جدل حادّ يدور حالياً في الأوساط السودانية بشأن حالات الإسهال المائية التي ظهرت بثلاثة ولايات سودانية بينها النيل الأزرق، والتي تشهد حرباً بين “الحركة الشعبية” قطاع الشمال، والحكومة السودانية، منذ نحو خمسة أعوام.
الحكومة السودانية، بدورها، سارعت لنفي أن تكون تلك الإسهالات ناتجة عن مرض “الكوليرا”، على الرغم من اعترافها بإصابة نحو 416 شخصاً بولاية النيل الأزرق وكسلا والنيل الأبيض بالإسهال، فضلاً عن وفاة 17 شخصاً في الولاية ذاتها، لكنها عزت الوفيات للوصول المتأخر إلى المستشفيات.
ودفعت وزراة الصحة الاتحادية بفرق طبية وفنية لولاية النيل الأزرق، والتي تحتضن العدد الأكبر من الإصابات، إذ تجاوز عدد المصابين 188 شخصاً.
بدأت أصوات سودانية باتّهام الحكومة في الخرطوم بمحاولة إخفاء المرض لحسابات سياسية
وبدأت أصوات سودانية، بعضها معارض، باتّهام الحكومة في الخرطوم بمحاولة إخفاء المرض لحسابات سياسية، مطالبة إياها بالاعتراف بأن تلك الحالات ناتجة عن الإصابة “بالكوليرا”، الأمر الذي يجب أن تعلن معه حالة الطوارئ لمحاولة السيطرة على الوباء في بداياته.
وشككت اللجنة المركزية للأطباء في صحة الأرقام الخاصة بالوفيات الناتجة عن الإسهال بولاية النيل الأزرق، قاطعة بأن عدد الوفيات تجاوز الـ99 حالة، معظمها وسط الأطفال.
واعتبر حزب الأمة المعارض، بقيادة الصادق المهدي، ما يتم في ولاية النيل الأزرق بمثابة كارثة صحية، متهماً الحكومة بالإنكار والتقليل من خطورة الموقف لأغراض سياسية، ومطالباً إياها بإعلان المنطقة منطقة كوارث وأوبئة.
وأكد الحزب، في بيانه أمس الجمعة، أن كافة التقارير التي وصلت للحزب من هناك تؤكد انتشار الإسهالات بشكل أوسع، ما يشكل تهديداً عالي الخطورة على صحة المواطن.
وأشار البيان لارتفاع حالات الوفاة بالنيل الأزرق إلى 25 حالة، فيما حمّل الحزب الحكومة مسؤولية انتشار ما سموه بـ”المرض الوبائي”، بسبب تقاعسها في التدخل السريع.
وطالب البيان منظمة الصحة العالمية، والمنظمات العاملة في مجال الصحة، بالتدخل العاجل لإنقاذ حياة المواطنين، وأكد أن الحزب سيعمل للضغط على الحكومة لتحمل مسؤولياتها.
ويرى مراقبون أن الحكومة، في أحيان كثيرة، تعمد نحو إخفاء الأوبئة بسبب تبعات الإعلان عنها سياسياً واقتصادياً ودولياً، وفي أحيان كثيرة تلجأ الحكومة لمنع الصحافة المحلية من تناول قضايا تتعلق بانتشار الأوبئة، إذ تعد تلك المواضيع ضمن الخطوط الحمراء التي تمس بالأمن القومي.
في هذا السياق، يقول المحلل السياسي، ماهر أبو الجوخ: “تلجأ الدولة أحياناً لعدم الإعلان عن بعض الأوبئة لارتباط الخطوة بقوانين وإجراءات دولية في مجال الصحة”، وأوضح: “نظراً لأن الكوليرا من الأمراض المعدية؛ فإن إجراءات احترازية كثيرة تتم من قبل الجهات الدولية، تشمل الإنسان والحيوان والزراعة”.
وأضاف أنّ “قرار رفع الحظر، في حال الإعلان عن الوباء، وإعلان تجاوز الدولة المعينة للمرض؛ يحتاج فترة طويلة قد تصل إلى عام، بخلاف تأثيراته على حركة السياحة والاستثمار”.
وفيما يتصل بولاية النيل الأزرق؛ يرى أبو الجوخ أن الأمر معقد، باعتبارها منطقة “يدور فيها نزاع مسلح، وهناك جدل كثيف بشأن إيصال المساعدات إليها بين الحكومة والحركة الشعبية، وبالتالي تخشى الحكومة أنّ أي إعلان عن وباء أو خلافه سيؤثر على موقفها التفاوضي بشان المساعدات.
أما الخبير السياسي، محجوب محمد صالح، فيرى أن محاولة الحكومة إخفاء أي من الأوبئة عائدٌ لخشيتها من أن يثير الإعلان الهلع وسط المواطنين، فضلاً عن خوفها من تحميلها المسؤولية، وإثارة تحركات سياسية ضدها.
ويرى صالح أن “من الخلل السياسي الجنوح نحو الإخفاء، لما له من نتائج عكسية تفاقم من الوضع الصحي للأهالي”.
العربي الجديد
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق