الاثنين، 25 أبريل 2016

غيّ القبيلة ورشدها

في أواخر التسعينات من القرن الماضي إلتقيت مصادفة بالسيد عبدالله صافي النور الذي كان قد عُيّن حديثا واليا على ولاية شمال دارفور , سألته عن أوضاع ولايته ودارفور عامة , قال لي بالحرف وما زلت أتذكّر نبرة صوته (صعبّة شديييييد, ومعقّدة ولا يحلها الاّ رب العالمين ), قلت له مجاملا , الله يكون في العون . مضى الرجل ومضيت كلّ منّا الى شأنّه , ولكن عبارته تلك ظلّت حاضرة في ذاكرتي لسبب بسيط هو أنّ الأوضاع في دارفور تفاقمت من صعبة ومعقّدة شدييييد الى مراحل أصعب وأمر , تحولت الى كارثة ومأساة إنسانية فادحة , ومؤذية لمن في جوفه ذرة ضمير إنساني . ولسوف يظل إسهام السيد صافي النور في تصعيييب وتعقيييد القضية حاضرا ؛إنْ لم يكن إسهام شخصي فعلى الأقل إسهام تنظيمي وتنفيذي وسياسي فالمسؤولية العامة لا توفّر الشخص في نفسه أو هكذا يجب أنْ تكون . تعقّدت المسألة منذ بداية القرن ببلوغها حد حرق ألآف القرى , وفرار ملايين البشر الى مظان الأمن في معسكرات النزوح واللجؤ البائسة عند أطراف المدن الكبيرة في الإقليم وفي دول الجوار , صعبت الأمور بمقتل مئات الآلاف من المواطنين السودانيين مدنيين وعسكرييين , وبشيوع حوادث الإغتصاب للنساء . وبنهوض حركات سياسية مسلّحة وجّهت سلاحها إبتداءا إلى رموز السلطة ومؤسساتها وقواتها الأمنية والعسكرية , ومن ثمّ مع تشقق الحركات نفسها وتفتتها وتناسلها , غاب عن كثير من فروعها همّ النهوض العسكري الأول , وضاع منها الخط السياسي الوطني , فانكفأ معظمها الى بطن القبيلة , وحجر العشيرة , وحمية العائلة . وفي كلّ خير للطغيان والإستبداد الجاثم على صدر الوطن يحيك تدابير وتكتيكات إفناء إنسان السودان أو على الأصح أولئك الذين يشكلون وجوه التعددية العرقية والثقافية في السودان , فالمطلوب , سودان على هيئة (الزيّ القومي المزعوم ) عمّة وشال وجلابية بيضاء مكوية , وسمرة غير داكنة , لنيل شهادة (ود بلد), ود (عرب), تمشيا مع النشيد القومي أنا طفل عربي من العراق والشام والسودان واليمن, مطلوب أنْ يقرأه طفل من المساليت فيردد دون وعيّ (أنا تفل أربي) , والعبارة مقتبسة بتصرف من مقال للمربي شاعر الشعب الراحل محجوب شريف عليه واسع الرحمات , نشرها في جريدة نفاج التي كانت تصدر عن مركز عبدالكريم ميرغني الثقافي .
   ثمّ جاء الطوفان , ولجنة التحقيق الدولية  برئاسة القاضي الإيطالي أنطونيو كاسيسي بموجب قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1564بتاريخ 18سبتمبر2004, ثم قرار الإحالة الى المحكمة الجنائية الدولية 1593بتاريخ 31مارس2005م وتصاعد الموضوع الصعب شديييد الى رأس الدولة كمطلوب للمثول أمام المحكمة وفق مذكرة توقيف صادرة عن المحكمة إياها , وكان الهدف الأساسي لكل تلك الهيلمانية الدولية هو محاربة ظاهرة الإفلات من العقاب , التي تشكّل أكبر مهدد لأي جهود تسوية سياسية وسلمية للمأساة الوطنية في دارفور , وقد أعلنت حكومة البشير بأنّ ثمّة صعوبات تحول دون ملاحقة المتهمين وأنّ الأغلبية لاذت بالفرار وأحتمت بقبائلها .الرأي العام 28/9/2005م, (أنظر , الحقيقة في دارفور , عرض وتقديم كمال الجزولي 2006) .
  ثمّ سارت المأساة سيرها المضطرد , ودخلت القوات الإفريقية والأممية , وتصاعدت موجات النزوح وحالات الإغتصاب , وأنقسم المجتمع في دارفور الى زرقة (تورا بورا) وعرب (جنجويد) , وظهر الشيخ موسى هلال كزعيم قبلي عربي , وكمسجون مبعد في بورتسودان بأمر الوالي إبراهيم سليمان ليأتي خلفه فيعيده الى مركز الصدارة , بل يتدرج الى مركز الوزارة في الخرطوم والنيابة في برلمان الإنقاذ , والطغيان عن ذاك راض والإستبداد جزلان فرحا , وجاء السيسي بعدالتة وتحريره موحّدة على إيقاع صفقة الدوحة بدولاراتها المليارية , لكن تاج الدين نيام يقول إنّها بددت ودخلت الجيوب ولم يذهب منها لغرضها سوى 200مليون دولار فقط من 2مليار فتأمل ! وتشاجر أبوقردة والسيسي على مرأى من السفراء في فندق السلام روتانا الراقي في الخرطوم , وتماوت الرزيقات والمعاليا , والمسيرية والرزيقات والسلامات والفلاتة و و و و مما لايحصى أو يعد ورأس الحيّة يتلذذ بمرأى الدم المراق , فالتمرد انتهى , ودارفور خالية من المتمردين بفضل الجنجويد ! والعمليات النوعية التي قصمت ظهره , وسمعت ولاة ولايات دارفور في برنامج مؤتمر إذاعي الجمعة التي أعقبت نهاية مسرحية الإستفتاء الإداري وعنوان الحلقة ثمّ ماذا بعد , كُلهم يقول نفس الكلام يبدو أنّ الزعيم قد أمرهم بقوله , تتمرجح الحروف عبر الأثير عن النماء والإزدهار والإستقرار والرسالة التي بعثها أهلنا في دارفور لكل المتربصين والخونة والأعداء ووووووو, ومن ضمنهم كان ضابط الأمن أنس عمر محمد والي شرق دارفور , بيد أنّ الإسبوع لم ينقض نصفه حتى جاءه الخبر اليقين من الميدان مباشرة عن الإستقرار والنماء ورسالة أهلنا في دارفور , 4قتلى من حرس منزله , وحرق البيت , ومقر جهاز الأمن , و  دارفور إنتهى فيها التمرد وهي تنعم بالأمن والإستقرار , وموجات النازحين تترى , والصراع القبلي بين العرب والعرب والزرقة والزرقة والكل ضد الكل , وتذكّرت صافي النور بتشدييييد الصعوبة , وربنا إحلّها ! ترى هل هنالك وصف لما جرى ويجري في بلادنا ؟ نحتاج الى مفردات جديدة صراحة للإقتراب من التوصيف , وقبلا نحتاج الى ثورة شاملة وتغيير جذري يزيح ركام ربع القرن من الخزي والعار لمن عاشوا وما يزالون في عهد التيه والطغيان والفساد الوطني .  
خالد فضل
التغيير

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق