المثني ابراهيم بحر
كلما اشرقت شمس يوم جديد تعلن الانقاذ انها مشروع للتهريج السياسي, وابعد ما يكون عن الرشد, فحالة الفقر وتفشي البطالة والتضخم الاقتصادي وتمزق النسيج الاجتماعي وازدياد الجريمة , وكثرة قضايا الطلاق للاعسار والغيبة التي تنظرها محاكم الاحوال الشخصية, وحالات التفسخ الاخلاقي , واختفاء السمات الايجابية التي كانت اهم ما تميزنا عن الشعوب الاخري رغم المليارات التي اهدرت علي البرامج الفارغة مثل المشروع الحضاري و تزكية المجتمع , كل ذلك يشير الي أن الجبهة الاسلامية وضعت لنا وصفة اقتصادية فاشلة لا تناسب واقعنا وظروف البلاد, وانما تتناسب مع مخططاتهم لامتصاص دماء الشعوب السودانية المغلوب علي امرها واحتكار ثمارها لصالح القلة المتنفذة بحماية القانون , و فشلت كل المحاولات الترقيعية والاسعافية لرتق الاثار السالبة التي نتجت عن تجاربهم الفاشلة , بل انها تنطلق من حقد عميق , فالبرنامج الاقتصادي الذي رسمه عراب الانقاذ عبدالرحيم حمدي هو السبب الجوهري الذي انهارت علي اثره دعامات الاقتصاد السوداني من بينها مؤسسة الجزيرة التي نحن بصدد تناولها في هذا المقال ردا علي تصريح قيادي بالمؤتمر الوطني بولاية الجزيرة لصحيفة الجريدة , وقال القيادي بالمؤتمر الوطني بالجزيرة الأمين فضيل لـ(الجريدة) الصادرة بتاريخ 24/6/2015، إن الوالي محمد طاهر إيلا يعتبر الكرت الأخير لدى الحكومة لإنقاذ مشروع الجزيرة ، وأضاف أن إيلا أطلقها في أول خطاب له بأنه لا يعمل من أجل قبلية ولا جهوية ولا حزب........! مما يعني قضائه على الجهوية والقبلية من جذورها ....! اما بخصوص الجهوية والحزبية فيمكن لمواطني الجزيرة ان يستعينوا بمحرك البحث (قوقل) للاستفسار عن مسألتي الجهوية والقبلية في عهد ايلا , لأن مقالي هذا سأخصصه للحديث عن مشروع الجزيرة وامكانية نجاحه حتي لا (يخدر) اهل الجزيرة انفسهم باوهام يستحيل تحقيقها بحسب ما تشتهي انفسهم بعودة المشروع الي سيرته الاولي وهذا في رأيي من سابع المستحيلات ....!
في احد مقالاتي السابقة انتقدت والي الجزيرة محمد طاهر ايلا ,عندما صرح في اول خطاب له بعد تعيينه واليا علي الجزيرة بأن مشروع الجزيرة هو هدفه الاساسي للنهوض بولاية الجزيرة, والمشكلة انه ظل يدمن التصريح مرارا لوسائل الاعلام بخصوص نهضة مشروع الجزيرة , واخرها ما نقلته صحيفة السودان عن تصريحه بان فشل مشروع الجزيرة او نجاحه سيكون مسؤليته المباشرة علي الرغم من تبعيته للحكومة الاتحادية ....! وتصريحات ايلا نابعة عن حماسه كعادة الانقاذيين في الهاب مشاعر الجماهير هو الذي دفعه لأن يدلي بهذا التصريحات التي كانت تحتاج الي دبلوماسية , حتي لا يرهن نجاحه بنجاح مشروع مستهدف بالتدمير من قبل حكومته منذ قديم الزمان , و بهذة الورطة التي وضع نفسه فيها سيجني علي نفسه في المقام الاول , لأن برنامج الجبهة الاسلامية الاقتصادي حيال مشروع الجزيرة لا يقصد به النهوض بالمشروع استتباعا لمنفعته التي تعود علي الولاية او الوطن باكمله, وانما النهوض بنظام الجبهة الاسلامية الي دركات التغيير باعتبارهيمنتها علي احد اهم ركائز الاقتصاد السوداني , وبالتالي استدامة بقائهم في السلطة و مكامن اتخاذ القرار لاطول فترة من الزمن , علي غرار تجربة سيطرة اليهود علي الاقتصاد العالمي بالتحكم في تحريك المجتمع الدولي بالريموت كنترول , ولكن اذا صدقنا تلك الفرية التي ظل يروج لها المركزبالتعويل علي ايلا ككرت اخير للارتقاء بمشروع الجزيرة, فايلا نفسه لا يستند علي انجاز مشروعات اقتصادية حقيقية ضخمة و ناجحة في ولاية البحر الاحمر, حتي نستطيع ان نتكهن بمجرد نجاحه في النهوض بمشروع الجزيرة الذي أستعصي عليه مثل مشروع مياه البحر الاحمر الذي ظل يراهن عليه طوال سدة جلوسه علي عرش البحر الاحمر,بالرغم من الوعود المتكررة من الحكومة المركزية التي ستكرر معه ذات الاسطوانة في مشروع الجزيرة, وكذلك اخفق ايلا في النهوض ب مشروع دلتا طوكر الاخ الاصغر لمشروع الجزيرة لم يفعل ايلا حيالهما شيئا بالرغم من صرفه اموالا طائلة في ثانويات فارغة الي انقضت فترته في البحر الاحمر ومرت كالشهاب, وبالتالي انا لست متأكدا بل واثقا فيما سأذهب اليه بأن مشروع الجزيرة في عهد الانقاذ لن يستطيع النهوض كسابق عهده كواحد من دعامات الاقتصاد الوطني, وانما كدعامة للنهوض بالرأسمالية الطفيلية وتمكين القلة المتنفذة .
سياسة نظام الجبهة الاسلامية تجاه مشروع الجزيرة يمكن ان نلخصها بأيجاز في تصريح رئيس الجمهورية من قبل بأن وصف مشروع الجزيرة بالخسران منذ نهاية الستينيات , وانه عالة علي الدولة التي كانت تصرف عليه, وتجدول مديونات المزارعين وتعفيها في النهاية, مؤكدا ان مزارعي الجزيرة (مسيسين) وانهم تربية شيوعيين, مردفا بأنه محتاج الي ضبط من جديد.....! ومن هذه النقطة توضح نظرة الانقاذ تجاه مشروع الجزيرة لتغيير بنيته الاجتماعية في المقام الاول ثم الاقتصادية , وخصخصة مشروع الجزيرة هي ما ستمكن الانقاذيين في التحكم في اكبر دعامات الاقتصاد الوطني , وخصخصة المشروع سيؤثر سلبا علي المزارعين الذين يشكلون النسيج الاجتماعي ويقدرون الي قرابة المليون ونصف, سيذهبون في مهب ريح حفنة من الرأسمالية المحتكرة للسلطة والثروة, فالاسباب التي يدعي الانقاذيين من اجلها خصخصة مشروع الجزيرة غير مقنعة, فقد ظل هذا المشروع وطوال عهد المستعمر والي وقت خروجه يعمل علي احسن ما يكون , فمن اين اتي الخلل....؟ وما هو ضمان النجاح اذا تمت الخصخصة وفي البال مشاريع كثيرة بعد الخصخصة تراجعت الي الخلف , وعلي سبيل المثال سودانير ومشروع سندس الزراعي كأدلة تغني عن المجادلات ..!
مشروع الجزيرة لم ينجح في مسعاه كواحد من اكبر دعامات الاقتصاد السوداني , بل نجح ايضا في في ربط النسيج الاجتماعي في اجمل لوحة عجزت السياسة عن رسمها ,واهم مكتسباته نسيجه الاجتماعي الذي يضم غالبية القبائل السودانية التي شكلت هذه اللوحة المتناسقة والمتصالحة علي امتداد هذه الرقعة الخضراء التي يمتد عليها المشروع الاكبر في العالم تقريبا , من خلال انصهار كل القبائل التي جمعها مشروع الجزيرة لتعمل تحت لوائه , وبالتالي تعتبر منطقة الجزيرة هي اكثر المناطق في السودان التي تعبر عن السودان المصغر المتمازج بكل مكوناته الاثنية والثقافية مما جعلها مصنعا لتفريخ المبدعين في شتي المجالات اضافة الي تنامي الوعي بالانتماء للوطن الكبير فتلك الصفات الحميدة لا يشاركهم في هذه الميزة الا سكان مدينة ام درمان القديمة التي تماثل الجزيرة في بنيتها الاجتماعية الايجابية والمتعافية, ولكن الانقاذ واحد من اهدافها شرخ النسيج الاجتماعي كان احد اهدافها تدمير مشروع الجزيرة , فهناك مشاريع كثيرة قامت في السودان او مناطق تجتمع فيها مجموعة من الاثنيات السودانية التي تشكل سودان مصغر ولكنها لم تحدث تغييرا اجتماعيا كما احدثه مشروع الجزيرة , ولو كنت مسؤلا لامرت بدراسة اجتماعية لمشروع الجزيرة من اجل تعميمه علي السودان ككل للاستفادة منه في تقوية النسيج الاجتماعي مما سيساعد بالنهوض بالمكون الاجتماعي للانسان السوداني.
