عادل إبراهيم حمد
(موسفيني في الخرطوم) خبر ليس في مستوى إثارة (السادات في القدس) أو أوباما في هافانا -إذا حدث- لكن من المؤكد أن زيارة الرئيس الأوغندي إلى السودان تحمل الكثير من أسباب الإثارة وبواعث التساؤل. فقد ارتبط اسم رئيس أوغندا بقضايا كثيرة ذات صلة مباشرة أو غير مباشرة بالسودان. فما أن يُذكر اسم موسفيني حتى تتزاحم في الخاطر عناوين مثل حرب الجنوب والحركة الشعبية وجون قرنق وجيش الرب والمعارضة السودانية والفجر الجديد والجنائية الدولية ودولة التوتسي وحرب الكونغو وقوات حفظ السلام في الصومال ووكلاء أميركا في المنطقة.
لن تسقط كل هذه العناوين لمجرد أن الجنوب قد انفصل وأن موسفيني قد فقد أحد أهم (كروت) الضغط على السودان بدعم حركة متمردة تنهك الحكومة المركزية. هذا الواقع الجديد لن يبدل مواقف موسفيني بين يوم وليلة. وقطعاً فقد قدم رئيس أوغندا إلى الخرطوم وفي النفس رواسب من علاقة طويلة من التوتر. فما الذي أجبر موسفيني على زيارة عاصمة لا يرى فيها خيراً. والجلوس إلى رئيس ما زال لا يأمن شر جاره السابق؟
قطعاً لن يكون السبب هو البحث في وسائل تخفيف عبء الديون على السودان، كما جاء في البيان المشترك الصادر في ختام الزيارة. فأوغندا ليست من الدول المانحة التي تمنح وتعفي وتجدول الديون، ولا تملك ما تضغط به من أجل تخفيف ديون السودان، كما لن تكون الثقافة الإفريقية التي دعا البيان إلى المحافظة عليها هي هدف زيارة موسفيني إلى الخرطوم. إذن فلنبحث عن أسباب أخرى:
لم يأت موسفيني إلى دولة يبغضها إلا مضطراً، وليس من أمر مزعج لموسفيني مثل جيش الرب، ثم الوضع في جنوب السودان، وكلاهما يملك السودان فيهما خيوطاً مهمة.. فيما يتعلق بجيش الرب فقد أصبح هدفاً لجهات كثيرة بعد أن اعتبر منظمة إرهابية، وبما أن القضاء على هذا الجيش المزعج لجهات عديدة لا يتم إلا بتعاون سوداني؛ جاء موسفيني إلى الخرطوم مكرهاً. أما دولة جنوب السودان التي ظن موسفيني وغيره بحسابات خاطئة أنها سوف تصبح حليفاً إفريقياً خالصاً يعادي السودان بسبب وبغير سبب. فقد أصبح -شعبياً- يلوذ بالسودان عبر حدود تمتد على مسافة ألفين ومائتي كيلومتر. ولا يستغني -رسمياً- عن عون سوداني لحل مشكلات الفرقاء المتخاصمين.
لا بد من وقفة عند خصوصية العلاقة بين السودان ودولة جنوب السودان حتى بعد انفصال الأخير، وهي الخصوصية التي جعلت موسفيني يدرك متأخراً ألا استغناء عن السودان في كل ما يخص الجنوب.. هي تجربة تؤكد أن العلاقة لا تبنى على أساس تشابه وتقارب عرقي، كما راهن بعض الأفارقة أمثال كاوندا وموسفيني، وأن مصالح وثقافات وجغرافيا ترسم أسباباً أخرى للتواصل. ولن تكون الحدود السياسية الجديدة حاجزاً يمنع انسياب المنافع والمصالح والأغاني واللغة. فلن تحول الحدود دون تنقل الرعاة ولا تحجز نقل البضائع، ولا سفر العمال بين البلدين، ولن ينسى شعب جنوب السودان لمجرد رسم حدود جديدة اللغة العربية التي تتخاطب بها قبائل الجنوب المختلفة التي يتعذر عليها التواصل لغوياً باللهجات المحلية. ولن ينسى الجنوبيون بين يوم وليلة الهلال والمريخ اللذين لعبا يوماً في افتتاح جامعة جوبا، وخرجت يومها جماهير الجنوب تستقبل عملاقي الكرة السودانية استقبالاً شعبيا كبيراً.. ولقد سافر يوماً مشجعو المريخ باللواري من جوبا إلى كمبالا بلد موسفيني لتشجيع المريخ ضد كمبالا سيتي، وعندما طلب من رياضيي الجنوب أن يختاروا عاصمة تلعب فيها فرقهم المشاركة في المنافسات الإفريقية لحين إعداد ملاعب جوبا اختار الجنوبيون الخرطوم بلا تردد، وفيها وجدت فرقهم تشجيعاً داوياً من الجماهير السودانية.
الأمر ليس كما ظن موسفيني، وعله وعى الدرس متأخراً.
العرب
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق