve Nakliyat
Urfa Parça Eşya Taşıma
Yalova Lojistik
Bilecik Şehirler Arası Nakliyat
Dxgm Coin Hangi Borsada
Nevşehir Şehirler Arası Nakliyat
E0840
ردحذفaydın kadınlarla görüntülü sohbet
adıyaman seslı sohbet sıtelerı
ankara canli sohbet chat
urfa canlı görüntülü sohbet uygulamaları
burdur telefonda kadınlarla sohbet
rastgele sohbet siteleri
hakkari rastgele görüntülü sohbet uygulamaları
en iyi ücretsiz görüntülü sohbet siteleri
kadınlarla sohbet et