كان البريطانيون يفاخرون بانهم خلفوا افضل خدمة مدنية خارج بريطانيا في السودان ومؤسسة اقتصادية هي الافضل في العالم , وقد استفادت دول الخليج العربي من الخبرة السودانية في بناء بنيتها التحتية والارتقاء بخدمتها المدنية , ولكن الخدمة المدنية فارفت عهدها الزاهي لانفاذ مشروع التمكين بعد ان جرت عملية احلال وابدال واسعة , فمن الطبيعي ان يتأثر مشروع الجزيرة ويفقد بريقه نتيجة لهذه السياسات الخاطئة تطبيقا لبرنامجها الاقتصادي الفاشل حيال المؤسسات الاقتصادية الكبري , وكان نظام الانقاذ قد طلب من البنك الدولي ان يراقب الاداء الاقتصادي لحكومة السودان , ومعلوم جيدا النتائج التي تنجم عن اقتصادات الدول النامية التي يراقب الصندوق ادائها الاقتصادي , وان مفعول الوصفة الصندوقية بدأ في الظهور من خلال تجلي المساعي الدؤبة من قبل نظام الجبهة الاسلامية عبر سياسة التحرير الاقتصادي ورفع الدعم عن المحروقات , ومن خلال خصخصة مشروع الجزيرة وسودانير وهيئة الكهرباء والطيران المدني وهيئة الموانيء البحرية ,وسيتم بيع اصول وممتلكات الشعوب السودانية الي شركات تتبع للرأسمالية الطفيلية التي تتبع لهذا النظام علي اعتبار انهم قطاع خاص , فالسياسات الاقتصادية التي يتبعها نظام المؤتمر الوطني هي في الاساس تنفيذا لسياسة النظام الرأسمالي التي ينتهجها الصندوق الدولي, وهي سياسات مجحفة لا تتناسب مع مجتمعات الدول النامية, والاهم من كل ذلك ان القروض ربوية بمعني انها تخالف مقاصد الشريعة الاسلامية, ولكن لأن الغاية عندهم تبرر الوسيلة , و لشيء في نفس يعقوب طالب بها المؤتمر البنك الدولي لتحقيق غاياته ,فهذه هي مؤشرات واضحة لا تحتاج الي توضيح لهذا النظام الذي يدعي خلاف الظاهر لنبدو للعالم الخارجي المطلع علي ازماتنا السياسية والاجتماعية مثالا للتدين بالطرق الشكلانية الساذجة التي يعيها ويفهمها عن الدين في فصامية عالية ,وعدم وعي بمألات المشروع الحضاري الذي نفض سدنته يدهم عنه حين تأزم واغرق في الازمة.
