الخرطوم: حسن عبد الحميد
الحديث الذي أدلى به والي الخرطوم الفريق أول عبد الرحيم محمد حسين، وتأكيده بأنه سينتهج نهجاً وسيقتدي بسيرة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه، أمر يثير الارتياح ويبعث على الرضا والقبول من عامة المسلمين باعتبار أن الفاروق رضي الله عنه كان مثالاً للعدل والحزم والشدة في الحق مع العطف على الرعية ورعاية المصالح العامة دون تقصير ولا تأخير.. الشاهد أن الجنرال عبد الرحيم عاد وأكد أمس الأول أنهم يهدفون عبادة الله من خلال خدمة مواطني الولاية. هو في هذا يبدو كمن يطمح إلى إرساء العدالة، ثم من بعد ذلك يذهب لينام تحت شجرة الفاروق الذي حكم فعدل فنام قرير العين هانئيها.
وبتطبيق المعايير (العمرية) على ولاية الخرطوم؛ نحاول أن نجيب على سؤال يتردد في أذهان العامة ويجول بخاطر المثقفين على السواء، ومفاده كيف يستطيع الفريق ركن مهندس عبد الرحيم محمد حسين والي ولاية الخرطوم تطبيق سيرة عمر بن الخطاب على واقع ولاية الخرطوم في عهده؟ خاصة وأنه جاء بعد فترة ازدحمت بدعاوى الفساد في الولاية؛ بعضه اعترفت به الأجهزة و(تحللت) منه، وبعضه لا يزال يراوح بين المكابرة وتضيع حقوق العباد؛ هذا ما أشارت له الصحافة فقط بقدر ما استطاعت أن تصل إليه ووجد الطريق سالكاً للنشر، وما خفي أعظم.
أبرز ما نصادفه في سيرة الفاروق عمر رضي الله عنه حرصه التام على عدم توليه أي من أقاربه في الولايات العامة والمراكز العليا في الدولة في عهده، وإذا أراد السيد الوالي أن يسير بهذا النهج؛ يلزمه نفض ملفات كبيرة ومراجعة مسائل كثيرة حول تولية (البعض) لمحاسيبهم وأقاربهم وأصدقائهم ومعارفهم في المراكز العليا والمناصب الحساسة في الولاية دون كفاءة مشهودة ولا شهادات تسند هذا التصرف، والسير في هذا السبيل يستوجب على السيد الوالي مراجعات شاملة لكل الوظائف العليا في الولاية؛ ثم تتبع (شجرة) عائلة المسؤولين الكبار؛ ليقف على مدى تغلغل الأقرباء والأصهار في مفاصل الولاية ومراكزها الحساسة، الراجح أن أيما لجنة تُشكل للنظر في هذا الأمر ستجد العجب العجاب مما خفي وتراكم خلال سنوات بناء الدولة العميقة.
وإذا مضينا خطوات أخرى نستشرف سيرة الفاروق رضي الله عنه لنضعها موضع التأسي ومحل القدوة؛ نصادف أنه كان شديد الحساسية تجاه المال العام، وكان حريصاً على أخذه من مصادره الصحيحة وصرفه على وجوهه التي حددها الشرع الحنيف، وفي الدولة المعاصرة تتعدد مصادر المال العام؛ لكن كثيراً من الممارسات المتعلقة بالمال وموارد الدولة في زماننا هذا قد لا تلتزم القانون في تحصيلها ولا تتقيد باللوائح في جبايتها، ومن حسن الحظ أن عهد الوالي قد توافق مع بداية مشروع التحصيل الإلكتروني الذي تشرف عليه وزارة المالية الاتحادية بحزم شديد قطعاً لدابر كل فساد في هذا الباب، ولكن سد باب التحصيل غير القانوني قد لا يقف عند هذا الحد، فهناك أبواب كثيرة يسلكها البعض ويعرفها (الخبراء) نأمل أن يتم سدها جميعها حتى يرتاح المواطن من (عقلية) الجباية هذه.
أما صرف هذه الأموال في وجوهها الصحيحة فيقتضي سد الباب أمام كل مظاهر الصرف البذخي على كل مستويات الولاية، وسد الطريق أمام البعض الذين يريدون أن يتسللوا عبر هذه البرامج (الوهمية) لتنتفخ جيوبهم المتخمة التي لا تشبع من المال مقابل المواطن المطحون الذي لا يجد احتياجاته الضرورية.. وهذا باب واسع، نشير لطرف منه فقط، وإلا فهذا كلام له كلام، وأنت (يوسف) هذه الأحلام.
وأخيراً، وبقدر ما تسمح المساحة، فإن الفاروق رضي الله عنه لم يكن يستأثر بشيء لا يتوافر لعامة المسلمين، وقصص زهده قد سارت بها الركبان، وعندما يتصف الحاكم بالزهد؛ فلن يتطلع أحد من معاونيه ومساعديه وبطانته بل وعامة الناس للبطر والشبع والإسراف؛ فالفاروق رضي الله عنه خاطب بطنه التي سمع لها صوت من الجوع (قرقري أو لا تقرري.. فلن تشبعي حتى يشبع أطفال المسلمين)، وأطفالنا اليوم في أطراف الولاية بل ووسطها ينتظرون من حكامهم في الولاية رعاية توفر الحد الأدني من مطالبهم في الغذاء والكساء والدواء والتعليم، ولا نود بطبيعة الحال أن يعيش أطفال المسئولين في الحالة التي يعيشها معظم أطفال الولاية.. ولكن نطمع أن يرتفع أطفال الولاية إلى قريب من الحالة التي يعيشها أطفال المسئولين.
الصيحة