بن الجزيرة وواليها الاسبق الزبير بشير طه في تصريح للصحافة 13مارس 2013،فشل سياسات الحكومة تجاه المشروع , واكد انهيار مشروع الجزيرة عقب تطبيق قانون مشروع الجزيرة لسنة 2005م، واعتبر المشروع اهم خطوط الدفاع في «معركة توفير القوت وتحقيق الامن الغذائي بالبلاد».وقال الوالي امام لجنة تقييم الاداء بمشروع الجزيرة برئاسة تاج السر مصطفى بودمدني امس بمشاركة اعضاء اللجنة الثلاثين، ان مزارعي مشروع الجزيرة ليسوا بفئران تجارب وان شعب الجزيرة الذي يشكل المشروع بنسبة 80% من سكانه اكتووا بنار المعيشة جراء السياسات التي اقعدت بالمشروع وتأثرهم به سلبا وايجابا، واضاف ان السبع سنوات التي اعقبت قانون مشروع الجزيرة لسنة 2005م لم ترفع معدلات الانتاج والانتاجية. فالانقاذ اتبعت الانقاذ تكنيكا تم من خلاله تصفية وبيع اصول المشروع بما ينبئ عن حالة الافلاس التي اصابت المشروع الكبير , فهي بايعاز من البنك الدولي عبر خطة مرحلية طويلة يصيبها الرهق في العهود الديمقراطية, ولكن تتعافي وتكون اكثر حيوية في ظل الانظمة القمعية, وذلك ليس صدفة لان الانظمة القمعية تجد الحماية من فئات اجتماعية تستمد مصالحها من بقاء الانظمة الشمولية وهي مصالح تلتقي بالاصالة وبالوكالة في ان واحد مع مصالح مؤسسات عالمية لا يقف دون تحقيقه اختلاف الدين ا او العرق , ومؤسسة البنك الدولي واحدة من المؤسسات المنوط بها تهيئة المناخ لحدوثه , ويشترط البنك الدولي في سبيل انحاز ذلك اتباع سياسته المعروفة بأسم التعديل الهيكلي التي تعمل بأتساق مع صندوق النقد الدولي , واهم سياسة التعديل الهيكلي هي نقل ملكية المنشأت العامة الي ملكية القطاع الخاص (الخصخصة) وهذا ما حدث لمشروع الجزيرة تحت غطاء الاصلاح المؤسسي التي صاغها فريق عمل البنك الدولي بالتنسيق مع اتحاد المزارعين.
ونتيجة لما اوضحناه ,كان لا بد من تنفيذ وصفة الصندوق الدولي(باي ثمن) الذي رأت فيه الانقاذ ضالتها , فالصندوق الدولي يشترط لدعم المشروعات الاقتصادية بخلاف (الخصخصة) يشترط شروط اخري , منها رفع الدعم عن المحروقات التي بدأت بها الانقاذ فعليا بغض النظر عن وجود دعم او عدم وجوده من الاساس, وثانيا سياسة خصخصة المؤسسات الحكومية لصالح القطاع الخاص وهذا ما يخدم توجهات نظام المؤتمر الوطني الذي بدأ فعليا في خصخصة بعض المؤسسات الاقتصادية العامة , وقبل البدء في الخصخصة كان منهج الانقاذ يهدف الي تدميرتلك المؤسسات اقتصاديا ,حتي تأتي المطالبة بخصخصتها علي طيق من ذهب , كما في حالة مؤسسات البريد والبرق والسكة حديد وسودانير والجزيرة وهيئة المواني البحرية علي سبيل المثال , اما هيئة المواني البحرية ما يميزها عن الاخرين انها مؤسسة ايرادية فايجابية ايراداتها تغطي علي كل سلبياتها المتمثلة في الناحية الادارية وهيكلها الوظيفي , ولكن كما اشرنا ايجابية انها جهة ايرادية لا تري لها عيوبا بالعين المجردة , فمشروع الجزيرة سيعجل بحرق ايلا سياسيا باعتبار ان النظام قدمه كبش فداء للمضي قدما في تنفيذ مشروع خصخصة مشروع الجزيرة , الذي يأتي في صدارة اجندة المؤتمر الوطني الذي اصدرعبر وزارة المالية في العام 2005 قانون يهدف الي خصخصة مؤسسات اقتصادية منها مشروع الجزيرة, وانطلقت وقتها حملات مناهضة من تحالف مزارعي الجزيرة والمناقل لمناهضة القرار , انطلاقا من اهمية المشروع لمواطن ولاية الجزيرة واهميته للاقتصاد السوداني.
ثمة ملاحظة ابديها وهي ان الصندوق الدولي ينتهج النظام الرأسمالي الذي يتناقض مع اقتصاديات الدول النامية ,ناهيك عن الدول الاقتصادية الكبري ممثلة في دول العالم الاول التي غالبيتها لا تطبق النظام الرأسمالي , فنظام الانقاذ سعي للبنك الدولي من تلقاء نفسه ليستفيد من القروض اولا, وثانيا لأنه يلبي طموحات النظام بايلولة المؤسسات الاقتصادية ذات الملكية العامة عبر (الخصخصة) الي ملكية القطاع الخاص التي تستفيد منها الرأسمالية الطفيلية(بنت النظام) وبالتالي سيعلق النظام شماعة اي اخفاق اقتصادي علي البنك الدولي , بأعتبار انه فرض شروطه لتوفير التمويل , وثمة ملاحظة مهمة ايضا ان تدخلات البنك الدولي في الشأن السوداني, كانت كلها من خلال الانظمة الشمولية التي حكمت البلاد , فأول تدخل للبنك الدولي في شأن مشروع الجزيرة كان في عهد النظام العسكري الاول نظام الفريق ابراهيم عبود في العام1964 بطلب من النظام نفسه وتمخض ذلك التدخل عن تقرير صادر من البنك الدولي عرفه التاريخ الاقتصادي لولاية الجزيرة بتقرير لجنة (ريتس) التي كانت من اهم اهتماماتها التعامل مع مسألة الحساب المشترك الذي كان يطبق في المشروع انذاك وكيفية الغائه....!وهذا هو النمط السائد الذي وضعه الانجليز , ولم يصل التقرير لنهايته المرجوة لأن اللجنة عندما انتهت من عملها وقدمته للجهات الرسمية في العام 1066 صادفت ذهاب نظام عبود الديكتاتوري بعد ثورة 1964 ليحل بدلا عن نظام ديمقراطي وكان من الطبيعي ان يرفض هذه المسألة برمتها من الاساس, لأن للانظمة الديمقراطية رأي مغاير لمثل هذه الفوضي التي تحدث في الانظمة الشمولية ,فقد كان للمزارعين ولقياداتهم التاريخية المعروفة دور مشهود في رفض هذا المشروع .
محاولة البنك الدولي الثانية بشأن مشروع الجزيرة كانت في العام 1983 في النظام الشمولي الثاني(حقبة مايو) لخصها تقرير البنك الدولي , وتم عليه تأمين قروض لتأهيل مشروع الجزيرة من البنك الدولي وصندوق التنمية العربي ,وفي المحاولة الثانية في هذا النظام الشمولي نجح البنك الدولي في مسعاه فيما يتعلق بتعليق الغاء الحساب المشترك حيث وضعت الالغاء كشرط لتسيير القروض من قبل المانحين, وبالفعل تم ونتيجة لذلك تم تطبيق النظام الفردي بدلا عن المشترك في عام 1984 في ظل نظام شمولي مما سيفتح الباب لامكانية طرد اكبر عدد من المزارعين لم تحدث منذ انشاؤه تحت دعوي تدهور الانتاج وبالتالي عدم فعالبيتهم, وهذا ما حدث فعلا بعد صياغة قانون 2005 الصادر من وزارة المالية لخصخصة مؤسسات القطاع العام امتثالا لتوجيهات البنك الدولي , والملاحظ انه طوال مرحلة الديمقراطية الثالثة لم يتقدم الصندوق الدولي بتقارير جديدة تجاه مشروع الجزيرة الا بعد انقلاب الجبهة الاسلامية علي السلطة واحكام قبضتها علي رقاب العباد , وقد استغل البنك الدولي هذه الفرصة الثمينة , فالاقتصاد السوداني اصبح في تلك الحقبة في وضع لا يحسد عليه اثر استنزافه لموارد البلاد لتموين سياسات التمكين والصرف البذخي للاجهزة الامنية لبقاء النظام اطول فترة ممكنة .
وفي ظل هذه الظروف التي نتجت عن اهدار المال العام بافراط لن يستطيع نظام الانقاذ ان يفي بالتزاماته المالية تجاه البنك الدولي, وهذا ما حدث بالفعل لوصول الازمة المالية اعلي معدلاتها , وبالتالي انقطعت العلاقة بينهما للعجز عن السداد في منتصف تسعينيات القرن الماضي, وبالرغم من ذلك حاولت الانقاذ مرة اخري , ولكن بتخطيط محكم هذه المرة لتسليم امر مشروع الجزيرة برمته الي البنك الدولي , وذلك بأن اوصت في تقرير لها للبنك الدولي بقيام شركة مساهمة تؤول لها ممتلكات مشروع الجزيرة , وهذا التقرير جاء للبنك الدولي علي طبق من ذهب ليسرع في اغتنام هذه الفرصة التي لن تتكرر , وشرع البنك الدولي فورا في تنفيذ مخطط الانقاذ ولخصه في تقرير عام 2000 عرف ب(السودان خيارات التنمية المستدامة مشروع الجزيرة ), وهو عنوان يتناقض مع واقعه لعدة اسباب اهمها ان سياسة البنك الدولي ليس لها اي خيارات فهي تماثل عقود الاذعان كما نسميها في القانون لانها تعمل من اجل الوصول الي الهدف وصيانته لصالح الطرف المستفيد , وهي ما تلبي اهم رغبات نظام الانقاذ الذي من اهم اهدافه قيام شركة مساهمة يؤول لها مشروع الجزيرة بناء علي رغبة التقرير الذي ذكرناه , فالنظام لجأ بنفسه الي الصندوق الدولي بأسستباع حيلة ماكرة بالرغم من انها لا تتفق مع مقاصدهم بحسب الشعارات التي يرفعونها, ولكن تحقيقا لرغباتهم بالطرق المشروعة وغير المشروعة, ولتمكين الرأسمالية الطفيلية الاسلامية في سبيل انجاز اكبر عملية لافقار الشعوب السودانية المغلوب علي امرها .
لست ضد الخصخصة كألية المقصود بها تطوير الاقتصاد, ولكن مشروع الخصخصة بمفهوم الجبهة الاسلامية هو مشروع لاذلال الشعوب السودانية المغلوب علي امرها , وثمة ملاحظة اخري ابديها تضمنها تقرير البنك الدولي في العام 2000 الذي بين بوضوح جشعه واطماعه المتكررة تجاه مشروع الجزيرة وهو يحثه بالاسراع في تنفيذ التحولات المقترحة بشأن المشروع في اقرب وقت ممكن, لأن السياسة وتوازناتها في بلد مثل السودان غير ثابتة , وبالتالي هذه النقطة توضح ان البنك الدولي يخشي زوال هذه النظام القمعي واحلال نظام ديمقراطي سيكون حجر عثرة امام تحقيق طوحاته التي لن يحققها الا عبر الانظمة القمعية , فمشروع الجزيرة وكما اشرنا ومرورا بكل الحقب التي حكمت البلاد يوضح انه (صيد ثمين) جدا للبنك الدولي لن يتمكن من نيل مبتغاه الا عبر الانظمة الشمولية , وفي عهد نظام الانقاذ تمت خصخصة اعداد مقدرة من المؤسسات الاقتصادية امتثالا لتوجهات البنك الدولي و لصالح تمكين الرأسمالية الطفيلية, وبالتالي لن يستطيع ايلا ان ينقذ مشروع الجزيرة علي نحو ما يريد ابناء الجزيرة اصحاب (الوجع) الحقيقيين, بل سيساهم كمفعول به للاستمرار قدما في تنفيذ مخطط الجبهة الاسلامية ورغبتها بخصصة احد اكبر دعامات الاقتصاد السوداني, وليس رغبة الشعوب السودانية المغلوب علي امرها او ابناء الجزيرة علي وجه الخصوص التي تقف بشدة ضد قرار الخصخصة الفاشل بشهادة الوالي الاسبق الزبير بشير طه.
فالسودان غني بموارده الغنية لو احسن توظيفها لقفز الي صدارة الدول الغنية كما توقع له الخبراء منذ قديم الزمان بأن يصبح سلة غذاء العالم, ولكن في ظل الاوضاع الراهنة التي فرضها نظام الجبهة الاسلامية بمغامراته السياسية لا تشجع علي التطور او الاستثمار وتنمية الاقتصاد الوطني ,فبالارقام الان رؤس الاموال الوطنية في الخارج لو عادت الي الوطن فهي كفيلة بأستعدال الوضع الاقتصادي المائل في زمن وجيز جدا , ولكن الوضع الراهن لا يطمئنهم ابدا, فبالارقام استثمار رؤوس الاموال السودانية في الخارج وفي دول بالتحديد مثل تشاد الصين والامارات وجنوب السودان وغرب افريقيا واثيوبيا التي يأتي حجم الاستثمار السوداني فيها في المرتبة الثانية كتأكيد ما ذهبنا اليه ليغني عن المجادلات في شيئ , ولكن هل ينجح ايلا في تحقيق احلام الحزب الذي يمثله الذي يري الحل في خصخصة مشروع الجزيرة وتحقيق هذا الحلم عبر كما اشار احد قيادات الانقاذ بأن ايلا هو كرتهم الاخير , ام ينحاز ايلا لصفوف المزارعين البسطاء مخالفا اوامر اولياء نعمته؟ فالايام القادمات هي ما ستسفر بالنتيجة التي لا تحتاج الي اجتهادات